سلط الرئيس التنفيذي لشركة "تحليلات دول الخليج"، جورجيو كافييرو، الضوء على تداعيات حرب غزة على العلاقات بين إيران والسعودية، مشيرا إلى أن التأثير طويل الأمد للحرب على النظام الجيوسياسي والبنية الأمنية في الشرق الأوسط سيتطلب المزيد من الوقت حتى يتحقق بشكل كامل.

وذكر كافييرو، في تحليل نشره بموقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" وترجمه "الخليج الجديد"، أن هناك روايتان رئيسيتان حول آثار العدوان الإسرائيلي على العلاقات بين طهران والرياض، الأولى هي أن عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها حماس، وسلوك الجماعات المدعومة من إيران في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية العراقية، تعمل على تفاقم مخاوف السعودية بشأن سلوك طهران وطموحاتها في الشرق الأوسط.

أما الرواية الثانية فهي أن التضامن الإسلامي يقرب الآن بين إيران والسعودية، حيث تدعو الحكومتان إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتدينان الدمار غير المسبوق الذي ألحقته إسرائيل بسكان غزة والبنية التحتية، وتعلنان تصميمهما على الحفاظ على السلام والاستقرار في الخليج".

ويرى كافييرو أن هناك حقيقة في كلا الروايتين، ولا يستبعد أحدهما الآخر، فعلى الرغم من أن إيران والسعودية تشتركان في بعض المخاوف بشأن أزمة غزة، إلا أن الرياض تشعر بالقلق أيضًا بشأن قدرة طهران على استغلال هذا الصراع بطرق يمكن أن تضر بالمملكة وجيرانها العرب.

ويستشهد كافييرو بتقدير لعزيز الغشيان، زميل مشروع الطائفية والجاماعات الوكيلة بجامعة لانكستر، مفاده أن حرب إسرائيل على غزة لن يكون لها بالضرورة تأثير كبير على العلاقات الإيرانية السعودية، لكنها تضع المملكة في وضع "التخفف" من الانتهازية الإيرانية.

وبينما تنظر القيادة السعودية إلى كل من إيران وإسرائيل على أنهما يساهمان في الاضطرابات في المنطقة، قال الغشيان إن الرياض تتفهم تمامًا المدى الذي ستحاول فيه طهران الاستفادة من الرد الإسرائيلي المدمر على عملية طوفان الأقصى.

وأضاف: "السعودية لديها مخاوفها بشأن الانتهازية الإيرانية وتعتقد أن إيران لا تساهم في الاستقرار في المنطقة. وهذا هو أكبر مصدر قلق أمني للسعوديين. وفي الوقت نفسه، تدرك أن الاحتلال الإسرائيلي وحملة القصف العشوائية في غزة هي جزء لا يتجزأ من عدم الاستقرار الإقليمي".

وتابع: "في حين قد يكون لدى السعودية مخاوف من الانتهازية الإيرانية، إلا أنني لا أرى أن التوتر السعودي الإيراني يمتد خارج حدود الدبلوماسية والمفاوضات".

اقرأ أيضاً

جيوبوليتيكال فيوتشرز: هل تستخدم إيران الحوثيين لتطويق السعودية؟

اتفاق واختلاف

وهنا يلفت كافييرو إلى أهمية إدراك أن كلا من إيران والسعودية ترغبان في تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة، لكنهما تسعيان إلى تحقيق أهداف متباينة لفترة "اليوم التالي" بالقطاع، خاصة فيما يتعلق بحكم ما بعد الحرب في القطاع المحاصر منذ فترة طويلة.

ويوضح أن أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل كلا البلدين يهدفان إلى وقف إطلاق النار في غزة يتعلق بالوضع الاقتصادي في كل منهما، فمع استمرار معاناة الإيرانيين في ظل العقوبات يشعر المسؤولون في طهران بالقلق بشأن الكيفية التي يمكن أن يؤدي بها الامتداد المحتمل لحرب غزة إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط إلى الإضرار بالاقتصاد الإيراني.

ولدى المملكة مخاوفها الخاصة أيضا بشأن ما يمكن أن تعنيه الأزمة في فلسطين بالنسبة لرؤية ولي العهد الأمير، محمد بن سلمان، السعودية 2030، خاصة بالنظر إلى مدى تأثير منطقة غرب البحر الأحمر في مشروعات تلك الرؤية، فهي منطقة العديد من مشروعات التنويع الاقتصادي للمملكة، مثل مدينة نيوم المستقبلية والوجهات السياحية المختلفة.

وباعتبارهما دولتين رئيسيتين ذات أغلبية مسلمة، وتسعيان إلى الاضطلاع بأدوار قيادية في العالم الإسلامي الأوسع، فإن إيران والسعودية تشتركان في إظهار الاشمئزاز من الدمار والموت الناجم عن القصف الإسرائيلي على غزة.

زفي 11 أكتوبر/تشرين الأول، أجرى الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ومحمد بن سلمان أول محادثة هاتفية بينهما منذ توقيع اتفاقية إعادة التطبيع العلاقات قبل 7 أشهر في بكين. ووفقاً لمحمد جمشيدي، مساعد الرئيس الإيراني للشؤون السياسية، فقد تناول الزعيمان "ضرورة إنهاء جرائم الحرب ضد فلسطين، والوحدة الإسلامية، ودعم واشنطن لعدوان إسرائيل على غزة".

وإضافة لذلك، كان حضور رئيسي للقمة الطارئة المشتركة بين جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بشأن غزة، التي عقدت في الرياض في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، بمثابة المرة الأولى التي يزور فيها رئيس إيراني المملكة منذ أن مثل محمود أحمدي نجاد بلاده في قمة منظمة التعاون الإسلامي بالمدينة المنورة في أغسطس/آب 2012.

زيارة رئيسي

وفي السياق، يشير كافييروا إلى تقدير لطلال محمد، الباحث بجامعة أكسفورد ومؤلف كتاب "التنافس الإيراني السعودي"، مفاده أن "زيارة رئيسي إلى السعودية كانت حاسمة بالنسبة لإيران، حيث تتماشى مع تركيزها الاستراتيجي على فلسطين وسعيها إلى القيادة الإقليمية والإسلامية"، موضحا: "أتاحت الحرب في غزة فرصة لقيام إيران بالخطوة الأولى دبلوماسيا. وسمح لطهران بالتغلب على معضلة: من يزور أولاً".

وأضاف: "تم تأطير زيارة رئيسي على أنها محاولة للوحدة الإسلامية والتضامن مع القضية الفلسطينية، كما سمحت لإيران بأن تبرز بين المندوبين من خلال اقتراح خطة من 10 نقاط، على الرغم من أن اقتراحاتها لم تكن مدرجة في البيان الختامي للقمة. واستخدمت إيران القمة العربي الإسلامية للدعوة إلى تسليح الفلسطينيين ضد إسرائيل ووصفت الجيش الإسرائيلي بأنه منظمة إرهابية".

وتابع: "في المناخ المتوتر حاليا، تبدو إيران حذرة حتى لا تزعج الرياض، وتحافظ على الانفراج الذي توسطت فيه الصين من خلال تخفيف خطابها وإيماءاتها تجاه السعودية".

اقرأ أيضاً

بلومبرج: السعودية تعرض على إيران استثمارات لمنع نشوب حرب إقليمية

وفي السياق، يلفت كافييروا إلى أن السعودية أصبحت، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، مركزية في الأجندة الدبلوماسية لإيران، واتفق معه حميد رضا عزيزي، الزميل الزائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ببرلين.

وأوضح عزيزي أن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، يتواصل باستمرار مع نظرائه العرب، بما في ذلك وزير الخارجية السعودي"، سعياً لتحقيق هدفين رئيسيين، الأول: تعزيز الانفراج الإيراني السعودي، والثاني: إقناع الرياض بالتخلي عن أي تفكير في ضم المملكة إلى اتفاقيات إبراهيم.

وأضاف: "سعت طهران أيضًا إلى استغلال هذه الفرصة لتأكيد نفسها كلاعب إقليمي مهم واستباقي قادر على التأثير على الديناميكيات الإقليمية بالتعاون مع الدول الأخرى".

ولكن في الواقع، هناك حد لمدى النجاح الذي حققته إيران على هذه الجبهة، وهو ما يؤكده مدى فشل دعوات المرشد الأعلى، علي خامنئي، لزعماء الدول ذات الأغلبية المسلمة إلى بذل كل ما في وسعهم لمقاطعة إسرائيل، إذ تشير تقارير إلى أن السعودية تقوم فقط بتأخير خطط تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب، لكنها لن تتخلى عنها.

وإزاء ذلك، يرى عزيزي أن جهود إيران لإقامة نظام إقليمي إسلامي قائم على التضامن الإيراني العربي، الذي يعزل إسرائيل، لم تسفر عن النتائج التي تريدها طهران، ومع ذلك فليس هناك من ينكر أن المذبحة في غزة أدت إلى زيادة المشاركة بين الدبلوماسيين الإيرانيين والسعوديين، فضلاً عن الاجتماعات رفيعة المستوى التي جمعت كبار المسؤولين في كل من البلدين".

ويخلص كافييروا إلى أن مرور الوقت "يمكن أن يساعد هذا المستوى العالي من الدبلوماسية بين طهران والرياض في قيادة البلدين نحو فهم أفضل للآخر".

اقرأ أيضاً

بعد 8 أعوام من القطيعة الدبلوماسية.. القنصل الإيراني يبدأ مهامه في السعودية

المصدر | جورجيو كافييرو/ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السعودية إيران غزة إسرائيل حماس طوفان الأقصى إیران والسعودیة یمکن أن إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

في ستوكهولم..السويد تتهم إيران باستخدام مسجد للتجسس

اتهمت الحكومة السويدية، اليوم الاثنين، إيران باستخدام مسجد للشيعة في ستوكهولم للتجسس على السويد والمغتربين الإيرانيين.

وقال وزير الشؤون الاجتماعية ياكوب فورشميد عبر إكس إن جهاز الأمن السويدي توصل إلى أن طهران استخدمت مركز الإمام علي الإسلامي في ستوكهولم منصة للتجسس وفي أنشطة تهدد الأمن.
وأضاف "هذا أمر خطير للغاية"، مشيراً إلى أن السويد أوقفت كل المساعدات المالية الحكومية لهذا المركز. وقال إن "عملية أخرى" جارية دون الخوض في التفاصيل.
وقال: "لايجب استخدام أموال الدولة في أنشطة تتعارض مع القيم الديمقراطية الأساسية".

وفي بيان على موقعه الإلكتروني، قال مركز الإمام علي الإسلامي إنه منظمة مستقلة ليس لا ارتباط لها بأحزاب سياسية، أو دول.
وأضاف أنه "يتبع رقابة صارمة لمنع استخدام منشآته منصة لأي نشاط إجرامي"، نافياً المزاعم عن الحصول على أموال من دول أخرى.
وقالت وكالة الأنباء الإيرانية اليوم، إن طهران استدعت السفير السويدي في طهران الأحد، احتجاجاً على القبض على رئيس المركز الإسلامي في ستوكهولم.
ونقلت الوكالة عن متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية "القواعد الدبلوماسية لم تحترم في قضيته إذ لم يُسمح له بلقاء أسرته أو دبلوماسيين إيرانيين، وهو أمر يثير تساؤلات، ونحن نعبر عن اعتراضنا".

مقالات مشابهة

  • ترامب: مستعد للقاء الرئيس الإيراني وإذا حاولت طهران قتلي سنقضي عليها
  • ترامب يوقع أمراً تنفيذياً بفرض ضغوط قصوى على إيران
  • نيويورك تايمز: إيران تسعى إلى طريق سريع لصنع قنبلة نووية
  • المشهداني يقترح على إيران دعم استقرار سوريا
  • مجلة أميركية: هذا مصير إيران وشركائها في لبنان والمنطقة
  • في ستوكهولم..السويد تتهم إيران باستخدام مسجد للتجسس
  • إيران تتعرض للزلازل 200 مرة خلال الأسبوع الماضي
  • إيران تتعرض للزلزال 200 مرة خلال الأسبوع الماضي
  • المشهداني من طهران: إيران سند قوي جداً للعراق
  • المشهداني يلتقي نظيره الإيراني في طهران