تقرير: الجيوش المتطورة تعاني أمام الأسلحة الرخيصة
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
عندما طُرحت الهواتف الذكية في السوق أولَ مرة، كانت سلعة فاخرة غالية، واليوم، رغم أن الهواتف الذكية المتطورة ليست رخيصة، فإن هناك طرز منها مُتاحة بأسعارٍ زهيدة تقل عن 100 دولار.
تمكن الحوثيون في اليمن من فرض حصار بحري فعّال على البحر الأحمر دون أن يملكوا قوة بحرية
وفي هذا الإطار، قال فيليب بيلكنغتون خبير بالاقتصاد الكلي ومُتخصص في مجال الاستثمار، في تحليله بموقع "ناشونال إنترست": لا تقتصر فكرة تراجع سعر السلع على الشؤون التجارية، حيث شهدت الحروب الظاهرة ذلك، وأثبتت الحرب في أوكرانيا أن الحرب الحديثة تمرُّ الآن بفترة تشهد استخداماً واسع النطاق لأسلحة رخيصة الثمن.
والسبب في ذلك مثير للسخرية نوعاً ما، حسب الكاتب، فقد صُمِّمت التقنية التي طُوِّرَت في البداية لأغراض عسكرية، مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، لخدمة منتجات استهلاكية وتراجعت أسعارها. والآن، تُستخدم النُسخ السلعيَّة من تلك التقنية لإنشاء أنظمة أسلحة جديدة وفعالة ورخيصة. التقنية السلعية في الحرب الأوكرانية
وأبرز ما في هذا النوع من التقنية السلعيّة الآن في حرب أوكرانيا المسيرة الروسية طراز زالا لانسيت (ZALA Lancet)، التي استُخدمت بكثرة لاستهداف الدبابات وغيرها من مركبات القوات المسلحة الأوكرانية. ويشيع الآن أن نرى مقاطع فيديو لمسيرات من هذا النوع تُستخدم لتدمير دبابات متقدمة، مثل الدبابة الألمانية ليوبارد 2.
لننظر إلى التكاليف النسبية. تبلغ تكلفة المسيرة لانسيت نحو 35 ألف دولار، ومن السهل صنعها بسرعة. ومن ناحية أخرى، تبلغ تكلفة الدبابة ليوبارد 2 نحو 11 مليون دولار، وليس من السهل تصنيعها، إذ تُصنع نحو 50 دبابة منها سنويّاً.
وهنا تصبح الأمور مثيرة للسخرية، يضيف الكاتب، على أساس التكلفة البحتة، يمكن لروسيا إنتاج 314 مُسيرة من نوع لانسيت مقابل دبابة واحدة من نوع ليوبارد 2 تنتجها ألمانيا. ويزداد الأمر سخافةً إذا وضعنا في الاعتبار الأسعار النسبية في البلدين استناداً لتعديل القوة الشرائية. وحينئذ سنكتشف أن مقابل تكلفة إنتاج دبابة من نوع ليوبارد 2، تستطيع روسيا إنتاج 683 مُسيرة لانسيت.
يدعو تحويل ساحة المعركة إلى سلعة الذي شهدناه في أوكرانيا إلى التشكيك في كثير من الإستراتيجيات العسكرية الغربية المعاصرة، التي تركز على إنتاج معدات عالية الجودة وعالية التكلفة، على أمل أن تتفوق على القوات الأضعف منها.
وتابع الكاتب: منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، شهدنا جوانب أخرى مختلفة من الاستراتيجية العسكرية الغربية، أمست محل شك.
ففي بداية حرب غزة، بدأت حماس بإطلاق أعداد كبيرة من صواريخ القسام على إسرائيل. وهي صواريخ رخيصة بشكلٍ كبير، إذ صُنِعَ وقودها من السكر والأسمدة. ويكلف إنتاج الواحد منها ما بين 300 و800 دولار، في حين تبلغ تكلفة البطارية الواحدة في منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية التي تتصدى لصواريخ القسام 100 مليون دولار، وتبلغ تكلفة كل صاروخ اعتراضي من نوع تامير الذي تطلقه القبة نحو 50 ألف دولار.
The Shrinking Cost of War Threatens Western Militaries -- The cheap drone challenge https://t.co/B0DqXatxsb
— Jim Clancy (@ClancyReports) December 27, 2023
وحتى دون النظر إلى تكلفة المنصة، يمكن لحماس بناء 91 صاروخاً لكل صاروخ اعتراضي من طراز تامير، وتقديراً للتكلفة بتعادل القوة الشرائية، فسيكون بوسع حماس تصنيع 177 صاروخاً. ومقارنة التكلفة هنا واضحة، لأن الإسرائيليين ينوون إسقاط كل صاروخ قسام بصاروخ تامير واحد.
وبالمثل يبدو أن دبابات ميركافا الإسرائيلية واهنة أمام قذائف الياسين المحلية الصنع لحماس. وقدرة حماس على إنتاج قذائف الآر بي جيه هذه على نطاق واسع تثير تساؤلات جادّة عن القدرة على القتال المستمر في المناطق الحضرية باستخدام المركبات المدرعة.
يقول الكاتب: "ليست لدينا تقديرات لتكلفة قذائف الياسين. ولكن، نظراً لأنه يمكن شراء قذائف أر بي جي-7 بنحو 300 دولار من السوق السوداء، فمن الأرجح أن تكلفتها قد تبلغ 200 دولار، لانخفاض تكلفة العمالة في قطاع غزة. وإذ تبلغ تكلفة ميركافا طراز 4M نحو 3.5 ملايين دولار، من الممكن أن نقدر أن حماس بوسعها إنتاج 17500 قذيفة الياسين لكل دبابة ينتجها الإسرائيليون، أو 34155 قذيفة على أساس تعادل القوة الشرائية".
ويجوز أن نتساءل أيضاً عن مدى فعالية منظومة صواريخ جافلين الأمريكية المضادة للدبابات، مقارنةً بقذيفة آر بي جي رخيصة الثمن. تبلغ تكلفة صاروخ جافلين الأمريكي 78000 دولار، وبذلك تستطيع حماس أن تنتج 390 قذيفة الياسين، أو 784 على أساس تعادل القوة الشرائية لقاء كل صاروخ جافلين.
وأشار الكاتب إلى أن ظاهرة الأسلحة الرخيصة بدأت تتجلى في الأيام الأخيرة، عندما تمكن الحوثيون في اليمن من فرض حصار بحري فعّال على البحر الأحمر، دون أن يملكوا قوة بحرية. كانت القدرة على التحكم في البحار تاريخيّاً حكراً على البلدان الغنية، التي يمكنها تخصيص جزء كبير من دخلها القومي لبناء سلاح بحرية قوي.
وكانت اللحظة الحاسمة في حصار البحر الأحمر الاستهداف الناجح لسفينة تجارية بصاروخ إيراني مضاد للسفن. والمعلومات المتاحة عن هذا الصاروخ محدودة، لكن لا شك في أن تكلفته أقل بكثير من صواريخ الدفاع الجوي التي تستخدمها السفن البحرية الغربية للتصدي له.
The Shrinking Cost of War Threatens Western Militaries.
Houthi attacks in the Red Sea show how easy it is for armed groups to take advantage of cheap but sophisticated technology and undermine American military power. _ Philip Pilkington https://t.co/YJmMLyoBum
ومضى الكاتب يقول: "يثير ذلك كله عدداً من الأسئلة. هل من الحكمة مقارنة القوة العسكرية لكل دولة على أساس إجمالي الإنفاق؟ في مقال لمجلة الشؤون الأمريكية، سبق أن بيَّنتُ مشكلات خطيرة في ذلك، وقلتُ إننا يجب أن نكف عن استخدام هذا المقياس. فالأمثلة التي أمدتنا بها التطورات الأخيرة تثبت أن المناقشات المتعلقة بالقوة العسكرية التي تشير إلى الإنفاق الإجمالي لا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد بعد الآن".
وهناك مسألة المجمع الصناعي الأمريكي نفسه. فهل هذا المجمع مناسب للغرض منه؟ وهل نموذجه عالي التقنية وباهظ التكلفة مناسب لساحة معركة حديثة؟ وهل تُعدُّ سلاسل التوريد العملاقة والمتكاملة ضرورية؟ يتساءل الكاتب، ويقول: من الممكن مثلاً شراء محرك مماثل لذاك المُستخدم في الصواريخ الإيرانية طراز 358 من موقع AliExpress مقابل بضع مئات من الدولارات.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حصاد 2023 التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل القوة الشرائیة تبلغ تکلفة لیوبارد 2 على أساس من نوع
إقرأ أيضاً:
إمبراطورية لوكهيد مارتن.. لماذا صارت الأولى عالميا في صناعة الأسلحة؟
في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2024، حل الضيف الأميركي الذي لطالما انتظره جيش الاحتلال الإسرائيلي. هذا الضيف لم يكن عضو كونغرس أو وزير الخارجية الأميركي كما جرت العادة، بل منظومة دفاع صاروخي اسمها "ثاد"، وهي المخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى في إطار سعي واشنطن للدفاع عن إسرائيل أمام الصواريخ الباليستية الإيرانية.
تأتي هذه المنظومة ضمن الحزمة العسكرية والمالية واللوجستية الضخمة التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت. وفي حين أن أميركا التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق من الدَّين الوطني هي مَن تتكفل ماديا بهذه الحزمة، فإن مَن يجني أرباح هذا التعاون والدعم الأميركي غير المحدود هي شركات الأسلحة الأميركية الكبرى، التي وصلت أرباحها هي الأخرى إلى مستويات قياسية، وعلى رأسها شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية التي تقف وراء صناعة منظومة "ثاد" للدفاع الصاروخي، وغيرها من الأسلحة الفتاكة مثل "إف-16″ و"إف-35".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تتصارع عليها الدول بشراسة فما أقوى منظومات الدفاع الصاروخي عالميا؟list 2 of 2في مواجهة "ثاد" كيف تخطط إيران لاختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية؟end of listففي عام 2023، تصدرت شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية قائمة شركات الصناعات الدفاعية الأكثر مبيعا على مستوى العالم في العام المالي 2023، حيث بلغت مبيعات الشركة 64.6 مليار دولار أميركي مقارنة بـ63.3 مليار دولار في عام 2022، مع أرباح بلغت 6.9 مليارات دولار ونسبة نمو 2%، ويتوقع أن تختتم الشركة هذا العام بنسبة أرباح قياسية أخرى.
في المقابل، حققت شركة الصناعات الدفاعية الأوكرانية أعلى نمو بين الشركات الدفاعية في العام ذاته، حيث بلغت نسبة النمو 72% مع مبيعات تقدّر بـ2.2 مليار دولار، فيما لم تظهر في القائمة أية شركة روسية أو يابانية، بسبب رفض هذه الشركات -وحكوماتها أيضا- الإفصاح عن البيانات المتعلقة بمبيعاتها في عام 2023.
وعموما، استطاعت أكثر من ثلاثة أرباع الشركات المدرجة في قائمة أفضل 100 شركة لهذا العام أن تحقق ارتفاعا في إيراداتها الدفاعية، فيما شهد إجمالي إيرادات الدفاع للدول المصنّفة، أي التي يمكن الوصول إلى بياناتها فيما يخص عمليات بيع وشراء الأسلحة ارتفاعا بنسبة 13% عن عام 2022.
يعكس هذا النمو زيادة الإنفاق الدفاعي من قِبَل الدول في مختلف أنحاء العالم، ويأتي ذلك في خضم الحرب الروسية الأوكرانية والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فضلا عن التوترات القائمة في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
مروحية بلاك هوك من إنتاج لوكهيد مارتن (أسوشيتد برس) الطيران هو البدايةتأسست "لوكهيد مارتن" عام 1995 إثر اندماج شركتَيْ "لوكهيد" و"مارتن ماريتا"، وهما ثاني وثالث أكبر شركات الصناعة الدفاعية الأميركية في ذلك الوقت. وفي عام 1996، استحوذت الشركة على وحدة الإلكترونيات وأنظمة الدفاع من مؤسسة "لورال" الأميركية في صفقة بلغت قيمتها 9.1 مليارات دولار.
المفارقة أن كلًّا من الشركتين (لوكهيد ومارتن) تأسس في العام ذاته وهو عام 1912، مثلما أن بداية كلٍّ منهما تعلّقت باستثمارات الطيران والنقل الجوي، حيث كان بناء تصاميم للطائرات العائمة نموذج "جي" هو أول مشاريع "لوكهيد"، التي تأسست على يد الشقيقين آلان ومالكوم لوغهيد، وعُرفت في بداياتها باسم "شركة ألكو للطائرات المائية". وبشكل مماثل، تأسست "مارتن" على يد رائد الطيران الأميركي غلين مارتن بغرض المساهمة في صناعة الطيران.
ومع ذلك، سرعان ما تقدمت الشركتان نحو تطوير المعدات الدفاعية والأنظمة الصاروخية على حساب الاهتمام بصناعة الطيران التجاري. شركة "مارتن" على وجه الخصوص بادرت مبكرا إلى ذلك، حيث زوّدت الجيش الأميركي بقاذفة القنابل طراز "إم بي 1" عام 1918 مع نهاية الحرب العالمية الأولى، بينما أتى تعاون "لوكهيد" الأول مع الجيش الأميركي في خضم الحرب العالمية الثانية، تحديدا عام 1940، من خلال تطوير المقاتلة الاعتراضية "بي 38″، ثم تطوير المقاتلة "بي-80 شوتنج ستار" التي تُعد أول مقاتلة نفاثة تدخل إلى الخدمة التشغيلية، وذلك عام 1945.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، كانت "لوكهيد" هي المطوّر الرائد في صناعة الطيران العسكرية الأميركية، حيث قامت بتزوّيد الجيش الأميركي بطائرات عدة، أبرزها مقاتلة "إف 104 ستار فايتر" خفيفة الوزن التي كانت أول طائرة عاملة قادرة على التحليق بسرعات تفوق ضِعْف سرعة الصوت (أكثر من ماخ 2)، كذلك طائرة الاستطلاع بعيدة المدى ذات المحركين طراز "بلاك بيرد إس آر 71″، وطائرة التجسس "يو 2" عالية الارتفاع التي استطاعت التحليق فوق الاتحاد السوفيتي خلال فترة الحرب الباردة، إضافة إلى إطلاق أول طائرة شبحية في العالم من خلال النموذج التجريبي "هاف بلو" عام 1977، الذي تُوّجت أبحاثه بتطوير الطائرة الشبحية "نايت هوك إف 117" عام 1981.
قدَّمت "لوكهيد" أيضا طائرة نقل القوات والإمدادات "سي 130" التي عُدَّت طفرة في هذا المجال، بعدما أظهرت الحرب الكورية أن وسائل النقل الجوية الأميركية ليست ملائمة لأنواع المهام القتالية التي واجهها الجيش الأميركي آنذاك، حيث كانت بعض طائرات النقل المستخدمة من قِبَل الجيش الأميركي مقيدة بأوزان محددة، مما منعها عن نقل إمدادات ضخمة أو أعداد كبيرة من الجنود، فيما احتاج البعض الآخر إلى مدرجات إقلاع وهبوط أطول من المتوفر.
في المقابل، شقَّت "مارتن" طريقها بعيدا عن قطاع الطيران منذ حقبة الخمسينيات، بعدما مُنيت فيه بخسائر كبيرة، وفضَّلت الاتجاه إلى الاستثمار في القطاع الفضائي وتطوير أنظمة الصواريخ الباليستية، من خلال حصولها على عقد برنامج "فانغارد" الذي استهدف وضع قمر صناعي أميركي في مدار الأرض، ثم نيلها عقدا آخر من القوات الجوية الأميركية لبناء الصاروخ الباليستي العابر للقارات "تيتان"، وهي المجالات التي استهدفتها الولايات المتحدة آنذاك، في محاولة اللحاق بالاتحاد السوفيتي الذي سبق أميركا في المجالين.
بدورها، دخلت "لوكهيد" إلى مجال تطوير أنظمة الصواريخ في هذه الأثناء، ونجحت في إنتاج أجيال عدة من الصواريخ الباليستية لصالح قوات البحرية الأميركية، من ضمنها صواريخ "بولاريس" و"ترايدنت"، كما توسعت الشركة في الاستثمار في تطوير أنظمة الفضاء والأنظمة البحرية، وكانت المسؤولة عن بناء وتكامل أنظمة تلسكوب هابل الفضائي.
ومع ذلك، ظلَّت الأعمال المتعلقة بصناعة الطيران والخدمات ذات الصلة تُمثِّل أكثر من 50% من مبيعات "لوكهيد"، حيث سعت الشركة إلى زيادة خطوط إنتاجها من الطائرات العسكرية عبر استحواذها على وحدة "فورت وورث" التابعة لشركة "جنرال ديناميكس"، التي كان منتجها الرئيسي مقاتلة "إف 16" الشهيرة، ولا تزال أحد الأعمدة المهمة في مبيعات الشركة.
التوجه لزيادة مبيعات "إف 16" قد يكون أحد الحلول لتغطية انخفاض مبيعات قطاع طيران "لوكهيد مارتن" خلال العام الحالي. (غيتي) "إف 16" تنقذ الموقففي الوقت الحالي، تدير الشركة 4 قطاعات أعمال رئيسية، وهي الطيران، والتحكم في الصواريخ والنيران، والأنظمة الدوّارة، إضافة إلى قطاع الفضاء. ولا يزال قطاع الطيران هو الأعلى مبيعا بين قطاعات الشركة، حيث مثَّل 41% من إجمالي إيرادات "لوكهيد مارتن" عام 2023 بقيمة بلغت 27.5 مليار دولار.
وفق ذلك، استطاع قطاع الطيران أن يتجاوز مبيعات عام 2022 بنحو نصف مليار دولار، رغم انخفاض مبيعات مقاتلة الجيل الخامس "إف 35" خلال عام 2023 بمقدار 275 مليون دولار، وكذلك انخفاض الأرباح التشغيلية لبرنامج المقاتلة رابتور "إف 22″، لكن ذلك عُوِّضَ من خلال زيادة في عقود التطوير والاستدامة بمقدار 180 مليون دولار، وكذلك زيادة الطلب على طائرة "إف 16" بمقدار 65 مليون دولار.
انخفاض مبيعات "إف 35" كان نتيجة لتأخر عمليات التسليم عن جدولها المحدد، وهو الأمر القابل للتكرار في العام الحالي، حيث يُتوقع أن تقوم الشركة بتسليم ما بين 75-110 مقاتلة فقط في 2024، أي بانخفاض قد يصل إلى 50% من المستهدف البالغ 150 مقاتلة سنويا، وذلك بسبب التحديث الجديد لبرمجيات النظام المعروف باسم "تي آر 3″، الذي اتضح أن تعيينه يتطلب وقتا أطول من المتوقع، مما يعني أن التوجه لزيادة مبيعات "إف 16" قد يكون أحد الحلول لتغطية انخفاض مبيعات قطاع طيران "لوكهيد مارتن" خلال العام الحالي.
جدير بالذكر أن الحكومة الأميركية قررت في وقت سابق تسليم الجيش الأوكراني طائرات "إف 16" بغرض مساعدته في منع التقدم الروسي على الأرض الأوكرانية. وتشير التقارير إلى أن الدفعة الأولى من الطائرات قد وصلت إلى كييف بالفعل، فيما يؤكد الخبراء أن ترسانة أوكرانيا الجوية بحاجة إلى نحو 216 طائرة من مقاتلات "إف 16" لصناعة الفارق في أرض المعركة، الأمر الذي من شأنه أن يغذي مبيعات "لوكهيد" مارتن خلال الأعوام القادمة.
في السياق ذاته، وافقت وزارة الخارجية الأميركية في يناير/كانون الثاني الماضي على صفقة بقيمة 23 مليار دولار مع الحكومة التركية، تتضمن شراء تركيا لـ 40 مقاتلة "إف 16" مع المعدات ذات الصلة بالطائرة، إضافة إلى تحديث 79 مقاتلة تمتلكها أنقرة من الطراز ذاته.
إضافة إلى ذلك، وقّعت بلغاريا عقدا لشراء 16 مقاتلة "إف 16″، ومن المتوقع أن تتلقى صوفيا الدفعة الأولى البالغة 8 مقاتلات في العام القادم. وعن ذلك تقول وزارة الدفاع البلغارية إن قواتها الجوية تواجه صعوبة في تنفيذ مهام مراقبة المجال الجوي بسبب نفاد مخزون موارد طائرة "ميج 29" الروسية التي تمتلكها بلغاريا حاليا، لذلك تُشكِّل طائرة "إف 16" أهمية بالغة لأمن الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، خصوصا مع استمرار الحرب الأوكرانية.
ويأتي قطاع الأنظمة الدوارة وأنظمة المهام في المرتبة الثانية بعد قطاع الطيران في "لوكهيد مارتن" من حيث المبيعات، وقد مثَّل القطاع نسبة 25% من مبيعات الشركة عام 2023 بقيمة بلغت 16,23 مليار دولار. القطاع مسؤول عن تطوير وصيانة المروحيات العسكرية والتجارية والسفن، وأنظمة الدفاع الصاروخي البحرية والبرية، إضافة إلى أنظمة الرادار، وحلول المحاكاة والتدريب، والأمن السيبراني.
ومقارنة بعام 2022، حقق القطاع نموا بنسبة 1% نتيجة زيادة حجم مبيعات أنظمة برامج الحرب المتكاملة وأجهزة الاستشعار (IWSS) المستخدمة في برنامج "أيجيس" (Aegis)، وهو نظام إدارة قتالي مركزي وآلي القيادة، يربط بين أجهزة الاستشعار والشبكات والأسلحة المختلفة فوق سطح القطع البحرية، مما يُمكِّنه من كشف التهديدات وإزالتها بصورة آلية من خلال نظام دفاع صاروخي باليستي.
وبحسب ميزانية وكالة الدفاع الصاروخي الأميركية، تم الانتهاء من إعداد 49 سفينة تابعة للبحرية الأميركية بنظام "أيجيس" بحلول ديسمبر/كانون الأول 2023، فيما تُخطط البحرية لإضافة 7 سفن أخرى خلال العام الحالي، ومن المتوقع أن يصل عدد السفن المجهزة بالنظام إلى 69 سفينة بحلول عام 2030.
وبخلاف الولايات المتحدة، بِيعَ "أيجيس" إلى دول حليفة عدة هي: اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وإسبانيا والنرويج. وبينما يخلو النظام الذي بِيعَ إلى هذه الدول من القدرة على استخدام الصواريخ الباليستية الاعتراضية، فإن واشنطن سمحت لليابان فقط بامتلاك هذه القدرة، مما يعكس مخاوف واشنطن من النمو المتصاعد للبحرية الصينية، ورغبتها في وجود حليف يُعتمد عليه في ردع سيطرة الصين على المحيطين الهندي والهادي.
المنافس القادم من الصيناعتلاء "لوكهيد مارتن" قائمة شركات الصناعات الدفاعية الأعلى مبيعا العام الماضي لا يعكس الأداء المتوقع منها وفق آراء الخبراء الماليين، حيث يشير هؤلاء إلى أن الشركة واجهت عاما صعبا، علاوة على ذلك، فإن مؤشرات العام الحالي بشأن الاستثمار في أسهم الشركة تعكس حالة أكبر من عدم اليقين.
في المقابل، تُظهر القائمة حضورا قويا لشركة صناعة الطيران الصينية (AVIC) التي تحتل المرتبة الثانية في القائمة، وحققت مبيعاتها الدفاعية نموا قدره 45% بين عامي 2022-2023، إذ بلغت قيمة هذه المبيعات في العام الماضي نحو 45 مليار دولار، بزيادة قدرها 14 مليار دولار عن العام الذي يسبقه.
وهذه الشركة الصينية مملوكة بالكامل من قِبَل الدولة، وتُشرف عليها لجنة الإشراف على الأصول المملوكة للدولة الصينية، وهي لجنة تابعة لمجلس الدولة الصيني، وهو ما يعتبره "جيمس تايكليه"، المدير التنفيذي ورئيس مجلس إدارة "لوكهيد مارتن"، تهديدا يمكن أن يقلص أو يتغلب على الهيمنة العسكرية والتقنية الأميركية، نظرا لأن قوة الحكومة "الاستبدادية في الصين"، وفق تعبيره، تستغل الاندماج المدني العسكري والصناعة التجارية لتعزيز مؤسساتهم العسكرية والدفاعية.
جدير بالذكر أن المبيعات التجارية (خارج إطار مبيعات الدفاع) لشركة صناعة الطيران الصينية بلغت 75 مليار دولار في عام 2023.
أما هذا الصدام بين "لوكهيد مارتن" وشركة صناعة الطيران الصينية ممتد الجذور، حيث أفادت تقارير عدة في عام 2009 أن مجموعة قرصنة سيبرانية صينية استطاعت الوصول إلى بيانات تتعلق بتصميم وأنظمة إلكترونيات المقاتلة "إف 35" المطوّرة من قِبَل "لوكهيد مارتن"، فيما أشارت تقارير تالية إلى أن شركة صناعة الطيران الصينية استخدمت هذه البيانات في تطوير مقاتلاتها من طراز "تشنغدو-جي 20" وطراز "شنيانغ إف سي 31".
ومع ذلك، تضم جعبة "مارتن" صفقات عدة مع الحكومة الأميركية من شأنها أن تحفظ وجودها على رأس قائمة الشركات الدفاعية الأكثر مبيعا في السنوات المقبلة. وبخلاف برنامج تطوير المقاتلة الضاربة المشتركة الذي تبلغ قيمته 250 مليار دولار، وبرنامج دعم عمليات أسطول "إف 35" بقيمة 6.6 مليارات دولار، الذي يتضمن إدارة سلاسل التوريد وصيانة المستودعات وتحليل البيانات، حصلت الشركة من الجيش الأميركي على عقد بقيمة محتملة تبلغ 4.4 مليارات دولار، مقابل تسليم 135 وحدة من المروحية العسكرية "سيكورسكي بلاك هوك".
إضافة إلى ذلك، تشير تقارير مبيعات الربع الأول من العام الحالي إلى زيادة مبيعات الشركة بنسبة 14% مقارنة بالفترة ذاتها في العام السابق، فيما يتصدر قطاع الصواريخ والتحكم في النيران هذه الزيادة، بنسبة نمو بلغت 25% مع مبيعات تتجاوز 3 مليارات دولار.
أما هذا التحسن في مبيعات القطاع فمردّه، كما هو معلوم، عائد لزيادة الإمدادات العسكرية التي ترسلها واشنطن إلى كلٍّ من إسرائيل وكييف، حيث تُصنّع "لوكهيد مارتن" صواريخ "هيلفاير AGM-114" لطائرات الأباتشي الإسرائيلية، وهي أحد أنواع الأسلحة التي استُخدمت على نطاق واسع في قصف غزة، وقد تسلَّم جيش الاحتلال نحو 2000 صاروخ منها في الفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول حتى 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فيما أعلنت واشنطن في يونيو/حزيران الماضي عن صفقة أخرى تضمنت تسليم 3000 صاروخ من الطراز ذاته.
مبيعات الشركة إلى إسرائيل خلال تلك الفترة تضمنت أيضا 100 قنبلة فراغية خارقة للتحصينات طراز "BLU-109″، فيما تؤكد التقارير استخدام جيش الاحتلال في هجماته على غزة نظام إطلاق الصواريخ المتعددة "M-270" من تطوير "لوكهيد مارتن"، وهو نظام يعتمد على صواريخ موجهة متعددة الإطلاق من طراز (GMLRS) تقوم الشركة أيضا بإنتاجها.
أما على مستوى الحرب الأوكرانية، فقد انضمت إلى كييف مؤخرا وحدات جديدة من منصة الصواريخ المدفعية عالية الحركة "هيمار"، وهو نظام من تطوير "لوكهيد مارتن"، وبإمكانه حمل 6 صواريخ، فيما يبلغ مداه 80 كيلومترا.
ولتأكيد ذلك، أشارت "لوكهيد مارتن" إلى أنها بصدد مضاعفة إنتاج أنظمة "هيمار" خلال العام الحالي، وذلك لتلبية الاحتياجات المتزايدة بسبب الحرب الأوكرانية. في المقابل، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في وقت لاحق أن منطقة كورسك تعرضت للمرة الأولى لقصف بقاذفات صواريخ غربية الصنع، يُرجَّح أنها من طراز "هيمار"، خلال شهر أغسطس/آب الجاري.
استفادة "مارتن" من الحرب الأوكرانية امتدت أيضا إلى أنظمة صواريخ "جافلين" المضادة للدبابات، حيث أشارت الشركة إلى أنها بصدد زيادة إنتاجها إلى 2400 وحدة سنويا، كما تتوقع أن تزداد الحاجة إلى النظام بحلول عام 2026 لتصل إلى قرابة 4000 وحدة سنويا.
إضافة إلى ذلك، سوف تسلم الشركة أكثر من 10 آلاف صاروخ من طراز (GMLRS) خلال العام الحالي، وذلك لإرسالها إلى ساحة القتال في أوكرانيا، كما تهدف إلى زيادة الإنتاج ليصل إلى 14 ألف صاروخ في العام المقبل، بغرض تلبية الاحتياجات المتصاعدة للحرب الأوكرانية.