جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-15@16:40:14 GMT

غزة وشتاءات الصمود

تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT

غزة وشتاءات الصمود

 

محمد بن زاهر العبري

كم من درس لقّنته غزة الصمود للبشرية من أقصاها إلى أقصاها؟! وفي الواقع فلقد غيرت نمط الحياة الروتينية الرتيبة إلى أخرى تضج بالعزيمة وتفور بالرغبة في التضحية.

لقد هيمن تأثير تضحياتها على قطاعات واسعة من العالم الغربي الذي كان الإعلام العالمي يصوره لنا مجتمعاً أكله الانحطاط ومزقته الرذيلة، وإذا بالعديد منهم استنهضتهم من سبات الميديا الغربي الوضيع توضحيات الأطفال والأمهات والشيوخ في غزة، فأخذوا ينددون بجرائم الصهاينة ويتساءلون عن سر هذا الصبر وذلك الإيمان الذي يملأ قلوب تلك الأمهات وهن يودعن صغارهن الوداع الأخير؟

وفي عالمنا العربي، قبل طوفان الأقصى، قصارى طموح الأطفال كان في زيارة ديزني لاند الداعمة للصهيونية، وأقصى هم المراهقين كان في عدم فوات أية مباراة من الدوري الإسباني لكرة القدم، أما الرجال فالجلوس في المقاهي، والتفكير في صعوبات الحياة الاقتصادية الضاغطة.

وإذا بغزة تغير وتتسرب في الأذهان، فتعمل على إيجاد تغيير هائل في الطموحات والرغبات والأمنيات.

الأطفال باتوا يسألون الآباء عن مقاطعة المنتجات الداعمة للصهاينة، ويحذرون من أكل الوجبات التي طالما اعتادوا أن يأكلوها، ففي حين عجزت نصائح وتحذيرات الأمهات أن تصرف نظرهم عنها بداعي الصحة، إذا بهم أبطلوا التفكير فيها تماما دعما لخيار المقاومة، والعيش بإحساس الجهاد والكفاح لأجل الحق والحرية.

عرف المراهقون أبطالًا جددًا يستحقون المتابعة الحثيثة وعن كثب لأخبارهم، فلقد استعاضوا عن الدوري بأخبار أبي عبيدة، البطل الحقيقي الذي يستحق أن تُحاك حوله القصص عوضًا عن باتمان وسوبرمان. وها هو نمط المحادثات في المقاهي يضع فلسطين في قوائمها أولًا، فذاك الذي كان بالأمس يفكر في توفير مستقبل مشرق لأطفاله ولا يجد له هما غير هذا، نراه يبدي استعداده لتبني أيتام غزة على الرغم من ضيق موارده المالية، ويشاطر نصف عيشه للمحرومين بلا مأوى أو ماء للشرب في بيت لاهيا أو جباليا أو الزهراء.

لقد كشف طوفان الأقصى نفاق الحكومات الغربية الكبرى من قبل أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، ونفاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان وحتى اليونسيف، التي ليست إلا أدوات في اليد الصهيوأمريكية القبيحة، وعرف الناس بأن هؤلاء أعجز من أن يجلبوا حقًا أو يرفضوا باطلًا.

عرف القاصي والداني دجل هذه الحكومات وكذب شعاراتها، فها هي اليوم تنظر دون أدنى حراك للإبادة الجماعية لأطفال ونساء وعجائز غزة. هذا هو وجه العالم الغربي الذي كان قد بهرنا لسنوات بتقدمه العلمي دون أن نتمكن من أن نلحظ قبحه الأخلاقي وانحطاطه الإنساني.

المهم هُنا أن تبقى هذه المشاعر دافئة على مر الفصول، فلا تبرد في شتاءات الحياة القاسية، بل تظل تتوهج لأجل إخوتنا الذين يجاهدون لكرامتهم وعزتهم وأرضهم وحقوقهم السليبة.

يقول تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ" (التوبة:71)، ويقول الشيخ الشوكاني عند هذه الآية: "أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف بسبب ما جمعهم من أمر الدين وضمهم من الإيمان بالله. فنسبتهم بطريق القرابة الدينية المبنية على المعاقدة المستتبعة للآثار من المعونة والنصرة وغير ذلك".

خير ختام.. هل شاهدتم ذلك الفيديو الذي بثه الإعلام العسكري في غزة الأبية؟ ذلك الفيديو الذي يقوم فيه أحد المجاهدين بحمل عبوة بين يديه ثم يضعها على طرف دبابة العدو الغاصب ليحيلها إلى دمار دون أن يُصاب هو بشظايا الانفجار مع أن مقتله في هذه التضحية كان وشيكًا؟ أية عزيمة هي هذه؟ إنها تبعث على الفخر والاعتزاز.

لا تُبنى مثل هذه العزائم إلّا على الإيمان بوعود الله تعالى للمجاهدين بالحياة الأبدية، وأن النصر رهين التضحيات، ومآل الأرض آخر المطاف هو للصالحين، يقول تعالى: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ". (الأنبياء: 105).

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أوقاف الفيوم تفتتح ثلاثة مساجد بعد الإحلال والتجديد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

افتتحت مديرية أوقاف الفيوم ثلاثة مساجد بعد الإحلال والتجديد مسجد محمود أغا، عزبة محمود أغا، قرية دسيا، مركز الفيوم جنوب، ومسجد الرحمن، عزبة الفقي، مركز سنورس، ومسجد الرحمة، منشأة رحمي، مركز إطسا،اليوم الجمعة، بعد الإحلال والتجديد.

 

جاء ذلك بتوجيهات من وزير الأوقاف  الدكتور أسامة السيد الأزهري،وبحضور كل من : الدكتور محمود الشيمي مدير المديرية، والشيخ يحى محمد مدير الدعوة، والشيخ أحمد سيد عبدالله، مدير إدارة سنورس ثان، والشيخ سعيد مصطفى مدير إدارة مركز جنوب ،والشيخ أحمد محمد حسانين مدير إدارة إطسا غرب؛ ليتحدثوا جميعا بصوت واحد تحت عنوان:"المال العام وحرمة التعدي عليه".
 

وفي خطبهم أكد العلماء أن المالَ هو قِوام الحياة الإنسانية، وضرورة من ضرورياتها،فقال تعالى:‭‬{ولَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا‭{‬،وهو نوع من أنواع الزينة في هذه الحياة الدنيا،كما قال تعالى:‭}‬الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‭{‬،وهو من أهمِّ الأساليب التي من خلالها نُعمّر الأرض في شتى المجالات، فللمال أهمية في تسيير أمور الحياة، والنهوض بالأفراد والأمم لتحقيق وسائل العيش الكريم، وقد جاءت نصوص الشرع الشريف تأمرنا بالمحافظة على هذا المال،فنهى عن أكل الحرام بكل صوره وأشكاله نهيًا قاطعًا لا لبس فيه، قال سبحانه: ‭}‬يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا.. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا‭ {‬.

 

وأشار العلماء أنه إذا كان المال الخاص المملوك للإنسان، يَبذُل - الإنسان- لأجله ما في وسعه وطاقاته وإمكاناته بما يُمكّنه من المحافظة عليه، فإنَّ الناس(كل الناس ) مُكَلفون أيضًا بالمحافَظة على المال العام؛ ذلك لأن نفْعَه غير مُختزل أو منحصر على فرد أو جماعة، بل يعود نفعه على الناس كل، ‏ومن ثمَّ فالمال العام محمي بموجب الشرع مثل حماية المال الخاص؛ بل إن المال العام قد يكون أشدَّ حرمة لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، ولذلك حذر الإسلام من سرقته أو الإضرار به، قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ‭{‬، ‏ويقول: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ الله بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ»، ‏ويدخل في المال العام أيضا (حق الطريق ) من حيث المحافظة على آدابه، واحترام القوانين وقواعد المرور والإرشادات الخاصة بالسير فيه للأفراد والمركبات؛ حفاظا على أمن المجتمع وسلامته من ناحية، وعدم إتلاف وإهدار الجهود التي قامت بها الدولة من جهة ثانية، فالحفاظ على المال العام وحمايته هو من الواجبات الشرعية والضرورية التي على المواطن تجاه وطنه، وتُعدُّ من الأمانات التي يجب عليه أن يقوم بها، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا‭{‬.

 

كما أوضح العلماء أنه يلحق بذلك أيضا من يسرق الكهرباء أو يتلاعب في عدادات قراءتها، أو سرقة أسلاكها وأبراجها، وكذلك من يعتدي على أملاك الدولة، أو يحتال على صرف دعم لا يستحقه، أو يقوم بتزوير البيانات للحصول على عطاء من التموين لا يستحقه، أو يحتال للحصول على إسكان مدعم لا يستحقه، فهؤلاء جميعًا يضيعون الفرصة والحق على مستحقيه الحقيقيين ، أو اغتصاب الأرض بوضع اليد عليها ظلمًا، أو الاعتداء على أملاك الدولة والأوقاف، فعن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عن رَسُولِ اللَّه قال: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ».
 

وقد شملت الافتتاحات إلى جانب أداء خطبة الجمعة،مقارئ القرآن،وفعاليات البرنامج التثقيفي للطفل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

IMG-20241115-WA0255 IMG-20241115-WA0254 IMG-20241115-WA0252 IMG-20241115-WA0253 IMG-20241115-WA0250 IMG-20241115-WA0251 IMG-20241115-WA0249 IMG-20241115-WA0248 IMG-20241115-WA0247 IMG-20241115-WA0246 IMG-20241115-WA0244 IMG-20241115-WA0245 IMG-20241115-WA0238 IMG-20241115-WA0236

مقالات مشابهة

  • أوقاف الفيوم تفتتح ثلاثة مساجد بعد الإحلال والتجديد
  • آداب الطعام في الإسلام.. احذر من امتلاء البطن
  • الصمود نصر
  • بدء تنفيذ مشروع تعزيز الأمن الغذائي والقدرة على الصمود بالضفة الغربية
  • علي جمعة: الطعام له أثر في تصرفات الإنسان وفي الاستجابة لأوامر الله
  • حكم الشرع في عدم القدرة على الوضوء
  • أمين عام "حزب الله" اللبناني يوجه رسالة إلى المقاتلين
  • بين الاتهام والإصرار.. هل ستتمكن مارين لوبان من الصمود أمام القضاء؟
  • ماذا لو لم تكن قضيةُ فلسطين؟
  • «إكسترا نيوز»: الاقتصاد المصري ينجح في الصمود أمام الأزمات العالمية الراهنة