لقد وصف الله تعالى الأمة الإسلامية أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) بالصفات الحميدة في كثير من آي كتابه العزيز، وذلك لكونهم مستمرين وملتزمين بأمر الله تعالى، ويدعون إليه بل ويقاتلون عليه من ناوأهم من خلق الله حتى يأتي أمر الله تعالى.
فأمة محمد (صلى الله عليه وسلم) لا يزالون متمسكين بما هم عليه تتعدد مآثرهم، وتتنوع مشاربهم، وتتكامل وظائفهم؛ فمنهم من يقوم بالعلم ونشره، وآخرون يقومون بالدعوة وتبليغها، وآخرون يرفعون راية الجهاد، وآخرون أهل زهد وعبادة، وآخرون يقومون بالعمل والصنع والتقدم.
فمن أبرز سماتهم وصفاتهم الثبات على الحق وقتالهم من أجله وإصرارهم عليه، يبارون من ناوأهم إلى يوم القيامة، ولا يبالون بمن يخذلهم، ولا من يخالفهم، غير خائفين ولا مستترين بل ظاهرون منتصرون غالبون، وظاهرون بفخر على غيرهم حسًّا ومعنى وبهذا استحقوا البشارة من الله تعالى لهم بالنصر والتمكين لهم في الدنيا والفوز والفلاح في الآخرة، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور ـ ٥٥)، ويؤيد هذه الآية حديث جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا:(لن يبرح هذا الدين قائمًا، يُقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة) (المستدرك على الصحيحين، ج 4، ص 449)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم):(لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال) (سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب في دوام الجهاد (ج 3)، ص 11، والمستدرك للحاكم (ج 2)، ص 71، و(ج 4)، ص 450)، (صحيح مسلم بشرح النووي، (ج 13)، ص 66، والحديث يفيد العموم في ربوع الأمة الإسلامية، ويقول الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله:(ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد، وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد، وأن يكونوا في بعض منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولاً فأولاً إلى ألا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد؛ فإذا انقرضوا جاء أمر الله) (فتح الباري ج (13)، ص295).
وما أكثر النصوص النبوية تدل دلالة واضحة على أهمية الجهاد في سبيل الله، وأنه لا ينقطع بل
إنه مستمر حتى قيام الساعة من أجل حماية الدين ونصرة الحق ودمغ الباطل، فلا يخفى علينا جميعًا أنّ طريق العزة في الدارين هي إعلان راية الجهاد في سبيل الله، وبذل المال والنفس في سبيله حتى تنعم البشرية المسلمة بالنصر والعزة في واقعها البشري، أو تنعم بالفوز والفلاح في واقعها الأخروي، عملًا بأمر الله تعالى، فمطلوبه سبحانه من أمة الإسلامية أن يعدوا العدة لإرهاب أعداء الله وأعدائهم، وأن يحرضوا المؤمنين على القتال، وأن يهيئوا أنفسهم للنفور في سبيل الله خفافاً وثقالاً، وأن يصبروا على ما يلاقون في طريقهم من الأذى والعنت والمشقة، وأن يتوكلوا على الله وحده حق التوكل.
ومع كل هذا لا بد أن تستقر الحقيقة الكبرى في النفوس أن النصر من عند الله العزيز الحكيم..
وللحديث بقية.
إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري
كاتب عماني
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الله تعالى
إقرأ أيضاً:
خطيب الجامع الأزهر: تقوى الله أمثل طريق للطمأنينة في الدنيا والآخرة
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر، ودار موضوعها حول "الاستعداد لشهر رمضان"
وقال الدكتور ربيع الغفير، إن تقوى الله أمثل طريق وأقوم سبيل للطمأنينة في الدنيا والسعادة في الأخرة، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، لذلك يجب على المسلم الاستعداد لشهر رمضان، وأجلُّ ما يستقبل به هذا الشهر: سلامة الصدور، وطهارة القلوب، وتزكية النفوس، والسيرة لا تطيب إلا بصفاء السريرة ونقاء القلوب، لأنه لا يوجد أجلُّ من استقبال مواسم الطاعات بتوبة صادقة نصوح لله جل وعلا، فيستقبل هذه المواسم، وقد أقلع وتخلَّى عن ذنوبه ومعاصيه التي لطالما قيَّدته، وحرمته من كثير من الطاعات والحسنات ومن أبواب الخيرات.
وأوضح خطيب الجامع، أنه يجب على كل مسلم أن يحرص على ألَّا يدخل عليه رمضان إلا وهو طاهرٌ نقيٌّ، فإن رمضان عطر، ولا يعطر الثوب حتى يغسل، وهذا زمن الغسل، فاغتسلوا من درن الذنوب والخطايا، وتوبوا إلى ربكم قبل حلول المنايا، واتقوا الشرك فإنه الذنب الذي لا يغفره الله لأصحابه، واتقوا الظلم فإنه الديوان الذي وكله الله لعباده، واتقوا الآثام، فمن اتقاها فالمغفرة والرحمة أولى به، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾.
وحث خطيب الجامع الأزهر المسلمين على السباق في ميادين الطاعات، ومضمار القربات؛ ليدخل شهر رمضان وقد تهيَّأ العبد تهيئةً إيمانيةً، فيدرك من حلاوة الصيام ولذة القيام ما لا يقدر قدره، فإن قلوب المؤمنين تترقب بلهفةٍ ذاك الشهرَ العظيم، والضيفَ الكريم، الذي يرونه نعمة كبرى، وهبةً عظمى من الرب الكريم، لهذا كان السلفُ -رضي الله عنهم- يجعلون دخول شهر شعبان للاستعداد المبكّر لاستقبال رمضان، حتى لا يدخل عليهم الشهرُ الفضيل إلا وقد روّضوا أنفسَهم على ألوانٍ من الطاعات والقُربات، فشهر شعبان بمثابة الفترة التدريبية التي تسبق دخول مضمار السباق، والبوابةَ الممهِّدة للدخول في السباق الأخروي، فالخيل التي لا تُضمَّر ولا تَتَدرب؛ لا تستطيع مواصلة السباق وقت المنافسة كما ينبغي، بل قد تتفاجأ بتوقّفها أثناء الطريق.
وأضاف أن العاقلُ من عرف شرف زمانه، وقيمة حياته، وعظّم مواسمَ الآخرة، واستعد لهذا الزمن العظيم من الآن، وهيأ قلبَه ليتلقى هبات الله له بقلب سليمٍ، متخفِّف مما ينغّص عليه التلذذ بالطاعات، كأن يجتهد الإنسان في إنهاء ما قد يشغله في رمضان من الآن، وأن يتدرب على بعض أعمال رمضان كصيام ما تيسر من أيام شعبان، وأن يزيد قليلاً على نصيبه المعتاد من صلاة الليل، وأن يزيد قليلاً على وِرده الذي اعتاده من القرآن.
وفي ختام الخطبة أكد الغفير، أهمية التدرب على تلاوة القرآن الكريم في شعبان، كما أن من أعظم ما يعين على تهيئة النفس لرمضان: كثرةُ الدعاء، والإلحاحُ على الله تعالى في أن يبارك له في وقته وعمره، وأن يبارك له في شعبان ورمضان، وأن يجعله في رمضان من أسبق الناس إلى الخير؛ فإن العبد مهما حاول فلا توفيق ولا تسديد إلا بعون الله وتوفيقه، والعبدُ مأمورٌ بفعل الأسباب، واللهُ تعالى كريم، لا يخيّب مَن وقف على بابه، وفعل ما بوسعه من الأسباب.