هوامش ومتون :أشخاص بلا أعمار!
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
تملي علينا الأيام الأخيرة من كلّ عام مراجعات نجدها ضروريّة، حيث ينتصب الزمن على امتداد قامته، لكي يُشعرنا أنه ماض إلى الأمام، تلك المراجعات لا تتوقّف عند العام الذي يلفظ هذه الأيام أنفاسه الأخيرة، بل يتجاوز ذلك إلى الأعوام السابقة، بل والعقود المنصرمة، وفي تلك المراجعات نعثر على صور قديمة، وأشخاص، ومواقف، قد تعود إلى عقود كما حدث معي قبل أيام في بغداد، التي فيها للماضي ملاذات، جعلتني أردّد مع أحمد شوقي قوله: كلما جئتك.
يا لعجلة الأيّام ! كم هي سريعة ! هكذا تبدو لمن ينظر إليها من خارجها.
لقد أعادني ذلك المشهد إلى سنوات بعيدة خلت، وحين تصفحت الوجوه لم أتذكر غير صور قديمة تعود إلى ما قبل أكثر من أربعين سنة، لكن الحميميّة التي قوبلت بها، سكبت قطرات ندى باردة على الذاكرة فأنعشتها، وفي المقابل أحسست بوطأة الزمن، تذكرت الانطباع الذي نقله لي الصديق الشاعر الراحل كريم العراقي عندما زار مدينة صباه بعد سنوات فراق طويلة والتقى أصدقاء الدراسة، ولاحظ أن الشيب قد غزا وجوههم وأذقانهم، والبعض كان يتكئ على عصا، قال لي «في تلك اللحظة شعرت أنني كبرت، وأن حكم الزمن يسري على الجميع دون استثناءات للشعراء وسواهم» أصدقاء الماضي مرايا عاكسة لوجوهنا، يقول المثل «خير مرآة صديق قديم»، وها هي المرايا كلها مجتمعة تشهد أن الزمن قال كلمته الفصل، وإن حاولنا مراوغته، بالتحسينات والأصباغ، محاولين نسيان سلالم الأعمار، يقول الكاتب الفرنسي ميلان كونديرا «جميعنا في جزء ما من أنفسنا نعيش وراء الزمن.. ربما لا نعي أعمارنا إلا في لحظات استثنائية؛ لأننا معظم الوقت أشخاص بلا أعمار!» وتلك هي اللحظات الاستثنائية التي تباغتنا فجأة وتجعلنا نعود إلى الوراء، لا لنجلس في الماضي، بل لننطلق بقوة إلى المستقبل، فرغم كل الأزمات التي تحيط بالعالم علينا أن نفتح ذراعينا للحياة، تقول الشاعرة فيسوافا شيمبورسكا «هذا العالم المريع لا يخلو من مفاتن لا يخلو من صباحات تستحق أن نستيقظ من أجلها»، لاسيما ونحن في استقبال عام جديد.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
استراتيجية بريطانية قديمة في زمن جديد .. دعم المرتزقة لن يوقف قوات صنعاء
هذا الدعم البريطاني الجديد ليس خطوة عفوية أو منفصلة عن الأحداث الجارية، بل هو امتداد لسياستها الاستعمارية التاريخية في المنطقة ومحاولة لتعزيز نفوذها في وقت تعيش فيه الدول الغربية حالة من التراجع العسكري والسياسي أمام القوى الصاعدة.
من الواضح أن هذا الإعلان يأتي كجزء من التحركات البريطانية الأمريكية الأخيرة لمواجهة التطورات في البحر الأحمر والمياه الإقليمية اليمنية فالهجمات البحرية التي نفذتها قوات صنعاء ضد أهداف عسكرية واقتصادية تمثل تحديا غير مسبوق للمصالح الغربية في المنطقة، وتحديدا لبريطانيا والولايات المتحدة، اللتين تعتبران أمن الممرات البحرية في البحر الأحمر وباب المندب خطا أحمر.
وبالتالي، فإن الدعم المعلن لقوات المرتزقة يهدف إلى تحويل تلك القوات إلى أداة محلية تستخدمها بريطانيا لضمان استمرار السيطرة الغربية على المنطقة البحرية، بعد ان فشلت الى جانب البحرية الامريكية عسكريا في تحييد او تقويض قدرات صنعاء الدعم الذي يتضمن زوارق سريعة وتدريبا ومساعدات فنية ليس سوى جزء صغير من استراتيجية أكبر تُبنى على أساس الهيمنة على البحر الأحمر.
الإشارة إلى العلاقات الطويلة الأمد بين بريطانيا واليمن في البيان البريطاني ليست سوى محاولة لتجميل صورة التدخل الأجنبي في البلاد بينما الواقع أن هذه العلاقات لم تكن يوما لصالح الشعب اليمني، بل كانت دائما تُبنى على أسس استعمارية تستهدف استغلال الموقع الجغرافي لليمن ومقدراته لصالح القوى الغربية.
وبالتالي فان دعم قوات المرتزقة يأتي في سياق تعزيز النفوذ البريطاني في بلد يعيش حالة من الانقسام والصراع، في محاولة لاستثمار هذا الوضع لتحقيق أهدافها الاستراتيجية من ناحية أخرى، لا يمكن فصل هذا الدعم عن التحركات الإقليمية، خصوصا أن تصريحات المدعو رشاد العليمي أكدت على التنسيق مع الحلفاء الإقليميين وهذا يشير بوضوح إلى أن الدعم البريطاني ليس مبادرة مستقلة بل هو جزء من خطة أكبر تشارك فيها السعودية والإمارات، اللتان تتعاونان بشكل وثيق مع الغرب لمواجهة الحوثيين وتقويض نفوذهم في المناطق البحرية.
ولكن هذه الجهود لن تؤدي إلا إلى المزيد من تعقيد المشهد، خصوصا أن قوات صنعاء أثبتت مرارا قدرتها على تجاوز الأدوات التقليدية التي يستخدمها التحالف في المواجهة. على المستوى العسكري، الدعم البريطاني للقوات المدعومة اماراتيا وسعوديا يعكس مخاوف حقيقية من تصاعد قدرات الحوثيين البحرية هذه القدرات التي تعتمد على التكنولوجيا المحلية والتكتيكات المبتكرة أصبحت مصدر قلق كبير للغرب، خاصة بعد نجاح قوات صنعاء في استهداف سفن عسكرية وتجارية في عمق البحر الأحمر فبريطانيا تدرك أن هذه التهديدات لم تعد مجرد تهديدات تكتيكية، بل أصبحت جزءا من معادلة الردع الإقليمية التي فرضها الحوثيون، والتي أربكت الحسابات الغربية والإقليمية. في النهاية، يجب التأكيد على أن هذه التحركات لن تغير شيئا.
في ميزان القوى الحقيقي الدعم البريطاني لقوات المرتزقة لن يكون أكثر من محاولة يائسة لاحتواء القدرات المتزايدة لقوات صنعاء، التي أثبتت قدرتها على التعامل مع أدوات الضغط الغربية والإقليمية بمرونة وفعالية.
التحدي الحقيقي أمام بريطانيا وحلفائها هو أن اليمن، بقيادة الحوثيين، أصبح اليوم طرفا فاعلا وقادرا على فرض معادلات جديدة في المنطقة، معادلات لا تُبنى على الهيمنة والاستغلال، بل على العدالة والندية. صحفي متخصص في الشأن العسكري