أوروبا والمحرقة
فكرة استثنائية المحرقة تستغلها إسرائيل لتكون «الضحية»، وبالتالى لا يجوز حسابها.
تنتقد جيسين فكرة استثنائية المحرقة مشيرة إلى أن التعلم من التاريخ يتطلب أصلًا المقارنة بين أحداثه.
رفض اعتبار المحرقة حدثًا استثنائيًا فكرة ليست جديدة بل أصر عليها مفكرون يهود كثر، منهم حنا أرندت نفسها، التى تُسمى الجائزة باسمها.
تشبيه غزة بغيتو اليهود فى وارسو تحت الاحتلال النازى، فهذا التشبيه «يمنحنا اللغة التي يمكن من خلالها وصف ما يجرى فى غزة. فالغيتو اليوم تتم تصفيته».
مقال جيسين بعنوان «فى ظلال الهولوكوست»، يأخذ القارئ فى رحلة صناعة الذاكرة الجمعية الأوروبية حول المحرقة واعتبارها حدثًا «استثنائيًا» لا يقارن بأى حدث.
مفارقة بالغة الأهمية، هى ضلوع اليمين المتطرف بأوروبا، والمتهم أصلًا بالعنصرية ضد اليهود، بتزعم المساواة بين الصهيونية والعداء للسامية لأنها وسيلة لاستهداف المسلمين.
«نتنياهو كان يبنى تحالفًا مع دول لاليبرالية بأوروبا كبولندا والمجر لمنع تشكل إجماع معادٍ للاحتلال بالاتحاد الأوروبى. ولذلك المسعى كان مستعدًا لأن يكذب بخصوص المحرقة».
قامت «ألمانيا طويلًا بضبط وتنظيم الكيفية التى يتم بها تذكُّر المحرقة ومناقشتها»، وتتبنى تعريفًا لمعاداة السامية يتجاوز معاداة اليهود وإيقاع الأذى بهم أو يعتبر «إسرائيل مشروعًا عنصريًا» أو «يقارن سياساتها بالنازىة».
* * *
بعد الإعلان بألمانيا عن حصول الصحفية ماشا جيسين على جائزة «حنا أرندت» المهمة، وتحديد موعد للاحتفال، أعلنت المؤسسة الممولة للحدث ثم المدينة انسحابهما جميعًا من تنظيم الحدث، بينما أصرت لجنة التحكيم على منح الجائزة، فأُلغى الاحتفال وتحدد موعد لحلقة نقاشية ضيقة يتم فيها تسليم الجائزة دون احتفال!
أما السبب فكان أن «جيسين»، اليهودية الأمريكية ذات الأصول الروسية، كانت قد كتبت مقالًا بمجلة «نيويوركر» الأمريكية شبهت فيه غزة بـ«الغيتو اليهودى» بأوروبا الشرقية، خاصة وارسو تحت الاحتلال النازى، والتى شهد فيها اليهود أسوأ أشكال التنكيل والمعاناة أثناء جرائم المحرقة.
وسواء اتفقت أو اختلفت مع كتابات «جيسين» عمومًا أو حتى مع بعض تفاصيل ما جاء فى ذلك المقال تحديدًا، فإن أطروحته الرئيسية بالغة الأهمية بل ويناقش جوانب تستحق أن تُروى. فمقال «جيسين»، الذى نُشر بعنوان «فى ظلال الهولوكوست»، يأخذ القارئ فى رحلة تتعلق بصناعة الذاكرة الجمعية الأوروبية بخصوص المحرقة واعتبارها حدثًا «استثنائيًا» لا يجوز مقارنته بأى حدث آخر.
وهى بالمناسبة فكرة تستغلها إسرائيل لتكون «الضحية»، وبالتالى لا يجوز حسابها. وتنتقد الكاتبة تلك الفكرة، مشيرة إلى أن التعلم من التاريخ يتطلب أصلًا المقارنة بين أحداثه. ورفض اعتبار المحرقة حدثًا استثنائيًا فكرة ليست جديدة بل أصر عليها مفكرون يهود كثر، منهم حنا أرندت نفسها، التى تُسمى الجائزة باسمها.
وتشرح «جيسين» بالتفصيل «قيام ألمانيا طويلًا بضبط وتنظيم الكيفية التى يتم بها تذكُّر المحرقة ومناقشتها»، وتبنى الدولة هناك تعريفًا لمعاداة السامية لا يتضمن فقط معاداة اليهود كيهود وإيقاع الأذى بهم، وإنما يتضمن أيضًا أى ما يشير إلى «إسرائيل باعتبارها مشروعًا عنصريًا» أو «يعقد مقارنة بين سياسات إسرائيل المعاصرة وسياسات النازى».
ثم تتناول الكاتبة مفارقة بالغة الأهمية، وهى ضلوع اليمين المتطرف بأوروبا، والمتهم أصلًا بالعنصرية ضد اليهود، بتزعم المساواة بين الصهيونية والعداء للسامية لأنها وسيلة لاستهداف المسلمين.
فتشير «جيسين»، مثلًا، إلى أن القانون الذى مرره البرلمان الألمانى عام 2019، ويجرم الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل باعتبارها «معادية للسامية»، كان قد قدمه أصلًا حزب «البديل لألمانيا»، ثم اضطرت أحزاب أخرى لكتابة مشروع قانون مماثل لتمريره لئلا تكون قد وافقت على ما قدمه الحزب المتطرف.
ثم تنقلنا الكاتبة لحالة بولندا التى سعت تحت حكم اليمين لإعادة كتابة التاريخ ليُحذف منه أى إشارة لضلوع البولنديين فى قتل اليهود، وكيف اشترك نتنياهو عام 2018 فى ذلك عبر بيان مشترك مع رئيس وزراء بولندا يؤكد براءة بولندا رغم التاريخ الموثق!
وعلقت أن «نتنياهو كان يبنى تحالفًا مع الدول اللاليبرالية بأوروبا كبولندا والمجر للحيلولة دون تشكل إجماع معادٍ للاحتلال فى الاتحاد الأوروبى. ومن أجل ذلك المسعى كان مستعدًا لأن يكذب بخصوص المحرقة».
وفى هذا السياق، تقدم «جيسين» فكرتها الجوهرية، أى تشبيه غزة بغيتو اليهود فى وارسو تحت الاحتلال النازى، قائلة إن هذا التشبيه «يمنحنا اللغة التى يمكن من خلالها وصف ما يجرى فى غزة. فالغيتو اليوم تتم تصفيته».
وتلك العبارة القوية أو انتقادات «جيسين» لانتهازية نتنياهو لم يغفرها لها المستعدون لإعفاء إسرائيل من المسؤولية بالمطلق، تمامًا مثلما حدث مع حنا أرندت، الفيلسوفة اليهودية التى هربت من مراكز اعتقال النازى أصلًا.
فـ«أرندت» بسبب موقفها من الصهيونية بعد نشأة إسرائيل وانتقاداتها لإسرائيل ولاعتبار الهولوكست جريمة استثنائية ثم رفضها دخول مناحم بيجين أمريكا، كلها مواقف أدت لاختراع تعبير «اليهودى الذى يكره نفسه» كاتهام جاهز من أجل الاغتيال الأدبى والمعنوى لليهود الذين ينتقدون إسرائيل!
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي
المصدر | المصري اليومالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أوروبا المحرقة هولوكوست نتنياهو ألمانيا أرندت اليهود مقاطعة إسرائيل معاداة السامية استثنائی ا
إقرأ أيضاً:
ترامب يريد من أوروبا زيادة الإنفاق الدفاعي للناتو إلى 5%
ذكرت وكالة “فايننشال تايمز”، أن الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب يريد من أوروبا زيادة الإنفاق الدفاعي للناتو إلى 5%، وفقا لما ذكرته فضائية “القاهرة الإخبارية” في نبأ عاجل.
تقارير الناتو بشأن أوكرانيا هي تصريحات للشأن المحلي داخل دول الحلف أردوغان: تركيا كدولة في الناتو لا يمكنها القبول ببقاء المنظمات الارهابية في سوريا
وفي إطار آخر، قال مراسل القاهرة الإخبارية، من موسكو، خلال رسالة عبر شاشة القانة إنه يمكن ترجمة الخطابات التابعة لحلف الناتو بمسارين المسار الأول هو أن هذه الخطابات التي تخرج من حلف الناتو ليست سوى تصريحات للاستهلاك المحلي لداخل دول حلف الناتو وأيضًا للداخل الأوكراني وذلك من أجل رفع سقف المواجهات والمطالب قبل وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
حل الأزمة الروسية الأوكرانية
وأضاف أن هناك تقارير أمريكية تشير إلى إمكانية حل الأزمة الروسية الأوكرانية، ويمكن ان يكون حلف الناتو بدأ يستخدم الفترة الحالية لرفع سقف المواجهات مع روسيا من أجل تخفيف من حدة المطالب والأهداف الروسية.
حلف الناتووتابع: «المسار الثاني هو أن حلف الناتو شعر جديًا بأن ترامب ربما سوف يوقف الدعم العسكري الأمريكي إلى أوكرانيا خلال الفترة المقبلة لذلك حلف الناتو والقارة الأوربية هما من سيستمران في مواصلة الدعم إلى أوكرانيا».
لا مفاوضات حول أوكرانيا دون مشاركة كييفيذكر أن الدكتور ميكولا باستون، الأكاديمي والباحث السياسي، قال إن تصريحات الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، التي أكد فيها أنه لا يحق لأي زعيم أن يتحكم أو يفرض سلطته على بلاده دون أخذ رأي الشعب الأوكراني، يقصد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي بدأ في الآونة الأخيرة مفاوضات نشطة وتحركات سياسية بشأن القضية الأوكرانية.
وأشار باستون خلال مداخلة مع الإعلامية نهى درويش، على قناة القاهرة الإخبارية، إلى أنه تم إثبات مبدأ سابقًا مفاده أنه لا يمكن إجراء أي مفاوضات بشأن أوكرانيا أو اتخاذ خطوات سياسية في هذا الصدد دون مشاركة كييف أو من دون موافقتها المسبقة، مضيفًا أن الوضع الدولي اليوم يشبه الأمواج المتلاطمة، ففي البداية، كان هناك تقلص في نفوذ روسيا السياسي، ولكن الآن نلاحظ أن هذا النفوذ بدأ يتوسع تدريجيًا، حيث بدأت دول عدة تتبنى مواقف مفادها أنه ربما لا يجب معاقبة روسيا على تصرفاتها، بل التفاوض معها وأخذ مواقفها بعين الاعتبار.