لجريدة عمان:
2025-03-31@08:14:48 GMT

لنبعد عنا الوهم في تغيير السياسة الأمريكية!

تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT

منذ أن وعينا الحياة وتقلباتها السياسية والفكرية في حياتنا المعاصرة، وقضايا الأمة العربية وإشكالاتها، وخاصة قضية العرب والمسلمين الأولى.. قضية فلسطين، فمنذ أواخر ستينيات القرن الماضي إلى بداية السبعينيات منه، كنا نسمع عن المواقف السياسية الأمريكية المؤيدة لإسرائيل، بصورة ثابتة ودون توازن في قضايا واضحة تستحق المراجعة والنظر للحق الإنساني، كما تقول دساتيرهم وفلسفاتهم الكثيرة، وكان يدور الحديث من بعض النخب السياسية العربية والمهتمين بقضية التداول السياسي بين الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة، الحزب الجمهوري يميني النزعة، والأكثر راديكالية وجذرية في المبادئ السياسية والفكرية، في بعض أجنحته السياسية بالأخص، وبين الحزب الديمقراطي الأقرب لليسار الوسط، من حيث قربه من الجماعات الشعبية والطبقات المتوسطة والمتدنية، بحسب ما تقول نخبهم السياسية -مع بعض الاستثناءات في بعض الممارسات النفعية أو المصلحية- وفق فلسفة الأمريكي «وليم جيمس»، لذلك كنا نسمع في النقاشات والتحليلات السياسية انتظار الانتخابات، لما ستسفر عنه بين الحزبين، منذ أكثر من نصف قرن أو يزيد وبعد تفرد الولايات المتحدة في المشهد السياسي العالمي، وعادة أن بعض من المتابعين للسياسية الأمريكية، تجاه قضايا الشرق الأوسط وآسيا عموما -من أبناء جلدتنا- كنا نسمعهم يقولون: مع وصول الحزب الديمقراطي للحكم في الولايات المتحدة، سوف تتغير السياسة للأفضل، بالضغط على إسرائيل لإحقاق الحقوق المشروعة، لا سيما تجاه القضية الفلسطينية، صحيح أن الولايات المتحدة، لم يكن لها وجود عسكري منذ قرون في الشرق الأوسط، فقد كانت المملكة المتحدة وفرنسا، هما الدولتان اللتان تستعمران العديد من الدول، ومنها مصر، وبلاد الشام والعراق وبعض دول الجزيرة العربية، أما بلاد المغرب العربي، فكانت فرنسا هي المسيطرة على شمال إفريقيا بحكم القرب الجغرافي.

بدأت الولايات المتحدة في التحرك تجاه الشرق الأوسط، مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي، ونستطيع القول إنه بداية الاهتمام السياسي من الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكن ليس للحلول محل الاستعمار القديم الأوروبي بطريقته، بل جاء الاقتراب بأسلوب التحرك السياسي المرن الذي يتقرب من أجل نفوذه الجديد، دون الاستعمار بالقوة العسكرية، للإحلال محل الإمبراطورية البريطانية والفرنسية، بعد أن أخذ الضعف السياسي والاقتصادي يضربهما تباعا، بعد قيام الثورات الاستقلالية في المشرق العربي وفي شمال إفريقيا، وفي الكثير من دول العالم، وبعد خروجهما من الحرب العالمية الثانية.

وأول بروز سياسي للولايات المتحدة بدأ مع العدوان الثلاثي البريطاني، والفرنسي، مع إسرائيل على مصر في عام 1956، بعد تأميم الجمهورية المصرية لقناة السويس وإنهاء السيطرة عليها من قبل المملكة المتحدة، فقام الرئيس الأمريكي أيزنهاور بتوجيه إنذار لكل من إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، يدعوها للانسحاب، فأرغمت الدول المعتدية على قبول القرار الدولي مع الإنذار والانسحاب.

لكن هذا الموقف السياسي الأمريكي، لم يجد له الأثر الإيجابي في السياسة المصرية، بمواقفها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، وكذلك الحملة الإعلامية المصرية على الاحتلال الإسرائيلي، ودعم الفدائيين الفلسطينيين لشن هجمات من الحدود المصرية/ الفلسطينية، لا سيما مدينة غزة، فلم يتم الاتفاق مع مصر عندما طلبت شراء صفقة السلاح من أمريكا، وطلبت مصر الصفقة من تشيكوسلوفاكيا عام 1955، وهذا تم بدعم من الاتحاد السوفييتي آنذاك بحكم أنها في حلف وارسو، وبدأت مصر تقترب من المعسكر الاشتراكي الذي يترأسه الاتحاد السوفييتي، وتبعتها بعد ذلك الدول العربية التي تحولت بعد الاستقلال إلى جمهوريات مستقلة، وانحازت الولايات المتحدة إلى إسرائيل، وذلك بتأثير اللوبي الصهيوني الذي كان في بداية تغلغله على المال والإعلام، وازداد سيطرة مع بداية النشاط التجاري والقوة الاقتصادية والعسكرية، ومركز الثقل السياسي في العالم الغربي، دون منازع.

وبالفعل بدأ اللوبي الإسرائيلي يتحرك بقوة في أوساط الأحزاب السياسية الأمريكية، وخاصة اليمين الأمريكي المتمثل بالحزب الجمهوري، لكنهم سعوا أيضا في الوقت ذاته مع الحزب الديمقراطي وبتأثير من الجماعات اليهودية اليسارية، التي ترفع الشعارات نفسها التي يرفعها الحزب الديمقراطي في أمريكا، لكنهم في النهاية معنيون بدعم إسرائيل.

ولذلك أصبحت الولايات المتحدة، الداعم الأول لإسرائيل، مع تراجع دول أوروبا الغربية قليلا عن دورها الأهم، وإن كان قائما بصورة أو بأخرى، لكن أوروبا أدّت الدور الأساسي الذي لا ينسى من الذاكرة العربية الفلسطينية، في غرس إسرائيل في فلسطين، والمتمثل في الوعد بإقامة وطن قومي لليهود، وهذا ما جاء في رسالة وزير خارجية المملكة المتحدة (بلفور)، عام 1917.

ولا شك أن الغرب أغلبه ساهم في غرس هذا الجسم الغريب في الوطن العربي، وإزاحة صاحب الحق الأصيل من أرضه وأملاكه في أكثرهم، بل وتشريده إلى دول الجوار، من أجل أن يحل هذا الجسم كبديل، لكن الشعب الفلسطيني مع ما جرى له خاصة في أراضي كما تسمى 1948، قاوم بما يستطيع فعله، وقد كان فيها عدد كبير من السكان، وهناك تحليلات عديدة حول السبب الذي جعل بعض الدول الأوروبية، تسير في هذا التوجه غير القانوني والأخلاقي تجاه العرب، المتمثل في غرس هذا الجسم الصهيوني في أرض فلسطين، فالبعض يعزو ذلك لأن يتخلص منهم الغرب، لما يشكلونه عليهم من عبء في جوانب كثيرة، لكن هذا القول لا يعطي انطباعا دقيقا لمسألة ترحيلهم من أوروبا، فالكثير من اليهود بقوا في أوروبا، وصار لهم التأثير الكبير الاقتصادي والمالي والسياسي، لكن بعض التحليلات ترى أن ترحيلهم إلى فلسطين، له هدف سياسي، وهو جعل هذا الوطن القومي لليهود كخنجر لإشغال الوطن العربي وإضعافه، وتقسيمه بين شماله الإفريقي، وجنوبه الآسيوي، وهو هدف سياسي وعسكري، والأغلب من المحللين يؤيد هذه الرؤية الأخيرة، لدقتها بعد المآلات التي جرت بعد ذلك، لكن الآراء ترى أن السبب في ذلك وجود بعض اليهود في بعض مدن فلسطين، لكن هذا لا يبرر ذلك، فاليهود كانوا في العديد من الدول والأقاليم العربية والإسلامية، وهذا دليل قبول العرب والمسلمين، لأصحاب الديانات الأخرى السماوية، وديننا يقبل ذلك.

لكن يظل هذا التأييد لاحتلال فلسطين، مع الجرائم التي تمت والقمع والمساوئ، ووضع القوانين في الغرب تمنع انتقادهم، أو عدم مهاجمتهم، وكأنها عداوة للسامية، وهذا يبرز أن هناك هدفا ومخططا في هذا الغرس وتقويته والوقوف معه حتى مع جرائمه الواضحة والبينة، لذلك أصبحت هناك مؤسسات وجماعات ضغط في العديد من الدول الغربية، تتحرك لهذا الغرض، يجد الدعم التام لما يقولونه حتى ولو كان كاذبا!

وعندما تولى الرئيس «أوباما» الرئاسة بعد فوزه على المرشح الجمهوري «جون مكين» قال قبل فوزه بأنه سيستفيد من الأخطاء السابقة، وقال كلاما رائعا في خطابه بجامعة القاهرة عندما زار مصر عام 2009، وسوف يعدّل بعض السياسات السابقة، حتى يُمكن أن تكسب الولايات المتحدة شعوب العالم الإسلامي خاصة، والعمل على حلحلة القضايا المؤجلة وغير الناجزة خاصة قضية العرب الأولى، القضية الفلسطينية، والإسراع في تنفيذ الوعد الذي قطعته الإدارة السابقة في إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، إن كانت هناك رؤية واقعية للقضايا الساخنة.

لكن مهما كانت رغباته كرئيس في السعي لحل القضية الفلسطينية، فلن يستطيع ذلك مهما كانت جديته؛ لأن الولايات المتحدة تحكمها مؤسسات، لا يستطيع الرئيس أن يغير ما هو ثابت في السياسية القائمة، وسارت عليها منذ أكثر مما يقرب من 70 عاما، فاللوبي الصهيوني متغلغل في مراكز صناعة القرار السياسي، وله التأثير الكبير على السياسة الأمريكية الخارجية، وهذا الأمر لن يحقق الاستقرار في المناطق الملتهبة، ولا يسهم في إخماد التوترات والمشكلات المتفاقمة خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وبعد الحرب على غزة بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر المنصرم، صرّح الرئيس «بايدن» في بعض أحاديثه الصحفية «ولو لم توجد إسرائيل لأوجدناها»! وهذا يؤكد التوجه الثابت لكل الأحزاب الأمريكية من كل الاتجاهات، وفي بعض التقارير إن: «66% من الديمقراطيين ينظرون إلى إسرائيل نظرة إيجابية، لكن الثلثين يؤيدون أيضا إقامة دولة فلسطينية، ويتعاطف أقل من نصفهم مع إسرائيل في النزاع»، فلا نتوهم جديدا يأتي ليغيّر في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، فلا جليد تحت الشمس!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة الولایات المتحدة الحزب الدیمقراطی الشرق الأوسط فی بعض

إقرأ أيضاً:

تعليق جديد من الولايات المتحدة على اعتقال إمام أوغلو

أكد وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أن الاتهامات الموجهة إلى أكرم إمام أوغلو ليست جديدة، مشيرًا إلى أن واشنطن تتابع تطورات الوضع في تركيا عن كثب.

وقال روبيو في تصريحات صحفية: “الرواية التي تطرحها الحكومة التركية تقول إن أكرم إمام أوغلو متورط في قضايا فساد، وإن هذه المسألة قائمة منذ فترة طويلة، وقد تم التحرّك بشأنها أخيرًا.”

اقرأ أيضا

موعد صلاة العيد في تركيا

الجمعة 28 مارس 2025

وأضاف أن “إمام أوغلو والمعارضة السياسية لا يوافقون على هذا الطرح، بل يرون أنه كان سيملك فرصة قوية للفوز لو سُمح له بالترشح.”

وشدد روبيو على أن الولايات المتحدة “لا تريد رؤية حالة عدم استقرار في بلد حليف مثل تركيا”، مؤكداً رغبة واشنطن في مواصلة التعاون مع أنقرة في ملفات إقليمية مهمة، بما في ذلك القضية السورية.

واختتم بالقول: “ترامب في ولايته الأولى أقام علاقة قوية مع الرئيس أردوغان، وأعتقد أنهم الآن يريدون استئناف هذه العلاقة.”

مقالات مشابهة

  • السياسة الأمريكية تجاه السودان: من صراعات الماضي إلى حسابات الجمهوريين الباردة
  • نظرة على مشهد متغير.. هل تنزلق الولايات المتحدة نحو أمة يحكمها اللصوص؟.. اقتراب أباطرة التكنولوجيا من ترامب يثير مخاوف التواطؤ بين الثروة والسلطة السياسية
  • باحث سياسي: إسرائيل تريد تفكيك العنوان السياسي للشعب الفلسطيني
  • ترامب: الولايات المتحدة بحاجة إلى غرينلاند
  • «مصطفى بكري» يدعو للتظاهر دعما للقيادة السياسية و مواجهة الضغوط الأمريكية «فيديو»
  • تعليق جديد من الولايات المتحدة على اعتقال إمام أوغلو
  • جنبلاط يتهم الولايات المتحدة بالضغط على لبنان للتطبيع مع إسرائيل
  • رسائل إسرائيل السياسية والعسكرية من استهداف الضاحية الجنوبية
  • مكالمة "تغيير وتيرة الخطاب".. ترامب يهاتف رئيس وزراء كندا
  • قائد القيادة المركزية الأمريكية يزور إسرائيل الأسبوع المقبل