هل بدأت المفاوصات بين موسكو وواشنطن حول أوكرانيا؟
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
منذ دخولنا الشهر الأخير من العام 2023 والإشارات الصادرة عن وسائل الإعلام الغربية حول استعداد روسيا لوقف الحرب في أوكرانيا لم تهدأ. صحيفة "نيويورك تايمز" كانت آخر تلك الوسائل التي نقلت قبل أيام عن مسؤولين غربيين وآخرين روس، أنّ موسكو منفتحة على خيار وقف إطلاق نار في أوكرانيا، يكون قادرا على تجميد القتال على طول خطوط المواجهة بين البلدين.
وقالت الصحيفة الأمريكية إنّها استقت معلوماتها من اثنين من بين كبار المسؤولين الروس السابقين، وأكدت أنهما مُقربان من الكرملين. كما نقلت الأمر نفسه عن مسؤول أمريكي وآخر دولي، وكشفت أنّ جلّ هؤلاء قد تلقوا إشارات من مبعوثين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ شهر أيلول/ سبتمبر الماضي.
لم تنكر الصحيفة أنّ تلك الإشارات بُعثت من موسكو "بهدوء"، وقالت كذلك إنّ الرئيس بوتين "مستعد حقا للتوقف عند الخطوط الحالية"، لكنّه في المقابل "ليس على استعداد للتراجع مترا واحدا إلى الوراء"، وذلك في إشارة إلى تقدم الجيش الروسي الميداني.
هذه المعلومات لم تنفها موسكو ولم تؤكدها، إذ ردّ المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، على تقرير الصحيفة الأمريكية بعد ساعات بالقول، إنّ موسكو مستعدة للتفاوض بالفعل، لكن "من أجل تحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة".
ويبدو أنّ تلك الإشارات التي يتناقلها الإعلام الغربي هدفها تمهيد الطريق إلى حلّ النزاع بالفعل، خصوصا أنّ إشارات مقابلة صدرت من جانب واشنطن أيضا تجاه موسكو، لكن هذا ما لم يكشفه الإعلام الغربي ولم يتحدث عنه إطلاقا، وذلك لأنّ الظروف ربما لم تعد تناسب واشنطن من أجل الاستمرار في دفع الحرب قدما.
أمّا أكثر ما يعزز هذه الفرضية، فهما عاملان:
1- اقتراب الولايات المتحدة من دخول فترة حملة الانتخابات الرئاسية التي تبدأ عادة قبل يوم الاقتراع بنحو سنة، وبالتالي فإن الاستمرار في تمويل أوكرانيا بلا طائل قد يعود بالضرر على الإدارة الديمقراطية.
2- حرب غزة بين حركة "حماس" وإسرائيل، التي أجبرت الولايات المتحدة على تكبّد المزيد من الأعباء العسكرية والمالية، وكذلك على اتخاذ مواقف داعمة لإسرائيل في أروقة الأمم المتحدة وخارجها، جلبت لواشنطن الإحراج وكانت بغنى عنه في هذا التوقيت على مقربة من الانتخابات.
أمّا الإشارات على استعداد الولايات المتحدة للانخراط في حوار مع موسكو من أجل وقف الحرب والسير بتسوية، فبدورها ظهرت من خلال التالي:
1- أظهرت البيانات الملاحية للموقع المتخصص برصد الرحلات الجوية "flightradar24"، هبوط طائرة روسية في واشنطن من بين سرب الطائرات الخاصة بالكرملين، التي تُستخدم لنقل كبار المسؤولين، وذلك في 20 كانون الأول/ ديسمبر في تمام الساعة 12:50، قادمة من مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، حيث بقيت في العاصمة الأمريكية قرابة ساعة، من دون ذكر أي تفاصيل حول تلك الرحلة، التي ربّما يعني أنّ الولايات المتحدة على تواصل مع القيادة الروسية وربما تحاورها من أجل بلوغ تفاهم ما حول وقف الحرب.
2- ترجيح عدد من الصحافيين الأمريكيين في أكثر من وسيلة إعلامية أمريكية، أن تكون إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أجرت "محادثات سرية" بالفعل في حضور دبلوماسيين روس، وذلك خصوصا بعد تأجيل مناقشة المساعدات الأمريكية إلى أوكرانيا للعام المقبل (2024).
3- التمهيد الذي تعتمده أبرز الصحف الأمريكية، أمام تخفيف الاحتقان مع موسكو من خلال خفض منسوب الحملات الإعلامية المركزة ضدها. وأبرزها كان حذف صحيفة "واشنطن بوست" خانة "الحرب في أوكرانيا" من واجهة موقعها وكذلك ترويجها، لأن موقف كييف يبدو اليوم صعبا على نحو متزايد، وذلك مع توقف المساعدات العسكرية والاقتصادية المطلوبة بشدة في واشنطن وبروكسل، وكذلك مع التقارير المتكررة عن نقص الأفراد العسكريين والأسلحة.. وهو ما يطرح تساؤلات جديّة عن بداية تغيّر في الموقف الأمريكي من الحرب في أوكرانيا.
4- اعتراف الإعلام الأمريكي، ثم لاحقا الجسم الدبلوماسي، ومؤخرا الإعلام أيضا، بأنّ الهجوم الأوكراني المضاد قد فشل ولم يحقق أيّ أهداف تُذكر، ثم الحديث عن "استراتيجية جديدة" للحرب تعتمد على "التمسّك والبناء"، أي التمسك بالمناطق التي تسيطر عليها كييف، وبناء قدرتها على إنتاج الأسلحة خلال عام المقبل.. وهو ما يعني بطريقة غير مباشرة أنّ واشنطن بدأت بدعوة كييف إلى التخلي عما فقدته من أراضٍ خلال الحرب، لصالح التمسك بما تبقى.
وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" قبل أيام، أنّ واشنطن وكييف بدأتا في بحث تلك "الاستراتيجية الجديدة" بعد الهجوم المضاد "الفاشل". واعترفت الصحيفة للمرة الاولى بأنّ روسيا أخذت مؤخرا زمام المبادرة في جميع نقاط الاشتباك مع الجيش الأوكراني.
5- ما نقله مركز أبحاث أمريكي قبل أيام عن اجتماع سريّ لممثلي وزارة الدفاع الروسية وجهاز الأمن الفيدرالي وجهاز المخابرات الخارجية والبنتاغون ووكالة المخابرات المركزية، عُقد مؤخرا في دولة الإمارات، ونوقشت خلاله آليات إنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا.
على الرغم من أن تلك المعطيات بارزة، فإنّ كييف ترفض أن تراها، ويصر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي على قول العكس، إذ شدد في آخر تصريح له قبل أيام على أنّ موسكو لم تحقّق أيّ تقدم عسكري خلال عام 2023، وذلك من باب التأكيد لحلفائه الغربيين على أنّ الهجوم المضاد التي بدأه جيش بلاده منذ الصيف الماضي فعال؛ بحجة أنّ الجيش الروسي لم يتقدم!
لكن زيلينسكي يعرف أنّ تلك الحجج كلها تجافي الحقيقة، بينما التوجّه الدولي العام يُظهر بشكل جلي بأنّ مسار وقف الحرب ربما وُضع على السكة بالفعل. وبمعزل إن كانت تلك التسريبات صحيحة أم لا، يكفي أن يبدأ الحديث عنها بهذا الشكل العلني لتتأكد النظرية التي تقول: إنّ ثمة أمرا يُطبخ بالفعل خلف الكواليس الدبلوماسية، بينما تنفيذه قد يكون بحاجة إلى بعض الوقت حتى يخرج إلى التداول في العلن.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه روسيا بوتين بايدن زيلينسكي روسيا بوتين اوكرانيا بايدن زيلينسكي مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی أوکرانیا وقف الحرب قبل أیام من أجل
إقرأ أيضاً:
حرب السودان.. جهود دولية إنسانية دون حل في الأفق
مع استمرار الحرب في السودان تزداد معاناة ملايين المدنيين من انعدام الأمن الغذائي، بينما لا تلوح في الأفق أي مؤشرات لحل سياسي ينهي القتال الدائر في البلاد منذ 15 أبريل 2023.
التغيير ــ وكالات
الدبلوماسي الأميركي السابق ومدير الشؤون الأفريقية الأسبق في مجلس الأمن القومي، كاميرون هدسون أكد أنه لا يوجد مؤشرات تلوح في الآفق بشأن اتفاق للتهدئة في السودان.
ويرى أن تركيز الجهود الدولية حاليا يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية، ولا جهود تتعلق بالعملية السياسية في السودان، مشيرا إلى أن مساعي واشنطن في جمع الأطراف المتحاربة في السودان لم تنجح.
أوضح هدسون أنه تم فرض عقوبات على بعض الأفراد في قوات الدعم السريع، والتي لم تكن فعالة لتغيير سلوكيات هذه القوات، وفي الوقت الذي ظهرت فيه دلائل على تقديم دولة الإمارات لأسلحة في السودان إلا أن واشنطن لم تتحدث بصرامة معها بهذا الشأن، تم الاكتفاء بنفي أبو ظبي إرسال أسلحة، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تفضل علاقاتها مع الإمارات وإن كان ذلك على حساب مقتل العديد من المدنيين في السودان.
وقال هدسون إن رد وكالات الأمم المتحدة لم يكن كافيا في السودان، وهذا يعود للتمويل وللأولويات التي تفرضها الدول الأعضاء على المشهد، إذ أنها لا تحظى بذات الأولوية مثل ما يحدث في حرب أوكرانيا، أو حرب إسرائيل في غزة.
وتسيطر قوات الدعم السريع بشكل شبه كامل على إقليم دارفور ومساحات واسعة من منطقة جنوب كردفان ومعظم وسط السودان، بينما يسيطر الجيش النظامي على شمال وشرق البلاد.
وحتى الآن، لم يتمكن أي من المعسكرين من السيطرة على كامل العاصمة الخرطوم التي تبعد ألف كيلومتر شرق مدينة الفاشر.
وأودت الحرب بحياة عشرات الآلاف وشردت أكثر من 11 مليون شخص وتسببت بما تعتبره الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في الذاكرة الحديثة.
ويتهم الجيش وقوات الدعم السريع باستهداف المدنيين والمرافق الطبية بشكل عشوائي، وبقصف مناطق سكنية عمدا.
ملايين السودانيين اضطروا للنزوح بسبب القتال الجاري في البلاد منذ أبريل 2023
مع استمرار الحرب في السودان تزداد معاناة ملايين المدنيين من انعدام الأمن الغذائي، بينما لا تلوح في الأفق أي مؤشرات لحل سياسي ينهي القتال الدائر في البلاد منذ 15 أبريل 2023.
الدبلوماسي الأميركي السابق ومدير الشؤون الأفريقية الأسبق في مجلس الأمن القومي، كاميرون هدسون أكد أنه لا يوجد مؤشرات تلوح في الآفق بشأن اتفاق للتهدئة في السودان.
ويرى أن تركيز الجهود الدولية حاليا يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية، ولا جهود تتعلق بالعملية السياسية في السودان، مشيرا إلى أن مساعي واشنطن في جمع الأطراف المتحاربة في السودان لم تنجح.
وأعلنت واشنطن الخميس عن تخصيصها مبلغا إضافيا بقيمة 200 مليون دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان، ليرتفع بذلك إجمالي المساعدات الأميركية إلى 2.3 مليار دولار.
وأضاف هدسون أن واشنطن أيضا لم تنجح في وضع حدود للقوى الدولية التي تغذي الصراع في السودان، لافتا إلى أن الولايات المتحدة “في وضع صعب” فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة في السودان، خاصة مع تبقي شهر واحد لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن.
ولا يعتقد أن الأزمة في السودان تتصدر أولويات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب.
منذ أبريل 2023، يشهد السودان حربا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي.
وقال هدسون إن تقديم المساعدات لوحدها للسودان غير كافية، ولكن ما نحتاج إليه هناك هو حل سياسي للأزمة، مشيرا إلى أن واشنطن لم تستخدم كل الأدوات المتاحة لها للضغط في هذا الإطار، إذ لم تفرض عقوبات، ولم يتم إيقاف تغذية الصراع من قوى إقليمية.
والخميس، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن السودان قد يشهد أكبر مجاعة في التاريخ الحديث، مع 1.7 مليون شخص في البلد إما يعانون الجوع أو هم معرضون له، إضافة إلى ذلك، يعاني حوالي 26 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في البلد.
الوسومأزمة إنسانية الحرب جهود دولية حل سياسي