هآرتس: ما الذي ستحفره أفعال الإسرائيليين في نفوسهم؟
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
مرّ شهران ونصف الشهر والحزن لا يفارقنا، ولوعته لا تبارحنا. الأيام والليالي حزينة. فقد استقر الحزن في إسرائيل من النهر إلى البحر، والظلام الذي أرخى سدوله علينا لم يترك ولو كوة صغيرة يدخل من خلالها بصيص ضوء من بين الغيوم. إنه الحزن ولا شيء سواه. هي الأيام مفزعة بلا رحمة ولا مغفرة.
بهذه العبارات المفعمة بالمشاعر الجياشة، والمثقلة بالهموم والإحباط، استهل مايكل سفارد المحامي والناشط السياسي الإسرائيلي المتخصص في القانون الدولي لحقوق الإنسان وقوانين الحرب، مقالا له في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
يقول الكاتب إن الأجواء يخيّم عليها نوعان من الحزن: نوع يخترق شغاف القلب، ويعتصر الدموع من المآقي ويجعل الروح ترتعش. ونوع ثانٍ يغوص ببطء فيجعل "شرايين وجودنا تضيق، ويكفهر وعينا".
غياهب الجحيمويضيف، وكأنه يندب زمانه، قائلا إن النوع الأول هو الألم. "ألم الخسارة، والصدمة في مواجهة الرعب الذي حلَّ علينا من الخارج. فالساعات التي نقضيها أمام التلفاز ونشاهد فيها قصص الأسرى، والجزع المؤلم الذي ينتاب عائلاتهم، وفقدان الجنود الذين سقطوا (في ساحات القتال)، أشبه ما تكون بعدوى الحزن الذي يتسرب إلى أجسادنا ويدب دبيبا فيها حتى يستحيل إيقافه لأن لنا إخوة وأخوات بين القتلى وأولئك الذين سقطوا والذين يعانون من غياهب الجحيم".
أما النوع الثاني من الحزن -كما يوضح سفارد- "فمرده في حقيقة الأمر إلى الإدراك والتبصر. هي رؤى مفزعة تنداح اندياحا، وأحاول طردها بأي وسيلة.. وأتساءل كيف سنكون نحن بعد الحرب؟ وأي نوع من المجتمع الإسرائيلي يُصاغ في الحاضر؟".
إن مشاهدة قصص الاختطافات وسادية القتل والانتهاكات والاعتداءات الجنسية، والاستماع إليها، تكلف ثمنا باهظا، كما يقول المحامي الإسرائيلي.
الخوف يستبد بنا
ويتابع: "إن إغراقنا في أهوال (الحرب) يجعل الخوف يستبد بنا لا محالة". وسبق للشاعر يهودا عميحاي أن قال: "من المكان الذي نحن فيه، لن تنمو الزهور في الربيع أبدا".
ويتساءل سفارد: كيف ستكون صورة مجتمع قتل عشرات الآلاف، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ،؟ في إشارة إلى ما يرتكبه الإسرائيليون في حق الفلسطينيين.
فتور الهمة واللامبالاةويستمر في تساؤلاته قائلا: "ما الذي ستحفره أفعالنا في الأسابيع الأخيرة في نفوسنا من تخريب المدن والبلدات والقرى ومخيمات اللاجئين، والتدمير الكامل للأحياء السكنية والبنية التحتية المدنية، ومحو العائلات وجعل المئات، إن لم يكن الآلاف من الأطفال، يتامى؟".
ويضيف: "كم قدر من فتور الهمة واللامبالاة استقر في دواخلنا لكي نحيل المباني الشاهقة إلى تراب، والمتنزهات والساحات إلى خرائب، ومليونا ونصف المليون إنسان إلى نازحين لا يملكون شيئا؟".
ما مآل مجتمعنا؟ولا يكف المحامي والناشط السياسي الإسرائيلي عن التساؤل فيقول: "ماذا سيكون مآل مجتمع امتنعت وسائل إعلامه لأكثر من 10 أسابيع من إجراء ولو مقابلة واحدة مع أحد سكان غزة ليحكي ما يحدث لهم؛ ومن يمنع نشر صور الأطفال الذين قتلناهم والأمهات الثكلى اللاتي تسببن في فجيعتهن؟".
ويمضي في انتقاده الإعلام الإسرائيلي، فيقول إن القنوات التلفزيونية الإسرائيلية تشكل تصوراتنا الجماعية ليس فقط من خلال ما تعرضه، ولكن أيضا، وربما بشكل رئيسي، من خلال ما تخفيه عنا.
ونشعر بالصدمة -كما يضيف- عندما تطالب 153 دولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة بوقف إطلاق النار في غزة، فيما تعارض 10 دول فقط، وعندما تؤيد 13 من أصل 15 دولة عضوة في مجلس الأمن الدولي قرارا يدعو إلى وقف القتال، وعندما تستخدم دولة واحدة حق النقض؛ وعندما تصبح الجامعات ساحات للتظاهر ضد إسرائيل.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الحرب في عامها الثالث.. ما الثمن الذي دفعه السودان وما سيناريوهات المستقبل؟
اتفق محللان سياسيان على أن الصراع المستمر في السودان منذ أكثر من عامين قد وصل إلى مرحلة حرجة، حيث تتفاقم الكارثة الإنسانية وسط تدخلات خارجية معقدة وفشل واضح للمجتمع الدولي في تحقيق أي اختراق لوقف الحرب، في حين يشهد الميدان العسكري تغيرات متسارعة.
وحسب أستاذ الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أسامة عيدروس، فإن الحرب في السودان اتسمت منذ يومها الأول باستهداف مباشر للشعب السوداني، متهما الدعم السريع ومنذ بداية الحرب باقتحام بيوت المواطنين رفقة مليشيات مرتزقة، وتنفيذ "سلسلة ممنهجة من التهجير القسري واغتصاب النساء ونهب البيوت والمرافق الحكومية والبنوك".
ورأى عيدروس أن استهداف البنية التحتية كان مخططا له ومقصودا لجعل الحياة في العاصمة الخرطوم "غير ممكنة" ودفع سكانها قسرا للخروج منها، مؤكدا استمرار هذا النمط حتى الآن، ودلل على ذلك باستهداف الدعم السريع قبل 3 أيام محطات الكهرباء ومحطة المياه في نهر النيل في مدينة عطبرة وقبلها في سد مروي، وفي دنقلا في الولاية الشمالية، على حد ذكره.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد أكد مؤخرا أن الحرب التي دخلت عامها الثالث قبل أيام قد جعلت السودان عالقا في أزمة ذات أبعاد كارثية يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى، ودعا لوقف الدعم الخارجي ومنع تدفق الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة.
إعلان
فشل أممي
وفي السياق نفسه أكد الكاتب والباحث السياسي، محمد تورشين، بأن الوضع الإنساني في السودان قد وصل إلى مستويات كارثية، مشيرا إلى وجود عدد كبير جدا من اللاجئين السودانيين في تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا.
وانتقد تورشين فشل الأمم المتحدة في إيصال المساعدات، قائلا إن الأمم المتحدة ممثلة بالوكالات الإغاثية فشلت تماما في إيصال الاحتياجات والمساعدات لمن هم بحاجة إليها.
واتفق المحللان على وجود تدخل خارجي واضح في الصراع السوداني، وقال عيدروس إن الراعي الإقليمي للدعم السريع أمده بتقانات عسكرية متطورة خصوصا المسيرات ومنظومات الدفاع الجوي، مؤكدا أن الدعم السريع يفتقر إلى أي مشروع سياسي حقيقي، ما يعني أن ما يجري هو عبارة عن "مخطط مصنوع من الخارج" حسب رأيه.
وفيما يتعلق بالتطورات الميدانية على الأرض أوضح عيدروس أن الدعم السريع تمدد حتى وصل مدينة الدندر في الشرق، لكن الجيش السوداني تمكن مؤخرا من تحرير الدندر والسوكي وسنجة وولاية سنار وولاية الجزيرة، بالإضافة إلى تحرير ولاية الخرطوم كاملة وفتح الطريق إلى الأبيض مرورا بتحرير مدن أم روابة والرهد وغيرها.
وأكد أن القوة الصلبة للدعم السريع انكسرت، وقيادتهم تشتتت وليس لديهم سيطرة على قواتهم، مشيرا إلى أن قوات الدعم في كردفان تشتكي من أنها تركت تقاتل وحدها والجيش السوداني يتقدم في مساحات واسعة.
ومع أن تورشين رجح بأن تكون قوات الدعم السريع قد تلقت ضربات موجعة أضعفت مقدرتها العسكرية وتسببت بانسحابها من الكثير من المناطق، فإنه لم يستبعد أن تكون هذه القوات مازالت تمتلك العديد من القدرات والإمكانيات التي تمكنها من تهديد أمن واستقرار المناطق الآمنة.
واستبعد انتهاء الصراع المسلح قبل أن يتمكن الجيش من امتلاك آلة عسكرية أكثر تطورا من تلك التي بحوزة الدعم السريع، خصوصا المسيرات وأجهزة التشويش.
إعلان
الحل السياسي
وفيما يتعلق بالحل السياسي، رأى عيدروس أن السودان "يتعرض لعدوان" وأنه إذا لم يتم صد العدوان وتأمين المواطن السوداني في كل بقعة من بقاع السودان، فإنه لا يمكن الحديث عن مرحلة الحل السياسي. ووجه انتقادا للقوى السياسية السودانية، قائلا إنها استقالت من مهامها الحقيقية ولم تستطع تقديم توصيف حقيقي لما يجري على الأرض.
وشدد على أن الحكومة الحالية هي حكومة الأمر الواقع وأنها تملك فقط حق إدارة الأزمة الموجودة حاليا وليس من حقها التقرير نيابة عن الشعب السوداني في شأن مستقبلي.
أما تورشين، فرأى أن الحل السياسي يتمثل بدمج قوات الدعم السريع وكافة المليشيات الأخرى في جيش وطني واحد مع ضرورة إجراء عملية إصلاح واسعة بالبلاد، ثم البدء بحوار سوداني- سوداني بمشاركة كل الأطراف للاتفاق على مرحلة انتقالية بكافة تفاصيلها، محذرا من فكرة تكوين حكومة مدنية في الظروف الحالية، باعتبار "أن الأوضاع غير مواتية، وأنه لا صوت يعلو فوق صوت البندقية".
وتوقع المتحدث نفسه أن يشهد مستقبل السودان السياسي تغييرا جذريا، على يد شرائح كثيرة من الشباب السوداني الذين لديهم انتقادات كثيرة على أداء الإدارات السابقة، ويحلمون بإنشاء منظومات سياسية بأفكار جديدة.