لجريدة عمان:
2024-11-25@13:19:20 GMT

الهم الإنساني والابتزاز الصهيوني «2»

تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT

يبتدئ متن الكتاب بقصة تشيخوف «كمان روتشيلد»، وفيها يتحدث المؤلف عن ياكوف إيفانوف الذي يُلقَّب بياكوف ماتفييتش -أعتب على المترجم أنه لم يذكر معنى هذا اللقب أو دلالاته وتركه مبهما- وهو حانوتي شديد البخل واللؤم كما سيجد القارئ في قراءته للقصة ولشخصية الرجل، ومن الملاحظات المهمة في هذا النص العبارة التي استعملها تشيخوف في نصه «ففي حفلات الزفاف بالبلدة كان يعزف في العادة الأوركسترا (اليهودي).

.» وهو ما عقب عليه المترجم في الهامش بقوله «لم يكتب تشيخوف كلمة يهودي بالروسية، ولكنه استخدم الصفة الشائعة التي كانت تستخدم لتحقير اليهود في روسيا القيصيرية (جيد) المأخوذة من الكلمة الإنجليزية (Judas)» والتي تعني بدورها (يهوذا) المعروفة الدلالة -وهي ذات الكلمة التي استعملها دويستويفسكي أيضا-. ومن علامات لؤم هذه الشخصية، فرحها بموت الناس لأن في موتهم ازدهارا لأعمالها المتمثلة بصنع التوابيت!. عبارات وردت في قصة تشيخوف مثل «وحمل النعش إلى المقبرة أربعة رجال من قبيل الاحترام والتوقير، وليس من أجل النقود» وبعدها بسطرين عبارة «كان كل شيء محترما ولائقا ورخيصا» في معرض حديثه عن مراسم دفن زوجة ياكوف، والتي يستدل من خلالها القارئ على الكيفية التي كان يُنظر بها إلى اليهود في روسيا القيصرية في ذلك الوقت وكيف أنها تعدّ مثالا على المثالب السيئة والخصال المذمومة كالخِسة واللؤم والدناءة.

بعد نص القصة مباشرة، تأتي المقالة النقدية للقصة بقلم يفيم إيتكيند بعنوان «إيفانوف وروتشيلد». يتحدث إيتكيند بعد مقدمته لمقالته النقدية وحديثه عن رؤية الشاعر والناقد الروسي كورني تشوكوفسكي عن رؤيته الخاصة للقصة بقوله: «في مركز قصة كمان روتشيلد تكمن المسألة اليهودية. ويدور الموضوع حول العلاقات القائمة بين عضوين في «أوركسترا يهودية» إقليمية للهواة. أحدهما عازف ناي والآخر عازف كمان؛ حيث عازف الناي يهودي، أما عازف الكمان فمجرد روسي، ولكنه معاد متطرف للسامية. ويتطور محتوى القصة من الخصومة التقليدية التي تضعها على طرفي نقيض إلى توحيدهما معا -الجلاد والضحية- في عالم الموسيقى». وبعد تحليل رائع ودقيق للقصة من جوانبها الفنية والاجتماعية، ينتقل الناقد إلى التساؤل: «ما السبب الذي حدا بتشيخوف في أوائل عام 1894 إلى تناول الموضوع اليهودي، أو بالأحرى معاداة السامية لدى الروس؟». وما يتلو هذا التساؤل من طرح وتحليل للوضع العام في أوروبا، يمكن اعتباره الذروة التي ساعدت الحركة الصهيونية على إقناع اليهود الأوروبيين بخاصة، ويهود العالم عامة بالرحيل إلى فلسطين على اعتبار أنها الوطن القومي لليهود!، ففي عام 1894 كتب تشيخوف قصته في وقت تنامت فيه الدعوة الصريحة من المثقفين والأدباء بل والسياسة الرسمية إلى نفي اليهود أو إبادتهم حتى!، كما في تصريح الفيلسوف والقانوني والسياسي كونستانتين بوبيدونوستسيف الذي رسم سياسة روسيا تجاه اليهود بقوله: «ثلثهم يرحلون، والثلث الثاني يموتون، والثلث الثالث يندمج في المجتمع بالانصهار» -من سخرية القدر أن هذه العقيدة هي ما يتبناها قادة الكيان الصهيوني اليوم تجاه الفلسطينيين!-. وفي العام نفسه أي 1894، كانت قضية دريفوس في فرنسا، وقبلها بعام أي في 1893 حصلت الأحزاب المعادية للسامية على 16 مقعدا نيابيا في الرايخستاج الألماني. وإذا ما أخذنا بالاعتبار أن كاتب المقالة روسي، فإن قوله: «وإذا ما عدنا إلى روسيا في سنة 1894 يمكن القول بأن أمزجة معاداة اليهود احتدمت نظرا لتشجيعها من قبل الحكومة. وفي الأدب الروسي كادت ملاحقة اليهود تغدو عادة متبعة، وقد كرّس لها كتّاب لهم مكانتهم مثل إيفان أكساكوف، وبصورة أخص دويستويفسكي..» لا يمكن أن يمر بغير تحليل وتمحيص، فأن تجد مؤلفين لهم وزنهم المعتبر يحذون هذا الحذو، لا يمكن بحال أن يكون بلا سبب وبلا محرّض. وعبارةٌ في الضفة الأخرى -أي في ألمانيا- كعبارة شيللر التي يقول فيها «اليهود يشكلون دولة داخل الدولة» لا يمكن تمريرها بلا توقف وتفكر، فكلها إرهاصات استعملتها الحركة الصهيونية ببراعة وخبث منقطعي النظير لخدمتها، ومن سخرية القدر أن اليهود الذين كانوا في العالم الإسلامي في تلك الفترة عاشوا حياة طبيعية وبسلام جنبا إلى جنب مع المسلمين والنصارى، فقد كانت الدولة الإثنية هي ما يجمعهم أكثر من الدولة القائمة على الدين (وهي محض خيال وخرافة حتى في فلسطين المحتلة المسماة إسرائيل). وفي بقية المقالة النقدية يستفيد القارئ من الأفكار والتحليلات الأدبية الفنية، وآراء بعض النقاد والمفكرين وما نتج عن هذه القصة من أثر، والحالة العامة للمحيط الأوروبي في فترة كتابة القصة وبعدها، وهو ما لا يمكن بسطه كاملا في مقالة صغيرة كهذه.

يتكون القسم الثالث من الكتاب من المقالة النقدية «كمان روتشيلد لأنطون تشيخوف: الارتباط بتقاليد الكلاسيكية الروسية» لب.أريومين وهي مقالة أدبية ولكنها طافحة بالإشارة إلى الجوانب الدلالية من القصة والقراءة بين السطور وخارج القصة ذاتها، مطوّفة بالقارئ على الحالة العامة للأدب تجاه القضية اليهودية والدلالات المستعملة للإشارة إلى اليهود. ومن ذلك قوله: «إن فكرة (روتشيلد) أممية عامة، وبالوصف الديستويفسكي (روتشيلد الكوني). وهي في الوقت نفسه فوق الأممية أو أعلى منها..التعطش للسلطة الخفية/السرية المتغلغلة دوما وباستمرار للسيطرة على الناس، والمكتسبة من الثراء». كما أشار الناقد إلى علائقية النص التشيخوفي بالعهدين القديم والجديد والشخصيات الواردة فيه بما فيها من تواؤم وتنافر وحالة هذه الشخصيات النفسية.

ثم تأتي «المسألة اليهودية» وهي مقالة للروائي الشهير دويستويفسكي، وفيها تعليل لموقفه من اليهود في روسيا، وعرضه لرسالة تلقاها من يهودي مثقف على حد قوله، وتفنيده لما ورد في رسالة ذلك اليهودي. ومما شدني في مقالته قوله: «إنه لأمر غريب؛ يهودي بدون رب، شيء ما غير مفهوم!» وقوله «كيف، ومِن أين، وقعتُ في زمرةِ الكارهين لليهود كشعب وكأمة؟». وفي العبارتين عمق وبعد نظر، فمن السخرية معرفة أن الكيان الصهيوني المحتل علماني ملحد في حقيقته، وبأن الدعاية الصهيونية تصدِّر اليهود كشعب وأمة لا كأتباع ديانة!. والقارئ لهذه المقالة، سيجد العبقرية الاستدلالية لدويتسويفسكي لا تقل عن براعته الروائية وفطنته السردية، وهي مقالة مليئة بأحداث مثيرة تشبه الوثيقة التاريخية لحقبة مهمة من التاريخ الحديث وفيها من المشابهة والعلاقة لأحداث اليوم الشيء الكثير والمخيف في آن. وهي مقالة طويلة من أربعة أجزاء، عُنون كل جزء منها بعنوان مختلف.

خاتمة الكتاب مقالة الباحث الأمريكي ج.جيبيان «ليونيد باسترناك وبوريس باسترناك: جدال الأب والابن»، وفيها إشارات صريحة إلى علاقة بعض المثقفين بالحركة الصهيونية كليونيد باسترناك والد بوريس باسترناك الروائي المعروف والذي كان يخالف أباه في رؤيته للحركة الصهيونية ودعمها، بل وتتجلى في هذه المقالة حقيقة الصراع الروسي-اليهودي، فكما في قصة تشيخوف والمقالتين النقديتين لها، وكما في مقالة دويستويفسكي؛ نجد أن جيبان يرسخ هذه الثنائية كضدين، فحين نقرأ «اليهودي» في هذه الأعمال فكأنما نتحدث عن النقيض المباشر لـ«الروسي» حتى وإن تحدث ذلك اليهودي الروسية وعاش في روسيا. إن قراءة هذا الكتاب تمثل ركنا في الوعي بمنشأ الحركة الصهيونية وإرهاصات ولادتها في أوروبا عموما وروسيا القيصرية خصوصا، والتي استوطنها ثلاثة ملايين يهودي في عهد دويستويفسكي، ولن يعدم القارئ المتعة وانفتاح آفاق جديدة لدى قراءته إياه كذلك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی روسیا لا یمکن

إقرأ أيضاً:

عشرات المتطرفين اليهود يحاولون مهاجمة قائد عسكري إسرائيلي في الضفة الغربية

حاول عشرات المتطرفين اليهود في مدينة الخليل، اليوم السبت، مهاجمة رئيس القيادة المركزية لجيش الاحتلال الإسرائيلي اللواء آفي بلوث.

وألقت شرطة الاحتلال القبض على خمسة مشتبه بهم بعد أن طاردوا بلوث والجنود المرافقين له، ووصفوا قائد جيش الاحتلال بأنه "خائن"، بحسب ما أوردته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”. 

وعادة ما تكون علاقة قائد القيادة المركزية بالمستوطنين المتطرفين متوترة، حيث إن جيش الاحتلال مكلف بمحاولة إبقائهم تحت السيطرة في الضفة الغربية.

وقال الجيش الإسرائيلي إن مجموعة المشتبه بهم الشباب طاردت بلوث وحاولت إغلاق مخرج يحتاجه الجيش للنشاط العملياتي.

ولم ترد أنباء عن إصابات لبلوث أو للجنود معه.

وأضاف جيش الاحتلال أنه بعد اعتقال خمسة مشتبه بهم، تم تفريق تجمع المشاغبين، مؤكدا أنه يدين بشدة العنف.

ولم يصدر أي تعليق فوري على محاولة الهجوم على بلوث من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي أعلن أمس، الجمعة، إنهاء أوامر الاعتقال الإداري للمستوطنين في الضفة الغربية، ما يعني أن إسرائيل ستستخدم الآن سياسة مثيرة للجدل تتمثل في احتجاز المشتبه بهم الفلسطينيين دون تهمة.

مقالات مشابهة

  • هكذا يريد اليهود تنفيذ قرارات الأمم المتحدة
  • جمهورية اليهود المخفية.. «بيروبيدجان»
  • سر المرة الوحيدة التي بكى فيها سمير غانم على الشاشة.. ما القصة؟
  • 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
  • كورسك.. روسيا استعادت 60% من الأراضي التي احتلتها أوكرانيا
  • كل اليهود لإسرائيل جنود / الجزء الرابع
  • سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
  • عشرات المتطرفين اليهود يحاولون مهاجمة قائد عسكري إسرائيلي في الضفة الغربية
  • روسيا تدين بشدة العدوان الصهيوني على مدينة تدمر السورية
  • 10 ألف زيارة منزلية لكبار السن وذوي الهم بالشرقية