خلفت حرب إسرائيل على غزة آثارا مدمرة تعدت القضاء على حركة حماس، الهدف الأساسي المعلن لاستمرار القصف وإطلاق النار على القطاع حتى الآن، ومن بين المتضررين حوالي ١٥٠ شخصا من السوريين كانوا يعيشون في قرية لبنانية هادئة على بعد حوالي 600 متر من "الخط الأزرق"، الحدود غير الرسمية بين لبنان وإسرائيل.

وسلطت صحيفة "إندبندنت" الضوء على معاناة هؤلاء السوريين، ومنهم أسماء، 29 عاما، التي قالت إنه بعد مرور ما يزيد قليلا عن عقد من الزمن على فرارها من الحرب في سوريا عندما كانت مراهقة، أمسكت بطفليها الأصغر وركضت مرة أخرى هربا من القتال، حيث تتبادل إسرائيل وحزب الله إطلاق النار بالمدفعية والصواريخ على الحدود اللبنانية.

ومن داخل مدرسة حيث كانت تنام على أرضية أحد الفصول الدراسية، بدون كهرباء، بجانب أكثر من 150 شخصا لا يفصل بينهم سو ى القماش، تحكي أسماء للصحيفة عن مأساتها قائلة إن القصف كان قريبا جدا لدرجة أن الشظايا تسببت في إصابات بوجه ابنتها البالغة من العمر 11 عاما. 

"كنا نجلس في المنزل في المساء عندما بدأت نيران الدبابة تقترب أكثر فأكثر"، تقول الأم لستة أطفال لـ "اندبندنت"، مضيفة: ""ثم سقطت قذيفة في الحديقة أمام المنزل فهربنا".

وحكت أن طفلها البالغ من العمر خمسة أشهر كان يصرخ بينما كانوا يركضون بعيدا عن نيران الدبابات الإسرائيلية على طول المناطق الحدودية في لبنان في محاولة للعثور على الأمان.

وخلفها، تعتني إنعام بشقيقتها البالغة من العمر خمسة أشهر، وهي ملفوفة ببطانية ومستلقية على قطعة من الإسفنج على الأرض تستخدمها الأسرة كسرير يتقاسمونه.

وقال لمراسلة الصحيفة، بيل ترو، "رأينا المنزل المجاور مدمرا بالكامل ولم ننظر حتى لنرى ما حدث للمكان الذي نعيش فيه. لم نحضر أي شيء معنا وهربنا".

ووفقا للصحيفة، سارت العائلة مسافة 11 ميلا (18 كيلومترا) إلى بنت جبيل قبل أن يعرض عليهم أحد المارة أن يوصلهم إلى مكان أكثر أمانا في ضواحي صور، حيث أصبحت المدينة الواقعة في أقصى جنوب لبنان ملجأ رئيسيا لآلاف الأشخاص الذين نزحوا منذ اندلاع الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله اللبناني.

وفي المدرسة في صور، ذكرت الصحيفة أن الكهرباء لا تتوفر إلا لساعات قليلة في اليوم، وتعتمد الأسر بشكل كامل على علب التونة والخضروات المتبرع بها.

وتقول راندا سعيد، 29 عاما، وهي أم لطفلين، للصحيفة، بينما كانت تجلس على أرضية إحدى الغرف، إن عائلتها هربت عندما دمرت نيران الدبابات المنزل المجاور لمنزلهم. وقالت للصحيفة إن أطفالها يبكون كلما سمعوا أصوات البرق أو الرعد.

وأضافت أن  الحرب ليست غريبة على الأسرة، خاصة أن عمها حسين السيد قُتل بنيران دبابة إسرائيلية في عام 2006 عندما حاول مساعدة صحفية مصابة، وتم إجلاء العائلة إلى طرابلس في الشمال في ذلك الوقت.

لكنها أشارت في حديثها للصحيفة إلى أنها حاولت التمسك بمكانها لأقصى درجة، قائلة "هذه المرة بقينا أطول فترة ممكنة حيث لم يكن لدينا مكان نذهب إليه. وفي النهاية، دمرت نيران الدبابة السيارة وأدركنا أنه يتعين علينا الفرار".

ويقول زوجها وهيب حميد، 45 عاما، إنه في اليوم التالي لمغادرتهم، دُمر منزلهم جزئيا، وتظهر مقاطع فيديو لبقايا مبنى متفحمة. وأضاف للصحيفة "حتى لو انتهت الحرب، لا نعرف ما إذا كان بإمكاننا العودة".

وكان يشارك الأسرة في الغرفة مصطفى سعيد، والد راندا، الذي لديه 11 طفلا. ويقول إنه يعمل باليومية كعامل، وهي وظيفة لا يستطيع القيام بها الآن.

ويضيف للصحيفة بينما يلعب الأطفال في الخلفية: "نحن نعيش بالكامل على التبرعات، لكن ليس لدينا أي فكرة عن المدة التي سيستمر فيها ذلك".

وتساءل "لماذا لا يضغط الناس في أميركا والمملكة المتحدة على إسرائيل لوقف ذلك؟"

ونقلت الصحيفة عن، بلال كشمير، الذي يساعد في تنسيق الاستجابة للأزمة في بلدية صور، إن هناك 20 ألف شخص نازح في جميع أنحاء المنطقة بأكملها، حيث يبحث 690 من الأشخاص الأكثر فقرا والأكثر ضعفا عن مأوى لهم في خمس مدارس بالمنطقة.

ويشتبك الجيش الإسرائيلي وحزب الله في واحدة من أعنف المواجهات عبر الحدود منذ 17 سنة، حيث وصلت أصداء الحرب الإسرائيلية مع حركة حماس في غزة إلي الحدود اللبنانية.

وتوجد مخاوف من أن تؤدي الاشتباكات إلى صراع موسع على مستوى المنطقة إذا تصاعدت الأحداث، بحسب الصحيفة التي أوضحت أن هذا الأمر سيكون مدمرا للبنان الذي يعاني من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم بعد انهيار نظامه المالي في عام 2019، ما أدى إلى تدمير العملة وزيادة الفقر وإصابة جزء كبير من الدولة بالشلل.

المصدر: الحرة

إقرأ أيضاً:

لبنان على خطى «البطّة العرجاء»

يتمطى الزمان اللبناني دموياً على خطى «البطّة العرجاء» الثقيلة بين رئيس أمريكي مُغادر هو جو بايدن ورئيس أمريكي مُبادر وسيبادر هو دونالد ترامب، حازماً حقائبه وينتقي فريقه مهندساً خطوط ولايته الثانية نحو البيت الأبيض. تشغل «البطّة العرجاء» أولادنا وطلابنا بعلامات الاستفهام من حولنا وعبر لعبة «الأون لاين» في العائلات والمدارس والجامعات؟

شهران من ترهل السير على الليبرة إذاً، حتى ما بعد الجمعة العظيمة وسبت النور وعيد الميلاد عبوراً نحو الاحتفالات البشرية برأس السنة 1/1/ 2025 وبعدها 20 يوماً من السنة القادمة «الجديدة» ولربما بعد ذلك بكثير. يا للبنان المحظوظ في الدنيا!!
يمكث الرئيس الأمريكي جو بايدن متلذذاً بخطى بطيئة، لكأنه سها كلياً عن القيامات اليومية المهندسة ونيران الحرائق بلبنان. هو الزمان العظيم طبقاً للقانون الأمريكي، إذ سيتمتع الرجل مودعاً صلاحياته الدستورية ولو أن اللبنانيين المسكونين بالرعب سيبقون واقفين بثياب «السبور» مصلوبين على حافة جحيمهم أو راكعين على ركبتيه مبتهلين في انتظار عاموس هوكشتين. ها هو وقد وصل أمامي على الشاشة مع أننا توسّدنا الأخبار ليل أمس بأنه ألغى زيارته. وصل ومعه سبعاً وبرفقة السفيرة الأمريكية إلى عين تينة وأراهم يحصون لا الكلام وحسب، بل كيفية حركات الأنفاس في الصدور عبر المفاوضات، وخصوصاً الرئيس نبيه برّي الصابر المُفاوض الوحيد أطال الله بعمره. اللبنانيون بعجرهم وبجرهم وطوائفهم وانقساماتهم والغرب والشرق يصلّي ويتفرّج بانتظار ما قد ينشلنا من الخرائب الوحشية فوق جبهة القرن المُعاصر.
لنقرّ بأن لبنان السياسي والشعبي هو البطّة المقعدة لا العرجاء الفاقدة سلطاتها الدستورية وتفاهمات ممثلي أحزابها وطوائفها وشحمهم ولحمهم وريشهم بصفته المساحة العالمية المتعددة الهويات والتوجهات التي خلقها الله ليتابع قاطنوها تهديمها بالصواريخ قبالة المتوسط.
يمكننا الجزم بالإجماع بأن صور المذابح تتجاوز طاقات البشرية على هضمها أو فهمها أو إحصائها أو حتى تصديقها منذ يوم السبت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عندما استيقظ العالم على ما عُرف ب«حرب غزّة» الحافل بطوفانات من صواريخ حماس المُفاجئة لإسرائيل، لكأننا في أيام القيامة لينتقل الطوفان والطوفان المُضاد إلى «حزب الله» بعد يوم واحد فقط أي في 8 أكتوبر مسانداً غزّة المسنود بدوره بشكل كبير إلى إيران في ما يتجاوز لبنان الرسمي والعلاقات الدولية لأحكام المفاجآت والتفرّد في اتخاذ القرارات.
سيبقى اللبنانيون جميعاً أسراباً متحيّرة من البطّ الأعرج النازح والخائف المنزوي والمقهور بعيداً من أمكنتهم بعدما نُتفت أنفاسهم وسقطت أجنحتهم وأبنيتهم المنتقاة على «البكلة» ركاماً مطحوناً تسقط بما يتجاوز مقاييش ريختر.
تختصر هذه المشاهد والأفلام الرهيبة الدقيقة الإخراج المتمادية عبر الشاشات بالصوت والصورة لما تمّت تسميته أساساً ب«طوفان الأقصى» عندما شلحت حماس ما يتجاوز ال 3000 صاروخ من قطاع غزّة نحو إسرائيل، إذ كان اليهود يتهيّؤون للصلاة كما ورد عبر وسائل الإعلام. ولنا أن نتذكّر ما كانوا يقصّون علينا أطفالاً في البيوت والمدارس حول «السبت اليهودي» ومعانيه، إذ عندما يفطر فيه المسيحيون عن صيامهم بانتظار أيام الأحاد يندفع اليهود فيه للصلاة.
وهنا تولد الأسئلة باعتبار السؤال علامة استفهام ومعرفة، إذ نعتبر السؤال هو الحياة على شفاه الأطفال بينما الجواب ولو كان متحيّراً ومتغيّراً يبقى علامة المعرفة.
1- ما يصف معاني أن يُنذر إنسان وعائلته في بيته في الدور العاشر مثلاً خلال دقائق محددة وعليه أن يبتعد 500 متر عنه ليتفرّج كيف يدكّ الصاروخ الأبنية ولو كانت ناطحات سحاب من أساسها ليسقط بيته وأقاربه وجيرانه وأشياءه وتاريخه في عاصمة لبنان أمام أعين الدنيا وفي بلد تشظّت طوائفه وسياسيوه وأدمنوا الحروب، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا مصارف ولا مال ولا حياة؟
2- ما معنى أن تصطف شاشات التلفزة ناقلة تلك الإنذارات تليها مناظر القصف الصاروخي وانهيارات الحضارات الكرتونية ليعبق الموت أشلاء ممن لم يتمكّنوا من الفرار أطفالاً وعجائز ومرضى ووو؟
3- صحيح أننا في عصر الذكاء الاصطناعي وكل ما كُتب وسيكتب وقيل وسيقال محفوظ بأبسط حركاته وكلماته وأحاديثه وبتفاصيله في «الآي كلاود»، لكن ألا نُقرّ بأن الأبنية الشاهقة في العواصم الحديثة ومنها بيروت تحتضن «قبائل» لا تنتهي من البشر الذين باتوا في تواصلهم كما في الغرب ربما لا يعرفون بعضهم بعضاً كي لا نذكّر بأنك إن دعوت جاراً مثلاً على فنجان من الشاي أو القهوة، فإنه يشيح بوجهه إن لم يقلّد الأجنبي الذي يستدعي لك البوليس؟
4- من يملك الطوفان والطوفان المُضاد والزلازل أخيراً غير مشيئة مكوّن هذا الكون العظيم يا قليلي الإيمان؟ أجيال من أسلحة ذكية تتجاوز الخيال وتُغري الأطفال الساكنين بتقليد بطلهم «سبايدرمان» يتابعون المشاهد عبر شاشات الخلوي ينتزعونها نازحين من أيدي أمهاتهم جائعين ويبنون طفولاتهم مبهورين بمشاهد الدماء والأشلاء والحرائق والأحياء المهدمة فوق رؤوس أهلها لكأنهم من فصيلة الحشرات؟

مقالات مشابهة

  • خبير: إسرائيل وأمريكا لا تريدان وقف إطلاق النار في لبنان
  • إسرائيل: إصابة 7 مستوطنين إثر هجوم صاروخي استهدف حيفا
  • ما مصلحة إيران في عرقلة المفاوضات بين لبنان وإسرائيل؟
  • بلبلة عند الحدود.. تسلّل طائرات لبنانية باتجاه مستوطنات إسرائيل
  • “مأساة خلف الكواليس” .. الكشف عن سبب وفاة “طرزان”
  • قتال عنيف.. ماذا يحدث بين حزب الله وإسرائيل جنوبي لبنان؟
  • مصرع 32 شخصا في باكستان جراء أعمال عنف جديدة
  • الكشف عن تفاصيل جديدة بشأن صفقة تبادل محتملة بين حماس وإسرائيل
  • لبنان على خطى «البطّة العرجاء»
  • مفاوضات لبنان وإسرائيل: قراءة في تطورات المشهد