.. والاسم مجموع: (مهطعين)؛ وذلك لبيان أنه لا يشذُّ أحدٌ عن هذا الإهطاع، والسير العاجل السريع، وشخوص الأبصار، وتجمدها على شيء واحد، تنظر إليه وترتقبه، وتسعى نحوه، لا تريم، ولا تتحول، وتراها كأنها قد أخذها السكر، وأكلها الخوف، فهي
ناظرة بشخوص شديد، ورقبة ممتدة ونظر إلى بعيد ترتقب الأمور.
وقوله:(مقنعي رؤوسهم) هو اسم فاعل من الفعل الرباعي (أقنع)، وأقنع هو فعل ثلاثي، مزيد بالهمزة، ومعناه الرفع، والشخوص للرؤوس، كما قلنا: (أقنع فلان رأسه، وعنقه:
رفعهما، وشخص ببصره نحو الشيء في ذل، وخشوع)، فالإقناع مدُّ العنق، والرأس نحو الشيء، دون أن يلوي المقنِع على شيء من خوفه، وذله، وخشوعه، وخضوعه، و(مقنعي): هي حال منصوبة، وعلامة نصبها الياء؛ لأن الكلمة جمع مذكر سالم، حُذِفَتْ نونُه للإضافة، و(رؤوسهم): مضاف إليه، وهو كناية عن الذل، والخوف، والخشوع، والخضوع، وعدم رفع الرأس من الخزي والعار، والشنار، ويمكن أن نقول في قوله:(رؤوسهم) مجاز لغوي مرسل، علاقته الجزئية؛ حيث أطلق الرأس، وأراد الجسد كله، أي ينظرون بكُلَّيتهم، وجميع أجسامهم، واختار (الرؤوس) لأنها مجمع الحواس، وأصل النظر، وإرسال دلالة المهابة، وشعور الخوف، فهو يتأتى من الحواس، ويتدرج إلى العقل، والفؤاد، والروح، وإلى كل الجسم، حيث يرى المرء أخاه عندما يخاف بهيئته، وكل حواسه فيدرك أنه وجل خائف فزِعٌ، ويشعر به بسبب ما يريه الرأس بما فيه من عين، وأنف، وفم، ولسان، ونحوها من الحواس التي يمتلئ بها الرأس، وما فيه من وجه، وما أُودِعَ فيه من وسائل الإدراك، والعلم، والحس.


وانكسار، وجر (الرؤوس) للإضافة، وهو معنى يتناغم مع الانكسار، والذلة التي هم فيها حالة حسابهم بين يديْ ربهم، كما أن الحذف في النون لأجل الإضافة فيه حذفٌ لكرامتهم، ونسفٌ لآدميتهم، وعقولهم التي عطَّلوها بظلمهم لغيرهم، وتعدِّيهم على حقوق الناس، فتلاقى الجانب النحوي، مع الجانب الدلالي، وتناغم المعنى النحوي مع المعنى السياقي، وهو من سمات لغة الكتاب العزيز.
وقوله:(لا يرتد إليهم طرفهم) هو كناية عن تجمده، وعدم طَرْفِه، وأنهم لا يملكون شيئًا، ولا إرادة لهم في أنفسهم؛ إذ كانوا في الدنيا لهم إرادة على جوارحهم، أما الآن فلا إرادة لهم، ولا يملكون أي أمر عليها، والفعل المضارع (لا يرتد) يفيد الاستمرار، و(إلى) هنا بمعنى (اللام)، أي: لا يرتد لهم طرفهم، و(إلى) تفيد انتهاء الغاية المكانية، وقال:(طرفهم)، ولم يجمعْه (كما جمع الأبصار)؛ لأنهم بمثابة رجل واحد، وله طرف واحد؛ لأنهم عن بكرة أبيهم يمضون إلى مصير واحد، وعاقبة واحده، وهذا النفي نفي ثابتٌ، وأزلي:(لا يرتد..)، ومستمر، والإضافة على معنى اللام، أيْ طرف هو لهم، وفيه وجوههم، لكن لا يعمل، ولا يمكنهم أن يجعلوه يعمل؛ لأنه لم يعد مسخرًّا لهم كما كان في الدنيا.

د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
Drgamal2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

10 قتلى في حوادث المرور خلال يوم واحد!

لقي 10 أشخاص حتفهم إثر حوادث المرور التي وقعت بمختلف ولايات الوطن، خلال الـ24 ساعة الأخيرة.

وحسب حصيلة الحماية المدنية، فقد بلغ إجمالي التدخلات خلال نفس الفترة، 3211 تدخل بمعدل تدخل كل 26 ثانية.

وبالنسبة لحوادث المرور، سجلت ذات المصالح 163 تدخلاً، حيث خلّفت هذه التدخلات 175 جريحا و10 وفيات.

أما فيما يخص حوادث الغاز، فقد سجلت ذات المصالح تدخلين، تم من خلالها 5 أشخاص، فيما لم يتم تسجيل أية حالة وفاة.

مقالات مشابهة

  • فلسطين.. من وعد بلفور إلى حرب القيامة
  • كيفية تغسيل المرأة إذا ماتت وهي حائض.. الإفتاء توضح
  • ظلم الكيزان
  • في يوم واحد.. 58 شهيدًا في قصف الاحتلال على قطاع غزة
  • ياسمين رئيس تعلن إصابتها في الرأس أثناء تصوير "الفستان الأبيض"
  • ضبط قضايا إتجار بالعُملة بقيمة 13 مليون جنيه
  • علي جمعة: الأمة الإسلامية الوحيدة التي عندها عالم الغيب ومشاهد القيامة والجنة والنار
  • في يوم واحد.. حزب الله يهاجم إسرائيل عبر 90 قذيفة صاروخية
  • قناع ورق السدر.. الحل الطبيعي للبشرة الدهنية والشعر الضعيف |تحذيرات لهؤلاء
  • 10 قتلى في حوادث المرور خلال يوم واحد!