دعوى استخدام حماس المدنيين دروعًا بشرية، هي أحد أبرز المزاعم في الحرب الإسرائيلية الجارية على غزة. فمنذ بدايات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دأب المسؤولون الإسرائيليون خاصة، والغربيون عامة، على تَكرار هذه الدعوى في كل مناسبة؛ بوصفها جزءًا من إدارة الحرب الإسرائيلية (والأميركية والأوروبية) نفسها، وذلك من أجل ما سُمي: "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، الذي وجد ترجمته الوحيدة في قصف غزة قصفًا مكثفًا وواسعًا لنحو ثلاثة أشهر حتى الآن؛ بهدف القضاء على حماس وتدمير إمكانات المقاومة الفلسطينية.

وإذا كان مصطلح "الدروع البشرية" مصطلحًا عسكريًّا وقانونيًّا في الأصل، فإن استخدامه المكثف- في هذه الحرب على ألسنة المسؤولين العسكريين والسياسيين- شكّل غطاءً سياسيًّا غربيًّا للحرب؛ لصيانة أهدافها المادية: (العسكرية والأمنية)، بالرغم من كُلفتها الإنسانية الباهظة وغير المسبوقة.

ومناقشة مسألة "الدروع البشرية" مناقشة وافية، تستدعي استيعاب عدة منظورات تشمل المنظورين: السياسي والعسكري من جهة، والمنظورين: القانوني والأخلاقي من جهة أخرى. ولذلك سأخصص هذا المقال لإثبات أن استخدام السياسيين والعسكريين الإسرائيليين والغربيين مصطلحَ "الدروع البشرية" هنا هو جزء من الحرب (السياسيّة والعسكريّة)، على أن أخصص مقالًا آخر لإثبات أن الادعاءات الإسرائيلية والغربية -لو سلمنا بها – لا تسوّغ وقوع هذا العدد الهائل من الضحايا المدنيين الفلسطينيين، لا قانونيًّا ولا أخلاقيًّا.

تواطأ مختلف المسؤولين الغربيين -منذ حدث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023- على الادعاء بأن حماس تتخذ سكان غزة دروعًا بشرية، وسأشير هنا إلى بعض الوقائع الدالة.

ففي 13 أكتوبر/ تشرين الأول، أكد قائد في القوات الجوية الإسرائيلية لقناة"الحرة" الأميركية أن المقصود من القصف الواسع لغزة هو "حماية مواطني إسرائيل، وأن حركة حماس تستخدم المدنيين دروعًا بشرية". وفي 16 أكتوبر/ تشرين الأول حمّل أوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق حركة حماس المسؤولية الكاملة عن الضحايا الفلسطينيين؛ زاعمًا أن حماس تستخدم المدنيين دروعًا بشرية، وتمنعهم من النزوح إلى جنوب غزة.

في 2018 اتهمت نيكي هايلي، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، حركة حماس باستخدام الأطفال "دروعًا بشرية"، وذلك إثر مقتل عشرات الفلسطينيين خلال تظاهرات في قطاع غزة، وهو السلوك الذي نشاهده في الحرب الجارية تمامًا

وفي 20 أكتوبر/ تشرين الأول، قال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي: "إن حماس تستخدم المدنيين دروعًا بشرية"، و"إن إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها ضدّ هجمات حماس". وفي 27 أكتوبر/ تشرين الأول، قالت ليندا توماس غرينفيلد سفيرة الولايات المتحدة الأميركية -خلال جلسة طارئة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة -: "إن حماس لم تهتم يومًا لاحتياجات من تدّعي أنها تمثلهم أو مخاوفهم الحقيقية أو سلامتهم. لا تحترم حماس حكم القانون أو حياة الإنسان، فالمدنيون الفلسطينيون -برأيها- قابلون للاستبدال ومجرد دروع بشرية".

ويبدو أنه جرى التسليم بهذه الدعوى من قبل الجانب الغربي، مع كثرة تَكرار المسؤولين لها، حتى إن الاتحاد الأوروبي قد تبناها رسميًّا، واتفق وزراء خارجية دوله على ذلك. ففي 12 نوفمبر/ تشرين الثاني أدان الاتحاد الأوروبي حركة حماس؛ بزعم "استخدامها المستشفيات والمدنيين دروعًا بشرية في غزة"، بل إن الأمر وصل إلى الميدان الإعلامي، فقد نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية رسمًا كاريكاتيريًّا تحت عنوان: "دروع بشرية".

يصوّر الرسمُ شخصًا -يُفتَرض أنه حماس- يقول وقد ربط إلى جسده بحبلٍ امرأةً و4 أطفال: كيف تجرؤ إسرائيل على مهاجمة المدنيين؟!. ولكن الصحيفة اضطرت -فيما بعد- إلى حذف الرسم من موقعها الإلكتروني؛ بسبب انتقادات القرّاء، في حين بقي الرسم منشورًا في النسخة المطبوعة مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أي بعد أن جرى تعزيز هذا الادعاء على ألسنة المسؤولين الغربيين لنحو شهر كامل.

وثمة -على مستوى الوقائع- مفارقة تتمثل في أمرين:

الأمر الأول: أن المسؤولين الإسرائيليين والغربيين لم يكلفوا أنفسهم عناء إثبات تلك الدعوى أو مناقشتها أيضًا؛ شأنهم في ذلك هو شأنهم مع باقي الدعاوى والتسويغات التي دأبوا على تكرارها أثناء الحرب الجارية على غزة. وقد نفت حماس -باستمرار- هذا الادعاء الذي دأب الإسرائيليون على تكراره في جميع حروبهم السابقة على غزة.

ففي 2010 -مثلًا- أعد روفين أرليتش، مدير مركز الاستخبارات والمعلومات الإرهابية الإسرائيلي، تقريرًا اتهم فيه حماس باستخدام الأطفال دروعًا بشرية، وإنشاء مراكز قيادة ومنصات لإطلاق صواريخ القسام على مقربة من نحو 100 مسجد، وعلى مقربة من المستشفيات.

ولم يكتفِ أرليتش بذلك، بل قد شنّ هجومًا حادًا على تقرير المحقق الدولي ريتشارد غولدستون؛ لأنه لا يؤيّد مزاعم إسرائيل، واتهمه بأنه "أحادي الجانب ومتحيّز وخادع؛ بما أنه يقبل ادّعاءات حماس". وفي 2015 أصدرت وزارتا الخارجية والعدل الإسرائيليتان تقريرًا يكرر المزاعم نفسها، ويصف "الإستراتيجية التي اتبعتها حماس" بأنها "نقلت القتال إلى المناطق المدنية المأهولة واستخدمت مدنيين دروعًا بشرية".

وكعادتهم، كرّر المسؤولون الأميركيون مزاعم المسؤولين الإسرائيليين؛ رغم أن هذه المزاعم صادرة من جهة هي طرف في الصراع وخصم. وفي 2018 اتهمت نيكي هايلي، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، حركة حماس باستخدام الأطفال "دروعًا بشرية"، وذلك إثر مقتل عشرات الفلسطينيين خلال تظاهرات في قطاع غزة، وهو السلوك الذي نشاهده في الحرب الجارية تمامًا.

الأمر الثاني: أنه -على العكس مما سبق- ثمة تقارير عديدة صادرة عن مؤسسات ومنظمات دولية ومستقلة تُعنى بحقوق الإنسان، وثّقت استخدام إسرائيل المدنيين الفلسطينيين دروعًا بشرية في أنشطتها الأمنية والعسكرية السابقة، بل إن إسرائيل قد استخدمت -أيضًا- أطفالًا فلسطينيين في هجماتها على غزة والضفة الغربية المحتلة. وكانت منظمة "اليونيسيف" لحماية الطفولة ورعايتها، قد أعدت -قبل سنوات- مشروع تقرير في ذلك يدين إسرائيل، الأمر الذي أثار حفيظة إسرائيل كالمعتاد فشنت هجومًا شديدًا على المنظمة الأممية.

ففي الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005)، استخدمت القوات الإسرائيلية المدنيين الفلسطينيين دروعًا بشرية في نحو 1200 مناسبة، بحسب مسؤولين إسرائيليين ومنظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش. وفي حرب غزة 2008-2009 اتهمت منظمة العفو الدولية ومنظمة "كسر الصمت" إسرائيلَ باستخدام المدنيين والأطفال دروعًا بشرية؛ لحماية تمركز القوات أثناء التوغلات في قطاع غزة، وللسير أمام الآليات العسكرية عند اقتحام منزل يُعتقد أنه مفخخ. وفي الحرب على غزة عام 2014 اتهم مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، إسرائيل بالاستمرار في استخدام الأطفال الفلسطينيين دروعًا بشرية، وإجبارهم على العمل مرشدين.

وبالرغم من ثبوت هذه الوقائع -وقد صدر في إحداها حكمٌ قضائي إسرائيلي بحق جنديين استخدما طفلًا فلسطينيًّا درعًا بشريًّا- جرى تكرار المزاعم الإسرائيلية وتبنيها من قبل المسؤولين الغربيين دون مساءلتها، ويرجع ذلك -كما سبقت الإشارة- إلى تحقيق أهداف سياسية وعسكرية، تتمثل في التحرر من القيود التي يفرضها القانون الإنساني الدولي في الحرب، وعلى رأسها مبدأ التمييز بين المدنيين والعسكريين؛ خصوصًا في حرب غير تقليدية تجري داخل المدن، وعلى حركة هي ليست دولةً ولا جيشًا نظاميًّا، وفي منطقة مصنفة ضمن قائمة المناطق الأكثر كثافة سكانية في العالم، ومن ثم شكلت دعوى "الدروع البشرية" ضرورة بالنسبة للجيش الإسرائيلي وداعميه لتسويغ هذه الحرب، ومنح الجيش حرية أكبر في الحركة لتحقيق أهدافه المادية؛ بالرغم من وقوع آلاف الضحايا من المدنيين، وخاصة من الأطفال والنساء.

من يستخدم الدروع البشرية يلجأ إليها -عادة- لإجبار خصمه على الاحتكام إلى ضوابط ذاتية يفرضها على نفسه؛ لضمان الامتثال للقانون الدولي الإنساني، وبهذه الصورة يكبح جماح العمل العسكري المضاد، ويقلل من فاعلية سلوك العدو فيُعيقه عن تحقيق أهدافه المبتغاة، ويحمي نفسه، لكننا في غزة أمام لون جديد من الحرب، وهو استثمار حجة "استخدام الدروع البشرية"؛ لخدمة الأهداف السياسية والعسكرية، والتغلب على الصعوبات التكتيكية العسكرية المتمثلة في صعوبة التمييز بين المدني والعسكري؛ نظرًا لعدة خصائص تتمتع بها غزة ألخصها في الآتي:

الخَصِيصة الأولى: أن الحرب في غزة تجري في منطقة ذات كثافة سكانية عالية جدًّا، ومن ثم فإن أي عمل عسكري يستلزم كلفة إنسانية باهظة، خصوصًا أن الجيش الإسرائيلي يجبن عن المواجهة المباشرة، ويعتمد -بكثافة- على الترسانة العسكرية، والقدرة الفائقة على التدمير عن بُعد. الخَصِيصة الثانية: أن المواجهة هنا مع "عدو" غير تقليدي، ومن ثم يصعب تمييز المقاتلين من المدنيين. الخصيصة الثالثة: أن طبيعة السلاح البدائي ومحلي الصنع الذي تستخدمه حركات المقاومة، يَحرِم الجيش الإسرائيلي من معرفة تفاصيله وأماكنه، ومن ثم يفقد السيطرة في المعركة؛ خاصة بالنسبة لشبكة الأنفاق التي تحرم الجيش الإسرائيلي من إمكان التمييز بين المنشآت العسكرية والمنشآت المدنية. فليس هناك منشآت عسكرية فوق الأرض، كما لا يوجد منصات نظامية لإطلاق الصواريخ؛ لأنها بدائية ومتحركة.

تسهم هذه الخصائص مجتمعةً في تعقيد الحرب الإسرائيلية على غزة، ومن ثم تتسبب المشكلات العسكرية التكتيكية في مشكلات قانونية وأخلاقية. فالالتزام بمبدأ التمييز بين المدني والعسكري سيحول دون تحقيق الأهداف المادية للحرب؛ لأن تدمير شبكة الأنفاق -مثلًا- يعني تدمير الأبنية الكثيفة التي فوقها بمن فيها من البشر، ومن ثم كان الإسرائيليون وداعموهم بحاجة ماسّة إلى استثمار مصطلح: "استخدام الدروع البشرية" هنا؛ لتحقيق جملة أهداف تتلخص في الآتي:

الأول: التغلب على المشكلات العسكرية التكتيكية الخاصة بصعوبات الحرب وتعقيدات العدو وأرض المعركة، ومنح الجيش الإسرائيلي حرية أكبر في الحركة لتحقيق أهدافه العسكرية. الثاني: الخروج على المعنى التقليدي والقانوني لفكرة "الدرع البشري"، وتسمية تكتيكات المقاومة -وأبرزها الأنفاق- "دروعًا بشرية"؛ لمجرد أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على التمييز بين المدني والعسكري، أو تحديد الأهداف العسكرية للعدو؛ ومن ثم رمَى الكرة في ملعب حماس؛ ليغطي على عجزه العسكري والاستخباراتي. الثالث: التترّس بغطاء قانوني وأخلاقي يتصور أنه يعفيه من مسؤولية قتل هذا العدد الضخم من المدنيين، وتحميل المسؤولية بالمقابل لحركة حماس؛ لأنها لا تقاتل بشكل واضح ومكشوف للجيش الإسرائيلي، بحيث يتسنى له استهدافها بسهولة، في حين أن المسألة متعلقة بفشل ذريع للجيش الإسرائيلي؛ لأنه غير قادر على تحديد أهدافه بدقة، ولا قادر على الالتزام بالقانون الدولي الإنساني في الحرب (وخاصة حماية المدنيين).

والنتيجة وقوع هذا العدد الهائل من الضحايا المدنيين والتسبب في كارثة إنسانية غير مسبوقة، ومن ثم اختلاق تعليلات عدة لاستهداف المنشآت المدنية، وخاصة المستشفيات والمدارس. من تلك التعليلات المختلقة مثلًا: إطلاق حماس صواريخها من مناطق مدنية. ومنها أيضًا: استخدام بعض المستشفيات لأغراض عسكرية.

ففي الحرب على غزة سنة 2014 كانَ مستشفى الوفاء أحد الأهداف الإسرائيلية؛ بحجة أنه "مركز قيادة" حماس، وفي الحرب على غزة سنة 2023 كان مستشفى الشفاء أحد أبرز الأهداف الإسرائيلية؛ بحجة أنه "مركز قيادة" حماس!

وكل هذه الذرائع والحجج الواهية يُقصد بها التغطية على فشل إسرائيل العسكري في مواجهة الصعوبات التكتيكية العسكرية في هذه الحرب. ولكن الكلفة الإنسانية العالية جدًّا في هذه الحرب تنقلنا إلى مستوى آخر من النقاش، وهو النقاش القانوني والأخلاقي فيما يخص "الدروع البشرية"، وهو ما سأعالجه في المقال القادم بإذن الله.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الجیش الإسرائیلی استخدام الأطفال التمییز بین تشرین الأول هذه الحرب حرکة حماس الحرب على فی الحرب على غزة ومن ثم

إقرأ أيضاً:

نزوح الآلاف وسط قصف إسرائيلي بجنوب غزة

قصفت القوات الإسرائيلية مناطق عدة في جنوب قطاع غزة، الثلاثاء، وفر آلاف الفلسطينيين من منازلهم فيما قد يكون جزءا من الفصل الأخير من العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة خلال الحرب المستمرة منذ نحو 9 أشهر.

وقال مسؤولون بقطاع الصحة، الثلاثاء، إن 8 فلسطينيين قتلوا وأصيب العشرات، في حين قال الجيش الإسرائيلي إن اثنين من جنوده قتلا في اشتباك جرت الاثنين.

وقال قادة في إسرائيل إن القوات على وشك إنهاء عمليات القتال العنيف مع حركة حماس، التي تدير قطاع غزة منذ عام 2007، وستتحول قريبا إلى عمليات أكثر استهدافا.

وقال مسعفون إن 17 فلسطينيا قتلوا، الثلاثاء، عندما قصفت دبابة إسرائيلية شارعا في حي الزيتون المكتظ بالسكان بمدينة غزة في شمال القطاع.

وأظهرت لقطات نُشرت على بعض حسابات مواقع التواصل الاجتماعي الفلسطينية مشهدا في سوق محلية اختلطت فيها الدماء بخبز متناثر على الأرض. ولم يتسن لرويترز على الفور التحقق من هذه اللقطات.

وكان الجيش الإسرائيلي أمر سكان عدة بلدات وقرى شرق خان يونس بإخلاء منازلهم، الاثنين، قبل عودة الدبابات إلى المنطقة التي انسحب منها الجيش قبل أسابيع.

وقال سكان ووسائل إعلام تابعة لحماس إن الآلاف ممن لم يستجيبوا لهذا الأمر اضطروا إلى الفرار من منازلهم تحت جنح الظلام عندما قصفت الدبابات والطائرات الإسرائيلية القرارة وعبسان ومناطق أخرى وردت أسماؤها في أوامر الإخلاء.

وتساءل تامر، وهو رجل أعمال يبلغ من العمر 55 عاما نزح 6 مرات منذ السابع من أكتوبر "وين نروح"؟

وقال لرويترز عبر تطبيق للتراسل: "كل مرة الناس بترجع لبيوتها، وبتحاول تعيد بناء حياتها ولو فوق أنقاض بيوتهم، بيرجع الاحتلال بالدبابات بيدمر اللي بقي من هاي البيوت والأماكن".

وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته قصفت مناطق في خان يونس أُطلق منها نحو 20 صاروخا، الاثنين. وأضاف أن الأهداف تضمنت منشآت لتخزين الأسلحة ومراكز للعمليات.

وذكر الجيش أنه اتخذ إجراءات قبل الضربات لضمان عدم تعرض المدنيين للأذى من خلال إتاحة فرصة لهم للمغادرة، في إشارة إلى أوامر الإخلاء. واتهم الجيش حماس باستخدام البنية التحتية المدنية، والسكان، دروعا بشرية، لكن الحركة تنفي ذلك.

وقالت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، المتحالفة مع حماس إن مسلحيها أطلقوا صواريخ باتجاه عدة مستوطنات إسرائيلية قرب السياج الحدودي مع غزة، ردا على "جرائم العدو الصهيوني بحق أبناء شعبنا الفلسطيني".

إلى ذلك، قالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في غزة، الثلاثاء، إن 1,9 مليون شخص هم اليوم نازحون في القطاع، مضيفة أنها "تشعر بقلق عميق" إزاء التقارير التي صدرت عن أوامر إخلاء جديدة في خان يونس. 

وقالت سيغريد كاغ أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: "لقد تم تهجير أكثر من مليون شخص مرة أخرى، وهم يبحثون يائسين عن المأوى والأمان".

وأضافت: "هناك اليوم 1,9 مليون شخص نزحوا في جميع أنحاء غزة ... أشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تفيد بأن أوامر جديدة بالإخلاء صدرت في منطقة خان يونس". 

الفصل الأخير في رفح

وقالت إسرائيل، التي تزداد الضغوط الدولية عليها لتخفف الأزمة الإنسانية في غزة، اليوم الثلاثاء إنها ربطت خط كهرباء بمحطة لتحلية المياه في القطاع لتوفير المزيد من مياه الشرب.

وذكر الجيش الإسرائيلي أن إنتاج مياه الشرب سيقفز بأربعة أمثاله ليصل إلى 20 ألف متر مكعب يوميا. ورغم أن هذه الكمية ليست كافية لتزويد سكان غزة بالمياه، يقول مسؤولون إسرائيليون إنها كمية كبيرة.

وقال مسؤول دفاعي إسرائيلي: "سيغير هذا الأمر قواعد اللعبة تماما فيما يتعلق بالتعامل مع مشكلات الصرف الصحي الملحة والوصول إلى موارد المياه"، مضيفا أن هذا يأتي في إطار جهد إنساني أكبر يدفع وزير الدفاع يوآف غالانت إلى بذله.

اشتعل فتيل الحرب عندما اقتحم مسلحون من حماس إسرائيل في السابع من أكتوبر في هجوم مباغت، أسفر وفقا للإحصائيات الإسرائيلية عن مقتل 1200 شخص واحتجاز نحو 250 رهينة، بينهم مدنيون وعسكريون واقتيادهم لغزة.

وأسفر الهجوم الجوي والبري والبحري الإسرائيلي المضاد عن مقتل نحو 38 ألف فلسطيني حتى الآن وفقا لوزارة الصحة في غزة، كما تسبب في دمار واسع بالقطاع الساحلي المكتظ بالسكان.

ولا تفرّق إحصائيات وزارة الصحة في غزة بين المسلحين وغير المسلحين، لكن المسؤولين يقولون إن معظم القتلى من المدنيين. وتقول إسرائيل إن 320 من جنودها قتلوا في غزة وإن ثلث القتلى الفلسطينيين على الأقل من المسلحين.

وقال شهود ومسعفون إنه يوجد ضمن المناطق الخاضعة لأوامر الإخلاء مستشفى غزة الأوروبي، الذي يخدم خان يونس ورفح وإن المسؤولين الطبيين مضطرون إلى إجلاء المرضى والعائلات الذين لجأوا إلى المستشفى.

وقال المتحدث الرسمي باسم الصحة العالمية، ريك بيبركورن، "قرر موظفو المستشفى والمرضى الإخلاء بالفعل"، مضيفا أنه لا يزال هناك 3 مرضى فقط. إننا نناشد أن يتم إنقاذ المستشفى الأوروبي، ولا يتعرض لأضرار".

واتجه بعض السكان غربا نحو منطقة المواصي القريبة من الشاطئ، المكتظة بخيام النازحين. ونام البعض في الشوارع لأنهم لم يتمكنوا من العثور على مأوى.

وسبق أن أشارت إسرائيل إلى أن عمليتها في رفح، الواقعة جنوب قطاع غزة والمتاخمة للحدود مع مصر، تقترب من نهايتها.

وتقول إسرائيل إن توسيع عملياتها العسكرية لرفح كان الهدف منه القضاء على عدد من مسلحي حماس الذين يعتقد أنهم يختبئون في المدينة.

وقال مسؤولوها إنه بعد انتهاء المرحلة المكثفة من الحرب ستركز القوات على عمليات أصغر نطاقا، تستهدف منع حماس من إعادة ترتيب صفوفها.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، إن إسرائيل تقترب من هدفها المتمثل في تدمير القدرات العسكرية لحركة حماس. وأضاف أن العمليات الأقل كثافة ستستمر.

وأضاف: "إننا نتقدم نحو نهاية مرحلة القضاء على جيش حماس الإرهابي، وسنستمر في ضرب فلوله".

وتواصل حركتا حماس والجهاد الإسلامي شن هجمات على القوات الإسرائيلية الموجودة في قطاع غزة وتطلقان الصواريخ من وقت لآخر على إسرائيل.

وتقول حماس إن نتانياهو فشل في تحقيق أهداف الحرب وإن الحركة مستعدة للقتال لسنوات.

"سنتوقف دون نقاش"

وتعثرت جهود مصرية وقطرية، تدعمها الولايات المتحدة، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. وتقول حماس إن أي اتفاق يجب أن يفضي إلى إنهاء الحرب والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة. وتقول إسرائيل إنها ستوافق فقط على وقف مؤقت للقتال حتى يتسنى لها القضاء على حماس.

وردا على تصريحات غير محددة المصدر، أوردتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أفادت بأن إسرائيل قد تكون مستعدة لإنهاء الحرب دون تحقيق أهدافها، قال نتانياهو إن ذلك "لن يحصل".

وقال رئيس الوزراء: "لن نستسلم للرياح الانهزامية"، وفق بيان صادر عن مكتبه. وأضاف أن "الحرب ستنتهي عندما تحقق إسرائيل كل أهدافها، بما في ذلك القضاء على حماس وتحرير كل الرهائن".

وفي سياق متصل، قال نائب زعيم حزب الله، نعيم قاسم، الثلاثاء، إن الجماعة اللبنانية لا تستطيع القول ما إذا كانت ستوقف الأعمال العدائية ضد إسرائيل إذا انتهت الحرب في غزة دون وقف رسمي لإطلاق النار.

وقال قاسم لوكالة أسوشيتد برس من المقر السياسي لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، إنه "إذا كان هناك وقف لإطلاق النار في غزة، فسوف نتوقف دون أي نقاش".

ويحذر نائب زعيم حزب الله من أنه حتى لو كانت إسرائيل تعتزم شن عملية محدودة في لبنان لا تصل إلى حد حرب واسعة النطاق، فلا ينبغي لها أن تتوقع أن يظل القتال محدودا.

ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، يجري تبادل إطلاق نار شبه يومي بين حزب الله والجيش الإسرائيلي عبر حدود لبنان الجنوبية.

وقال حزب الله، الثلاثاء، إنه أطلق عشرات الصواريخ من نوع كاتيوشا على ثكنة كريات شمونة "ردا على اعتداءات العدو الإسرائيلي على القرى الجنوبية الصامدة (..)".

مقالات مشابهة

  • خبير عسكري: قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي يدركون مخاطر التصعيد مع لبنان
  • خبير عسكري: الاحتلال الإسرائيلي يمارس الحرب النفسية على اللبنانيين (فيديو)
  • خبير عسكري: الاحتلال الإسرائيلي يمارس الحرب النفسية على اللبنانيين
  • الموساد: إسرائيل تدرس رد حماس على اقتراح وقف إطلاق النار في غزة
  • واشنطن تدعو إسرائيل للتحقيق في تقارير استخدامها المدنيين كدروع بشرية
  • معضلة إسرائيل القادمة.. من يدير قطاع ​​غزة بعد الحرب؟
  • الخارجية الأمريكية تدعو إسرائيل للتحقيق في استخدام جيشها المدنيين دروعا بشرية
  • واشنطن تدعو إسرائيل للتحقيق في استخدام جيشها المدنيين دروعا بشرية
  • نزوح الآلاف وسط قصف إسرائيلي بجنوب غزة
  • NYT: جنرالات الاحتلال يخشون من حرب أبدية ويدعمون وقف إطلاق النار