غسان مطر شاهد على إجبار عرفات رفض مبادرة السلام

«سيلفى زين» فيلم يعبر عن الغضب الشعبى عقب إعلان ترامب القدس عاصمة إسرائيل

بالصمت والسخرية.. المخرج الفلسطينى إيليا سليمان يقاوم بدون سلاح

«إن شئت كما فى السماء».. العالم كله محتل وليست فلسطين وحدها

 

 

تعتبر القضية الفلسطينية من أبرز القضايا التى حظيت بمساندة الفنانين منذ عشرات السنين، ولم تفارق اهتمام صنّاع السينما وفنانيها، فعبرت عنها أجيال على مدار عقود بأعمال مختلفة، جسدها فنانون كبار كانت مواقفهم مع القضية مشرفة وتستحق الذكر والتقدير، حيث تنوعت أساليب الدعم للقضية بين زيارات ورصد جرائم الحرب وبين أغان لكبار المطربين والمطربات العرب على مدى العقود الماضية، خصها الشعراء والملحنون بأجمل أعمالهم.

حمل العديد من الفنانين الفلسطينيين القضية الفلسطينية على عاتقهم، وحاولوا التعبير عن معاناتهم الشخصية بالحلم الجماعى لاستعادة الوطن، فمنهم من تناول القضية فى أعماله الفنية وقام بتسليط الدورعلى المعاناة التى يعيشها الشعب الفلسطينى، بينما كان للبعض الآخر دور بارز ومهم فى القضية من خلال علاقتهم الجيدة بالحكومة.

لم يقتصر تناول القضية الفلسطينية على الأربعينيات والخمسينيات، بل امتد لأواخر التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة، ومع استمرار الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة وحرب الإبادة الجماعية التى شنها الكيان الصهيونى منذ السابع من أكتوبر الماضى، وسقوط العشرات من الشهداء والجرحى يوميًا نرصد أبرز فنانى الزمن الجميل الذين تناولوا القضية فى أعمالهم الفنية ومواقفهم الداعمة للقضية الفلسطينية منذ عقود مضت.

 

غسان مطر: عبر عن وطنيته بسيناريو فيلم «كلنا فدائية»

يعتبر الفنان الفلسطينى الراحل غسان مطر من أكثر الفنانين الذين كان لهم دور بارز فى مناصرة القضية سواء بأعماله الفنية أو بمواقفه الشخصية إبان حرب أكتوبر، ويعد من الفنانين الذين تمكنوا من الجمع بين الفن والسياسة فى آن واحد، فبجانب نجاحه فى عالم السينما فى السبعينيات والثمانينيات، كان له دوره كمواطن فلسطينى بالأساس، حيث أرسله الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى نوفمبر 1977 فى مهمة سرية لمقابلة الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، لمعرفة رأيه فى زيارة السادات للقدس وللأسف أضاع عرفات فرصة العمر بسبب رفض أعضاء المنظمة لمبادرة السلام رغم موافقة عرفات شخصيًا على المبادرة لكنه رضخ لرأى المنظمة.

اسمه الحقيقى عرفات داود حسن المطرى، ولد فى 8 ديسمبر عام 1938 بمدينة يافا فى فلسطين، عاش طفولة صعبة، حيث هاجر مع أسرته إلى مخيم البداوى الواقع فى شمال لبنان، وذلك بعد نكبة 1948 عمل فى العديد من الأعمال الفنية فى مصر ولبنان، حيث كانت أولى أعماله الفنية «الخليفة العادل عمر ابن الخطاب» ليكون ذلك بمثابة بوابة لدخوله عالم الفن.

اشترك بعد ذلك فى أعمال تعبر عن الكفاح الفلسطينى، حيث كان أول فيلم فلسطينى له «كلنا فدانية» عام 1969 والذى عكف على كتابته وكان أول تجربة كتابة سيناريو له، ثم عقبه فيلم «الفلسطينى الثائر» 1969.

غلب على معظم أعماله بعد ذلك طابع الشر والتى كانت الأبرز فى مسيرته، حيث تميز بتلك الأدوار خاصة فى السينما المصرية، بالإضافة لنظارته الشمسية التى يرتديها، ونبرة صوت مميزة، ولعل أشهر أدواره فى الشر كان فيلم «الأبطال» مع وحش الشاشة فريد شوقي.

قبل دخوله الفن كان يعمل مناضلاً بإحدى حركات المقاومة الفلسطينية، وقام بتنفيذ العديد من العمليات السرية ضد الاحتلال الإسرائيلى، وكان حلمه أن يكون ضابطاً فى جيش التحرير الفلسطينى، الذى تشكل فى بغداد عام 1958، غير أن اتهامه بأنه «محرض سياسي» حالت دون وصوله إلى حلمه، فالتحق بـ«راديو الثورة» كمذيعًا وذلك بسبب صوته القوى المميز.

عمل كمقدم برامج فى الإذاعة اللبنانية، وكان أبرزها ما تعلق بفلسطين، «كل مواطن غفير، وركن فلسطين»، ومن ثم انتقل للعمل فى التلفزيون اللبنانى، وفى تصريحات له أكد أنه أجبرعلى الاستقالة بسبب رفضه قطع البث عن حفلة كان يقدمها العندليب عبدالحليم حافظ، كما عمل بعد ذلك فى مجال الصحافة كمحرر ومدقق فى جريدة «النهار» البيروتية، وهناك تأثر بالكاتب والصحفى والناشر غسان توينى واستعار منه اسم غسان.

فى منتصف الثمنينيات، وأثناء استعداد الفنان الراحل لأداء دوره فى مسلسل محمد رسول الله، وأثناء حلاقة ذقنه استعداداً لتصوير مشاهده، علم بنبأ استشهاد عائلته بأكملها على يد قوات الجيش الصهيونى أثناء حرب المخيمات، وذلك عبر إذاعة مونت كارلو، حيث قُتلت زوجته وابنه وأمه انتقامًا منه كمناضل فلسطينى، وكان للقدر كلمته فى مقتل نجله جيفارا، الذى كان يتلقى دراسته بفرنسا فى هذا التوقيت ثم غادر باريس، وذهب لقدره ليزور أمه وشقيقته ليلقى حتفه مع باقى عائلته.

وفى أحد الأيام ومع اشتعال القضية الفلسطينية وتزايد اعتداءات جيش الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة أصدر الفنان غسان مطر عدة تصريحات خاصة أنها كانت تخص كل من الرئيس الراحل أنور السادات والزعيم الراحل ياسرعرفات، حيث قال فى أحد اللقاءات التليفزيونية الخاصة به مع الإعلامية منى سلمان، إنه عام 1978، كان هناك اجتماع فى «المينا هاوس» بين مصر وإسرائيل وفلسطين وكنت سهران مع اللواء على ذكى زوج الفنانة شريفة فاضل حينها، ووجدت اللواء كامل داود ومعه سعيد كمال، وطلب منى أن أحمل رسالة إلى الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات وهي» أن أبلغه عن لقاء سيتم فى المينا هاوس بين مناحم بيجن ومصر والرئيس عرفات، وعليه أن يكون موجودًا بوفد من أجل الاتفاقيات.

وأضاف:» ركبت على طائرة TWAالتى تعمل من أجل شحن البضائع متجهًا إلى بيروت وقابلت مسئول الأمن «على سلامة أبوحسن»، ووصلت لأبو عمار لأبلغه الرسالة فظل يتحرك مفكرًا فى المكان ثم صلى أبوعمار استخارة وطلب دعوة كل التنظيمات إلى اجتماع الساعة العاشرة»، مشيرًا إلى أنه طلب منى الحضور، فى تمام الحادية عشرة ونصف ثم ذهبت إلى رؤية عائلتى وكان يصاحبنى رجال آمن لأننى كنت مطلوب القبض عليّ».

واستكمل: «عندما قابلته فى الوقت المحدد قال لى أن أبلغ الإخوة فى مصر أنه فى تمام الساعة الرابعة سوف نبلغهم الرد والجواب»، وسافرت بعدها إلى القاهرة، وكان الأمن المصرى فى انتظار ردى، فأبلغتهم أن الجانب الفلسطينى رفض الحضور، وذلك بسبب ضغط الدول العربية عليه، برفض اتفاقيات السادات.

وأكد الفنان غسان مطر أن الرئيس الراحل ياسر عرفات ندم بعد ذلك على عدم قبول اتفاقية كامب ديفيد الذى طلب منه السادات الحضور والتوقيع عليها وإملاء شروطه بها، حيث كانت تلك الاتفاقية ستساعد فى عودة الأراضى الفلسطينية.

عاش غسان مطر حياة قاسية بعد فقده أسرته، وزادت قسوتها بعد أن أصيب بمرض السرطان وظل يصارع المرض حتى توفى فى 27 فبراير عام 2015، عن عمر يناهز 77 عاماً، بعدما قدم أكثر من 60 فيلمًا سينمائيًا ونحو 40 مسلسلًا تلفزيونيًا و6 أعمال إذاعية و6 مسرحيات، مسيرة نضالية وشخصية شق وحفر فيها مسيرته فى الصخر لتثبيت قيمته كفنان ومناضل.

 

الفنان الفلسطينى حسام أبوعيشة: «الفسيفساء» فيلم بروح الإرث الفلسطينى

ولد الفنان أبوعيشة فى القدس عام 1952، ثم انتقل إلى لبنان، حيث درس إدارة الأعمال فى بيروت، ثم عاد مرة أخرى إلى فلسطين بعد الإنتهاء من دراسته، وانضم للمسرح الوطنى الفلسطينى عام 1976، وكان واحدًا من مؤسسى «المسرح الشعبي» و«مسرح السنابل» فى القدس.

قضى أبو عيشة، 3 سنوات فى سجون الاحتلال الإسرائيلية أنجز خلالها ثلاثة أعمال مسرحية» الأول من أيار، وسبارتاكوس، وعائد إلى حيفا»، وانتخب فى 1991 رئيسًا لنقابة الفنانين الفلسطينيين لمدة 3 سنوات، كما عمل محررًا للصفحة الفنية فى مجلة «العودة» المقدسية.

شارك فى العديد من الأفلام والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية، وحمل القضية الفلسطينية على عاتقه، فقام بالتجول فى شوارع فلسطين، مقدمًا عروضًا حية بكل حى ومدينة، وثق خلالها مشاهد مهمة فى بلده قبل قصفها من قبل الاحتلال الإسرائيلى، حيث كان شاهدًا على كثير من الأحداث.

أكد أبوعيشة، أن كل العروض المسرحية الحية التى كان يقدمها فى الشارع توقفت نهائيًا خلال الفترة الحالية، بعد الحرب الإسرائيلية التى شنتها قوات الاحتلال على الكثير من المناطق والمدن فى فلسطين وتحديدًا فى قطاع غزة، الذى يعانى من شلل تام، حيث توقفت كل الأنشطة تمامًا وسط حالة من الترقب من تصاعد أحداث العنف.

وتابع أبو عيشة، أنه قدم العديد من العروض المناهضة للاحتلال الإسرائيلى، والتى وثقت جزءًا مهما من تاريخ فلسطين، كان آخرها عرض «الفسيفساء» مسترجعًا الكثير من التفاصيل والحكايات التى يرويها من خلال عروضه والتى تمثل إرثًا يعود لعقود ماضية.

لم يكن الحصار والقصف الإسرائيلى وحده مانعًا «أبو عيشة» من تقديم عروضه التى لاقت نجاحًا وتفاعلاً كبيرًا من قبل الجمهور، ولكن خضوعه أيضاً لعملية جراحية كانت سببًا فى توقف تلك العروض، حيث قال: «ما زلت حاليًا فى مرحلة الاستشفاء بعد إجراء عملية جراحية صعبة».

لم تمنعه الظروف الصحية التى يمر بها، من متابعته القضية الفلسطينية، معترضًا على ما تقوم به إسرائيل من عمليات تهجير قسرى لسكان قطاع غزة قائلًا: «أهل غزة لن يغادروا أرضهم ومتمسكون بحقهم، كما أن 75% من سكان القطاع لاجئون من مناطق أخرى قامت إسرائيل بتهجيرهم من مناطقهم، مثل «أسدود وعسقلان وبئر السبع»، كما أن إسرائيل تستهدف كل قطاع غزة الذى يعيش فيه 2 مليون و250 ألف نسمة.

ووصف أبو عيشة، ما تقوم به إسرائيل من عمليات استهداف لسكان قطاع غزة بـ«الهمجية والفاشية» طالبًا بإنهاء هذه المأساة الإنسانية، قائلًا: «الحل يتمثل فى وقف هذه الهمجية والفاشية الصهيونية والأمريكية والغربية على القضية الفلسطينية».

 

المخرجة أميرة دياب: «سيلفى زين» مغامرة فى غزة

الغضب الذى أحدثه اعتراف الرئيس الأميركى دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل فجّر طاقات إبداعية لدى السينمائيين الفلسطينيين الذين عبروا عن وجهة نظرهم على الشاشة، ومن بينهم المخرجة أميرة دياب صاحبة الفيلم القصير «سيلفى زين»، الذى يعتبر أول عمل لها، وتبلغ مدته 11 دقيقة.

وتدور أحداث الفيلم حول مغامرة فتاة تدعى «زين» من مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، التى انطلقت إلى المسجد الأقصى فور سماعها تصريحات الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بأن القدس عاصمة إسرائيل، وذلك فى رحلة غير محسوبة العواقب.

تصطدم زين بداية بالجدار العازل الذى لا تستطيع تجاوزه، فتلجأ بعد ذلك لخداع أسرة من المستوطنين اليهود، وتستقل سيارة كبيرة حتى تتسلل إلى البلدة القديمة فى القدس، حيث تراوغ الشرطة وتنجح فى الوصول لأحد أبواب المسجد الأقصى الذى تتوق للصلاة فيه.

وروت مخرجة الفيلم التى كانت تعمل بالقطاع المصرفى والاستثمار المالى، عن الصعوبات الكثيرة التى واجهتها فى تنفيذ فيلمها الأول، حيث قالت إن «القدس مدينة يصعب جدًا التصوير فيها، خاصة فى الأماكن المقدسة، فهناك جهات إسلامية ومسيحية ويهودية يتعين استصدار تصاريح منها للدخول والتصوير، ورغم حصولنا عليها كان الأمر على الأرض شاقًا»، بالإضافة إلى أن طاقم التصوير كان صغيرًا جدًا، يتكون من ثمانية أشخاص فقط، مضيفة «استخدمنا كاميرا صغيرة لكن الشرطة الإسرائيلية طاردتنا بالمسجد الأقصى الذى له أكثر من باب، واضطررنا فى النهاية لتهريب الممثلة من باب والمصور من باب والكاميرا من باب آخر».

وأكدت دياب، «تصرف زين نابع من إحساسها الشخصى، لم تنتظر تحرك أحد، أو تستمع إلى خطب ونصائح، كانت تشعر بأنها حتى إذا لم يكن بمقدورها تحرير المسجد الأقصى فعلى الأقل ستشعر بالراحة والتحرر إذا وصلت هناك».

وقد لقى الفيلم استحسانًا من الجمهور والنقاد على حد سواء خلال عرضه العالمى الأول بمهرجان الجونة السينمائى فى مصر، حيث كان ينافس ضمن مسابقة الأفلام القصيرة بالمهرجان آنذاك.

 

المخرج الفلسطينى إيليا سليمان

اتخذ المخرج الفلسطينى إيليا سليمان من لغة الصمت والكوميديا السوداء جسرا يعبر من خلاله إلى قضيته، قاصدًا بذلك وعى المتلقى وعقله ووجدانه، فتعتبر الصورة هى أصل الفكرة، والمشاهد الصامتة هى نواة السينما الناطقة اليوم، فاستطاع سليمان أن يعيدها إلى سيرتها الأولى، وذلك من خلال عمله «إن شئت كما فى السماء»، حيث تمكن سليمان من إعادة سرد حكايته عن وطنه فلسطين فى مهرجان أجيال السينمائى بالدوحة، ومن خلال هذا العمل الصامت والساخر يسرد سيرة معاناة شخصية استبدت بها أسئلة الوطن والهوية والانتماء، حيث أراد أن يعيد إلى الأذهان فن الكوميديا الصامتة الذى أصبح عملة نادرة فى سينما اليوم، لعلها تجد أجوبة لما يبحث عنه، وتنصفه مما تعرض له فى كل أرض يرى فيها بداية لحياة جديدة.

جسد سليمان روح فلسطين من خلال عمله السريالى الكوميدى، وتخطى به حدود موطنه، قاصدا باريس ونيويورك، مصطحبًا معه حس الملاحظة الثاقبة إلى حدود العالم الأوسع، الذى لا يقل توترًا وغرابة وذعرًا، محاولًا سرد مأساة الشعب الفلسطينى التى لا يراها فى فقده أرضه فقط، بل أيضاً فى هويته التى توزعت فى أصقاع الأرض، فالمخرج الذى ترك مسقط رأسه فى الناصرة فى الثمانينيات، اعتمد خطًا دراميًا يسرد قصته نحو أولى محطات هروبه إلى باريس ثم نيويورك، فهو يدرك جيدًا أن السينما لغة يفهمها الغرب بقوة، وفى هذا الفيلم يبحر سليمان فى كم هائل من المعانى الإنسانية المشتركة، مستحدثًا فضاء شاعريًا بينه وبين هذا الجمهور، وقد وظف جميع مكونات السخرية والكوميديا السوداء بذكاء، وجعلها حزام أمان يعبر به إلى الضفة الأخرى بانسيابية ملفتة ودون تكلف، فهو يرى أن الفكاهة يمكنها أن تخلق مساحة بيننا وبين كل من يقمع، كما أن المقاومة من خلال الصورة والسينما يمكن توظيفها كسلاح فى معركة الحرية.

استطاع سليمان من خلال قوالب كوميدية ساخرة، أن يجسد شخصية تتنازعها ذاتية الانتماء إلى بلده فلسطين ودهشة المكان، وذلك فى مسيرة نحو الوطن الذى تخيله برومانسية، فلم يتوقع أن يصطدم بواقع رافض يرى فيه نفسه غريبا، وفى كل خطوة يخطوها بحثًا عن الأمان يذكرنا بأصل المعاناة، ساردًا قصة هزلية وملحمة كوميدية تغوص فى مفاهيم الهوية والوطنية، وفى كل مشهد يطرح سؤالًا جوهريًا عن المكان الذى يمكننا حقًا أن نسميه وطنًا.

اختيار المخرج الفلسطينى العودة إلى السينما الصامتة لم يكن عبثيًا، فقد تمثل أسلوبًا أشبه ما يكون بأسلوب الممثل والمخرج الأمريكى باستر كيتون، فى محاولة لتنبيه العالم إلى قضية شعب محتل، اختار المشاهد الصامتة ربما لأنه فقد الثقة فى أى حوار، وإن لم يقل هذا صراحة، فإنه فى هذا الفيلم نراه قد وقف على حافة الأشياء، وصف المعاناة بصدق ولم يفتعل، واجه الهشاشة والعزلة بصرف النظر عن الأماكن التى مر منها.

بلغ سليمان من خلال عمله ذروة فن التكثيف، ليذكرالعالم بقدرته النادرة على اختزال معانى كثيرة فقط بتعابير الوجه وإيماءات ساخرة، وفى كل مدينة جديدة يحل بها، يجد نفسه يحدق بدهشة وفضول تجاه حياة الناس فيها، وفى كل مرة يأبى الوطن إلا أن يتصدر ذكرياته، يذكره بمراحل حياته بداية من شقاوة الطفولة، وقد صوّر كل هذا فى سرد بصرى أمتع به المتلقى وجعله يشعر بأنه فى جميع تلك الأماكن، وما تعكسه من حمولات وثقافات.

المخرج الفلسطينى -وهو الشخصية الوحيدة فى هذا الفيلم- وحده من يقرأ نظرات الناس ومواقفهم بلقطات ذاتية، فعيناه فى الفيلم هما عينا المشاهد، نراه يتتبع الواقع بسخرية عبثية وتهكم، حيث تتبع تفاهة القوى وقلة حيلة الضعيف لا تحتاج إلى الكلمات، وذلك فى تقطيع بصرى يجسد الواقع الذى لا يملك المخرج إلا أن يسخر منه.

ظلت لغة الجسد والنظرات المتهكمة أحياناً هى صلة الوصل بين الأزمنة والأمكنة، وفيها ظل يراقب ولا يعلن عن مواقفه، وطيلة مسيرته بحثًا عن وطن بديل ينتهى سليمان إلى حقيقة أن طموحه يتخطى الواقع، فلا وطن إلا ذاك الذى يسكن جوانبنا، وإن حيل بيننا وبينه.

فيلم «إن شئت كما فى السماء» حظى بتنويه خاص من لجنة التحكيم وجائزة الاتحاد الدولى للنقاد خلال فعاليات مهرجان كان السينمائى فى مايو الماضى، وسيمثل فلسطين فى سباق الأوسكار لأفضل فيلم دولى لعام 2020، كما أدرج كأول فيلم طويل يعرض فى افتتاح مهرجان أجيال السينمائي. 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: القضية الفلسطينية م ابرز القضايا الشعب الفلسطيني القضیة الفلسطینیة العدید من سلیمان من أبو عیشة قطاع غزة حیث کان بعد ذلک من خلال فى هذا فیلم ا ذلک فى من باب

إقرأ أيضاً:

انتصارات الشهر الكريم| تحديات وإنجازات قبل وبعد العاشر من رمضان.. دوي مدافع أكتوبر شكّل نقطة تحول فارقة في تاريخ مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

واجهت مصر العديد من التحديات؛ وتغلبت عليها؛ وصنعت أعظم الإنجازات؛ فلم تكن حرب العاشر من رمضان أكتوبر ١٩٧٣ مجرد معركة عسكرية، بل كانت نقطة فاصلة فى تاريخ مصر، أعادت تشكيل ملامحها الاقتصادية والاجتماعية. فقبل اندلاع الحرب، كانت البلاد تعيش واحدة من أصعب الفترات فى تاريخها الحديث، حيث ألقى إرث نكسة يونيو ١٩٦٧ بظلاله القاتمة على الاقتصاد الوطني.

أُغلقت قناة السويس، المصدر الرئيسى للعملة الصعبة، وانهارت قطاعات إنتاجية حيوية تحت وطأة التراجع الاقتصادى وتوجيه معظم الموارد لدعم المجهود الحربي. فى الوقت ذاته، تفاقمت الأوضاع الاجتماعية، إذ ارتفعت معدلات البطالة والتضخم، وعانى المواطن المصرى من ضغوط معيشية خانقة، وسط سياسات تقشفية صارمة فرضتها الظروف.

لكن مع دوي مدافع أكتوبر وانطلاق الجنود المصريين نحو استعادة الأرض والكرامة، بدأ فصل جديد من التحولات. لم تكن الحرب مجرد انتصار عسكري، بل دشنت مرحلة جديدة من إعادة البناء.

ومع إعادة فتح قناة السويس عام ١٩٧٥، أطلقت الدولة سياسات اقتصادية طموحة، كان أبرزها "الانفتاح الاقتصادي" الذى أعلنه الرئيس أنور السادات. فتدفقت الاستثمارات، ونشط القطاع الخاص، لكن هذه التحولات لم تخلُ من تحديات، حيث اتسعت الفجوة الطبقية وبدأت ملامح جديدة للمجتمع المصرى تتشكل، مع تغير نمط الحياة وانتشار الهجرة إلى دول الخليج بحثًا عن فرص أفضل. بين التحديات والإنجازات، ظلت مصر تتحرك على خط التوازن بين إرث الحرب وطموحات المستقبل، فى رحلة لا تزال فصولها تكتب حتى اليوم.

«البوابة» تسلط الضوء على التحولات العميقة التى شهدتها مصر على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعى قبل حرب أكتوبر ١٩٧٣ وبعدها. وتستعرض كيف ألقت تداعيات نكسة ١٩٦٧ بظلالها الثقيلة على الاقتصاد المصري، مما أدى إلى أزمات خانقة ومستويات معيشية متراجعة، وترصد كيف قلب انتصار أكتوبر موازين المشهد، ليؤسس لمرحلة جديدة من إعادة البناء والتغيير. وتحلل تأثير هذه التحولات على مختلف شرائح المجتمع، وتكشف كيف شكّلت هذه الحقبة ملامح مصر الحديثة، بين تحديات الواقع وطموحات المستقبل.

الأوضاع الاقتصادية فى عهد عبد الناصر

فى كتابه "مصر من ناصر إلى حرب أكتوبر"، الذى ترجمه أنور إبراهيم، قدم "فلاديمير فينوجرادوف" وهو دبلوماسي ومؤرخ روسى شغل منصب السفير السوفيتى فى مصر خلال حقبة السبعينيات، تحليلًا موسعًا للتغيرات التى شهدتها مصر فى عهدى الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس أنور السادات، معتمدًا على وثائق وشهادات من داخل أروقة السياسة المصرية والسوفيتية.

يؤكد فينوجرادوف أن مصر خلال حكم عبد الناصر شهدت تحولات اقتصادية جوهرية، حيث تبنت الدولة سياسات اشتراكية تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والاستقلال الاقتصادي. وشملت هذه السياسات الإصلاح الزراعي، الذى أعاد توزيع الأراضى على الفلاحين، مما حدّ من نفوذ كبار الإقطاعيين وساهم فى تحسين ظروف الطبقة الريفية.

كما قامت الدولة بتأميم العديد من الشركات والمصانع والمؤسسات الاقتصادية الكبرى، ما أدى إلى تعزيز سيطرة الحكومة على القطاعات الإنتاجية. بالإضافة إلى ذلك، توسعت الخدمات الاجتماعية بشكل غير مسبوق، خاصة فى مجالات التعليم والصحة، حيث أُنشئت المدارس والمستشفيات فى جميع أنحاء البلاد، ما عزز فرص الوصول إلى هذه الخدمات للفئات الفقيرة.

ورغم السياسات الطموحة التى تم اتباعها، إلا أن الاقتصاد المصرى واجه بعض التحديات، مثل التضخم وارتفاع معدلات البطالة، نتيجة لعدم قدرة القطاع الصناعى على استيعاب الأيدي العاملة المتزايدة، إضافة إلى استمرار اعتماد البلاد على الزراعة والصناعات التحويلية كركائز أساسية للاقتصاد.

الأوضاع الاجتماعية 

بحسب الكتاب، فإن المجتمع المصرى فى تلك الحقبة كان يعاني من تفاوت اجتماعي واضح، رغم محاولات الحكومة سد الفجوة بين الطبقات عبر سياسات التأميم والإصلاحات الزراعية. وعلى الرغم من التوسع فى الخدمات الاجتماعية، استمرت مظاهر الفقر فى بعض المناطق، خاصة فى الريف والمناطق العشوائية.

كما برزت بعض الحركات الاجتماعية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، التى اصطدمت بسياسات الدولة، مما أدى إلى تصاعد التوترات السياسية. ومع ذلك، ساد شعور عام بالفخر الوطني، نتيجة لدور مصر القيادى فى العالم العربى وحركات التحرر، إلى جانب نهضة ثقافية انعكست فى مجالات الأدب والفنون والسينما.

ومع استمرار بعض المشكلات مثل الفقر والأمية، ظل عبد الناصر قائدًا يحظى بشعبية واسعة، حيث رأى الكثيرون فى سياساته طريقًا لتحقيق الاستقلال الاقتصادى والعدالة الاجتماعية.

الأوضاع الاقتصادية فى عهد السادات

شهدت مصر فى عهد السادات تحولًا جذريًا فى سياساتها الاقتصادية، حيث انتقلت من الاقتصاد الاشتراكى إلى تبنى سياسة الانفتاح الاقتصادي، التى سمحت بدخول الاستثمارات الأجنبية وزيادة دور القطاع الخاص. ووفقًا لفينوجرادوف، فقد أدى هذا التوجه إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، التى قدمت مساعدات مالية وعسكرية ضخمة لمصر بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل.

كما تم تخفيف القيود على التجارة الخارجية، ما أدى إلى تدفق السلع الأجنبية إلى السوق المصرية. واستفادت بعض الفئات، مثل رجال الأعمال والطبقة الوسطى، من هذا الانفتاح، حيث ظهرت طبقة جديدة من المستثمرين وأصحاب رءوس الأموال الذين استفادوا من تخفيف القيود الحكومية.

لكن فى المقابل، تفاقمت الأوضاع المعيشية للفئات الفقيرة، حيث أدى رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية إلى زيادة الأسعار، ما ألقى بظلاله على مستوى معيشة الطبقات الدنيا، خاصة العمال والفلاحين. وقد أثارت هذه السياسات انتقادات واسعة، حيث اعتبرها البعض سببًا فى تفشى الفساد والاحتكار، إلى جانب تأثيرها السلبى على الاستقرار الاجتماعي.

الأوضاع الاجتماعية فى عهد السادات

التحولات الاقتصادية فى عهد السادات انعكست بشكل مباشر على البنية الاجتماعية، حيث أدى الانفتاح إلى تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء. ومع ظهور أنماط استهلاكية جديدة، ازدادت مشاعر الاستياء بين الفئات الأكثر تضررًا من الإصلاحات الاقتصادية.
من الناحية السياسية، شهدت تلك الفترة قمعًا للحريات السياسية، حيث تم التضييق على بعض القوى المعارضة، لا سيما تلك التى رفضت سياسات التطبيع مع إسرائيل والانفتاح الاقتصادي. وقد أدى ذلك إلى تصاعد المعارضة الداخلية، ما خلق مناخًا من التوتر السياسى والاجتماعي.
رغم هذه التحديات، فإن استعادة سيناء وحقول النفط بعد الحرب، إلى جانب إعادة فتح قناة السويس، عزز من المكانة الإقليمية لمصر. كما تحسنت العلاقات مع الدول العربية، حيث حصلت مصر على مساعدات اقتصادية من بعض الدول النفطية، ما ساهم فى دعم الاقتصاد الوطني.

تغيرات بين العهدين ناصر والسادات

يرى فينوجرادوف أن التغيرات التى شهدتها مصر خلال حكم السادات أدت إلى "فتنة داخلية"، حيث أحدث الانتقال من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق انقسامًا داخل المجتمع، خاصة بين مؤيدى سياسات الانفتاح ومعارضيها. كما يشير إلى أن الولايات المتحدة لعبت دورًا محوريًا فى استغلال الوضع الداخلى لمصر بعد وفاة عبد الناصر لتعزيز نفوذها فى المنطقة.
ويصف الكتاب أيضًا حالة الحزن التى سادت البلاد بعد وفاة عبد الناصر، حيث شعر المصريون بالقلق على مستقبل بلادهم فى ظل غياب الرجل الذى قادهم خلال حقبة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى.
وقدم فينوجرادوف فى كتابه رؤية شاملة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية التى شهدتها مصر بين عهدى عبد الناصر والسادات، حيث انتقلت البلاد من سياسات اقتصادية اشتراكية تركز على الدولة إلى نهج اقتصادى قائم على الانفتاح والسوق الحرة. ورغم تحقيق بعض المكاسب، مثل تحسين العلاقات الخارجية واستعادة الأراضى المحتلة، إلا أن هذه التحولات جاءت أيضًا بتحديات كبيرة، أبرزها تفاقم الفجوة الاجتماعية والاضطرابات السياسية التى استمرت آثارها لعقود.

اقتصاد الحرب: من ١٩٦٧ حتى ١٩٧٣

فى دراسة للباحثة بسنت جمال بعنوان "اقتصاد العبور: كيف أدارت مصر مواردها الاقتصادية حتى حرب ١٩٧٣؟"، أوضحت أن الاقتصاد المصرى واجه خسائر فادحة فى أعقاب هزيمة ١٩٦٧، حيث بلغت هذه الخسائر حوالى ١١ مليار جنيه مصرى (ما يعادل ٢٥ مليار دولار وفقًا لسعر الصرف آنذاك البالغ ٢.٣ دولار للجنيه)، وفقًا لتقديرات رئيس الوزراء الأسبق عزيز صدقي. كما أن مصر فقدت نحو ٨٠٪ من معداتها العسكرية، مما تطلب تمويلًا إضافيًا لشراء معدات بديلة. كما أظهرت الخسائر فى إيرادات قناة السويس، التى بلغت حوالى ٩٥.٣ مليون جنيه، وفقدان آبار البترول فى سيناء، بالإضافة إلى الخسائر الناجمة عن قصف إسرائيل لمنشآت القناة، والتى قُدرت بنحو مليار جنيه (٢.٣ مليار دولار). 

إضافة إلى أن الاقتصاد المصرى فقد أيضًا جزءًا كبيرًا من إيراداته السياحية، التى كانت تُقدر بحوالى ٣٧ مليار جنيه سنويًا، إضافة إلى تدمير ١٧ منشأة صناعية كبرى بلغت خسائرها ١٦٩.٣ مليون جنيه (٣٨٩.٤ مليون دولار).

وأوضحت الدراسة أنه نتيجة لهذه الخسائر الكبيرة، دخلت مصر مرحلة "اقتصاد الحرب" خلال الفترة من ١٩٦٧ حتى ١٩٧٣. وأشارت إلى أن الحكومة المصرية اعتمدت على زيادة الإنفاق العسكرى بشكل كبير، حيث أعلنت موازنة عام ١٩٧٣ تحت اسم "موازنة الحرب"، والتى هدفت إلى تمويل احتياجات القوات المسلحة من الأدوات الطبية والمواد الغذائية.
كما تم تأجيل المشاريع التنموية طويلة المدى، وخفض الإنفاق الحكومى فى مجالات مثل السفر والمواصلات والأعياد بنسبة ٧٥٪، وتخفيض مخصصات المياه والإنارة والنقل بنسبة ١٠٪. وأكدت الدراسة أن الإنفاق العسكرى ارتفع من ٤٨١.٨ مليون دولار عام ١٩٦٦ إلى ١.٢٤٣ مليار دولار عام ١٩٧٣، بنسبة زيادة بلغت ١٥٨.٤٪.

واتبعت الحكومة سياسات اقتصادية انكماشية لمواجهة التحديات المالية، حيث تم رفع أسعار السلع الكمالية وفرض ضرائب غير مباشرة، بالإضافة إلى خفض الدخول والحد من الترقيات فى القطاع الحكومي. وأوضحت أن الإيرادات الضريبية من الضرائب غير المباشرة ارتفعت من ٤٤٢.٥ مليون جنيه عام ١٩٧٠ إلى ٥٧٤.٧ مليون جنيه عام ١٩٧٣.
كما أكدت الدراسة أن الحكومة اعتمدت على الدعم الشعبى من خلال طرح سندات استثمارية مثل "سندات الجهاد"، والتى بلغت حصيلتها حوالى ٧ ملايين جنيه، تم توجيهها لتمويل الإنفاق العسكري.

وأوضحت أن الحكومة لجأت إلى زيادة المعروض النقدى لتمويل الإنفاق العسكري، مما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم من ٠.٧٪ عام ١٩٦٧ إلى ٥.١١٪ عام ١٩٧٣. وأشارت إلى أن الحكومة حاولت مواجهة التضخم من خلال سياسات التسعير الإجبارى للسلع الأساسية، لكنها تراجعت عن هذه السياسات بعد انتهاء الحرب، مما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم إلى ١٠.٠٢٪ عام ١٩٧٤.

وطبقت الحكومة سياسة "الإحلال محل الواردات" لتقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز الإنتاج المحلي، حيث تم إيقاف استيراد السلع الكمالية ورفع الرسوم الجمركية عليها بنسبة ٥٠٪. وأشارت إلى أن هذه السياسة ساعدت فى خفض فاتورة الاستيراد وخلق فرص عمل جديدة. كما أوضحت الدراسة أن الاستهلاك الحكومى ارتفع بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة، حيث زاد من ٤٨٨ مليون جنيه عام ١٩٦٧ إلى ١.٠٧٧ مليار جنيه عام ١٩٧٣، بنسبة نمو بلغت ١٢٠.٧٪.

وأشارت الدراسة إلى أن مصر تلقت مساعدات مالية كبيرة من الدول العربية، مثل السعودية والكويت وليبيا، بلغت فى المتوسط ٢٨٦ مليون دولار سنويًا. وأكدت أن هذه المساعدات ساعدت فى تعويض النقص فى الإيرادات الخارجية ودعم الاقتصاد المصرى خلال هذه الفترة الصعبة.

وأوضحت أن هذه الإجراءات ساعدت الاقتصاد المصرى على الانتقال من مرحلة الانكماش إلى النمو، حيث سجل معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى ٣.٥٪ عام ١٩٧٣، مقارنة بانكماش بلغ ١.٦٪ بعد هزيمة ١٩٦٧. وأكدت أن الإدارة الحكيمة للموارد الاقتصادية كانت أحد العوامل الرئيسة التى مكنت مصر من تحقيق النصر فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، رغم التحديات الاقتصادية الكبيرة التى واجهتها.

التغيرات الاجتماعية بعد أكتوبر ١٩٧٣

فى دراسة للباحث محمد عمر بعنوان "التغيرات الاجتماعية فى مصر بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣"، أوضح أن مصر شهدت تحولات اجتماعية وثقافية عميقة فى أعقاب الانتصار فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، والتى تركت آثارًا كبيرة على البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشعب المصري.

وأشارت الدراسة إلى أن فترة ما بعد الحرب شهدت تبنى الرئيس الراحل محمد أنور السادات لسياسة الانفتاح الاقتصادي، والتى أدت إلى زيادة اختراق العولمة للثقافة المصرية ونشر ثقافة الاستهلاك، رغم مساهمتها فى تخفيف الأعباء الاقتصادية التى خلفتها الحرب. كما أن هجرة المصريين إلى دول الخليج العربي، خاصة بعد الحرب، ساهمت فى إحداث تغيرات اجتماعية وثقافية كبيرة، حيث نقل المهاجرون أفكارًا وعادات جديدة أثرت على المجتمع المصرى بشكل ملحوظ. وأكدت الدراسة أن الإجراءات التى اتبعها السادات أدت إلى ظهور طبقة جديدة من رجال الأعمال، عُرفت باسم "القطط السمان"، بينما تراجعت مكانة الطبقة الوسطى وازدادت الفجوة الاجتماعية.

وأوضحت الدراسة أن سياسة الانفتاح تسببت فى تغيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة، حيث تم إصدار قوانين مثل قانون الاستيراد والتصدير رقم ١١٨ لسنة ١٩٧٥، وقانون النقد الأجنبى رقم ٩٧ لسنة ١٩٧٦، وقانون الاستثمار الأجنبى رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٤. وأضافت أن هذه القوانين ساهمت فى جذب الاستثمارات الأجنبية، لكنها فى الوقت نفسه أضعفت القطاعات الحكومية والصناعات المحلية، مما أدى إلى تهميش العمال والفلاحين وزيادة معدلات البطالة.

وأوضحت الدراسة أن مصر ما زالت تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة، رغم الجهود التى تبذلها الحكومة لتحسين الأوضاع من خلال مشاريع اقتصادية واجتماعية. وأشارت إلى أن استمرار سياسات الانفتاح الاقتصادى وزيادة الاعتماد على القطاع الخاص قد يؤدى إلى مزيد من التحديات، خاصة فى ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. وأكدت الدراسة أن تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادى والعدالة الاجتماعية يظل تحديًا كبيرًا للحكومات المصرية المتعاقبة.

الحرب أعادت تشكيل الاقتصاد والمجتمع المصرى من السياسة التقشفية فى ظل النكسة إلى جلب الاستثمارات بعد الانتصار.

فصل جديد من التحولات شهدته مصر بعد العبور العظيم..  والانتصار دشن مرحلة جديدة من إعادة البناء.
المجمعات الاستهلاكية لعبت دورًا رئيسيًا فى توفير السلع رغم الزحام.. والرئيس السيسى يواصل معركة إعادة البناء

حزم الحماية الاجتماعية تؤكد اهتمام الرئاسة بالفئات الأولى بالرعاية

مبادرات متعددة للارتقاء بحياة المواطنين أهمها «حياة كريمة» و«تكافل وكرامة» و«دعم صحة المرأة المصرية»

حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى بالفئات الأولى بالرعاية، بدا واضحًا من اجتماعات الرئيس المتوالية مع المسئولين، وتعددت مشروعات الحماية الاجتماعية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، منذ توليه رئاسة الجمهورية، من أجل توفير حياة كريمة للمواطنين، وأطلق العديد من المبادرات منها الاجتماعية والصحية وغيرها، لتؤكد تلك المشروعات على أن معركة البناء ما تزال مستمرة على أرض الوطن.

وفى ٢ يناير ٢٠١٩، أطلق الرئيس السيسى مبادرة "حياة كريمة" لتحسين مستوى الحياة للفئات المجتمعية الأكثر احتياجًا على مستوى الدولة، ويستهدف التدخل العاجل لتحسين جودة الحياة لمواطنى الريف المصرى من خلال تطوير ٤٥٨٤ قرية يمثلون نسبة ٥٨٪ من إجمالى سكان الجمهورية بتكلفة تقديرية ٥١٥ مليار جنيه.

وجاءت مبادرة تكافل وكرامة فى شكل برنامج للتحويلات النقدية المشروطة الذى أطلقته وزارة التضامن الاجتماعى تحت مظلة تطوير شبكات الأمان الاجتماعى، ويقدم المساعدات النقدية المشروطة للأسر الفقيرة والأكثر احتياجا بجمهورية مصر العربية، وذلك عن طريق الاستهداف الموضوعى للأسر التى لديها مؤشرات اقتصادية واجتماعية منخفضة تحول دون إشباع احتياجاتها الأساسية وكفالة حقوق أطفالها الصحية والتعليمية، هذا بالإضافة إلى مد شبكة الحماية لتشمل الفئات التى ليس لديها القدرة على العمل والإنتاج مثل كبار السن "٦٥ سنة فأكثر" أو من هم لديهم عجز كلى أو إعاقة.

وتهدف مبادرة "دعم صحة المرأة المصرية" التى انطلقت فى يوليو ٢٠١٩؛ إلى تقديم الكشف المبكر عن أورام الثدى والأمراض غير السارية والصحة الإنجابية للسيدات، فضلا عن تقديم العلاج بأحدث بروتوكولات العلاج العالمية بالمجان لما يقرب من ٣٠ مليون امرأة على مستوى الجمهورية حيث بلغت التكلفة الإجمالية للمبادرة نحو ٦٠٢.٧ مليون جنيه حتى يونيو ٢٠٢١، وأعلنت وزارة الصحة والسكان، فحص ٢٣ مليونًا و٩٠٦ آلاف و٨٠٩ سيدات، ضمن المبادرة رئيس الجمهورية لدعم صحة المرأة المصرية، وذلك منذ إطلاقها فى شهر يوليو ٢٠١٩، وحتى أبريل ٢٠٢٢.

كما انطلقت فى فبراير ٢٠١٩ مبادرة "الكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم"، وانطلقت فى سبتمبر ٢٠١٩ مبادرة "الاكتشاف المكبر وعلاج ضعف وفقدان السمع"، وانطلقت فى مارس ٢٠٢٠ مبادرة "دعم صحة الأم والجنين"، ومبادرة "متابعة وعلاج الأمراض المزمنة والكشف المبكر عن الاعتلال الكلوي" فى يونيو ٢٠٢٠.. وغيرها من المبادرات التى تستهدف الارتقاء بحياة المصريين.

ويوم الأربعاء ٢٦ فبراير الماضى، اجتمع الرئيس السيسى مع الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء وأحمد كجوك وزير المالية. وتم خلال الاجتماع استعراض حزم الحماية الاجتماعية التى إنتهت الحكومة من إعدادها بناءً على تكليفات الرئيس باستمرار العمل على تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين، وفى إطار جهود الدولة لتعزيز الحماية الاجتماعية، حيث تستهدف تلك الحزم دعم الأسر الأولى بالرعاية وأسر برنامج تكافل وكرامة خلال الأشهر القادمة حتى نهاية شهر يونيو ٢٠٢٥.

ركزت حزمة الحماية الاجتماعية على الفئات الأقل دخلًا لتحسين أحوالهم، وراعت التنوع حتى تكون أكثر شمولًا لكل شرائح المواطنين من الفئات المستهدفة، وتضمنت إجراءات استثنائية عاجلة تستهدف الشرائح الأولى بالرعاية خلال شهر رمضان، وعيد الفطر المبارك. وأكد أحمد كجوك وزير المالية، فى تصريحات صحفية، أن هناك دعمًا إضافيًا للعشرة ملايين أسرة الأكثر احتياجًا والمقيدة على البطاقات التموينية بتكلفة إجمالية ٤ مليارات جنيه، حيث تم إقرار زيادة ١٢٥ جنيهًا للبطاقات ذات الفرد الواحد، و٢٥٠ جنيهًا لفردين فأكثر لمدة شهرين، لافتًا إلى صرف ٣٠٠ جنيه مساندة إضافية خلال شهر رمضان لكل أسرة بإجمالى ٥.٢ مليون أسرة مستفيدة من برنامج «تكافل وكرامة» بتكلفة إجمالية ١.٥ مليار جنيه. وأوضح أنه ستتم المساهمة فى تمويل المنحة المقررة للعمالة غير المنتظمة المسجلة بوزارة العمل إلى ١٥٠٠ جنيه بتكلفة إجمالية ٢ مليار جنيه حتى يونيو ٢٠٢٦.

 

 

مقالات مشابهة

  • خبير: أهم مخرجات القمة العربية الطارئة رفض أي مخططات لتصفية القضية الفلسطينية
  • سعد لمجرد يعلن عن إطلاق عملة رقمية
  • المطران عطالله حنا: الدفاع عن فلسطين وشعبها المظلوم واجب إنساني
  • إعلان قائمة النشامى لمواجهتي فلسطين وكوريا الجنوبية
  • وزير الخارجية الإيراني: انعدام الأمن في سوريا يصب في مصلحة إسرائيل وعلى العالم الإسلامي التحرك لمنع تدمير فلسطين
  • انتصارات الشهر الكريم| تحديات وإنجازات قبل وبعد العاشر من رمضان.. دوي مدافع أكتوبر شكّل نقطة تحول فارقة في تاريخ مصر
  • رمضان يعني.. ابتهالات النقشبندي والأذان بصوت محمد رفعت وخواطر الشعراوي
  • «القضاء الإداري» تنظر في دعوى بطلان انتخابات اتحاد الكرة الطائرة
  • قادة الصين لن يغيروا مسارهم مهما تغير العالم من حولهم.. ثوابت بكين مستمرة رغم التحولات العالمية
  • عدوى الذباب الإلكتروني تنتقل لأعمال رمضان في العراق.. فنانون يفسرون الأسباب