الخليج الجديد:
2024-11-19@19:03:19 GMT

أوروبا والمحرقة

تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT

أوروبا والمحرقة

أوروبا والمحرقة

فكرة استثنائية المحرقة تستغلها إسرائيل لتكون «الضحية»، وبالتالى لا يجوز حسابها.

تنتقد جيسين فكرة استثنائية المحرقة مشيرة إلى أن التعلم من التاريخ يتطلب أصلًا المقارنة بين أحداثه.

رفض اعتبار المحرقة حدثًا استثنائيًا فكرة ليست جديدة بل أصر عليها مفكرون يهود كثر، منهم حنا أرندت نفسها، التى تُسمى الجائزة باسمها.

تشبيه غزة بغيتو اليهود فى وارسو تحت الاحتلال النازى، فهذا التشبيه «يمنحنا اللغة التي يمكن من خلالها وصف ما يجرى فى غزة. فالغيتو اليوم تتم تصفيته».

مقال جيسين بعنوان «فى ظلال الهولوكوست»، يأخذ القارئ فى رحلة صناعة الذاكرة الجمعية الأوروبية حول المحرقة واعتبارها حدثًا «استثنائيًا» لا يقارن بأى حدث.

مفارقة بالغة الأهمية، هى ضلوع اليمين المتطرف بأوروبا، والمتهم أصلًا بالعنصرية ضد اليهود، بتزعم المساواة بين الصهيونية والعداء للسامية لأنها وسيلة لاستهداف المسلمين.

«نتنياهو كان يبنى تحالفًا مع دول لاليبرالية بأوروبا كبولندا والمجر لمنع تشكل إجماع معادٍ للاحتلال بالاتحاد الأوروبى. ولذلك المسعى كان مستعدًا لأن يكذب بخصوص المحرقة».

قامت «ألمانيا طويلًا بضبط وتنظيم الكيفية التى يتم بها تذكُّر المحرقة ومناقشتها»، وتتبنى تعريفًا لمعاداة السامية يتجاوز معاداة اليهود وإيقاع الأذى بهم أو يعتبر «إسرائيل مشروعًا عنصريًا» أو «يقارن سياساتها بالنازىة».

* * *

بعد الإعلان بألمانيا عن حصول الصحفية ماشا جيسين على جائزة «حنا أرندت» المهمة، وتحديد موعد للاحتفال، أعلنت المؤسسة الممولة للحدث ثم المدينة انسحابهما جميعًا من تنظيم الحدث، بينما أصرت لجنة التحكيم على منح الجائزة، فأُلغى الاحتفال وتحدد موعد لحلقة نقاشية ضيقة يتم فيها تسليم الجائزة دون احتفال!

أما السبب فكان أن «جيسين»، اليهودية الأمريكية ذات الأصول الروسية، كانت قد كتبت مقالًا بمجلة «نيويوركر» الأمريكية شبهت فيه غزة بـ«الغيتو اليهودى» بأوروبا الشرقية، خاصة وارسو تحت الاحتلال النازى، والتى شهد فيها اليهود أسوأ أشكال التنكيل والمعاناة أثناء جرائم المحرقة.

وسواء اتفقت أو اختلفت مع كتابات «جيسين» عمومًا أو حتى مع بعض تفاصيل ما جاء فى ذلك المقال تحديدًا، فإن أطروحته الرئيسية بالغة الأهمية بل ويناقش جوانب تستحق أن تُروى. فمقال «جيسين»، الذى نُشر بعنوان «فى ظلال الهولوكوست»، يأخذ القارئ فى رحلة تتعلق بصناعة الذاكرة الجمعية الأوروبية بخصوص المحرقة واعتبارها حدثًا «استثنائيًا» لا يجوز مقارنته بأى حدث آخر.

وهى بالمناسبة فكرة تستغلها إسرائيل لتكون «الضحية»، وبالتالى لا يجوز حسابها. وتنتقد الكاتبة تلك الفكرة، مشيرة إلى أن التعلم من التاريخ يتطلب أصلًا المقارنة بين أحداثه. ورفض اعتبار المحرقة حدثًا استثنائيًا فكرة ليست جديدة بل أصر عليها مفكرون يهود كثر، منهم حنا أرندت نفسها، التى تُسمى الجائزة باسمها.

وتشرح «جيسين» بالتفصيل «قيام ألمانيا طويلًا بضبط وتنظيم الكيفية التى يتم بها تذكُّر المحرقة ومناقشتها»، وتبنى الدولة هناك تعريفًا لمعاداة السامية لا يتضمن فقط معاداة اليهود كيهود وإيقاع الأذى بهم، وإنما يتضمن أيضًا أى ما يشير إلى «إسرائيل باعتبارها مشروعًا عنصريًا» أو «يعقد مقارنة بين سياسات إسرائيل المعاصرة وسياسات النازى».

ثم تتناول الكاتبة مفارقة بالغة الأهمية، وهى ضلوع اليمين المتطرف بأوروبا، والمتهم أصلًا بالعنصرية ضد اليهود، بتزعم المساواة بين الصهيونية والعداء للسامية لأنها وسيلة لاستهداف المسلمين.

فتشير «جيسين»، مثلًا، إلى أن القانون الذى مرره البرلمان الألمانى عام 2019، ويجرم الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل باعتبارها «معادية للسامية»، كان قد قدمه أصلًا حزب «البديل لألمانيا»، ثم اضطرت أحزاب أخرى لكتابة مشروع قانون مماثل لتمريره لئلا تكون قد وافقت على ما قدمه الحزب المتطرف.

ثم تنقلنا الكاتبة لحالة بولندا التى سعت تحت حكم اليمين لإعادة كتابة التاريخ ليُحذف منه أى إشارة لضلوع البولنديين فى قتل اليهود، وكيف اشترك نتنياهو عام 2018 فى ذلك عبر بيان مشترك مع رئيس وزراء بولندا يؤكد براءة بولندا رغم التاريخ الموثق!

وعلقت أن «نتنياهو كان يبنى تحالفًا مع الدول اللاليبرالية بأوروبا كبولندا والمجر للحيلولة دون تشكل إجماع معادٍ للاحتلال فى الاتحاد الأوروبى. ومن أجل ذلك المسعى كان مستعدًا لأن يكذب بخصوص المحرقة».

وفى هذا السياق، تقدم «جيسين» فكرتها الجوهرية، أى تشبيه غزة بغيتو اليهود فى وارسو تحت الاحتلال النازى، قائلة إن هذا التشبيه «يمنحنا اللغة التى يمكن من خلالها وصف ما يجرى فى غزة. فالغيتو اليوم تتم تصفيته».

وتلك العبارة القوية أو انتقادات «جيسين» لانتهازية نتنياهو لم يغفرها لها المستعدون لإعفاء إسرائيل من المسؤولية بالمطلق، تمامًا مثلما حدث مع حنا أرندت، الفيلسوفة اليهودية التى هربت من مراكز اعتقال النازى أصلًا.

فـ«أرندت» بسبب موقفها من الصهيونية بعد نشأة إسرائيل وانتقاداتها لإسرائيل ولاعتبار الهولوكست جريمة استثنائية ثم رفضها دخول مناحم بيجين أمريكا، كلها مواقف أدت لاختراع تعبير «اليهودى الذى يكره نفسه» كاتهام جاهز من أجل الاغتيال الأدبى والمعنوى لليهود الذين ينتقدون إسرائيل!

*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي

المصدر | المصري اليوم

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أوروبا المحرقة هولوكوست نتنياهو ألمانيا أرندت اليهود مقاطعة إسرائيل معاداة السامية استثنائی ا

إقرأ أيضاً:

عبقرية سعد!!

قلنا فى الأسبوع الماضى، إن ذكرى عيد الجهاد قد تركت لنا دروسًا لا يمكنُ أن تُنسى أو تُمحى أبد الدهر، مثل ظهور فكرة الوطنية المصرية الجامعة، وأن الوفد فكرة غير قابلة للتكرار ولايمكن أن تنجح محاولات استنساخها، وأن ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول نجحت فى تصحيح أخطاء الثورات السابقة، وأنها حققت إنجازًا كبيرًا للمرأة المصرية التى خرجت من حصارها إلى المجتمع الرحب تعمل وتنتج وتناقش وتشارك وتثور، واخيرًا عرفنا أن سعدًا كان زعيمًا لا يتكرر، فقد انحاز للشعب فانحاز الشعب له.
ولكن من ضمن عبقريات هذه المرحلة، هو تجاوزها لكل معوقات الاتصال ونجاحها فى الوصول لكل المصريين بسهولة منقطعة النظير.
قطعًا.. تستطيع أنت الآن خلال جلوسك فى منزلك، أن تقرأ معلومات كثيرة عن أسباب انطلاق ثورة 1919، سوف تعرف تفاصيل دقيقة اجتهد غيرك فى الحصول عليها من خلال الوثائق التى تسجل يوميات الثورة، من خلال مستندات أو كتب راقب أصحابها الأحداث عن كثب، وكانوا شهود عيان على الثورة الأم، وبروز اسم زعيمها الأول سعد زغلول، الذى دارت حوله الأساطير فى زمن لم يعرف وسائل الاتصال الحالية، ولم يعرف سرعة التواصل مع الجماهير عبر الإنترنت أو التليفزيون أو حتى الإذاعة التى لم تظهر إلا بعد اندلاع الثورة بسنوات!
كان الوقت الذى ظهر فيه سعد، وقتًا يبحث فيه الناس عن زعيم يخلصهم من الاحتلال، وقائد يثقون فيه ولا يندمون على أتباعه، فكان سعد الذى هزم كل وسائل الاتصال، فلم تكن جماهيره تمتلك هاتفًا محمولًا، ولم تعرف سوى نقل المعلومة بطريق مباشر من شخص إلى آخر، وكانت الصحف المطبوعة هى أقصى قدرات عالم الاتصالات فى بلد كانت الأمية تسيطر على نسبة كبيرة من أبنائه، فكان المتعلمون ينقلون المعلومة بأنفسهم لمن هم دون القدرة على القراءة، ورغم ذلك تمكن سعد زغلول من صنع أسطورة لا تتكرر بسهولة، ومن ضمن الأساطير التى اقترنت باسم سعد، ما قيل حول تأكيده عدم جدوى مقاومة الاحتلال، وهى قصة غير حقيقية، روجها الإنجليز وأعداء الثورة، للنيل من سعد وثورته، وحزبه! فقد كان الاحتلال يعلم أن أى كلمة تخرج من فم سعد.. يصدقها الناس.. فاستغلوا جملة قالها وقاموا بترويجها لنشر الإحباط بين الناس!!
إذن ما هى القصة الحقيقية لانطلاق هذه المقولة؟ الحقيقة أن سعد زغلول لم يكن رجلًا يائسًا بل كان مناضلًا لا يتوقف عن الكفاح من أجل وطنه وحريته ولذلك لا نجد صحة المقولة التى يرددها المصريون على لسانه عندما قال «مفيش فايدة» فهى دعوة لليأس لم يطلقها سعد من أجل العمل الوطنى ولكنه كان يقصد أن حياته انتهت بعدما سيطر عليه المرض، فقد اشتد عليه وبات على يقين بأنه هالك لا محالة فقال لزوجته صفية زغلول وهى تحاول إعطاءه الدواء، مفيش فايدة، وتناقلها المصريون على أنه يعنى أن الإنجليز لن يخرجوا من مصر، فقد كانت مقولة سعد يتم تداولها بسرعة البرق وساعد الإنجليز على تدعيم فكرة نشر المعنى السلبى للمقولة ولكن سعد لم يكن يقصد إلا نفسه وقد مات فعلًا بعدها بأيام ليبقى رمزًا وطنيًا علم الناس معنى الثورة حتى أنه أصبح نموذجًا للثائر المصرى الذى لا تموت ذكراه مع جسده، بل ظل علامة فى التاريخ والوجدان والذاكرة المصرية.
كان سعد أستاذا للثورة بمفهومها الواسع، ثورة ضد الظلم، وضد الفقر، وفى مواجهة الجهل، باقتصاد قوى ومؤسسات علمية راسخة وحريات لا تتوقف إلا عندما تصطدم بحقوق الآخرين، وكان يهدف من وراء الثورة عملًا ومستقبلًا لا يهتز، وتماسكًا وطنيًا لا يصاب بشرخ، ويدًا تبنى لا تهتز، فهو أستاذ الثورة وعلمها ونموذجها الأكثر شهرة وبقاءً فى وطن عرف الثورة بعده بما يقرب من مائة عام!
سعد زغلول، قيادة نادرة، تمكن من تعليم الشباب كيف يثورون على الظلم والطغيان، وكيف يقولون للسلطان الذى أصبح ملكًا، ويقولون للاحتلال الذى استغل موارد البلاد، نحن أصحاب البلد، أو كما قال لهم يومًا: «إنكم أنبل الوارثين لأقدم مدنية فى العالم وقد حلفتم أن تعيشوا أحرارًا أو تموتوا كرامًا»، كان يقوم بتدريس الحرية فى كل كلمة، فكان أستاذًا لمنهج جديد يدق باب الوطن اسمه «الليبرالية» فكان نتاج هذه المرحلة ظهور قيادات تاريخية فى الاقتصاد فكانت شخصية أحمد عبود باشا وطلعت حرب الاقتصادى العظيم، وقيادات تاريخية فى الفن مثل سيد درويش ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم ونجيب الريحانى، وأسماء لا تنُسى فى السياسة والأدب والعلوم!
لابد أن تقرأ تاريخ الوفد لتعرف أنه تأسس على يد زعيم عظيم، وأن زعيمه عرفه الناس بوسائل اتصال بدائية، واستمر لمدة مائة عام قائمًا ومستمرًا وثابتًا لأنه حفر اسمه فى كتب التاريخ، ولذلك سيبقى -بأبنائه المؤمنين بأفكاره المتشبعين بمبادئه- حزبًا معبرًا عن أمة تستحق أن تعيش وبلدًا يجب أن يكون فى المقدمة!

مقالات مشابهة

  • عبقرية سعد!!
  • اكتشاف دليل على ممارسة التحنيط في أوروبا
  • إسبانيا.. «عملاق القرن» في أوروبا!
  • كل اليهود لإسرائيل جنود / الجزء الثالث
  • شاهد | الزنداني يقول بأن الصهاينة يسعون لتحويل العداء نحو إيران والمسلمون الشيعة بدلًا عن اليهود والأمريكيين
  • حاخام إسرائيلي: ما يحصل حاليا هو حرب دينية وعلى اليهود حشد الدعم الدولي لبناء “الهيكل الثالث”
  • عشرات اليهود يدنسون المسجد الأقصى المبارك
  • بعد استدعائهم للخدمة العسكرية.. اليهود الحريديم في شوارع تل أبيب مجددا رفضاً للتجنيد الإجباري
  • إسرائيل ترسل إخطارات تجنيد لمزيد من اليهود الحريديم
  • اليهود والمنافقون.. معطياتٌ وعلاقاتٌ ونتائج