قال الخالق عز وجل في سورة التوبة “رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ”، فكما نرغب في أن يرضى الله عنا، لا بد من أن ندرك مفهوم رضانا عن الله وسبل تحقيقه، وما الفرق بين أن نرضى عن الله وأن يرضى الله عنا؟
 

رمضان عبد الرازق .. يحذر من الفرق بين العبد الغافل والناسي


أجاب الدكتور رمضان عبدالرازق عضو اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف، عن سؤال ورد له مضمونه كيف نرضى عن الله، وذلك عبر فيديو له على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك.

مفهوم الرضا 


قال عبدالرازق إن مفهوم الرضا كما عرفه العلماء هو سرور القلب بمر القضاء، أما حبس النفس أي منعها عن السخط هو من درجات الصبر، أما الرضا هو درجة عالية يمتلئ  قلب المؤمن سرور بالله في العطاء والمنع.
 
أنواع الرضا 

وتابع عبد الرازق أن هناك ثلاث أنواع من الرضا وهما الرضا بالله ويعني الرضا بالله بأسمائه وصفاته، وثانيًا الرضا مع الله ويعني الرضا مع الله في أحكامة وأوامره ونواهيه، وثالثًا الرضا عن الله ويعني الرضا عن الله في قضائه وقدره، والرضى عن الله يتطلب أن يملك المؤمن يقين كامل وتام بأن أخذ الله قمة العطاء وأن عطائه قمة الامتحان.
 


 قصة نبي بني إسرائيل 

 

واستشهد الدكتور رمضان عبد الرازق بقصة عن نبي من أنبياء بني إسرائيل يصفها كونها منهجًا للعيش برضا في الحياة، إذ كان هناك نبي من أنبياء بني إسرائيل يمشي في الصحراء فوجد بئر مال فجلس بعيدًا عنه يتأمل آيات الله، فرأي ثلاث مشاهد متتالية: 


أولًا أتى فارس عظيم إلى البئر ونزل من على فرسه وشرب ماء وانطلق، ولكن وقع منه كيس نقود عندما كان يرتوي.


ثانيًا: جاء بعده راعي غنم فقير فوجد كيس النقود عند البئر فأخده وانصرف.


ثالثًا: أتي رجلًا عجوزًا وشرب من البئر وجلس ليستريح قليلًا، فعاد الفارس يبحث عن نقوده وحينها اتهم العجوز بسرقة المال واحتد النقاش وتحول إلى معركة فقطع الفارس راس العجوز.

ويقول عبد الرازق معلقًا أنه عند النظر إلى الثلاث مشاهد من الخارج نرى عين الظلم، إذ أن الفارس خسر ماله ظلمًا، وقتل العجوز ظلمًا، وأخذ الفقير المال ظلمًا أيضًا، ولكن عندما تكتمل الصورة نرى أنها قمة العدل.

ويتابع عبد الرازق القصة فيقول أن نبي الله: يا رب هذا قتل ظلمًا وعدوانًا، قال وما ادراك  أنه قتل ظلمًا وعدوانًا، فقال يا رب جلي ليا الحقيقي وبين لي الحكمة، فأوحى الله عزوجل إليه فرأى حكمة الله، أما والد هذا الفارس كان قد أخذ هذا المال من والد راعي الغنم ظلمًا فأحببت أن ارد المال إلى صاحبه، وهذا الشيخ العجوز كان قد قتل والد هذا الفارس ولم يتوب فأحببت أن اقتص منه ولو بعد حين. 
 


سند القصة
 

ذكر تلك الرواية يحيى بن عاصم الغرناطي في كتاب (جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى) عن بعض الكتب الإسرائيلية: أن نبياً من أنبياء بني إسرائيل كان يجلس على قمة جبل، فرأى فارساً وبيده صُرة مال، وأتى على بئرٍ فوضع الصرة على حافة البئر ونزل فشرب، ثم نسي المال وانصرف، فجاء راعي غنم يسقي غنمه فوجد المال فالتقطه، وسقى الغنم وانصرف، ثم جاء رجلٌ شيخٌ كبير، فجاء البئر بعد انصراف الراعي فشرب وجلس، وتذكر الفارس مالَه فرجع، فوجد ذلك الرجلَ يجلس على حافة البئر، قال: أين المال؟

قال: ما أعرف شيئاً، قال: المال معك.

ولم يشك الفارس أنه التقط المال، فلما أنكر الرجلُ أخرج الفارسُ رمحاً وقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيُقْتَل البريء ويفر الآخذ؟

فقال الله - رضي الله عنه - له: إن لي حكمةً جَلَّت؛ أما هذا المال فكان مِلْكاً لوالد الراعي أعطاهُ والدَ الفارس، ولا يدري الراعي ولا الفارس، وأما هذا الذي قُتِل؛ فإنه قتل أبا الفارس، فسلطت ولي الدم عليه، فأخذ بثأر أبيه، فبَكى ذلك النبي وقال: لا أعود! مجرد سؤال: يا رب ما هذا؟ إن لم تسلم بأن الله عز وجل فعال لما يريد، ولا يظلم مثقال ذرة، تسلل إليك الشيطان من هذا الباب.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: رمضان عبد الرازق الرضا الدكتور رمضان عبد الرازق سورة التوبة ر ض ي الل ه ع ن ه م و ر ض وا ع ن ه بنی إسرائیل عبد الرازق رمضان عبد ا الرضا عن الله

إقرأ أيضاً:

لا ترفعوا من سقف السعادة

 

 

د. خالد بن علي الخوالدي

 

السعادة هي القيمة التي يبحث عنها كل إنسان، فليس هناك من لا يبحث عن السعادة، حتى أولئك الذين يطلق عليهم البعض "نكديين"؛ حيث إنهم رغم هذا النكد، يبحثون عن سعادة في داخلهم.

والسعادة نسبية بين البشر، فما يُسعدني قد لا يُسعد الكثيرين، لأنها ليست مجرد شعور عابر؛ بل حالة ذهنية وروحية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالرضا عن الحياة والشعور بالإنجاز.

ما دفعني للحديث عن هذا الموضوع، عبارة لفتت انتباهي استمعت إليها في أحد البرامج الحوارية؛ حيث قال الضيف "لقد رفعنا من قيمة السعادة"، وحقيقة أنني أتفق معه بشدة؛ حيث كُنَّا سابقًا نشعر بالسعادة الغامرة ونحن نتناول الشكولاتة بالحليب ذات رسمة البقرة الشهيرة، وجيل الثمانينات والتسعينات يعرفونها عز المعرفة، فيما اليوم أبناؤنا يقتنون أغلى أنواع الشكولاتة ولا يشعرون بالسعادة. بالأمس القريب كانت أي نزهة خارج حدود القرية وبالسيارة تجعلنا في قمة السعادة، واليوم ربما ندفع مئات الريالات في الملاهي والحدائق والمنتزهات والألعاب ويرجع الأطفال وكأن على رؤوسهم الطير، حزنًا وكآبةً، ويقولون "شو هالطلعة..."!

لكنه واقع الحال للأسف الشديد، جيل قمة السعادة أصبح يشتري القهوة الفاخرة من أجل تصويرها ثم يرمي؛ لأنه أصلًا لا يطيق شربها، إنه جيل رفع سقف السعادة لأبعد مدى، ولا يكاد يُسعده شيء بسيط "ولا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب" كما يقول المثل الشعبي!

ما أريد إيصاله في هذا المقال أن السعادة ليست في اقتناء الأشياء المادية وحسب، وإنما في الرضا بما قسمه الله لنا، والقناعة والاستمتاع بما رزقنا المولى سبحانه. وفي هذا الأمر أذكر أني تعرفت على شخصية متميزة واستثنائية ولا تكاد الابتسامة تفارقه، وعندما سألته عن السر، قالي لي: "السر في أنني راضٍ بما قسمه الله لي، ولا أنظر إلى ما في أيدي الناس، وإنما سعادتي بما أملك حتى لو القليل". علمًا بأن هذا الشخص لا يملك أكثر من بياض قلبه وصفاء ونقاء سريرته وراتبه 325 ريالًا، ودائمًا ما يؤكد لي أن "الرضا بما نملك يجعلنا نعيش في سعادة، وهذا الأمر أُعلِّمه لأولادي"، وهذا أوضح مثال على أن السعادة ليست بالأموال الطائلة. والسعادة المادية هي واقع ولا نستطيع تجاوزه بأي حال من الأحوال، لكنها نوع واحد من أنواع السعادة، فهناك السعادة اللحظية وهي السعادة التي نشعر بها في لحظات معينة، مثل الاحتفال بمناسبة خاصة أو قضاء وقت ممتع مع الأصدقاء. والسعادة الدائمة وهي حالة من الرضا المستمر التي تتواصل لفترات طويلة، وتكون مرتبطة بتحقيق الأهداف الكبرى في الحياة. وكذلك السعادة المعنوية وهي السعادة التي تأتي من القيم الروحية والمعنوية، مثل مساعدة الآخرين أو الانخراط في عمل تطوعي.

في هذه الأيام، يركز الكثير منا على أن السعادة تعني امتلاك المال، ويتناسون بأن السعادة الروحية هي العنصر الأهم والأساسي في تحقيق السعادة الكاملة. وترتبط هذه السعادة الروحية بالاتصال الصادق بالخالق سبحانه وتعالى وبتحقيق التعاليم الدينية، والارتباط الحقيقي بالذات وبالعالم الخارجي، وتأتي من التأمل والإيمان والتواصل مع الطبيعة، ويساعد البحث عن المعنى والقيم الروحية في تحقيق الرضا الداخلي، مما يسهم في تعزيز السعادة بشكل عام.

وأخيرًا أقول.. إنَّ السعادة قيمة جوهرية يسعى لبلوغها كل إنسان في حياته، لكن يتعين على كل فرد منا أن يفهم أنواع السعادة ومقاييسها، وأن يُدرك تأثير العوامل الاقتصادية والروحية على تحقيقها، وعلينا جميعًا أن نتخذ خطوات فعَّالة نحو تعزيز سعادتنا الشخصية والمجتمعية في عالم مليء بالتحديات، وينبغي أن نُعلي من قيمة السعادة، وليس من سقف السعادة، وأن نجعلها محور حياتنا على أسسٍ من الرضا والقناعة لا على البذخ والإسراف، لكي نعيش حياة مليئة بالرضا والفرح.

ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • لا ترفعوا من سقف السعادة
  • ما الوقت المناسب لارتداء البنت الحجاب؟.. الأزهر للفتوى يجيب
  • دعاء البركة في المال والرزق.. ردده الآن
  • هل يمكن دمج حزب الله داخل الجيش اللبناني؟.. خبير إستراتيجي يجيب
  • هل يمكن دمج حزب الله داخل الجيش اللبناني؟.. محمد مصطفى أبو شامة يجيب
  • نشرة المرأة والمنوعات: من السكتة القلبية إلى كحل الحناء.. 4 قصص تثير الجدل من محمد رمضان وتاجه المرصع بالماس وتحذيرات طبية وأسرار في عالم الفن والمطبخ
  • دعاء الضحى للغنى والرزق.. يزيد المال ويفك الكرب
  • سيبوا الحاجة في اللي هي فيه.. فريدة سيف النصر تدافع عن شمس البارودي
  • رمضان عبد المعز: منظومة الصدق في القرآن تشمل 5 مراتب رئيسية
  • فنانة شهيرة تفتح النار على محمد رمضان: جاهل