ترجمة وإعداد شفق نيوز/ ما من تاريخ واضح في حياة البشرية يكشف متى بدأ الإنسان باستخدام الأنفاق لأغراض قتالية، إلا أنه من المعتقد ان الانفاق بدأ استعمالها لدى العصور القديمة من جانب الاشوريين في العراق ثم من قبل الرومان والفرس، فضلاً عن "غزوة الخندق" لدى التأريخ الإسلامي، وصولا الى تطور الاعتماد على الأنفاق في الحرب العالمية الأولى وحروب فيتنام واليابان وكوريا.

 

وبرغم أن الخبراء العسكريين يصنفون ميادين الحروب بأنها ثلاثة، وهي البرية والبحرية والجوية، والتي يمكن استخدامها في خوض معركة عسكرية من اجل تحقيق اهداف سياسية ضد العدو، إلا أن هناك كثيرين بدأوا يدعون الى تحديد ميدان رابع هو الانفاق التي كان يجري تجاهلها كثيرا في نقاشات الاستراتيجيات العسكرية، برغم انها كانت وسيلة مستخدمة منذ آلاف السنين لخداع العدو وتحقيق الانتصارات. 

وقد أظهرت حرب غزة الجارية الحالية مدى أهمية الأنفاق في خوض المعارك وارباك العدو.

تحول المعركة لصالح الاضعف

يقول "معهد هادسون" الأمريكي، في تقرير له ترجمته وكالة شفق نيوز، إنه "مقارنة بانظمة الاسلحة الاكثر تطورا المستخدمة اليوم، فان الانفاق صمدت امام اختبار الازمنة". 

ويوضح "معهد هادسون"، أنه "على مدى قرون، اتاحت الانفاق للوحدات العسكرية بالاقتراب من اعدائها من دون ان يتم اكتشافها، وساعدت المقاتلين الاضعف على تحويل ساحة المعركة لصالحهم".

ويعتبر المعهد الامريكي انه "لا توجد طريقة لمعرفة المدة التي ستستمر فيها الطائرات المسيرة او الليزر او انظمة الدفاع المضادة للصواريخ، إلا أنه ما دامت هناك حرب، فمن المؤكد ان الانفاق ستكون جزءا من المعركة". 

الاتفاق لدى الاشوريين والرومان والفرس

ومن المعتقد ان الانفاق استعملت في العصور القديمة، وخصوصا في عهد المملكة الآشورية في العراق ومن جانب الرومان والفرس حيث كانوا يحفرون تحت القلاع والحصون بالتسلل من أجل اقتحامها، كما ان الانفاق استخدمت خلال الحروب بين الجيش الروماني وبين قبائل باتافي الجرمانية المتمردة على روما والتي اعتمدت أسلوب حرب العصابات ضد القوات النظامية. 

وتظهر المنحوتات الآشورية التي تعود إلى أكثر من 4 آلاف سنة، عمليات حفر أنفاق، حيث تقوم وحدات هندسية تابعة للملك سرجون الأكادي الذي حكم 2334-2279 قبل الميلاد، بالعمل على هدم أسوار مدن العدو. 

ويقول "معهد أبحاث السياسة الخارجية" الأمريكي أنه على الرغم من أن إلياذة هوميروس لا تتضمن على أي ذكر لمثل هذه الأنشطة، إلا أن الأدلة الأثرية من الحفريات في طروادة تظهر عددا من الممرات تحت الأرض التي تمر أسفل أسوار المدينة، والتي ربما كانت جزءًا من الحصار. 

ورأى التقرير الأمريكي، أن الرومان غالبا ما استخدموا عمليات حفر الأنفاق في فتوحاتهم، وكانت سمعتهم كمهندسين كبيرة لدرجة أن رؤية الأرض المحفورة حديثا والتي قد تشير الى وجود حفر الأنفاق كانت كافية لدفع الخصم على الاستسلام قبل انهيار مدينتهم وتعرضها الى النهب من قبل الرومان.  

وبحسب المعهد الامريكي فانه "تقليديا، تم استخدام الأنفاق في الغالب كوسيلة للاقتراب من المواقع المحصنة وتهديدها، حيث انها ربما كانت تكون قوة حصار قد بدأت عمليات حفر الأنفاق على أمل تجاوز جدران التحصين، وشن هجوم مباشر على الداخل، محققة المفاجأة بالظهور المفاجئ للمحاربين في منطقة كانت تعتبر في السابق محصنة ضد الهجوم".

ويضيف المعهد أن "الأكثر شيوعا هو الجهد الذي كان يبذل من أجل فتح مساحة تحت الجدران أو الأبراج الواقية، وهي عملية يطلق عليها الاستغناء، حيث يقوم الحفارون للإنفاق بتدعيم اساسات المنطقة المستهدفة بألواح خشبية جافة، ويتم إشعال الخشب، مما يتسبب في انهيار الجدار غير المدعم، ثم بعد ذلك يجري اقتحام الخرق الناتج من قبل المقاتلين، الذين يأملون في التدفق عبر هذه الثغرة والتغلب على المدافعين قبل سد الفجوة". 

وبحسب ما يقول "معهد هادسون" الأمريكي، فقد ادى حصار الامبراطورية الفارسية لمدينة دورا أوروبوس الرومانية في العام 256  إلى تطور جديد اخر: عندما اصطدمت الجيوش الفارسية التي كانت تحفر أنفاقا تحت أسوار المدينة بنفق روماني مضاد، ملأه بغاز سام مصنوع من القار والكبريت لخنق الجنود في الداخل، وهو ما يمثل أول استخدام معروف لحرب الغاز، فيما استمر فن حفر الأنفاق والانفاق المضادة طوال العصور الوسطى. 

الانفاق في التاريخ الاسلامي

وفي التاريخ الإسلامي، يمكن العودة إلى "غزوة الخندق" والتي يطلق عليها احيانا "غزوة الأحزاب" والتي وقعت في العام الخامس للهجرة، أي في العام 627 ميلادي، عندما اجتمعت مجموعة من القبائل من أجل غزو المدينة المنورة بهدف القضاء على الدولة الاسلامية الناشئة، حيث تقول الرواية الإسلامية أن قبيلة يهودية (بنو النضير) هي التي حرضت القبائل ضد النبي محمد الذي قرر حفر خندق الى الشمال من المدينة لمنع تقدم مقاتلي القبائل من التقدم نحوها، ما أفشل الهجوم. 

واصبحت الانفاق السلاح الدفاعي الأكثر اهمية للجماعات المسلحة وحتى الجيوش، وهي استخدمت خلال الحرب الأهلية الاميركية قبل نحو 150 سنة، بينما كان الاعتماد عليها على نطاق واسع، في الحرب العالمية الأولى. وقد تطورت الفكرة من حفر الانفاق من اجل التسلل، الى حماية المناطق من الهجمات، وحماية المقاتلين من قنابل الطائرات والمدفعية.

حروب فيتنام واليابان 

وكان للانفاق أدوار كبيرة خلال حرب فيتنام حيث استخدمها مقاتلو "الفيتكونغ" قصار القامة مما اضطر الجيش الامريكي وقبله الجيش الفرنسي الى تشكيل فرق متخصصة لحروب الانفاق تضم جنودا قصيري القامة وسريعي الحركة، واطلق على هؤلاء الجنود اسم "فئران الانفاق". 

وتطور استخدام الانفاق خلال الحرب العالمية الثانية مع تطور قدرات القصف والطيران الحربي، بما يوفر حماية اكبر للجنود على خطوط الجبهات، واستخدامها بكفاءة المقاومون الصينيون بوجه الاحتلال الياباني لاراضيهم، فيما كان اليابانيون يردون باغراق الانفاق بالمياه او الغازات السامة. 

الا ان من عاناه اليابانيون بسبب الانفاق الصينية خلال احتلالهم القصير للصين، عادوا واستخدموه بانفسهم ضد القوات الاميركية الغازية لجزيرتهم خلال الحرب العالمية الثانية، كما جرى خصوصا في معركتي جزيرة بيليليو وايوجيما، ثم طوروا تقنية هندسة الانفاق بتحويل جبل باكمله، هو جبل سوريباتشي الى معقل كامل من الانفاق المدعمة لمحاربة القوات الأمريكية. 

المقاومة اللبنانية وغزة 

استخدمت المقاومة في لبنان الانفاق في فترة الاحتلال الاسرائيلي للبنان، حيث اقامت الانفاق في منطقة اقليم التفاح لمواجهة المواقع العسكرية الاسرائيلية على سفوح الجبال. 

وليس من قبيل المبالغة القول بان الأنفاق المقامة تحت قطاع غزة، هي الشريان الذي مكن الفلسطينيين من الصمود طوال اكثر من شهرين في وجه امام الهجوم العسكرية المدمر الذي يقوم به الجيش الاسرائيلي حيث تشير التقديرات إلى أنه القى على غزة من متفجرات ما يعادل من أكثر من قنبلتين نوويتين كالتي ألقيت على اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية. 

من المعلوم ان قطاع غزة محاصر بشكل كامل منذ نحو 17 سنة، وموارد الحياة فيه شبه ممنوعة، حيث لا مطار ولا موانئ ولا معابر تربط القطاع الفلسطيني بأي أرض عربية، بما في ذلك رفح الذي يسيطر الإسرائيليون على كل ما يدخل عبره ويخضع لتفتيشهم. 

الا ان الحاجة الاخرى الملحة التي فرضت نزول الفلسطينيين تحت الارض، انهم كانوا عرضة متواصلة للهجمات الاسرائيلية في العقدين الماضيين، بما في ذلك عمليات عسكرية من بينها "الرصاص المصبوب" (2008)، وعدوان "عمود السحاب" (2012)، وعدوان "الجرف الصامد" (2014)، و"حارس الاسوار" (2021) و"الفجر الصادق" (2022). 

ومن المعتقد ان الانفاق الفلسطينية تطورت مع الوقت، وصارت تتضمن ممرات واسعة، وأسقف عالية نسبيا، وحجرات مخصصة لأغراض مختلفة كقيادة العمليات والمراقبة وتخزين الاسلحة والمواد الغذائية والمياه ومضافات لراحة المقاتلين، والاهم انه صار لها في أحيان كثيرة، تفرعات متعددة تقود باتجاهات مختلفة، بالاضافة الى مواقع مخصصة لإطلاق الصواريخ التي استهدفت المستوطنات الإسرائيلية والمواقع العسكرية كالقواعد والمطارات وغيرها. 

كما ان هناك تقديرات بأن هذه الشبكة تضم 1300 نفق يبلغ طولها حوالي 500 كيلومتر فيما يصل عمق بعض الانفاق الى 70 مترا تحت الأرض فيما تشير تقارير إلى أن معظم هذه الأنفاق يبلغ ارتفاعها مترين فقط وعرضها مترين.

وذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" مؤخرا أن شبكة الأنفاق في غزة، تعتبر أكبر من شبكة قطار أنفاق لندن، وهي محصنة ضد طائرة الاستطلاع الاسرائيلية والضربات الجوية الأخرى. 

ترجمة وإعداد وكالة شفق نيوز

المصدر: شفق نيوز

كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية الكورد الفيليون الكورد الفيليون خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير الكورد الفيليون مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي الانفاق تاريخ الحروب الحرب العالمیة ان الانفاق الأنفاق فی إلا أن

إقرأ أيضاً:

التقرير الاقتصادي الفصلي لبنك عوده: تعدّد التحدّيات الاقتصاديّة التي تواجه العهد الجديد

صدر التقرير الاقتصادي لبنك عوده عن الفصل الأول من العام 2025 بعنوان "تعدّد التحدّيات الاقتصاديّة التي تواجه العهد الجديد"، والذي جاء فيه أنّ الأشهر القليلة الأولى من العام 2025 شهدت تطورات سياسية واعدة، بدءاً بالانتخابات الرئاسية إلى تكليف رئيس الحكومة وصولاً إلى تأليف حكومة من ذوي الكفاءات تضمنت عدداً من الشخصيات المرموقة. لقد توافد إلى لبنان خلال الأشهر الثلاث الماضية عدد من الشخصيات الأجنبية الرفيعة المستوى وقد يكون على مشارف الحصول على المساعدة والدعم الدوليين في حال استطاع الإفادة من الفرصة التاريخية السانحة. هذا وقد أعاد المستثمرون العرب والأجانب وضع لبنان ضمن اهتماماتهم، فيما أعلن البعض عن جهوزيته للاستثمار في البلاد.

لقد ترك هذا الخرق السياسي وقعاً إيجابياً على الأسواق المالية اللبنانية. إذ شهدت سوق تداول العملات تحويلات من العملات الأجنبية إلى الليرة اللبنانية، ما ساهم في تعزيز احتياطيات مصرف لبنان من النقد الأجنبي بنحو 936 مليون دولار منذ بداية العام الحالي، بحيث عوّض عن الخسائر التي تكبدّها المركزي خلال الحرب الشاملة، لتبلغ زهاء 11.1 مليار دولار منتصف نيسان 2025. لقد قفزت أسعار سندات اليوروبوندز اللبنانية بنسبة 167% خلال الأشهر الستة الماضية، من 6 سنت للدولار الواحد في أيلول إلى 9 سنت في 27 تشرين الثاني (تاريخ وقف إطلاق النار) إلى زهاء 16 سنت في يومنا هذا. إنّ هذه الفورة في أسعار اليوروبوندز إنما جاءت وسط رهان بأن الخروقات السياسية الأخيرة على الساحة المحلية ستمهّد الطريق أمام تطبيق الإصلاحات التي طال انتظارها، والتوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، وإعادة هيكلة الدين والقيام بمباحثات بنّاءة مع حاملي السندات. كذلك، سجّلت سوق الأسهم قفزة في الأسعار منذ إعلان وقف إطلاق النار، إلا أنّ أحجام التداول بقيت خجولة، حيث بلغ المتوسط اليومي لقيمة التداول الاسمية زهاء 1.8 مليون دولار منذ 27 تشرين الثاني 2024 داخل سوق تفتقر إلى السيولة والفعالية.

إنّ تغيّر النظام في سوريا يوفّر فرصةً ليس فقط للجمهورية العربية السورية ولكن أيضاً للمنطقة بشكل عام. فتحقيق الاستقرار في سوريا من شأنه أن يعود بالمنفعة على البلدان المحيطة، ولا سيما على لبنان. إذ سيزيد من إمكان التبادل التجاري وسيخفّض الضغوطات الناجمة عن تواجد عدد كبير من اللاجئين. وعلى العكس من ذلك، إنّ استمرار حال عدم الاستقرار من شأنه أن يسفر عن تفاقم المشاكل كالتجارة غير المشروعة، ويؤدي إلى تعاظم المخاطر الأمنية في المنطقة. هذا وإن إعادة فتح المعابر وخطوط النقل من شأنه أن يترك على الفور أثراً إيجابياً على التجارة والناتج المحلي.

إنّ احتمال السيناريو الإيجابي أصبح أكثر إمكانية في لبنان في المدى المنظور. ويفترض السيناريو الإيجابي استمرار وقف إطلاق النار، وإطلاق جهود واسعة النطاق لإعادة الإعمار، وإطلاق الإصلاحات التي طال انتظارها، والتوصل إلى اتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي من شأنه أن يؤمن الدعم الدولي. ففي حال تحققت الظروف المؤاتية لمثل هذا السيناريو، سيترفع النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي إلى زهاء 8%، وسيتراجع التضخم إلى المستويات العالمية، وستتعزز احتياطيات مصرف لبنان بشكل كبير وسيعود ميزان المدفوعات إلى تسجيل فائض أقله 4 مليار دولار. أما السيناريو الآخر فيفترض أن يستمر وقف إطلاق النار خلال العام 2025، ولكن في ظل استمرار التجاذبات السياسية الداخلية، ما سيعيق المسار الإصلاحي. وفق هذا السيناريو، سيقارب النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي 2%، وستبقى احتياطيات مصرف لبنان ثابتة وسيكون ميزان المدفوعات في شبه توازن. وفق هذا المنظور الماكرو-اقتصادي، تفرض الحاجة لاستعادة الثقة تحدياً على السلطات السياسية في الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، وملء الفراغات المؤسساتية بأسرع ما يمكن، واستعادة الدولة وجيشها لهيبتها ودورها، والتوافق على حلول لجميع المسائل العالقة، وإرسال الإشارات الصحيحة لمجتمع الأعمال والاستثمار بشكل عام. هذا ويبقى تحدي إعادة هيكلة المصارف هو التحدي الأبرز، والذي يتمحور حول تشريع قانون إعادة الهيكلة وقانون معالجة الفجوة المالية خلال العام المقبل، وتحديداً قبل الانتخابات النيابية في أيار 2026، والتي بعدها ستتحوّل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة.

هذا وخلص التقرير إلى أنّه يجدر التوقف عند خمس تحديات اقتصادية رئيسية ذات أولوية في اعقاب الآمال الكبيرة المعقودة من قبل اللبنانيين على افاق العهد الجديد، وهي اولاً تحفيز النمو وخلق فرص العمل، حتى ينتقل الاقتصاد من وضع المراوحة إلى وضع النهوض في جميع قطاعات النشاط الاقتصادي، ثانياً خفض العجز الخارجي مع استمرار الاختلالات الخارجية بشكل بارز، ثالثاً التصويب النقدي اللازم وتعزيز الاحتياطيات بالعملات، رابعاً تصحيح المالية العامة التي تمثل نقطة ضعف مستمرة للاقتصاد اللبناني في الوقت الحاضر رغم التحسن النسبي المسجّل مؤخراً، خامساً إعادة الهيكلة المصرفية اللازمة وسدّ الفجوة المالية. 
على مستوى القطاع الحقيقي، يعدّ تحفيز النمو وخلق فرص العمل أمرا أساسيا لتلبية المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية للبنانيين بشكل عام. فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 38% منذ اندلاع الأزمة في العام 2019. ويشير التحليل الدقيق لمتطلبات القطاع الحقيقي والمالي إلى أن تحفيز النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي أمر ممكن من الناحية التقنية في المدى المنظور، ولكنه يتطلب بيئة سياسية داعمة وإطلاق إصلاحات هيكلية من شأنها أن تساعد على تحفيز الطلب على السلع والخدمات، وتعزيز الميزات التنافسية للاقتصاد اللبناني إلى جانب تعزيز عامل الثقة بشكل عام. فإذا عاد عامل الثقة الشامل وسط تسويات سياسية محلية وجهود الإصلاح، فسيكون هناك امكانية للناتج المحلي الإجمالي في لبنان لاستعادة مستوى ما قبل الأزمة في غضون نصف عقد تقريبا، وبالتالي تسجيل نمو إيجابي في الناتج المحلي الحقيقي لعدد من السنوات، مع ما يلحق ذلك من تأثير طبيعي على دخل الفرد والظروف الاجتماعية والاقتصادية بشكل عام. إن شروط هذا التعافي المأمول تكمن بالتأكيد على الإرادة السياسية الداخلية خلال العهد الجديد، وإرساء مناخ تسووي داخلي، وإعطاء الأولوية للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وأجندة إصلاح جذرية، وصحوة ضمير لدى العملاء الاقتصاديين المعنيين بشكل عام. والمفتاح هنا هو تحفيز الطلب الخاص، وخاصة الاستثمارات الخاصة، علماً أن الاستثمار له الأثر الأكبر على النمو من خلال التأثير المضاعف للاستثمار. ويحتاج لبنان إلى رفع نسبة الاستثمار الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً انطلاقاً من أدنى مستوى له منذ 30 عاماً والذي يقل عن 10% اليوم. ومن شأن نمو الاستثمار أن يعزز عامل العمالة في النمو الذي يدعو إلى خلق فرص عمل لاستيعاب أكثر من 30 ألف لبناني ينضمون إلى القوى العاملة كل عام. وهذا يبرز اليوم بين القضايا الملحة، علماً أن معدل البطالة تضاعف خلال نصف العقد الماضي ليتجاوز 30%. ويتطلب تحفيز الاستثمار الخاص تحسين بيئة الأعمال من خلال خفض التكاليف التشغيلية، وتحسين سهولة ممارسة الأعمال في لبنان، إضافة الى الاستقرار السياسي والأمني المنشود.
وعلى المستوى الخارجي، فإن نموذج مواصلة العجز التجاري الكبير الذي يعتمد على التدفقات المالية الكبيرة ليس مستداماً. والأولوية هنا هي إعادة تحفيز حركة الرساميل الوافدة وخفض الواردات وتعزيز الصادرات. ومن الضروري أن تتخذ الدولة تدابير من شأنها تعزيز الإنتاج المحلي على حساب الواردات، أي تحفيز السلع البديلة للاستيراد والمنتجات الموجهة للتصدير في محاولة لتقليص العجز التجاري في لبنان. ومن المهم في هذا السياق تحسين وتوسيع نطاق برامج دعم الصادرات الحالية وإدخال برامج تحفيز جديدة تستهدف القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. ويعتمد تشجيع الإنتاج المحلي على رفع بعض الرسوم الجمركية لحماية المنتج المحلي، وإعطاء حوافز ضريبية للمنتجين المحليين، وتسويق الإنتاج المحلي في الخارج.
وعلى المستوى النقدي، هناك حاجة إلى استقرار نقدي جذري لتحقيق التعافي الاقتصادي الشامل. هناك حاجة لتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان من خلال اللجوء إلى المساعدات الخارجية. فلسد الفجوة واستعادة الثقة، يتعين على البلاد أن تلجأ إلى الدعم الخارجي المأمول. المطلوب هو تأمين تمويل من صندوق النقد الدولي كشرط أساسي لانخراط الجهات المانحة الأخرى، نظراً لإلحاح الجهات المانحة على وجود جهة رقابية دولية لتطبيق الإصلاحات في لبنان. 
وعلى مستوى القطاع العام، يشكل التصحيح المالي أهمية بالغة. فلا يستطيع لبنان الحفاظ على استقراره النقدي الذي تحقق خلال العامين الماضيين دون إجراء إصلاحات جذرية في القطاع العام. وليس أمام الدولة خيار سوى خفض احتياجاتها التمويلية المالية في المستقبل. ويجب أن يأتي التصحيح المالي من خلال التقشف في الإنفاق، وتحسين تعبئة الموارد، وسد فجوة التهرب الضرائبي، وإصلاح قطاع الكهرباء. على صعيد الإيرادات، فإن المطلوب هو تعزيز تعبئة الموارد، بمجرد أن تبدأ الحكومة العتيدة في مكافحة الفساد بجدية ليكون أي تدبير ضريبي مقبول من قبل اللبنانيين. بالتوازي مع ذلك، هناك حاجة إلى سد ما يقرب من نصف فجوة التهرب المالي، أي ما يعادل 1.0% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا على مدى فترة السنوات الست القادمة. ان نسبة الإيرادات العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ اليوم أقل من 15% في لبنان مقابل 26% في الأسواق الناشئة و40% في البلدان المتقدمة. يعني ذلك ان هناك مجال لزيادة تعبئة الموارد ببضع نقاط مئوية  لا سيما من خلال مكافحة التهرب الضريبي. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض الحاجات التمويلية وتقلص حجم الدين العام ما قد يمكن البلاد من الحفاظ على نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل من 80٪ بعد إعادة هيكلة القطاعين العام والمالي.
وعلى المستوى المصرفي، يواجه القطاع المالي أزمة ذات طبيعة نظامية، ناجمة عن السياسات العامة التي اعتمدتها الدولة بشكل رئيسي. وتتطلب الأزمات النظامية أساليب متميزة تتجاوز تلك المستخدمة في الأزمات التقليدية أو أزمات البنوك الفردية. وعلى هذا النحو، تبرز الحاجة الملحة إلى اعتماد خطة إنقاذ اقتصادية ومالية شاملة تعتمد على مقاربة نظامية للحلول، تكون مناسبة لإعادة تأسيس دور القطاع المالي باعتباره الوسيط المالي الرئيسي في البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يحد من الاقتصاد النقدي المتفاقم، وضمان خلق القيمة الاقتصادية المضافة التي تهدف إلى دعم النهضة الاقتصادية في لبنان. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة لخطة حكومية بدعم من صندوق النقد الدولي قادرة على المساعدة في إعادة بناء الثقة في القطاع المالي، وهو شرط أساسي لبدء التعافي الاقتصادي السريع في لبنان بشكل عام. وفي حين أن أي خطة يجب أن تتضمن بلا شك تضحيات من قبل القطاع المصرفي، والتي من شأنها أن تساهم في تغطية الخسائر، إلا أنها يجب أن تأخذ في الاعتبار القدرات المتاحة للقطاع المالي، بدلاً من إثقال كاهله بحلول خارجة عن القدرات الحالية والمستقبلية. إن إعادة التوازن المصرفي هي من مهام السلطات العامة، وعلى وجه الخصوص السلطتين التنفيذية والتشريعية (الحكومة والبرلمان). وينبغي أن تكون البنوك مستعدة لأن تتعاون مع الدولة التي ينبغي أن تقود بنفسها نهج إعادة الهيكلة المنشودة بشكل عام.
وختم التقرير بالقول أنّ صياغة وتنفيذ السياسات التي من شأنها أن تستجيب للحاجات الاقتصادية والاجتماعية للبنانيين وإطلاق الاصلاحات الضرورية التي طال انتظارها يمكن أن تكون قادرة على الحد من الاختلالات ومكامن الوهن في الاقتصاد اللبناني، وتوفير دعم نسبي للاستقرار النقدي، والمساعدة على ضمان الانتقال المطلوب من حقبة الوهن الاقتصادي إلى عصر التحسن التدريجي في المستوى العام للمعيشة والرفاهية بشكل عام.    

لقراءة التقرير الكامل اضغط على الرابط التالي: https://tinyurl.com/3axf5ppv

مواضيع ذات صلة الحكومة الفنزويلية: العقوبات هي "حرب اقتصادية" ومسؤولة عن المعاناة التي تواجهها البلاد Lebanon 24 الحكومة الفنزويلية: العقوبات هي "حرب اقتصادية" ومسؤولة عن المعاناة التي تواجهها البلاد 23/04/2025 15:38:04 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 التحديات الاقتصادية في لبنان: الواقع والآمال Lebanon 24 التحديات الاقتصادية في لبنان: الواقع والآمال 23/04/2025 15:38:04 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 بنك إنكلترا يثبت أسعار الفائدة عند 4.5% رغم التحديات الاقتصادية Lebanon 24 بنك إنكلترا يثبت أسعار الفائدة عند 4.5% رغم التحديات الاقتصادية 23/04/2025 15:38:04 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 الرئيس السوري: عودة سوريا إلى البيت العربي خطوة لتوحيد الصفوف لمواجهة الأزمات المشتركة ومواجهة التحديات Lebanon 24 الرئيس السوري: عودة سوريا إلى البيت العربي خطوة لتوحيد الصفوف لمواجهة الأزمات المشتركة ومواجهة التحديات 23/04/2025 15:38:04 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان إقتصاد قد يعجبك أيضاً رجي: سياسة الحكومة ترتكز على فرض سيادتها وحصر السلاح بيدها Lebanon 24 رجي: سياسة الحكومة ترتكز على فرض سيادتها وحصر السلاح بيدها 08:18 | 2025-04-23 23/04/2025 08:18:34 Lebanon 24 Lebanon 24 وفد صندوق الزكاة إختتم "زيارة مثمرة" إلى دولة الكويت Lebanon 24 وفد صندوق الزكاة إختتم "زيارة مثمرة" إلى دولة الكويت 08:00 | 2025-04-23 23/04/2025 08:00:05 Lebanon 24 Lebanon 24 البستاني من واشنطن: التعاون مع صندوق النقد لإجراء اتفاق واجب وضرورة Lebanon 24 البستاني من واشنطن: التعاون مع صندوق النقد لإجراء اتفاق واجب وضرورة 07:55 | 2025-04-23 23/04/2025 07:55:25 Lebanon 24 Lebanon 24 "الخارجية" أدانت الهجوم الإرهابي في كشمير: لبنان متضامن مع الهند Lebanon 24 "الخارجية" أدانت الهجوم الإرهابي في كشمير: لبنان متضامن مع الهند 07:54 | 2025-04-23 23/04/2025 07:54:28 Lebanon 24 Lebanon 24 الحجار ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن الداخلي المركزي: إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية رسالة ايجابية Lebanon 24 الحجار ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن الداخلي المركزي: إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية رسالة ايجابية 07:53 | 2025-04-23 23/04/2025 07:53:51 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بالفيديو إبن سلاف فواخرجي حديث مواقع التواصل... إليكم ما فعله Lebanon 24 بالفيديو إبن سلاف فواخرجي حديث مواقع التواصل... إليكم ما فعله 08:55 | 2025-04-22 22/04/2025 08:55:22 Lebanon 24 Lebanon 24 المرض نفسه يجمع كريم فهمي وياسمين عبد العزيز.. اليكم التفاصيل Lebanon 24 المرض نفسه يجمع كريم فهمي وياسمين عبد العزيز.. اليكم التفاصيل 12:23 | 2025-04-22 22/04/2025 12:23:47 Lebanon 24 Lebanon 24 تقدمان خدمات ذات طابع غير قانوني.. توقيف سيدتين في هذه المنطقة Lebanon 24 تقدمان خدمات ذات طابع غير قانوني.. توقيف سيدتين في هذه المنطقة 14:59 | 2025-04-22 22/04/2025 02:59:38 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد وصول الحرارة إلى 35 درجة.. أمطار غزيرة ستضرب لبنان هذا ما كشفه الأب خنيصر Lebanon 24 بعد وصول الحرارة إلى 35 درجة.. أمطار غزيرة ستضرب لبنان هذا ما كشفه الأب خنيصر 03:24 | 2025-04-23 23/04/2025 03:24:25 Lebanon 24 Lebanon 24 3 خطوط جديدة.. التنقل من بيروت وإليها أصبح أسهل وأرخص! Lebanon 24 3 خطوط جديدة.. التنقل من بيروت وإليها أصبح أسهل وأرخص! 02:30 | 2025-04-23 23/04/2025 02:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 08:18 | 2025-04-23 رجي: سياسة الحكومة ترتكز على فرض سيادتها وحصر السلاح بيدها 08:00 | 2025-04-23 وفد صندوق الزكاة إختتم "زيارة مثمرة" إلى دولة الكويت 07:55 | 2025-04-23 البستاني من واشنطن: التعاون مع صندوق النقد لإجراء اتفاق واجب وضرورة 07:54 | 2025-04-23 "الخارجية" أدانت الهجوم الإرهابي في كشمير: لبنان متضامن مع الهند 07:53 | 2025-04-23 الحجار ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن الداخلي المركزي: إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية رسالة ايجابية 06:58 | 2025-04-23 بري استقبل دياب والمدعي العام التمييزي وأبرق الى الفاتيكان معزيا فيديو بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم Lebanon 24 بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم 09:23 | 2025-04-21 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود 01:00 | 2025-04-15 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 نجا من الموت بأعجوبة.. إعلامي لبناني شهير يعترف بأنه كان سببًا في فقدان إنسانة حياتها (فيديو) Lebanon 24 نجا من الموت بأعجوبة.. إعلامي لبناني شهير يعترف بأنه كان سببًا في فقدان إنسانة حياتها (فيديو) 04:17 | 2025-04-14 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • مصادر لمصراوي: تطبيق التوقيت الصيفي بمترو الأنفاق خلال ساعات
  • تغير المناخ يعصف بأولويات الأمن العالمي.. تحذيرات من تداعيات بيئية تهدد جاهزية الجيوش حول العالم.. وخبراء يدعون إلى استراتيجيات جديدة للتعامل مع تحديات البيئة
  • سياسات ترامب تربك الشركات التي مولت حفل تنصيبه
  • بجيش قليل العدد والعتاد.. هل بريطانيا مستعدة لخوض حروب؟
  • تعرف على بدائل السكر التي تربك الشهية وتبطئ فقدان الوزن
  • "حروب الشائعات وأثرها على الأمن القومي" ندوة للنيل للإعلام بالتعاون مع تعليم الفيوم
  • التقرير الاقتصادي الفصلي لبنك عوده: تعدّد التحدّيات الاقتصاديّة التي تواجه العهد الجديد
  • الاتحاد العراقي ينتقد الاحداث التي شهدتها مباراة نوروز وزاخو
  • العلم وحروب الإدراك
  • العراق يشتري أكثر من 270 منزلا في تركيا خلال 3 أشهر