في عام 2023.. قامات سورية مرموقة ترحل ومنجزها الثقافي إرث في ذاكرة الأجيال
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
دمشق-سانا
فقدت الساحة الثقافية والفكرية والفنية عام 2023 مبدعين سوريين وعرباً مهدوا دروباً ثقافية أسهمت في تشكيل الوعي الثقافي والفكري وتأثر في إبداعهم وأفكارهم التي صاغوها جمهور واسع ليكون إرثهم بصمة مميزة في سورية والوطن العربي.
وشكل رحيل هؤلاء المبدعين خسارة للوسط الثقافي العربي والسوري، حيث شهدت الساحة التشكيلية خسارة العديد من مبدعيها الذين أغنوها بأعمال فنية ستبقى خالدة في ذاكرة الجمهور على مساحة الوطن العربي وهم صاحب المسيرة الفنية الغنية بالجوائز الفنان التشكيلي زهير حضرموت عن عمر ناهز 73 عاماً، والتشكيلي والنحات فؤاد نعيم عن عمر ناهز 68 عاماً الذي
جسد خلال مسيرته التراث الفكري والتاريخي والشعبي، إضافة إلى صاحب المسيرة الحافلة بالإنتاج النحتي والأعمال النصبية الكبيرة النحات عبد الرحمن مؤقت عن عمر 77 عاماً.
كما فقد التشكيل السوري صاحب اللوحات التي حملت فكراً عميقاً وثقافة عالية الفنان التشكيلي أيمن الدقر عن عمر 69 عاماً، إضافة إلى أحد رواد الفن التشكيلي السوري صاحبة الخمسة عقود من الإبداع الفنانة ليلى نصير عن عمر 82 عاماً لتتوالى الخسارة برحيل الفنان الفلسطيني صاحب الأعمال النضالية إبراهيم مؤمنه ورئيسة فرع طرطوس لاتحاد الفنانين التشكيليين سعاد محمد عن عمر 58 عاماً التي كان الفن بالنسبة لها الجمال الذي تسعى له في كل مكان وركن تعيش فيه.
من أبرز الراحلين لهذا العام الفنان التشكيلي والإعلامي مروان شاهين، بعد مسيرة طويلة عمل خلالها على “التعبير عن الجمال حيثما وجد، إضافة إلى الفنان التشكيلي والخزاف رأفت الساعاتي عن عمر ناهز 83 عاماً الذي يعد أحد الفنانين القلائل الذين اكتشفوا منذ أكثر من أربعة عقود أسرار وجماليات التعامل مع القطع الفنية الخزفية.
وتتوالى الخسارات في المشهد الثقافي والأدبي ليرحل عن عالمنا عدد من الأدباء والقاصين والشعراء الذين أغنوا المكتبة العربية بمؤلفاتهم وإبداعاتهم، وهم القاص والأديب محمد نديم الذي يعتبر من رواد القصة القصيرة والأدب والإخراج المسرحي، إضافة إلى أحد أعلام الترجمة والثقافة العربية الكاتب والمترجم رفعت عطفة بعد أربعة عقود من المنجز الفكري أغنى بها المكتبة العربية بمؤلفات وترجمات نقل من خلالها روائع الأدب الإسباني والأمريكي اللاتيني إلى العربية.
ومن شعراء الحداثة التي رحلت هذا العام الأديب والشاعر نذير العظمة عن عمر ناهز 93 عاماً الذي يعد من أوائل الشعراء الذين كان لهم دور في تطوير القصيدة العربية الحديثة، والكاتب والمترجم نزار عيون السود عن عمر ناهز 78 عاماً بعد مسيرة عطاء امتدت على مدار خمسة عقود في حقل الترجمة والإبداع.
ومن أبرز الراحلين لهذا العام رئيس تحرير مجلة المعرفة الأديب ناظم مهنا عن عمر ناهز 63 عاماً الذي اشتهر بكتابة القصة التي احتلت الحصة الأكبر ضمن إبداعاته، إضافة إلى الكاتب والأديب حيدر حيدر عن عمر ناهز 87 بعد رحلة حافلة بالإبداع والنضال الثقافي والسياسي الوطني تاركاً أثراً كبيراً في الثقافة العربية والعالمية.
كما خسر الوسط الثقافي العربي الأيبة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي بعد مسيرة زاخرة بالعطاء الأدبي في الشعر والبحث والترجمة التي عرفت بمواقفها النضالية ليخسر الأدب الملتزم الأصيل الروائية سهام ترجمان عن عمر ناهز 91 عاماً التي كانت رائدة من رائدات الثقافة والإبداع في سورية والوطن العربي، ليضاف إليهم الأديب والناقد المسرحي عبد الفتاح قلعه جي عن عمر ناهز 85 عاماً بعد مسيرة أدبية حافلة بالإنجازات المسرحية والقصصية والروائية والشعرية.
كما شهدت الدراما السورية خسارة العديد من نجومها وعمالقتها الذين ساهموا في إثراء الساحة الفنية تاركين وراءهم رصيداً مهما من الأعمال التي خلدت أسماءهم في ذاكرة الجمهور، وهم الفنان القدير فائق عرقسوسي عن عمر يناهز 69 عاماً الذي عرف في الوسط الفني بأدواره المتميزة، ليودع الوسط الفني الفنان المبدع محمد قنوع عن عمر ناهز 49 عاماً الذي شكل رحيله مفاجأة للجمهور السوري، إضافة إلى الممثل محمد خرماشو عن عمر ناهز 71 عاماً الذي اشتهر بدبلجة العديد من الأفلام الكرتونية والسينمائية ليكون رحيل الفنان شادي زيدان عن عمر 49 عاماً خسارة جديدة للدراما السورية.
كما ودعت الساحة الفنية شيخ كار الإخراج هشام شربتجي عن عمر 75 عاماً الذي نسج برحيله آخر حكايات بطل من هذا الزمان ليطوي بعده رحيل أسامة الروماني عن عمر 81 عاماً مسيرة أحد أعمدة الدراما والمسرح في سورية، إضافة إلى الفنان والمخرج المسرحي رضوان جاموس عن عمر ناهز 62 عاماً والذي كانت له بصمته الخاصة في الدراما والمسرح، والفنان القدير سعيد عبد السلام عن عمر ناهز الـ 84 عاماً، الذي يعتبر أحد أشهر وجوه الشاشة السورية، والممثل والريجستير عبد الله حصوة وغيرهم.
وبعد مسيرة إبداعية حافلة تجاوزت نصف قرن لبعضها ودعت الساحة الغنائية والموسيقية واحداً من أهم القامات الموسيقية ومجددي التراث الموسيقي العربي حسين نازك عن عمر ناهز الـ81 عاماً لتتوالى خساراتها في رحيل أحد أهم ملحنيها الموسيقار الكبير أمين الخياط عن عمر ناهز الـ 87 عاماً الذي أخذ بيد الكثير من المطربين والمطربات ليغدو رقماً صعباً في عالم التلحين والتأليف الموسيقي، ليضاف إليها صاحب الإبداع والمؤلفات وأحد ناشري الموسيقا التراثية المايسترو نوري الرحيباني عن عمر 92 عاماً، ليأتي رحيل الموسيقي الدكتور وائل النابلسي عن عمر ناهز 47 عاماً الذي أنجز خلالها العديد من المؤلفات الموسيقية خسارة لا تعوض.
وأتى رحيل الموسيقار العالمي نوري اسكندر عن عمر 85 عاماً الذي عمل طوال مسيرته الفنية الغنية التي تجاوزت 60 عاماً على نقل التراث السوري الموسيقي الشفوي إلى لغة سمعية وحفظها من الاندثار خسارة كبيرة للموسيقا على مساحة الوطن العربي.
كما فقدت الساحة الغنائية العربية الفنانة العربية نجاح سلام عن عمر ناهز 92 عاماً التي شكلت بما قدمته من إبداع جزءاً من ذاكرة جيل بأكمله، وهي تمثل الزمن الجميل إضافة إلى الشاعر الغنائي كريم العراقي عن عمر ناهز الـ 68 عاماً بعد أن أغنى الفن بشعره وفنه.
رحيل العديد من المفكرين والمثقفين والمبدعين في مختلف صنوف الثقافة والفكر والأدب والفن لا شك أنه خسارة كبيرة للحياة الثقافية في سورية لكن تبقى أعمالهم ومنجزاتهم خالدة تتناقلها الأجيال وتنهل منها، ناهيك عن أن سورية ولادة بمبدعيها ومفكريها القادرين على إكمال مسيرة العطاء الخلاقة في الحياة الثقافية السورية والعربية والعالمية.
شذى حمود
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: الفنان التشکیلی عن عمر ناهز العدید من إضافة إلى بعد مسیرة فی سوریة
إقرأ أيضاً:
صناعة الابتكار في بيئات العمل متعددة الأجيال
في عام (٢٠١٩م)، انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي وسم مفاده: «حسنًا يا جيل الطفرة السكانية»، والجيل المقصود في هذا الوسم هم مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف الستينيات من القرن الماضي، وكان المنشور يتناول الفجوة بين الأجيال، وما يرافقها من اختلافات ثقافية، وقد اكتسح هذا الوسم المنصات، والمنتديات على نطاق واسع، وتم استغلاله تجاريا بطباعته على المنتجات التي تستهوي الفئات العمرية الأصغر، وإن كان الوسم قد اتخذ - منذ نشأته - طابعا فكاهيا؛ إلا أنه اجتذب اهتمام الباحثين والمفكرين؛ لأن الاختلافات بين الأجيال لا تقتصر على الوسط الاجتماعي، وإنما تلقي بظلالها على ديناميكيات الأجيال المتعددة في أوساط العمل الوظيفي، وريادة الأعمال، والتوظيف الذاتي، والسؤال هو: هل يُعد تعدد الأجيال تحديا أو قيمة استراتيجية؟ وكيف يمكن تعزيز الابتكار والإنتاجية من إمكانات مختلف الأجيال؟
في البدء، تعالوا نقترب أكثر من موضوع تعدد الأجيال؛ وذلك لإزالة اللبس الذي يقع بينه وبين حالات الفروقات العمرية داخل الجيل الواحد. فبحسب التصنيف المعتمد لدراسات ديموغرافية القوى العاملة التي تقع فعليا ضمن مرحلة الإنتاج، فإن أوساط العمل قد تضم ما يصل إلى أربعة أو خمسة أجيال في الآن الواحد، وذلك كما يلي: جيل طفرة المواليد والتي تشمل مواليد الفترة الزمنية من (1946م إلى 1964م)، ويأتي بعده جيل إكس الذي يمتد من عام (1965م) إلى (1980م)، وأما جيل الألفية، فيضم مواليد عام (1981م) إلى (1996م)، وأخيراً جيل زد الذي يشكل مواليد عام (1997م) إلى عام (2012م).
ويشكل تنوع الأجيال في بيئة عمل واحدة تحديا وفرصة في الوقت ذاته، ويعود منشأ معظم الصعوبات إلى مدى إدراك الأفراد من مختلف الأجيال بالصورة النمطية للجيل الذي يمثلهم، وبالأجيال الأخرى، ما يصنع حواجز مُتَصورة وليست حقيقية، وهذا ما يقف عائقا أمام استكشاف وتعزيز فرص التعاون والتكامل بين الأجيال المتعددة.
فإذا أردنا التقاط المنظور الذاتي لأعضاء فرق العمل الذين يعملون في بيئات ذات التنوع الشاسع في الأجيال، وذلك من أجل فهم التفاعل في الاختلافات بين هذه الأجيال، سنجد بأن هناك أربعة محاور أساسية للاختلاف وتشمل: فجوة التواصل، والكفاءة في استخدام التكنولوجيا، ومستوى أخلاقيات العمل، والالتزام المهني، والتمايز في هذه المحاور لا يعكس - وبشكل قطعي - تفوق جيل على آخر، وإنما يؤكد على أن التطور في معطيات العمل والحياة قد أعاد تشكيل ظروف العمل بوتيرة أسرع من الإدراك الذاتي لمنتسبي البيئات المتنوعة، وعلى الرغم من أن الأبحاث العلمية المتعلقة بالقوى العاملة متعددة الأجيال قد اكتسبت زخمًا كبيرا في الآونة الأخيرة من بعد جائحة كورونا، إلا أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في فهم الديناميكيات الدقيقة للعمل التشاركي في الفرق متعددة الأجيال، وماهية تحديات القيادة في الاستفادة من نقاط القوة الفريدة لكل جيل، وما تحملها من إمكانات هائلة في الابتكار.
وهذا ما يضع عبئا إضافيا على قادة فرق العمل الذين يصعب عليهم التعامل مع معضلة أن القيم والسلوكيات المهنية قد تكون متشابهة، إلا أن الأولويات عبر الأجيال تختلف بشكل كبير.
وهذا يقودنا إلى الاعتقاد الشائع بأن الأجيال الشابة تمتلك مهارات تقنية فائقة، وهي بذلك أكثر كفاءة في التنقل عبر المهام الوظيفية ، وذلك على النقيض من الأجيال الأكبر سنا التي تكافح للتكيف مع الأدوات التكنولوجية سريعة التطور، ولكن الواقع يظهر عكس ذلك؛ فالتطورات التكنولوجية قد ساهمت في تبسيط استخدام التقنيات ما قلص الفجوة التقنية بين الأجيال في بيئات العمل، وفي تفاصيل الحياة على حد سواء، وقد ساهم ذلك في تقليل مقاومة توظيف التكنولوجيا في المهام الوظيفية، وتلاشي ظاهرة انفصال الأجيال الأكبر سنا عن الاستفادة من الموارد الرقمية، والذي كان سائدا منذ عدة عقود، وبذلك فإن عبور الفجوة التقنية هو حجر الأساس في تعزيز التكامل والتعاون المثمر، فالأجيال الأصغر سنا لديهم المهارات التقنية التي تمكنهم من تحقيق الإنتاجية المطلوبة، وفي المقابل فإن الأجيال الأكبر سنا تمتلك مخزونا من الخبرات الطويلة التي يمكنها إلهام الأجيال الأخرى للخروج من محيط الراحة، والانفتاح على أفكار جديدة كليا، وتوظيف المعرفة التكنولوجية في بلورتها إلى ابتكارات ذات قيمة. وبذلك فإن تبادل الخبرات بين الأجيال لا تُثري بيئة العمل فحسب، بل تعزز - أيضًا - الشعور بالشمول، والتقدير المتبادل بين الأجيال.
وهذا التبادل التشاركي للأفكار والخبرات في بيئات العمل لا يأتي بشكل تلقائي، وعلى قادة العمل انتهاج مسارات استباقية لتعزيز الإدماج، والفهم المشترك، والدعم عبر الأجيال، وهي عملية مركبة وتتطلب التوافق على أهمية التنوع في الخبرات والكفاءات والرؤى لدعم الابتكار، ووضع آليات صغيرة وموجهة لتحقيق التعاون المثمر بين الأجيال، والابتعاد عن الخطط ذات المدى الواسع، وذلك للحفاظ على التركيز الاستراتيجي المطلوب، وهي تشمل مجموعة من الخطوات العملية سريعة التنفيذ، وكذلك واضحة الأثر، مثل معسكرات التدريب، وجلسات الاستماع للخبرات، وقصص النجاح السابقة، وبرامج نقل المعرفة، وغيرها من الأنشطة التي يمكنها بطريقة غير مباشرة تغيير أسلوب التواصل، ونهج الحوار بين مختلف الأجيال، وتقليص المسافات التي تفرضها أحيانا الاختلافات الثقافية، وتقبل التباين كعامل حاسم في خلق القيمة الابتكارية في سياقات أخرى مكملة للاتجاهات التكنولوجية السائدة.
إن التقدم العلمي الهائل الذي تشهده بيئات العمل لا يعني بالضرورة بأن تنوع الأجيال سوف ينعدم في المستقبل، فكلما تقدمت التكنولوجيا، ظهرت معها أجيال تمتلك المعرفة الجديدة، وتشكلت أجيال أخرى بحاجة لمواكبة التطورات مع تقادم المعرفة والخبرات المرتبطة بالتقنيات السابقة، ما يفرض إيلاء الأهمية لموضوع لتنوع الكفاءات والخبرات، ووضع الأدوات التنفيذية الكفيلة لتقليص الفجوة بين الأجيال، ودعم صناعة الابتكار المنبثق عن الاستثمار في إمكانات تعدد الأجيال، وذلك عبر دمج الأفكار المبتكرة والجديدة، وتعظيم الاستفادة من خبرة كل جيل، وإتاحة المعرفة المهنية والحكمة لدعم الإنتاجية، وتوظيف التطورات التكنولوجية مثل الأدوات المدعمة بالذكاء الاصطناعي للتجسير بين مختلف الأجيال، وتعزيز بيئات عمل أكثر شمولاً وإنتاجية.