جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-24@01:40:23 GMT

المقاومة الفلسطينية

تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT

المقاومة الفلسطينية

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

نشد الوقت بأحداثه التي وصلت إليه، لا نريد له انتهاء، الحدث الذي يمثل لنا انتصارًا وقيمة ولو معنوية تمدنا بموفور الطمأنينة والهدوء، هذه الأحداث نبتغي لها الدوام في صيغها المعتادة أو في تداولاتها المتشعبة، أو في ربطها بمواضيع سابقة مشابهة أو لاحقة يكون لها نفس المآل والنتيجة.

 

أحداث سعيدة نبتغي لها التكرار أو تُمَدُّ هي هي نفسها لتبدو أحداثا أخرى أقوى وأكثر تأثيرا عن سابقاتها، فعلى مستوى المجتمع يأمل الفرد أن تحيط به السعادة وتُحل المشاكل والخطوب بشكل متواتر، هذه هي الطبيعة الإنسانية الرامية للعيش دون مغبة أو انتهاء لما يحيط بها من فرح.

يقول الكاتب الروسي أنطون تشيخوف: "الإنسان هو خالق سعادته، وبوسعكم لو أردتم أن تصبحوا سعداء ولكنكم لا تريدون، أنتم تهربون من السعادة بإصرار"، ولعل حديث تشيخوف هنا مرتبط بالأشياء العامة التي يشترك بها الإنسان في جميع أنحاء العالم، كالعيش والأبناء والعمل والحياة العادية المستقرة والحالة المادية، لكنه لم يتصور النقيض أبدا بين الإنسان ونفسه، فالأفكار منبع للسعادة أيضا، لأن ما يسعدني ليس بالضرورة يسعد شخصا آخر، هي مآلات نفسية ليس لها مجال واسع للحديث هنا.

لكن من باب عام تدخل السعادة قدرنا بتفكيرنا وبالمعتقدات التي تسيّر حياتنا بشكل عام، فالمحاسب تشده الأرقام ويكون سعيدا لو وصلت أرباح مؤسسته لأرقام كبيرة لأن شيئاً منها سيؤول إليه، في حين لن يمثل له عكس هذا المآل سوى التذمر وعدم الرضا، وهكذا كل يعمل على حسب الفائدة التي يجنيها، وهذه حقيقة.

تمثل الحروب بؤسًا للجميع وقتامة لا نريد لها أن تبقى، يشعر المرء بانتمائه لهذا الجو الإنساني حينما تضع الحرب أوزارها، الكل يشعر بالسعادة تقريبا، هي غاية الغايات وأكملها في نفسه لكن مع ذلك يرجو أن تكون خسائره توازي أرباحه على أقل تقدير، أو أن يربح حربه التي تعنيه، فالذي مع القضية الفلسطينية وأحقيتها يأمل تصوير المقاومة كطرف رابح رغم الإمكانات والعتاد المتواضع مقارنة بالعدو، فيحاول تصوير أي ملمح صغير أو كبير على أن تأثيره يمتد امتدادا هائلا خصوصا والأخبار المتداولة عن تخبط الحكومة في إسرائيل أصبح ظاهرا ويعلمه القاصي والداني، ويحاول التشبث بما يسمعه ويراه بشكل إيجابي، ويصبه في خانة المقاومة، هذا نوع من محاولة تمدد السعادة لدى هذا الطرف، أما الطرف الإسرائيلي المناوئ فيعيش سعادة أخرى من خلال التدمير الذي تحدثه طائرات جيشه على المدنيين لأنه ينظر إلى الجميع بنظرة واحدة ويعمل عقله ضمن اعتقاده بتعاليم توراته المحرفة، الدمار والخراب وتعذيب الأسرى وقطع الكهرباء والماء وهدم المنازل والمدارس ودور العبادة والمؤسسات المدنية سعادة غامرة وانتصار صارخ بالنسبة إليه.

لذا فوقوع أي أسير اسرائيلي لدى المقاومة نعتبره سعادة ومكسبًا ماديًا في المعركة، وطبعًا في الجانب الآخر يعتبرونه مهينًا وقاسيًا على الأسير ويرون ذلك فرصة للنيل منه والتنكيل به وتعذيبه وتجويعه وقطع الكهرباء عنه وإرهابه، هذه العقلية هي التي تسيطر على الطرف في الجانب الآخر، ويمثل لهم أسر عناصر المقاومة أو أي مواطن فلسطيني صيدًا ثمينًا ووسيلة للانتقام، وهي فرصة أيضا لإبداء السعادة.

مع ذلك، فإن النظرة لما ستؤول إليه أحوال الأسرى لدى المقاومة، وبيان عكس تلك الأقوال يعتبر ربحا مركبا للمقاومة، ففي حين يشعر بالسعادة مجموعة من الأفراد العاديين لسلامة أسراهم كما يصيب الذهول البعض ممن يسمع شهادات الأسرى الإسرائيليين المفرج عنهم، وتشاغله بعض التساؤلات حول الاستراتيجية التي يتبعها المقاومون في غزة، خصوصا أولئك الذي نظروا للأمر في بدايته أن تصرفاتهم الجيدة مع الأسرى تعتبر خوفا وجبنا من الجيش الإسرائيلي المهيب.

المقاومة الغزاوية ساهمت بشكل كبير في هذا الربح المركب من خلال التصرفات الحضارية مع الأسرى في مقابل التصرفات الهمجية من قبل الاحتلال مع الأسرى الفلسطينيين، وكذلك من خلال السلوك المتزن مع حوادث الموت والدمار التي يتعرض لها الفلسطينيون في مقابل اختلاق الذرائع والتبريرات التي اتضح كذبها فيما بعد.  

ولأنَّ الغربي يبحث عن السعادة فقد استثاره سلوك التحضر الفلسطيني، ولأنه أيضاً يعاني من التخبط والتشتت الفكري، فقد وجد آلاف منهم القرآن ملاذا وملجأ للإجابة عن الأسئلة التي تراودهم، ثم دخل بعضهم في الإسلام ويفكر آخرون في الدخول إليه حسب الفيديوهات المترجمة التي انتشرت في السوشال ميديا، وهذا الأمر حدث على مستوى الشباب في أوروبا وأمريكا أكثر المؤيدين لإسرائيل في حربها ضد المقاومة، ثم تغيرت نظرتهم لموضوع فلسطين كفائدة أخرى؛ فاعتبروه دفاعًا عن حق مشروع لاحتلال غاشم يهدد الوجود البشري ويعيد النازية والماسونية للواجهة.

السعادة التي قدمها الفلسطينيون لأكثر من عشرين ألفًا ممن دخلوا الإسلام بفرنسا في شهرين منذ اندلاع حرب غزة وفقاً لحديث الإعلامي في قناة الجزيرة أحمد منصور مع عبدالله بن منصور رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا لا تعادلها قيمة معنوية أخرى؛ حيث يقول: "لم نشهد في فرنسا طيلة 40 عامًا إقبالًا على الدخول في الإسلام لا سيّما من فئة الشباب والفتيان الفرنسيين كما نراه الآن منذ حرب غزة، فقد ارتفعت الأعداد الرسمية للمسلمين الجدد من 80 في اليوم إلى 400 في بعض الأحيان، ولا يقل العدد عن ثلاثمائة مسلم فرنسي جديد كل يوم"، وهذا مؤشر جيد ونجاح كبير قدمته المقاومة للعالم.

والسؤال كم مجتمع تم احتلاله في العالم ويحتاج إلى مقاومة ليدخل البشر غير المسلمين إلى الإسلام، وكيف نوزع سعاداتنا على باقي البشر؟ بل كيف نمد من سعاداتنا لتبقى زمنا طويلا، كما يطمح تشيخوف؟         

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المتصهينون العرب وانتصار المقاومة الفلسطينية

يأبى الطابور الخامس من المتصهينين العرب إلا أن يعكر بادعاءاته صفو لحظة انتصار المقاومة وتحقيق معركة طوفان الأقصى لأهدافها الاستراتجية والمرحلية كاملة وهو ما تؤكده علوم الحرب والتخطيط الاستراتيجي والوقائع على الأرض ونضالات الشعوب من أجل التحرر وأهل الاختصاص وأصحاب العقول المتحررة من وهم تفوق الغرب وما أظهرته لحظات اليوم التالي عند بداية تبادل الأسرى.

فهل ما حصل يعد نصرا بالفعل أم هو غير ذلك؟ وما هي الانعكاسات الاستراتجية والظرفية التي سيخلفها بعد اتفاق الهدنة؟ ولماذا يولول المتصهينون العرب أكثر من الصهاينة أنفسهم؟ وما مدى مصداقية ما يدعونه؟

للحكم على ما حصل في معركة طوفان الأقصى من حيث انطلاقتها وأداء المقاومة أثناءها وجرائم الإبادة الموصوفة التي ارتكبها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني بغزة والتي تحولت إلى محرقة العصر وتجاوزت الهلكوست الذي مارسه الغرب في حق أجدادهم.

تختلف معارك التحرير وجولاتها عن الحروب النظامية فالخسائر لا تقتصر على المادية منها والبشرية فهناك خسائر أخرى معنوية واستراتجية معيارها الأساسي مدى التقدم نحو الهدف المتمثل في إنهاء الاحتلال والتحرير الشامل.فلا بد من الاحتكام لمعايير محددة باتت معلومة في العلوم العسكرية والتخطيط الاستراتيجي.

ـ وضع القضية قبل المعركة وبعدها:

لقد كانت القضية الفلسطينية على حافة تصفية يريدها العدو وداعموه والمتواطئون معه من الأعراب نهائية بفرض مشروع الشرق الأوسط الجديد بالقوة الصلبة والناعمة عبر التطبيع واتفاقيات إبراهام ومزيد تفتيت دول المنطقة وتجزئتها لصالح هيمنة الكيان.

ـ طبيعة المعركة وأهدافها:

هي معركة بين قوة احتلال استيطاني غاشم وقوة مقاومة مطاردة ومحاصرة مع حاظنتها الشعبية وهذا الوضع يختلف جوهريا عن الحروب النظامية وهي أيضا ليست معركة تحريك لجلب الانتباه وتثبيت دور طرف دولي أو إقليمي كما حصل في حرب 1973 رغم أهمية الانجاز العسكري للجيش المصري. كما أنها ليست معركة تحرير فلسطين بالكامل إنما أطلقتها المقاومة لإعادة طرح القضية خارج سياق التطبيع والتصفية النهائية والتقدم بها خطوة نحو التحرير.

ـ معايير النصروالهزيمة:

تختلف معارك التحرير وجولاتها عن الحروب النظامية فالخسائر لا تقتصر على المادية منها والبشرية فهناك خسائر أخرى معنوية واستراتجية معيارها الأساسي مدى التقدم نحو الهدف المتمثل في إنهاء الاحتلال والتحرير الشامل.

إن التقدير الموضوعي والعقلاني لا يمكن أن يغفل عن النقلة النوعية التي أحدثتها معركة طوفان الأقصى نحو إنهاء الاحتلال والتحرير الشامل لفلسطين وهو نصر للقضية في حدود ما تتطلبه المرحلة حيث دقت المقاومة الفلسطينية آخر مسمار في نعش الكيان الغاصب كما يقال الذي حولته معركة طوفان الأقصى إلى عبء على شركائه الغربيين وخاصة أمريكا وأحدثت داخله زلزالا عسكريا وميدانيا بمعية جبهات إسنادها من لبنان واليمن والعراق وزلزالا معنويا تمظهر في الهجرة العكسية والرعب النفسي والتفكك الاجتماعي وزلزالا اقتصاديا بتعطل نسبة هامة من القطاعات والمرافق الحيوية .

وقد وضعت المعركة القضية على طاولة البحث عن حل مرحلي عادل لم تتبلور إلى الآن معالمه ولن يكون مثل الحلول والاتفاقيات السابقة لأن المفاوض يختلف عن سابقيه.

وكما وحدت المعركة الجبهة الفلسطينية بين غزة والقدس والضفة وبين الداخل والخارج وحشدت الرأي العام الدولي الحر ضد الكيان وعرت دول الغرب والنظام الدولى وكشفت زيف التزامها القيم والمبادىء التي تعلنها وأسقطت ورقة التوت عن عدد لا بأس به من الأنظمة العربية وفضحت الطابور الخامس من المتصهيين العرب وأكدت أن من يملك الميدان يملك القرار والمبادرة، وهو ما تترجم في كيفية تسليم أسرى المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة الذي أكد أن غزة هي حماس وحماس هي غزة، كما عبر عن ذلك كبار صناع الرأي في الكيان وأن اليوم التالي لن يكون إلا فلسطينيا في صالح القضية والمقاومة ولا موقع فيه للخونة المطبعين رافعي أسلحتهم في وجه أبناء شعبهم.

ومع ذلك تتعالى الأصوات وتنعق بعدم انتصار المقاومة ويذهب بعضها إلى القول بأنها قد جنت على غزة وشعبها بما حصل من إبادة وتدمير وأن المدخل الوحيد لحل القضية الفلسطينية هو السلام الدائم مع إسرائيل على قاعدة القرارات الأممية.

لقد حققت المقاومة الفلسطينية مدعومة بحزب الله والحوثيين في اليمن والمقاومة العراقية وأحرار الأمة الإسلامية وأحرار العالم انتصارا تاريخيا في جولة مهمة من جولات الصراع مع المشروع الصهيوني الاستيطاني الغاصب تمهيدا لجولات أخرى على طريق تحرير الأقصى ولا عزاء للمطبعين المتصهينين العرب وغير العرب..وهي أصوات تختلف في منطلقاتها وتلتقي في مخرجاتها، فمنها من يفعل ذلك شفقة وحرصا ويفلسفه ببعض الأدلة والشواهد الدينية وغيرها مجتزأة ومؤولة تأويلا خاطئا مبتذلا مثل قول أحدهم "جاهد بالسنن يا أبا عبيدة" ومنها من يفعل ذلك كرها وحقدا وخدمة للكيان الغاصب ووكلائه في المنطقة من أنظمة الاستبداد والفساد .

وفي كل الأحوال فقد غاب عن هؤلاء المتصهينين أن رد الاعتداء لا يتم إلا بالمقاومة وتلك سنن التاريخ وأصل الوجود الإنساني "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"، صدق الله العظيم. ورغم أن القتال تكرهه النفس البشرية فقد كتبه الله على عباده في مثل هذه الحالات "كتب عليكم القتال وهو كره لكم" صدق الله العظيم فلا أحد يرغب بالقتل والدمار ولكن من غير المنطقي أن يكون رد الاعتداء دون خسائر مادية فقد قدمت الثورة الجزائرية مليون شهيد ظريبة للتحرر الوطني وكل ثورات التحرير كذلك من فتنام الى جنوب افريقيا .

أما السلام فمن المؤسف أن يحاجج به البعض بعد أن تبخر مع رفض الشهيد أبو عمار ياسر عرفات  تسليم القدس للكيان وبعد أن تحول إلى وهم وسراب يلهث وراءه المطبعون حتى إذا جاؤوه وجدوه استسلاما وخضوعا وخنوعا. فمن يصدق أن الكيان الصهيوني سيقبل بقيام دولة فلسطينية بجانبه حتى وإن كانت منزوعة السلاح؟

لقد حققت المقاومة الفلسطينية مدعومة بحزب الله والحوثيين في اليمن والمقاومة العراقية وأحرار الأمة الإسلامية وأحرار العالم انتصارا تاريخيا في جولة مهمة من جولات الصراع مع المشروع الصهيوني الاستيطاني الغاصب تمهيدا لجولات أخرى على طريق تحرير الأقصى ولا عزاء للمطبعين المتصهينين العرب وغير العرب.. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ".

*كاتب تونسي

مقالات مشابهة

  •  المقاومة الفلسطينية تُدين قرار ترامب بشأن “الحوثيين” 
  • حماس : سنسلم غدا أسماء 4 أسرى لدى المقاومة حسب الاتفاق
  • إعمار غزة أولاً ثم المصالحة الفلسطينية ثانياً
  • المتصهينون العرب وانتصار المقاومة الفلسطينية
  • تأكيدا لموقف أُعلن منذ بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟
  • ‏وزارة الصحة الفلسطينية: مقتل شخص نتيجة قصف إسرائيلي في جنين
  • تأكيدا لموقف أُعلن من بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟
  • القيادية الفلسطينية المحررة خالدة جرار: إسرائيل لا تعامل الأسرى كبشر
  • شئون الأسرى الفلسطينية: نثمن دور مصر لإتمام صفقة التبادل ووقف إطلاق النار في غزة
  • الاحتلال يمنع الاحتفالات الفلسطينية بإطلاق سراح الأسرى