جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-12@19:25:18 GMT

غزة وشتاءات الصمود

تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT

غزة وشتاءات الصمود

 

محمد بن زاهر العبري

كم من درس لقّنته غزة الصمود للبشرية من أقصاها إلى أقصاها؟! وفي الواقع فلقد غيرت نمط الحياة الروتينية الرتيبة إلى أخرى تضج بالعزيمة وتفور بالرغبة في التضحية.

لقد هيمن تأثير تضحياتها على قطاعات واسعة من العالم الغربي الذي كان الإعلام العالمي يصوره لنا مجتمعاً أكله الانحطاط ومزقته الرذيلة، وإذا بالعديد منهم استنهضتهم من سبات الميديا الغربي الوضيع توضحيات الأطفال والأمهات والشيوخ في غزة، فأخذوا ينددون بجرائم الصهاينة ويتساءلون عن سر هذا الصبر وذلك الإيمان الذي يملأ قلوب تلك الأمهات وهن يودعن صغارهن الوداع الأخير؟

وفي عالمنا العربي، قبل طوفان الأقصى، قصارى طموح الأطفال كان في زيارة ديزني لاند الداعمة للصهيونية، وأقصى هم المراهقين كان في عدم فوات أية مباراة من الدوري الإسباني لكرة القدم، أما الرجال فالجلوس في المقاهي، والتفكير في صعوبات الحياة الاقتصادية الضاغطة.

وإذا بغزة تغير وتتسرب في الأذهان، فتعمل على إيجاد تغيير هائل في الطموحات والرغبات والأمنيات.

الأطفال باتوا يسألون الآباء عن مقاطعة المنتجات الداعمة للصهاينة، ويحذرون من أكل الوجبات التي طالما اعتادوا أن يأكلوها، ففي حين عجزت نصائح وتحذيرات الأمهات أن تصرف نظرهم عنها بداعي الصحة، إذا بهم أبطلوا التفكير فيها تماما دعما لخيار المقاومة، والعيش بإحساس الجهاد والكفاح لأجل الحق والحرية.

عرف المراهقون أبطالًا جددًا يستحقون المتابعة الحثيثة وعن كثب لأخبارهم، فلقد استعاضوا عن الدوري بأخبار أبي عبيدة، البطل الحقيقي الذي يستحق أن تُحاك حوله القصص عوضًا عن باتمان وسوبرمان. وها هو نمط المحادثات في المقاهي يضع فلسطين في قوائمها أولًا، فذاك الذي كان بالأمس يفكر في توفير مستقبل مشرق لأطفاله ولا يجد له هما غير هذا، نراه يبدي استعداده لتبني أيتام غزة على الرغم من ضيق موارده المالية، ويشاطر نصف عيشه للمحرومين بلا مأوى أو ماء للشرب في بيت لاهيا أو جباليا أو الزهراء.

لقد كشف طوفان الأقصى نفاق الحكومات الغربية الكبرى من قبل أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، ونفاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان وحتى اليونسيف، التي ليست إلا أدوات في اليد الصهيوأمريكية القبيحة، وعرف الناس بأن هؤلاء أعجز من أن يجلبوا حقًا أو يرفضوا باطلًا.

عرف القاصي والداني دجل هذه الحكومات وكذب شعاراتها، فها هي اليوم تنظر دون أدنى حراك للإبادة الجماعية لأطفال ونساء وعجائز غزة. هذا هو وجه العالم الغربي الذي كان قد بهرنا لسنوات بتقدمه العلمي دون أن نتمكن من أن نلحظ قبحه الأخلاقي وانحطاطه الإنساني.

المهم هُنا أن تبقى هذه المشاعر دافئة على مر الفصول، فلا تبرد في شتاءات الحياة القاسية، بل تظل تتوهج لأجل إخوتنا الذين يجاهدون لكرامتهم وعزتهم وأرضهم وحقوقهم السليبة.

يقول تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ" (التوبة:71)، ويقول الشيخ الشوكاني عند هذه الآية: "أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف بسبب ما جمعهم من أمر الدين وضمهم من الإيمان بالله. فنسبتهم بطريق القرابة الدينية المبنية على المعاقدة المستتبعة للآثار من المعونة والنصرة وغير ذلك".

خير ختام.. هل شاهدتم ذلك الفيديو الذي بثه الإعلام العسكري في غزة الأبية؟ ذلك الفيديو الذي يقوم فيه أحد المجاهدين بحمل عبوة بين يديه ثم يضعها على طرف دبابة العدو الغاصب ليحيلها إلى دمار دون أن يُصاب هو بشظايا الانفجار مع أن مقتله في هذه التضحية كان وشيكًا؟ أية عزيمة هي هذه؟ إنها تبعث على الفخر والاعتزاز.

لا تُبنى مثل هذه العزائم إلّا على الإيمان بوعود الله تعالى للمجاهدين بالحياة الأبدية، وأن النصر رهين التضحيات، ومآل الأرض آخر المطاف هو للصالحين، يقول تعالى: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ". (الأنبياء: 105).

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الأوقاف: « السماحة في البيع والشراء وسائر المعاملات».. موضوع خطبة الجمعة غدا

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة غدا، بعنوان : رحم الله رجلا سمحا .. السماحة في البيع والشراء وسائر المعاملات.

وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف المراد توصيله إلى جمهور المسجد توجيه وعي جمهور المسجد إلى سهولة التعامل، وتحويل البيع والشراء إلى مدخل للود والصلة، وليس للتسلط والمنازعة، وذلك من خلال بيان أن السماحة باب محبة الله، وسبيل رحمته، وطريق الجنة، وأن نظرة الإسلام للبيع والشراء أنه مدخل للود والصلة، وليس للتسلط والمنازعة، وأن السماحة من أرقى معالي الأخلاق ومكارمها.

وفيما يلي نص خطبة الجمعة :


رحم الله رجلا سمح
الحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، جعل السماحة سبيل الرحمة، وأرشد إليها جميع الأمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وختاما للأنبياء والمرسلين، فشرح صدره، ورفع قدره، وشرفنا به، وجعلنا أمته، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فيا من تريد أن يحبك الله، يا من تحب أن يرحمك الله، يا من ترجو أن يظلك الله في ظله يوم القيامة، يا من تتوق نفسك إلى أن يدخلك الله الجنة؛ كن سمحا في بيعك، سمحا في شرائك، سمحا حين اقتضائك، كن لينا، هينا، رفيقا، رقيقا، لا تنازع، لا تشاقق، لا تغش، ولا تخادع.
وهنيئا لك أيها السمح النبيل بهذه الوعود النبوية، والبشريات المصطفوية، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى»، ويقول صلوات ربي وسلامه عليه: «إن الله يحب سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء»، ويقول عليه الصلاة والسلام: «أدخل الله عز وجل رجلا كان سهلا مشتريا، وبائعا، وقاضيا، ومقتضيا الجنة»، ويقول سلام الله عليه: «من أنظر معسرا أو وضع له، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله»
أيها البائع، أيها المشتري، كن سمحا؛ فإن المتأمل في مقاصد البيع والشراء في ديننا المنير يجد أنه دعوة للود والصلة والتراحم، مدخل للمحبة والألفة والتعارف الجميل بين الناس، حين يتسامحون، ويتباذلون، وتطيب أنفسهم وترضى قلوبهم بائعين ومشترين، لا يتعنتون، ولا يتشاححون؛ فتتأصل بذلك الأخوة الصادقة، وتتكون الأمة المتماسكة المترابطة التي يحنو فيها الكبير على الصغير، والقوي على الضعيف، والغني على الفقير.
كن سمحا؛ فإن اللين والرفق والسماحة ضرب من الإحسان إلى النفوس التي جبلت على حب من أحسن إليها، وباب عظيم لتأليف القلوب، فتشيع المحبة والمودة، ويعم التآلف والبذل في المجتمع.
كن سمحا؛ فإن التسامح من أرقى معالي الأخلاق ومكارمها، وهو عماد الحياة الكريمة الطيبة الزكية، بعيدا عن العنف والتنازع والتشاقق الذي هو سبيل الوهن والضعف، واعلم أن رب العالمين أمر بالألفة، ونهى عن الفرقة؛ قال تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}.
أيها الكريم أتظن أن إنسانا سمحا في بيعه وشرائه يضيق عليه في الرزق أو تنزع من حياته البركة؟! إن الإنسان السمح الهين اللين يبارك الله له في رزقه حين تطيب نفسه بما رزقه الله تعالى من غير مشاححة ولا منازعة، أما ذلك الذي يشح ويبخل ويشاقق ويتنازع فإن كان رزقه كثيرا، فإنك تجده قلقا مضطربا شديد الخوف على ماله، شديد الخوف من الفقر، لا يعرف قلبه راحة ولا سكينة، ولا يجد للحياة لذة ولا طمأنينة
*
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فكن سمحا رقيقا لينا، فرحم الله عبدا سمحا إذا اشترى لا يبخس السلعة قدرها، سمحا إذا باع لا يغالي في ثمن السلعة ولا يحتكر ولا يستغل أزمات الناس، سمحا إذا اقتضى حقه وطالب بما له في جود ولين وحسن عشرة، فإن كان أخوه ذا عسرة أنظره إلى ميسرة.
وعلى قدر ما يكون الإنسان كذلك في معاملته مع أخيه الإنسان على قدر ما تكون معاملة الكريم سبحانه له وتجليه عليه، يقول نبينا صلوات ربي وسلامه عليه: «أتى الله تعالى بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال: ولا يكتمون الله حديثا» قال: يا رب، آتيتني مالك، فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أتيسر على الموسر، وأنظر المعسر، فقال الله تعالى : «أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي».
اللهم اجعلنا من أهل السماحة والرضا 
وجمل أخلاقنا، ووسع أرزاقنا، واحفظ مصر بحفظك الجميل.

مقالات مشابهة

  • شعور فطري.. دار الإفتاء: حب الوطن وارد في القرآن والسنة
  • خطيب المسجد النبوي: شر الرجال من كان متغطرسًا ومعجبًا بنفسه
  • لجان المقاومة: جرائم الاحتلال لن تكسر إرادة الصمود والقتال لدى شعبنا
  • لجان المقاومة: جرام الاحتلال لن تكسر إرادة الصمود والقتال لدى شعبنا
  • إمام الحرم: الأمن من أعظم نعم الله على عباده
  • غزة عام من الصمود والتصدي والتحدي
  • توسيع محطة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية فوق نهر بيروت.. فياض: أحد أوجه الصمود
  • الأوقاف: « السماحة في البيع والشراء وسائر المعاملات».. موضوع خطبة الجمعة غدا
  • ‎بول يقدم 5 ملايين دولار لتايسون مقابل الصمود لـ4 جولات
  • حكم الاتجار في أدوية التأمين الصحي