الارتقاء بالأخلاق والسلوك فى ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية «13»
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
إن الزواج من نِعَمِ الله على الإنسان، فوجب على الإنسان أن يشكر الله على نعمه، ولكن على مَنْ يُقْدِمَ على الزواج أن يستعد لهذا الأمر خلقيًّا وماديًّا ومعنويًّا، وأن يتعلم أحكام الفقه الضرورية فى باب النكاح، وليعلم أن النكاح قد لا يخلو من بعض الآفات، ومن ذلك العجز عن طلب الحلال، فلربما امتدَّتْ يدُ المتزوج إلى ما ليس له، خاصة إذا كانت الزوجة كثيرة النفقات، أو زوجة مبذِّرة، والزوج ينقاد خلفَها ويسعى لإرضائها، فَلَكَمْ جَمَعَ كثيرٌ من الأزواج المالَ الحرامَ لتلبية رغبة الزوجات، ومن آفات النكاح القصورُ عن القيام بحقوق النساء، والصبر عليهن إذا صدر منهن ما يؤذى الزوجَ؛ ولذلك ينبغي على الرجل ألا يُقَصِّرَ فى حق زوجته، وينبغى على المرأة ألا تقصر هي الأخرى فى حق زوجها، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ) قَالَ:(أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا، وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (أخرجه البخارى).
وينبغى على الزوج أن يتنبه إلى أمر كبير، وهو ألا يكون الأهلُ، والولدُ يشغلونه عن ذكر الله عز وجل، فيقضى ليله ونهاره فى التمتع بذلك، فلا يتفرغ القلبُ للفكر فى الآخرة والعمل لها، وإذا وضع الرجلُ هذه الأمورَ فى حسبانه فينظر المصلحةَ بين الزواج والعزوبة، ويسأل نفسَه:
هل يستطيع القيام بواجباته دون إخلال ويوازن بين المصالح والمفاسد، وينظر فى نفسه إلى القدرة على القيام بكل تلك الحقوق؛ لأنها مسؤولية كبيرة، بدءًا من الزوجة، ثم الأبناء والبنات، والرعاية بالتربية والتعليم.. ونحوها من تكاليف الأبوة والأمومة، وما يتطلَّبانه.
إن المسلم إذا احتاج إلى الزواج لَزِمَهُ السعيُ له؛ حتى لا يقع في الحرام، فالزواج يسكِّن الشهوة، ويقوِّم الخُلُقَ وهذا من فوائد النكاح، وعليه أن يتعلمَ آدابَ المعاشرةِ الزوجية، وأن يحسن اختيار الزوجة، على أن يراعي في اختيارها مواصفاتٍ، سوف نذكرها إن شاء الله فيما يستجدُّ من الكتابة بعون الله، وعليه أن يتحرَّى الحلال فى الكسب والمعاش، فإن ذلك أَدْعَى إلىتربية الذرية الصالحة التي تَنْبُتُ، وتنشأ من الحلال، وعليه أن يتعهد زوجته، وأولاده بالعلمالنافع، وقراءة القرآن، والمحافظة على الصلاة في أوقاتها، وأن يتابع أقوالهم وأفعالهم، فإن صدر منهم الخير شجَّعهم على هذا، وإن صدر منهم السوءَ قَوَّمَ ألسنَتَهُمْ وأفعالهم، فإن المرءعلى ما يُعَوَّدُ عليه، والطفلُ على ما يَشِبُّ عليه، وأن ينزعَ منهم صفاتِ الأنانية والحقد والحسد والسوء، وأن يربِّيَ أولاده على مكارم الخلاق ومحاسن الشيم، وعلى سيرة النبى (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام.
د. أحمد طلعت حامد سعد
كلية الآداب ـ جامعة بورسعيد بجمهورية مصر العربية
AHMEDTHALAT468@GMAIL.COM
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
لا تعتبوا على أهل غزة ولا تغضبوا منهم
لا تعتبوا على #أهل_غزة ولا تغضبوا منهم
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
يشكو بعض الإعلاميين وأصحاب القلم والكتاب العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، الذين يتصدرون الرأي العام بصدقٍ وأمانةٍ في الدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم، ويؤيدون مقاومتهم وينتصرون لقضيتهم، ويظهرون على الفضائيات العربية والدولية، يشرحون ويعلقون، ويحذرون وينبهون، ويعقبون ويوضحون، وينشرون المقالات المتعددة العناوين والمضامين، ويبدون وجهات النظر المختلفة فيما يجري في غزة ويقع عليها وعلى أهلها، ولا يقصرون في القيام بما يستطيعون القيام به، ولا يألون جهداً في الدفاع عن غزة وأهلها، وهم يجتهدون في دراسة الأوضاع ومتابعة التطورات ومعرفة تفاصيل ما يجري في غزة، ويكادون يحفظون تفاصيلها كأهلها، ويعرفون دقائقها كأنهم فيها.
يشكو هؤلاء وغيرهم من بعض الردود والتعليقات التي تصلهم من غزة، ويصفونها بأنها قاسية ومجافية للحقيقة، وتخالف الواقع وتناقض الحال، وأحياناً تكون خشنة ومؤذية، ومشككة ومتهمة، مما يجعلهم يشعرون تجاهها ببعض الحزن والأسى، والضيق والألم، مما يضطر بعضهم بسببها إلى العزوف والزهد في المشاركات الإعلامية، وعدم الظهور على الشاشات الفضائية والمساهمات الإعلامية، تجنباً للحرج أحياناً وللنقد الشديد في أحيان أخرى، إلا أنهم يبقون محافظين على حبهم وولائهم لغزة وأهلها، وتأييدهم ونصرتهم لمقاومتها وقضيتها، ولا تؤثر الآراء الناقدة التي تصلهم في ثبات مواقفهم، وصدق نواياهم، وأصالة انتماءاتهم.
مقالات ذات صلةيتهم بعض الغزيين الإعلاميين الذين يرونهم على الفضائيات العربية، ويقرأون مقالاتهم في المواقع الإليكترونية وعبر وسائل التواصل الاجتماعية، بأنهم لا يقدرون معاناتهم، ولا يشعرون بحالهم، ولا يبالون بحجم تضحياتهم وعمق جراحهم، إذ يطالبونهم بالصمود والثبات، والصبر والاحتساب، وهم كذلك فعلاً، وإلا ما بقيت الحرب واستمرت، وكانت قد انتهت باستسلامهم ورفع الراية البيضاء لعدوهم، فهم درء المقاومة وسندها، وحاضنتها وبيئتها، ولولا صمودهم وصبرهم ما استطاعت المقاومة أن تستمر في مقاومتها وتتحدى عدوها وتصر على شروطها.
يتهمهم بعض الغزيين بالتنظير وحب الظهور، والحرص على الصورة والابتسامة، والمظهر والشكل، والأداء والجاذبية، وأنهم يقومون بأعمالٍ مأجورةٍ، ويتقاضون أموالاً مقابل مشاركاتهم، وهم يتحدثون عن معاناة شعب جائعٍ، واستباحة وطنٍ ممزقٍ، لا يجد أهله كسرة خبزٍ ولا شربة ماء، ويموتون في سبيل الحصول على بعض طعامٍ أو قطعة قماشٍ يسترون بها أجسادهم، أو بعض الخرق والنايلون يصنعون بها خيمةً يستظلون بها وينامون تحتها، ويسترون أنفسهم بها، ويقتل أطفالهم أمام أعينهم، ويحملون صغارهم بين أيديهم والأكفان تلفهم، ودموع الحزن والأسى تسبقهم، ويهيلون التراب على عشراتٍ من أهلهم وأبناء عائلاتهم، ضحايا القصف الإسرائيلي المجنون على المدارس والمخيمات، وأماكن اللجوء والإيواء.
قد يصعب التحامل على أهل غزة الذين يضامون كل يومٍ ويقتلون، ويعذبون ويسامون، ويجوعون ويعطشون، ويقصفون ويدمرون، وتحرق خيامهم وتتطاير في السماء أجسادهم، والغضب منهم نتيجة مواقفهم، أو على خلفية بعض تعليقاتهم، فهم معذورون في كل ما يصدر عنهم، ومغفورٌ لهم غضبهم وحدة تعليقاتهم أحياناً.
وإننا أن نقدر ظروفهم ونعرف حقيقة واقعهم، فإننا نأمل منهم أن يدركوا صدق أغلب الذين يظهرون على الفضائيات، ويكتبون ويعلقون، وألا يقسوا عليهم أو يجردوهم من صدق حسهم وحقيقة مشاعرهم، فهذا هو أقصى ما يستطيعون القيام به، بالنظر إلى الواقع الذي يعيشونه، فالحدود غير مفتوحة، والوصول إلى غزة مستحيل، والمساهمة في القتال غير ممكنة، فلا اقل من تحشيد الأمة وتنويرها، وتسليط الضوء على قضيتها المركزية وتحريضها، ودفع الشارع العربي والإسلامي للحركة في الشارع نصرةً وتضامناً مع غزة وأهلها، وضغطاً على الحكومات والأنظمة، للتوقف عن دعم الكيان الإسرائيلي، والامتناع عن نصرته وتأييده، ودفعه لوقف الحرب والعدوان على غزة وأهلها.
بالمقابل لا ينبغي على الإعلاميين الصادقين، وحملة الأقلام الغيورين، والمتضامنين الثائرين، ألا يغضبوا من أهل غزة، وألا يعتبوا عليهم، وألا تدفعهم مواقف بعض الغزيين الغاضبة، وظروفهم الصعبة، وحنقهم على العالم الظالم وحكامه المتآمرين عليهم، إلى النأي بأنفسهم عنهم، والامتناع عن القيام بالواجب الملقى على عاتقهم تجاههم، فغزة وأهلها تستحق منا كل نصرةٍ وتأييد، وفي سبيلها ووفاءً لأهلها يتسع صدر الإعلاميين لنقد أهلهم، وحدة كلماتهم، وسورة غضبهم، إلى أن يأذن الله عز وجل بنصرهم ورفع الظلم عنهم.
بيروت في 12/4/2025
moustafa.leddawi@gmail.com