بعد مضي قرابة 3 أشهر لا تزال إسرائيل عالقة بجيوشها الجرارة عند أنفاق غزة، وبالرغم من الاستحالة الكامنة في مهمة بنك الأهداف الإسرائيلية، التي تأتي على رأسها مهمة الخلاص من حماس في غزة، سنجد أنفسنا حين نتأمل في هذا الشرط المستحيل الذي وضعته إسرائيل، أمام عناد متأتٍ من وهم فائض القوة والغطرسة دون أي منحى عقلاني يجيز فهم ذلك العناد.
غرقت إسرائيل اليوم في ما يمكن أن نسمّيه «عقدة غزة» وبطبيعة الحال حين يتحول أي تحدٍ إلى عقدة فستتبدل كل ممكنات العقلانية لتتحول إلى ضرب من العجز النفسي الذي لا يمكن تبريره بأي منطق عقلاني.
وفيما تغرق إسرائيل يوما بعد يوم في مستنقع «عقدة غزة» هذه، فهي لا تدرك أنها تختبر مناخا جديدا للحرب لم تعهده من قبل في تاريخها، لهذا وفيما ترى إسرائيل أمامها معطيات قديمة لميدان صراع قديم، لا يمكنها أن تنتبه أبدا إلى أي أمر يصرفها عن الإيمان بقوتها المادية وتفوقها التكنولوجي الذي تؤمن عبره بمنطق القوة.
وفي ذروة العنف غير المسبوق الذي تمارسه إسرائيل وتسقط حممه على قطاع غزة لا تنتبه أبدا إلى أنها قد تجاوزت حدودا أصبح معها الأمر بالنسبة للمقاومة الفلسطينية أمرا تجاوز أيضا كافة الحدود الممكنة التي كان يمكن للفصائل أن تقف عندها بحسابات المحاور والضغوط الأصدقاء.
أوشكت إسرائيل أن تزيل مدينة كاملة من الخريطة على أرض غزة، وفي غمرة جنونها العصابي هذا لا تريد أن تدرك أبدا أن ما بدأته على هذا النحو الكارثي غير المسبوق من تسييل للعنف في غزة إنما هو بذاته الشرك الذي وضعته لمأزقها الوجودي مع المقاومة الفلسطينية، فهذه الحرب التي توشك أن تكمل شهرها الثالث دون أن تجني منها إسرائيل ما كانت تجنيه بأقل الأثمان على مدى سنوات أصبحت اليوم «عقدة غزة» التي لا يمكن للعالم كله أن ينقذها من العواقب التي ستحيط بها.
دخلت إسرائيل إلى الفخ ولن يستطيع أحد في العالم أن يخرجها منه، وطبيعة هذا الفخ إسرائيل هي من وضعت سقوفه العليا وبنك أهدافه التي ظنت أن فائض القوة ووهم التفوق التكنولوجي كفيل بأن يمنحها ما تريد.
وفيما يقول قادة إسرائيل العسكريون بأن هذه الحرب ستستمر لشهور حتى القضاء على حماس، لا يبدو المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة في وارد قبول تلك المدة لأن استمرار نزيف الضحايا والدماء والشهداء بهذه الأرقام غير المسبوقة في غزة لهو مما لا يمكن أن تتحمّله الولايات المتحدة لأسابيع ناهيك عن شهور، فما جنته أمريكا من سمعتها نتيجة تحالفها غير المشروط مع إسرائيل أصبح ثمنه باهظ الكلفة، فالولايات المتحدة أولا وأخيرا دولة تدرك تماما خطر تآكل سمعتها الأخلاقية ليس فقط بين دول العالم بل كذلك داخل مجتمعها وشعبها الذي يمكنه أن يؤدي دورا كبيرا بأوراق كثيرة في ظل السنة الانتخابية القادمة لكي يخيف ساكن البيت الأبيض من عواقب التغافل عن مخالفة القوانين الدولية التي تتجاوزها إسرائيل.
ثمة الكثير من الشرايين المفتوحة لتوريط إسرائيل بالدم في هذه الحرب التي تدل مؤشرات كثيرة على أنها حرب لن تنته كأي حرب خاضتها إسرائيل من قبل.
فاشتباك مصالح الإقليم على نحو حساس بترمومتر القضية الفلسطينية، والحراك العسكري النسقي والمحدود الذي تعكس من خلاله أحلاف إيران في سوريا ولبنان واليمن أعمال ما تطلق عليه الأولى نظرية «وحدة الساحات»، قد لا يبدو على تلك الشاكلة المنضبطة، لا سيما في ظل الصراع الذي يتوسع يوما بعد يوم بين إسرائيل وحزب الله في لبنان.
كل الاحتمالات مفتوحة لانفجار شرايين شرق أوسط دموي وعنيف على وقع مجريات الصراع في غزة؛ لأنه ليس ثمة حدود باتت ممكنة لهذا الصراع الدموي المفتوح بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية.
فوق ذلك كله؛ تدرك إسرائيل حتى الآن، ذلك الرعب العظيم الذي لم تفق من صدمته جراء ما حدث لها في عملية طوفان الأقصى، وما تحاوله إسرائيل اليوم بكل جيوشها الجرارة وآلتها الحربية هو في الاستماتة من أجل عدم تكرار ما حدث في غزة، ولو كان ثمن ذلك هو ثمن مستحيل كاقتلاع فكرة حماس من نفوس الفلسطينيين وقلوبهم!
ما حدث في 7 أكتوبر يمكن أن يحدث مراتٍ أخرى وهذا هو الرعب الذي تخشى إسرائيل تكراره لكنه سيتكرر مرةً أخرى، لأنه حدث من قبل!
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هل يمكن وقف الحرب في أوكرانيا؟
جاء قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن، السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأمريكية لضرب الأراضي الروسية بعد أن نقلت روسيا بالفعل العديد من الأهداف الرئيسية خارج النطاق؛ بعد أن أنفقت أوكرانيا إمداداتها القليلة من الصواريخ الأمريكية على استهداف مواقع أقل أهمية سُمح بها سابقاً.
وذكر تحليل لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن بريطانيا سمحت، بناءً على السياسة الأمريكية الجديدة، بنشر صواريخها "ستورم شادو" ضد مخبأ قيادة في مدينة مارينو الروسية، الأربعاء، مما أدى إلى إصابة وربما مقتل جنرال كوري شمالي.
Russia has long benefited from the stability provided by NATO. Any deal struck among Trump, Zelensky and Putin had better keep this in mind, writes Holman Jenkins https://t.co/o3f7gPfHhh
— Wall Street Journal Opinion (@WSJopinion) November 23, 2024 حرب أوسع!اليوم يتعين على الولايات المتحدة أن تكون متيقظة لهجوم كوري شمالي على المصالح الأمريكية أو البريطانية، وهو أحد المسارات العديدة المؤدية إلى حرب أوسع نطاقاُ، بحسب الصحيفة.
وذكر عضو هيئة تحرير الصحيفة، هولمان دبليو جنكينز، بالنسبة للبعض في عالم ترامب، فإن انتقاد قرار بايدن هو "هدية مجانية" لا تزيد إلا من الفوضى التي تتركها الإدارة. لكن الولايات المتحدة كانت بحاجة إلى إجابة على نشر روسيا لقوات كورية شمالية، وتم الإشارة إلى سلطة الضرب الموسعة باعتبارها الخطوة التالية على سلم التصعيد الذي لا يمكن التخطيط له في واشنطن.
وأشارت الصحيفة، إلى أن الافتقار إلى التخطيط هو النهج الذي تبناه بايدن منذ البداية، وإن كان تم وصفه خطأً في كثير من الأحيان على أنه قياس دقيق لـ"خطوط بوتين الحمراء".
وفي دفاعه، كان أي شيء آخر على الأرجح خارج نطاق الرئيس الأمريكي بايدن، وحالياً أو مستقبلاً لا يستطيع الديمقراطيون حتى إلقاء اللوم على الرئيس المنتخب العائد إلى البيت الأبيض (ترامب).
وبحسب الصحيفة، أصبح حلفاء أوكرانيا مرهقين وجيشها يخسر على الأرض، وأن شعارات بايدن مثل "طالما استغرق الأمر" و "لا شيء عن أوكرانيا بدون أوكرانيا" لم تخف سوى عدم التقاء العقول الخطير بين الولايات المتحدة وكييف بشأن شبه جزيرة القرم وأهداف الحرب الأخرى. حتى الهجوم الأوكراني الفاشل في عام 2023 وأصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى، أنه كان نتيجة ثانوية تعيسة لمحاولة كييف تخمين وإدارة السياسة الداخلية لحليفها الأمريكي الذي لا غنى عنه ولكنه أسلوب عدواني سلبي.
Representative Marjorie Taylor Greene wrote that President Joe Biden "is dangerously trying to start WWIII."
Read More ⬇️
????- https://t.co/bL06JqJnKy pic.twitter.com/3vBF7nYzbx
ونقلت الصحيفة، عن المحلل السياسي والقاضي الأكثر صداقة للرئيس جو بايدن، مايكل أوهانلون من مؤسسة بروكينغز، قوله إن "هناك حاجة إلى "استراتيجية جديدة بغض النظر عمن فاز في الانتخابات الأمريكية هذا الشهر".
وبحسب جنكينز، كان ينبغي أن يكون السؤال طوال الوقت هو ما إذا كانت مثل هذه الضربات تخدم المصالح الأمريكية. والجواب هو نعم، لأنها توفر أفضل الوسائل المتاحة على الفور لرفع تكلفة الحرب التي يجب على بوتين أن ينهيها طواعية وكذلك النقاش الباهت حول ما إذا كان القانون ونظرية العلاقات الدولية تبتسم أو تجهم على الاستيلاء على الأصول المالية الروسية في الخارج.
ويرى الكاتب أنه يجب أن نكون قد تجاوزنا المجاملات وموكب التزامات الميزانية والأسلحة لمرة واحدة في واشنطن وأوروبا بالإشارة إلى من أعلنوا عن خطط مدتها 5 و 10 سنوات لتدريب وتجهيز أوكرانيا وفقاً لمعايير حلف شمال الأطلسي.
ويخمّن الكاتب، أنه من المؤسف أن فضائل (مميزات) ترامب المعروفة تجعل من غير المرجح، حتى لو تمكن الآن من التوصل إلى مفاوضات لوقف إطلاق النار، أن ينتج أي شيء يشبه الاستقرار في المنطقة.
وهذا يقود لسؤالين على درجة كبيرة من الأهمية الأول هل من الممكن وقف الحرب في هذه المرحلة؟ والثاني هل تصبح أوكرانيا أفغانستان جديدة وسط أوروبا؟.
US incrementalism has helped the Kremlin offset and mask its weaknesses. The Kremlin remains vulnerable to an adversary who can generate momentum against Russia and deny the Kremlin opportunities to regroup and adapt. A serious US strategy on Ukraine would prioritize achieving… pic.twitter.com/OK0USYf1fh
— Nataliya Bugayova (@nataliabugayova) November 17, 2024 المكاسب الإقليميةويشير الكاتب إلى أن الأوكرانيون أظهروا أنهم غير قابلين للسيطرة من موسكو أو واشنطن وسوف يجدون صعوبة في التسامح مع خسائرهم. ومن جانبه، لابد أن يدرك الرئيس الروسي بوتين أن "المكاسب الإقليمية" التي يواصل السعي وراءها، بتكلفة باهظة لجنوده، سوف تكون مصدر إزعاج له في المستقبل، والأرجح أنها سوف تكون مصدراً من شأنه أن يضعف الدولة الروسية وينتشر في جميع أنحاء المنطقة لعقود قادمة.
وترى الصحيفة، أن الحرب كانت وما تزال كارثة بالنسبة لموسكو وكييف، رغم أن بوتين يصف نفسه بالفائز في أي نتيجة كانت وربما يكون طلبه الرئيسي هو "ملحق سري" في أي اتفاق قادم يحظر عبارة "الهزيمة الاستراتيجية لروسيا" التي أصبحت مزعجة له بوضوح.
لكن بوتين يعرف سراً أن روسيا استفادت منذ فترة طويلة من الاستقرار الذي يوفره حلف شمال الأطلسي، والذي لولاه لكان تفكك الاتحاد السوفييتي قبل 35 عاماً أكثر خطورة، بالإشارة إلى أن أي صفقة يتم التوصل إليها الآن بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وبوتين لابد وأن تضع هذا في الاعتبار. وستكون هناك حاجة إلى استثمار مالي وعسكري كبير ودائم من أوروبا والولايات المتحدة لتجنب سيناريو أفغانستان جديدة في أوكرانيا.