الامتحانات غش أم مساعدة؟
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
محمد الصواعي
أصبحنا في زمن المتغيرات وفي عصر الغرائب وفي حقبة العجائب، نسمع ونرى ونشاهد ونواكب الأحداث ومختلف المواقف هناك ظاهرة تفشت في مجتمعاتنا وانتشرت كهشيم النار ولها آثار سلبية وعواقب وخيمة إن لم يتم تدارك هذه الظاهرة فإنَّ الأمور ستتراكم وسيجني المجتمع على نفسه ويصيب الدولة والوطن في مقتل وستكون المخرجات نفس البذرة التي زرعتها وكما يقال: "إنك لن تجني من الشوك العنب".
هناك أفعال وتصرفات يتم التستر عليها بمُسميات جذابة حتى يخفت وقاحة الفعل وقبيح العمل ومن هذه الأفعال هي الغش في الامتحان فيتم التلميع وزخرفتها على أنها تقديم مساعدة ويثاب فاعله بنيل الأجر والثواب من الله عز وجل وتقديم العاطفة والمجاملة على الواقع والمنطق. والأمر الأكثر غرابة ترى المجتمع ينظر لمن يمنع ظاهرة الغش ويعمل لأرضاء ضميره أمام الله عز وجل على أنه (حاسد وحاقد وقاسٍ ومتشدد ومتزمت)؛ فيتحول هذا الإنسان في نظر المجتمع أنه رجل لايقدر الطلاب ولايثمن رغباتهم ولايملك ذرة رحمة أو رشفة شفقة.
وقد صدق أمير الشعراء أحمد شوقي حينما قال:
صاغوا نعوت فضائل لعيوبهم
فتعذر التمييز والإصلاح
وهكذا ترى الشخص المخلص المصلح الحريص على مصلحة الطالب من الإنزلاق في آفة الغش وضرورة الاعتماد على نفسه ومحاولة منه لتكريس هذا المبدأ وصقله يصبح غريبا مهمشا متروكا فيغدو وحيدا كالشخص الذي ارتكب جرما ويرغب في التستر عن أعين الآخرين كي لا يروا سوءته أو يتذكر ذنبه كلما شاهدهم.
ومما يؤسف له ويندى له الجبين تفاقم الظاهرة؛ لترى من يكون في موضع القدوات يسهل عملية قتل الطالب من الوريد إلى الوريد لأن الغش يقتل ملكة الإبداع والابتكار لدى الطالب، فتكون العملية عكسية وهو ابتكار أساليب متنوعة في الغش كاستخدام القصاصات وسماعة البلوتوث مثلاً وغيرها، وهذه من الأمور الهدامة لعقلية الطالب والأجيال الناشئة؛ حيث يتبنى الطالب فكر الاتكال والاعتماد على الآخرين فيجعل عقله مرهوناً بيد الآخرين لا بذاته وإرادته.
ومن الغرائب تلاحظ أن المجتمع القاصي والداني العالم والجاهل الكبير والصغير يستأسد ويدافع بكل ما يملك من طاقة بضرورة التساهل مع الطلاب وتقديم المساعدة فيتم فتح اللجان ويتناقل الجميع أو البعض الإجابات فتبتهج القلوب وتطرب الأنفس وتنهال عبارات الشكر والثناء كهطول المطر على المراقب أو التربوي أو من ساهم في هذه العملية ومن ثم هذه الأجيال تجلب الدمار والخراب للمجتمع فتغش في ميادين عملها وتختلس في الوظيفة فيتضرر الجميع أو فئة من فئات المجتمع.
ويح نفسي! كيف لمن اعتاد على الغش وحصل على من يشجعه ويدعمه أن يتورع من الغش في الوظائف والمؤسسات وأمور الحياة؟
أين نحن من قول الشاعر:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
كما يذكر المثل النيجيري :"يموت القط والدجاجة في فمه"؛ للدلالة على المماطلة والتحايل في الحصول على الهدف الذي يسعى إليه عبر الخداع والغش.
وعلى ضوء ما سبق نرجع عجلة التدوير إلى الخلف ونتساءل من المسؤول؟
أليس تلميع الغش تحت مسمى المساعدة وصفاء القلب وحب الخير هو سبب ما وصلنا إليه؟ وقد قيل في الأثر "من أمن العقوبة أساء الأدب".
إنَّ غياب الوازع الديني والخوف من تكالب فئات المجتمع ضده، والضجر والملل من المراقبة، واستباحة الغش تحت ذريعة أن الفساد استشرى في المجتمع ونخر المؤسسات، واعتبار تغشيش الطلبة مساعدة وتكريس هذا المبدأ في عقله وفكره ونشره بين أبنائنا الطلبة وتفشى ذلك بين الأجيال أسباب جوهرية بل مرتكزات أساسية في انتشار ظاهرة الغش واستمرارها وستستمر لأن القلوب غافلة تستهوي الباطل لحلاوة مذاقه وتبغض الحق لمرارته فمتى تمسكنا بكتاب الله وسنة نبيه الكريم قولًا وفعلًا وعملًا في الميدان انزاحت هذه الخصال الدنيئة وتغيرت عقول المجتمع وأصبحت أكثر وعيًا.
إن غش الطالب في الامتحانات هي بمثابة خيانة عظمى يرتكبها الطالب في حق نفسه وأهله ومجتمعه ووطنه كونه سيحصل على شهادة مزورة في النجاح والتفوق، كما إنها تربي النفس وتقومها على الخداع الذاتي وخداع المجتمع بالحصول على التفوق والدرجات بطرق ملتوية وغير مشروعة، كما أنها تزرع في نفوس طلبتنا الاتكالية دون الاعتماد على نفسه، كما تولِّد لدى الطالب البلاهة وجمود العقل من النشاط والحركة فالغش عبارة عن تراكمات لأفعال سلبية ستظهر تبعاتها في المستقبل أمام الطالب نفسه وأمام المجتمع في مختلف الوظائف فمن شبَّ على شيء شاب عليه.
فمتى نشحذ الهمم ونوقد العزائم ونحارب آفة الغش ونكرس في طلابنا ضرورة الاعتماد على النفس وأن الغش مستنقع خطير يؤدي بصاحبه إلى الهاوية عاجلا أم آجلا؟
جميعنا يتحمل مسؤولية ما وصل الطلاب إليه من استهواء الغش واعتباره سلوكا حميدا واستحسانه لأننا اعتدنا على النظر والانبهار بالقشور ولم نحكم نظرتنا إلى المضمون والمحتوى وما ستؤول إليه النتيحة بعد سنوات من الزمن.
يجب أن تكون لنا شجاعة في قول الحق والجرأة في مواجهة هذه المعضلة الشائكة؛ لأنَّ حبالها طويلة وستلاحق الأجيال القادمة. لذا يجب تكريس عادة الغش أنها مذمومة أمام جميع فئات المجتمع ونشر المطويات وتعليق النشرات وبهذا ستذبل المثبطات وستروض الصعوبات وستمحى صورة الماضي وتخلق صورة أكثر وعيًا وتماسكًا ومستقبلًا أكثر إشراقًا وأمانًا لطلابنا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
آخر ما وصلت إليه مفاوضات غزة ومستجدات المرحلة الأولى - لا ضمانات
كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، صباح اليوم السبت 21 ديسمبر 2024، أن تفاؤل حذر يسود حالياً إزاء إمكانية الوصول إلى صفقة لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس ، وذلك بعدما أحرز الوسطاء تقدُّماً ملحوظاً في المفاوضات الجارية.
وأضافت الصحيفة، أنه "بموجب هذا التقدم، فقد جرى تقسيم الاتفاق المتبلور إلى مرحلتين، مع ترحيل أهمّ الخلافات وأكثرها تعقيداً إلى المرحلة الثانية، ما يعني أن الاتفاق يمكن أن يتحوّل عمليّاً إلى نوع من الهدنة المؤقتة، التي تُستأنف في أعقابها عمليات القتل الإسرائيلية".
ووفقاً للمعلومات المتداولة، ففي المرحلة الأولى، يُفترض أن تطلق حماس سراح الأسرى من النساء والمرضى وكبار السن، في مقابل هدنة مؤقتة يُطلق خلالها أيضاً سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، على أن تُبقي الحركة على الجنود الإسرائيليين إلى الجولة الثانية، والتي يأمل الوسطاء أن تجري فيها مبادلة هؤلاء بوقف دائم لإطلاق النار وانسحاب لجيش الاحتلال من القطاع، وفقاً لما تطالب به حماس".
وتابعت "لكن إسرائيل تتعامل، من جهتها، مع الصفقة باعتبارها فرصة لتحصيل مكاسب واستعادة عدد من الأسرى، في مقابل هدنة مؤقتة، يُصار في أعقابها إلى استئناف الحرب التي لا يريد الائتلاف الحكومي إنهاءها، ربطاً بجدول أعمال خاص بمكوناته من اليمين الفاشي".
وقالت الصحيفة، إنه "مع ذلك، فإن النتائج التي توصّل إليها المفاوضون، ستحظى، وفقاً لما يُتداول، بقبول ظاهر من الجانبَين، على أن تُبقي إسرائيل بموجبها على وجودها العسكري في قطاع غزة ، مع إعادة تموضع وانسحابات جزئية طوال مدة تنفيذ المرحلة الأولى، وهو ما يراه الوسطاء تراجعاً إسرائيلياً معتدّاً به. على أن إعادة الانتشار تلك قد يُستفاد منها لإنعاش الجنود الإسرائيليين المنهكين، فيما لا أحد يمكنه أن يضمن التزام إسرائيل بالمرحلة الثانية؛ إذ إن أكثر المتفائلين في تل أبيب يتحدّثون عن نبضة أولى من التسوية لا تلحقها نبضة ثانية، لا بل إن خبراء ومعلّقين يرون أن المرحلة الأولى نفسها ما زالت محلّ أخذ ورد، وأن هناك احتمالاً معتدّاً به لأن لا تدخل حيّز التنفيذ، في ظلّ استمرار الحكومة الإسرائيلية في تحديث مطالبها وشروطها بشكل متواصل، في ما يمثل اجتراراً لإستراتيجية جرى اتباعها سابقاً لإفشال صفقات كانت في متناول اليد".
وأشارت إلى أن "ذلك يعني أن الحديث عن تقدُّم المفاوضات لا يعني أن الاتفاق بات ناجزاً، رغم كل التفاؤل الذي يُبثّ من جانب الوسطاء وإسرائيل؛ والحذر هنا لا يتعلّق بالجزأين فقط، بل بالجزء الأول الذي جرى تجريده من البنود الخلافية الصعبة".
في المقابل، لا تتفق استطلاعات الرأي لدى جمهور إسرائيل مع إستراتيجية الحكومة؛ إذ بحسب آخر استطلاع للرأي، اعتبر 74% من الإسرائيليين أن هناك ضرورة للتوصّل إلى اتفاق شامل يعيد جميع الأسرى، حتى وإنْ كان الثمن وقف الحرب في غزة.
واللافت في هذا الاستطلاع، أن مطلب استعادة الأسرى مقابل إنهاء الحرب، يحظى بموافقة 84% من ناخبي المعارضة، والأهم بتأييد 57% من جمهور الائتلاف، فيما لا تتجاوز نسبة مَن يؤيّدون صفقة جزئية، الـ10%.
لكن ذلك لا يعني على أيّ حال أن الائتلاف سيجاري جمهوره، وخصوصاً أنه وفقاً لاستطلاعات الرأي المتكرّرة، تراجع ناخبو الشرائح الوسطية عن تأييد أحزاب الائتلاف، وتحديداً الليكود، في اتجاه أحزاب المعارضة، التي باستطاعتها الآن، في حال إجراء الانتخابات، الفوز بغالبية في الكنيست ، من دون أحزاب فلسطينيي عام 1948، في حين تقهقر الليكود وأقرانه والأحزاب الحريدية والصهيونية الدينية إلى ما دون عتبة الغالبية اللازمة للفوز بولاية جديدة.
ويُضاف إلى ما تقدّم، أن عدداً من أحزاب الصهيونية الدينية، وفي المقدّمة منها حزب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، قد لا تحظى بأيّ مقعد في "الكنيست" المقبل، فيما رئيس الحكومة السابق نفتالي بينت، قد يدخل الندوة النيابية وينافس على الشريحة الناخبة نفسها، حاملاً تجربة سابقة في الائتلاف مع أحزاب الوسط والمعارضين، وأيضاً مع أحزاب تمثّل فلسطينيي الداخل.
وفي ما يتعلّق برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، الذي يَمثل عدّة مرات في الأسبوع أمام المحكمة على خلفية اتهامه بقضايا رشى وفساد واحتيال، فهو لا يجد في إنهاء الحرب في غزة ما يفيد محاكمته، بل إن استمرار الحرب يُعدّ جزءاً لا يتجزّأ من إستراتيجيته الدفاعية، كونه يدرك أن وقوفه في قفص الاتهام بصفته رئيساً سابقاً للحكومة أو لحكومة مستقيلة، يغري القضاة الذين يعدّهم أعداء ومتربصين به، لإدانته، في حين أن بقاءه رئيساً فعليّاً للحكومة، في ظلّ استمرار الحرب، من شأنه أن يبطّئ توثّب القضاء لإدانته.
وأضافت الصحيفة "وتشير المعطيات إلى أرجحية معتدّ بها لأن تنجح المفاوضات في التوصّل إلى اتفاق على الجزء الأول من صفقةٍ لتبادل الأسرى، تفيد الأطراف كافة بلا استثناء، ومن بينهم نتنياهو وائتلافه، كونها ستخفّف ضغوط الجمهور عليه وتنزع عنه - وإنْ مؤقتاً وفي ظلّ محاكمته - صفة التطرّف وإرادة استمرار الحرب على خلفية مصالح سياسية وشخصية. أما المرحلة الثانية من الصفقة، والتي رُحِّلت إليها كل الخلافات الصعبة والمستحيلة، فتكتنفها شكوك كبيرة جداً".
المصدر : وكالة سوا - صحيفة الأخبار اللبنانية