صناعة البطل البديل وحلّ العودتين
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
صناعة البطل البديل وحلّ العودتين
"ثمار" بدأت تُؤتي أكلها في الجانب الاجتماعي بشكل صارخ، حيث نلحظ تغيّرا عميقا في اهتمامات الجيل الناشئ.
طوفان الأقصى تسمية عبقرية لحدثٍ ضخمٍ لم يزل يتفاعل، وربما يكون بداية جديدة لكتابة تاريخ جديد ليس للمنطقة، بل لكثير من مناطق العالم.
مسحت عملية طوفان الأقصى طبقاتٍ وهم متراكم عن الوعي الجمعي للشباب اليافع، وردّتهم لأنفسهم فبدأوا يبحثون عن بطولاتٍ أخرى بديلة للبطولات التي صمّمت، لإلهائهم.
تغيّرات هامة ضربت بلادنا جرّاء الطوفان، ولم يزل الباب مفتوحا للمزيد فالطوفان في ذروته ولم تبتلع الأرض ماءها بعد، ولم تزل السفينة في عُباب الماء ولم تستو بعد على الجودي.
(1)
تستعصي فضائل "طوفان الأقصى" ومنجزاته على الحصر، فهي أشبه بطوفان نوح، حين غمرت الأرض المياه وتفجّرت من كل جانب، فأغرقت كل شيء، وصنعت واقعا جديدا يكاد يكون ممتدّا في كل مناحي الحياة على كوكبنا، بل يبدو أن من اختار تسميتها الطوفان كان يدرك أنه يتحدّث عن حدث زلزالي كوني، يشمل، في آثاره، كل مظاهر الحياة في منطقتنا وكثير من مناطق العالم.
ولا تخطئ العين كثيرا من التغيّرات التي ضربت بلادنا جرّاء هدا الطوفان، فقد كتبت في هذا الموضوع آلاف الصفحات، ولم يزل الباب مفتوحا للمزيد، فالطوفان في ذروته ولم تبتلع الأرض ماءها بعد، ولم تزل السفينة في عُباب البحر ولم تستو بعد على الجودي.
ويبدو أن من يسعده الله هو من يلهمه الركوب فيها، أما من يتخلّف عن هذا فالله وحده أعلم ما سيكون مصيره، وما نقوله هنا ليس مبالغة بقدر ما هو استقراء أولي ستظهر آثاره، وبعضها بدأ بالظهور، في المديين المتوسط والبعيد.
(2)
بعيدا عن القراءات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي بدت نتائجها ظاهرة للعيان، سواء على الكيان الصهيوني أو من يناصره ويدعمه، ومن يصطفّ إلى جانب أصحاب السفينة، هناك "ثمار" بدأت تُؤتي أكلها في الجانب الاجتماعي بشكل صارخ، حيث نلحظ تغيّرا عميقا في اهتمامات الجيل الناشئ، سواء في بلادنا أو بلاد الفرنجة.
وفي هذا الأمر، يحدّثني أحد الأصدقاء أنه دخل إلى غرفة ابنه المراهق، فراعه أن كل الصور التي كان يعلقها على الحائط قد تغيّرت بشكل كامل، حيث كان يضع على الحائط صور مطربين ومغنّين وملصقات ألعاب إلكترونية، ونجوم كرة قدم، ومن يسمّونهم "مؤثّرين" على منصّات الإعلام الشعبي.
واستبدل هذا كله بصور أبي عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب الشهيد عزّ الدين القسام، وصور الشيخ عز الدين القسام نفسه، وصور مقاتلين من "حماس"، وصور للقصف والبطولات في غزّة، وازدانت غرفته أيضا بتشكيلات للكوفية البيضاء والسوداء، التي غدت رمزا للمقاومة.
ويقول لي صديقي إن ابنه من لحظة انطلاق الطوفان غدا شخصا آخر، يتابع الحدث السياسي، ويهتم بتفاصيل الأخبار، ويناقش في الحرب والعدوان، وينفعل مع أحداثه، ويصل به إلى حد البكاء أحيانا كلما أوغل العدو في عدوانه.
وكان من قبلُ لا يلقي بالا لكل هذه الأمور، فقد شغلته كرة القدم والمغنّي الذي يتراقص عاري الصدر على خشبة المسرح، وكان مأخودا بالألعاب الإلكترونية، حتى أنه اليوم بدأ يخطّط لتصميم لعبة إلكترونية تحكي قصة المقاومة، ومناجزة العدو، وتتحدث عن بطولات القسام والحرب وفلسطين.
ليس هذا الفتى الوحيد الذي قلبت الحربُ كيانه، فجيله كما يبدو بدأ يبحث عن "بطل" بديل، يلهمه ويشعل خياله، ويخرجه من دائرة الاهتمامات التي صرفت عليها الميديا الدولية المرتبطة بالصهيونية والماسونية مليارات الدولارات لسرقة عقول الجيل، وإلهائه عن واقعه، وملء خياله بأحلام وطموحات وخطط أبعد ما تكون عن هم فلسطين والأمة ومشكلاتها.
وبعبارة أخرى، مسحت عملية طوفان الأقصى طبقاتٍ من الوهم المتراكم على الوعي الجمعي للشباب اليافع، وردّتهم إلى أنفسهم فبدأوا يبحثون عن بطولاتٍ أخرى بديلة للبطولات التي صمّمت، لكي تلهمهم وتشغلهم، وهذا عملٌ جبّار، لم يكن ليحصل إلا بحدث مزلزل يصل مدى تأثيره إلى لبّ الوعي الجمعي، وعلى الأغلب، فإن من صمم عملية الطوفان لم يكن ليتخيّل أن آثارها ستمتد إلى هذا العمق!
(3)
أكثر من هذا، لم يقتصر تأثير الطوفان على العقل الجمعي العربي، بل امتدّ إلى العقل الجمعي الغربي على نحو أو آخر، وإنْ بتأثيراتٍ مختلفة، وامتدادات لم تطل الجيل الشاب، بل تعدّته إلى الأجيال الأكبر سنا، حيث بدأ هؤلاء، كل وفق فهمه، يتساءل عن سرّ الصمود الأسطوري لأهالي غزّة، ليدركوا، بعد بحث وتنقيب، أنه عائدٌ إلى إيمانهم بالإسلام والقرآن.
وهو ما دفع هؤلاء إلى قراءة القرآن الكريم والتثقف في الإسلام، ليدركوا أثر الدين في نفوس عمالقة غزّة، وهو ما أدّى، بالتالي، إلى دخولهم في دين الله أفواجا.
ويكفي أن يُشار هنا إلى استطلاع الرأي الذي كشف أن أكثر من نصف الشباب الأميركيين يؤيدون "حماس"، ويرون الحل في نهاية إسرائيل وتسليمها للفلسطينيين و"حماس"، ما يعني أن هؤلاء مع ما سمّي حلّ العودتين، أي عودة الفلسطينيين إلى بلدهم فلسطين، وعودة اليهود إلى بلادهم التي أتوا منها، لا حلّ الدولتين الدي ظل يتردد على ألسنة معظم زعماء العالم من دون أن يكون له ولو نصيب قليل من الرصيد الواقعي على الأرض!
وإلى هذا، استوطنت بطولات غزّة وصمودها الضمير الجمعي العالمي، وأحدثت ما سُمّيت الانتفاضة الشعبية متعدّدة الأعراق، التي اجتاحت مظاهره أصقاع العالم، متضامنة مع فلسطين، وخالعة التأييد الأعمى لإسرائيل وسياساتها المتوحّشة في فلسطين، إلى الحد الدي جعل الرئيس الأميركي بايدن يقول، بعباراتٍ لا تقبل التأويل، إن سلامة الشعب اليهودي على المحكّ حرفيا "نتيجة فقدان إسرائيل للدعم الدولي الأعمى".
طوفان الأقصى كانت تسمية عبقرية لحدثٍ ضخمٍ لم يزل يتفاعل، وربما يكون بداية جديدة لكتابة تاريخ جديد ليس للمنطقة، بل لكثير من مناطق العالم.
*حلمي الأسمر كاتب صحفي من الأردن
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين تغيرات طوفان الأقصى طوفان نوح أبو عبيدة عز الدين القسام الوعي الجمعي حل الدولتين طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
مسير لخريجي الدورات المفتوحة “طوفان الأقصى” في مديرية المراوعة بالحديدة
يمانيون/ الحديدة نظم خريجو دورات التعبئة المفتوحة “طوفان الأقصى”، من منتسبي المكاتب التنفيذية بمديرية المراوعة في الحديدة، اليوم، مسيرا راجلا، اختتاما لمشاركتهم في الدورة.
وخلال المسير الذي شارك 180 من منتسبي المكاتب التنفيذية بمديرية المراوعة، أكد الخريجون الاستعداد مواجهة أعداء اليمن، وترجمة توجيهات قائد الثورة، السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في تعزيز موقف اليمن المساند والمناصر للشعب الفلسطيني.
وأوضحوا أن خروجهم، في هذا المسير بالتزامن مع تخرجهم من الدورة، يعبر عن الزخم الشعبي لأبناء اليمن الذين تعول عليهم القيادة في أن يكونوا رواد الأمة وقادتها بما يحملونه من ثقافة إيمانية جهادية لمشروع التحرر من وصاية واستعمار الأعداء؛ انطلاقا من منهجية الرسول وأعلام الهدى.
وأفاد مدير المديرية عبدالله عبدالحميد المروني، بأن تخرج هذه الدفعة من دورات “طوفان الأقصى”، يأتي في إطار جهود التحشيد ورفع الجاهزية لمواجهة أعداء الأمة والمضي في ترسيخ العزة ومعاني وقيم الجهاد في نفوس أبناء المجتمع بأهمية التحرك لمواجهة أعداء الله.
وأكد أن الشعب اليمني يتوج مواقف العزة والإباء اليوم بعد عشرة أعوام من معركة المواجهة مع قوى العدوان بالانتصار للسيادة اليمنية، وخوض معركة “الفاتح الموعود والجهاد المقدس”، والمشاركة في الانتصار للقضية الفلسطينية، التي تتعرض لتآمر دولي وخذلان من أنظمة وحكام العرب.
شارك في المسير مدير أمن المديرية العقيد فايد الموانس، ومساعد مدير المديرية مصطفى الغولي، وممثلو التعبئة بالمديرية.