رواية وكسة الشاويش.. جرائم الآباء يدفع ثمنها الأبناء
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
القاهرة "رويترز": داخل إطار اجتماعي يتمحور حول الأب وصورته في العائلة تدور أحداث رواية (وكسة الشاويش) آخر ما كتب القاص والروائي المصري كمال رُحيم قبل رحيله في سبتمبر بعد مشوار طويل من الإبداع انصب في مجمله على التعبير عن الإنسان ومشاعره ورصد علاقات البشر.
تنطلق أحداث الرواية الصادرة عن دار الشروق في 147 صفحة من القطع الصغير من داخل محكمة جنايات بورسعيد حيث ينظر القضاء في مصير الشاب عادل الذي شرع في قتل أمه وداد المناخلي وزوجها زكريا الفار لتبدأ بعد ذلك رحلة سرد عكسية على لسان الشاب ذاته حول نشأته وحياته وكيف انتهى به الحال داخل قفص الاتهام.
يقول عادل "أقف ووجهي خال من التعبير كتمثال من تماثيل الشمع رغم ما بداخلي من ألم وحسرة، ليس على من اعتديت عليهما فهما يستحقان، على نفسي والدنيا التي عاشتها وأوقفتها هذه الوقفة، واللافت أنه كانت تنتابني أحيانا رغبة في الابتسام ولحظات أود فيها لو أنفجر في البكاء وضحكت مرة دون سبب، ومن يراني يحتار في أمري: فهل أنا غير آبه إلى هذا الحد بالفعلة التي فعلتها؟ أم عبيط؟ أم فاجر مستهتر؟ وخذ عندك من هذه الأوصاف حتى منتهاها".
عادل هو ابن حسان العطفي الشاويش بقسم شرطة العرب في بورسعيد والذي يصفه الابن بأنه كان "سيدا من أسياد الكون في نظري" لكنه أمام زوجته وداد رجل ضعيف خانع، وتعيش الأسرة في شقة صغيرة بحي العرب في عقار يملكه ويقطن في دوره الأرضي صاحب ورشة نجارة اسمه زكريا الفار الذي أصبح لاحقا زوجا للأم.
يتذكر عادل أيام طفولته التي كان متفوقا خلالها في المدرسة حتى وفاة والده قبل اختبارات الشهادة الإعدادية بأسابيع وبالتالي لم يحصل عليها وانقلبت حياته بعد زواج أمه من صاحب العقار.
ويصف علاقة والده بوالدته قائلا "تعاملاتها معه خشنة، ليس بينهما - خصوصا هي - ود ظاهر أو حتى مضمر، كما لو كانت تستكثر نفسها عليه... لا أعرف كيف التقيا ولا كيف تزوجا، هو عالم وهي عالم آخر، بورسعيدية أبا عن جد وليست مثله من الفلاحين".
كانت تُساور عادل الشكوك في أمه، ولهذه الشكوك أسبابها فمنها مثلا وجود أموال معها وخاتم ذهب في يدها في نفس الوقت الذي كانوا يعيشون فيه حياة صعبة إضافة إلى طريقتها في التعامل مع الرجال عند خروجها للسوق حتى تيقن ذات يوم من خيانتها لأبيه مع الفار.
وبعد رحيل الشاويش حسان عن الدنيا يهجر عادل المنزل رغم إدراكه أنه أصبح يعيش مع والدته "ووالده البيولوجي" الذي كان يعامله بلطف وحاول احتضانه بكل السبل لكن صورة الأب المخدوع لم تبرح مخيلته.
وبعد رحلة شقاء ضاقت الدنيا بعادل فعاد إلى منزله ولم يستطع تحمل رؤية أمه وزوجها طويلا فأقدم على قتلهما بسكين لكنه لم ينجح.
"أمثالي في الحياة لا حظ لهم ولا سند.. فجهارا نهارا وأدتني في دوامات لا ذنب لي فيها، حياتي الأولى كانت مُرة غير أن وجود أبي لطف منها، كالليمونة حامضة المذاق التي بالماء والقليل من السكر تغدو شرابا مستساغا، كان أبي هو هذا الماء وهذا الطعم الحُلو..
حياتي الثانية بدأت برحيله عن البيت وانتهت بقفص المحكمة وانتظار العقاب، فأبي رغم هشاشته وقلة حيلته كان فارقا في حياتي، لم يكن مجرد أب بل أكبر من ذلك، وحتى بعد ما عرفته عن أصلي وفصلي تضاعف لدي هذا الإحساس، وازداد تصميمي على أني قطعة من هذا الرجل المخدوع، وبقدر إيغالي في حبه أوغلت في كره هذا الذي يسمونه الأب البيولوجي.. هو وأمي سبب شقائي".
تنتهي الرواية دون إعلان حكم المحكمة لكنها تترك الكثير من الأسئلة سواء على المستويين الأخلاقي والاجتماعي كما تترك بعض الخيوط العالقة التي يصعب التغافل عنها حول زمان ومكان الأحداث فقد اختار المؤلف حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ومدينة بورسعيد على وجه التحديد حيث شهدت مصر وقتا عصيبا شهد حرب 1967 ثم حرب 1973 وتهجير سكان مدن قناة السويس الذي أتت الرواية على ذكره دون تفاصيل كثيرة لذا يمكن قراءة العمل من أكثر من زاوية وعلى مستويات متعددة ليست اجتماعية فقط.
ولكمال رُحيم مؤلف الرواية مؤلفات قانونية وروائية منها ثلاثية اليهود المكونة من (المسلم اليهودي) و(أيام الشتات) و(أحلام العودة) كما حصل على عدة جوائز منها جائزة الدولة التقديرية في الأدب عن مجمل أعماله عام 2022.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
سجال ودي مع نقاد رواية “إعدام جوزيف” الاخير
الدكتور ضيو مطوك ديينق وول
شخص اخر، لم نتعرف عليه، بعد انتهاء التدشين باركني وقال: "بختكم يا جنوبيين جوزيفكم قتل وانفصلتوا، لكن ما يزال جوزيفنا يقتل" مثل هذه التصريحات تدعو للقلق علي مستقبل وحدة السودان وهي محل اهتمام الكل بمافيه كاتب رواية "إعدام جوزيف"واحد من النقاد الذين أثرت مقالاته الرأي العام السوداني هو الأستاذ الصادق علي حسن المحامي، وأجزم بإن انطلاقه كان لسببين اثنين.
السبب الأول هو خلفيته القانونية بحيث يمليه الواجب للتصدي للظلم والاضطهاد والتمييز العنصري اينما حل، سواء الفصل العنصري في جنوب افريقيا أو قتل وتشريد أطفال الفلسطين وهدم منازلهم او العدوان غير المبررعلي أوكرانيا او قتل وتجويع وتشريد الأبرياء في السودان.
لذلك اعتقد بان الصادق علي حسن ليس وحده الذي ينازل المعتدين، فكثير من مدافعي الحريات وحقوق الإنسان يجدون أنفسهم في الخندق معه ضد السلوك غير الإنساني و رواية "إعدام جوزيف" خرجت من هذا الرحم.
الأستاذ الصادق شعر بخطر قادم للسودان و قرر قرع الجرس لأن السكوت في مثل هذه القضايا يهدد وحدة البلاد التي يتطلب التصدي لها بصرامة من قبل المفكرين السودانيين حتي لا يخرج عليهم جنوب سودان آخر في الغرب او الشرق او حتي الشمال. فمطالبته بعدم الانشغال بمقالات تتناول قضية دولة اخري، تقدير خاطئ من الأستاذ جدو مقدم.
السبب الثاني-واتمني أن اكون خاطئًا فيه- هو ميول الاستاذ الصادق علي حسن الواضح لحزب الامة ومحاولاته العنيفة لمواجه كل ما يرد عن دور حزب الامة فيما يحدث في البلاد، من تدهور للعدالة. ظل الأستاذ الصادق يكرر في مقالاته أهمية تنفيذ ما يعرف بالقواعد التاسيسية للدولة السودانية، كمرجعية لوحدة السودان بعد خروج المستعمر الانجليزي-المصري وهي اربع قواعد، علي راسها "استحقاق الفيدرالية للمديرات الجنوبية الثلاث وإقرار لمبدا الحكم الفيدرالي في السودان تؤطر بواسطة الجمعية التاسيسية"، وهي قواعد تمت تجاهلها تماماً من قبل الاحزاب في السودان مقابل برنامج ضيق يخاطب مصالح فئة محددة في البلاد.
هذه القاعدة الرئيسية التي جعلت ابناء جنوب السودان يقبلون بالاستقلال داخل البرلمان، لم تحترم من قبل السياسيين الشماليين، بل وصفوا لاحقا المطالبة بها بالخيانة العظمي. إذن، أين موقف حزب الأمة الذي نال ثقة أهل السودان في اربع انتحابات عامة من هذا التخاذل؟
ما رأي حزب الأمة في اتفاقية اديس ابابا التي حاولت انقاذ وحدة السودان بتطبيق القاعدة الأولي من قواعد التاسيس- الحكم الاقليمي في جنوب السودان- خاصة بعد توقيع الصادق المهدي وثيقة المصالحة الوطنية مع جعفر محمد النميري عام 1977؟
عرف السياسيون السودانيون بعدم احترام المواثيق و عبر عن ذلك السياسي الجنوبي أبيل الير كوي المحامي في كتابه جنوب السودان: التمادي في نقض المواثيق والعهود. وابيل الير هذا تقلد ارفع المناصب الدستورية في عهد نظام مايو بقيادة المشير جعفر محمد نميري، بما في ذلك منصب نائب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومية الإقليمية في جوبا.
انفصال جنوب السودان لم يكن عابرا بحيث منح الجنوبيون اخواتهم الشماليين فرصة ستة عقود بعد الاستقلال لتصحيح أخطائهم لكن دون الجدوي.
لحزب الامة برئاسة إلامام الصادق دور اكبر في تآزم الاوضاع بجنوب السودان، وهناك امثلة كثيرة أقلها أحداث مدينة الضعين الذي قتل فيها حوالي مائتي مواطن جنوب سوداني حرقا داخل عربات السكك الحديد وعندما قام اثنان من أبناء السودان الشرفاء- الدكتور سلمان بلدو والدكتور عشاري احمد محمود بتوثيق هذا الحدث الشنيع تعرضا لمضايقات جعلتهما يخرجان من السودان باسرتيهما خوفا على أرواحهم، ولذلك لا اري مجالًا لتبرئة حزب الامة و الامام الحبيب الراحل الصادق المهدي من مأساة اهل جنوب السودان، ودفعهم للانفصال عن السودان.
الاستاذ الصادق علي حسن لم يتعرف علي حقيقة "المجاهدين" او "قوات الدفاع الشعبي" في عهد البشير. هذه القوات كانت موجودة قبل انقلاب الاسلاميين علي السلطة، لكن باسم اخر" المراحيل" خاصة في جنوب دارفور و غرب كردفان ولكن تم تطويرها بعقيدة قتالية جديدة تضع الجهاد في الصدارة في عهد الاسلاميين، وقد تناولنا هذا الامر في المشهد الثاني لرواية "إعدام جوزيف".
في الختام اشكر كل من قدم رأيه في هذه القضية الهامة واحترمه حتي ولو لم أقبل به.