أعلم أن حديثي عن مصطلح الطبطبة قد يروق للبعض ويزعج الكثيرين..
سأضع مجموعة من الاستفسارات والملاحظات وأترك الحكم لكم..
ألستم معي بأننا ننجذب لمن يوافقنا الرأي ونأنف من يعارضنا..؟
كذلك نحب من يمدحنا ويسمعنا ما يروق لنا ؛ ونراه أقرب العالمين لنا ، بينما من يصارحنا بما نحن فيه نقصيه ؛ ونرى أنه يُنكِف جراحنا ويتعمد إيذاءنا .
أتلاحظون بأن أحاديثنا مع من حولنا يعتمد قبوله على من يطبطب علينا بكلمة أو تصرف حاني ..؟
ونحن نعلم في قرار أنفسنا بأنهم يجاملوننا ؛ عفواً (يطبطبون)علينا..
.
المجاملة أسوء جريمة يرتكبها الإنسان لها طعم لذيذ ولكن لها تأثير ومفعول المخدر..
هل بلغنا من الهشاشة الداخلية الشيء الكثير ؛ لدرجة علمنا بكل عيوبنا ، ولكن لا نريد أن نسمعها بأصوات غيرنا ، ونفرح عندما يبدّلها الغير بمجاملة..!؟
قديماً قالوا: النصيحة بجمل ، بينما لا محل لها حديثاً بين أوساط الناس..
يُقال لمن يمتلك النُصح الآن جريء والبعض يراها وقاحة..
وهنا قارئي الكريم لن أخلط بين من يبرز لي عيوبي ، ويلامس خطأ مني مُناصحاً و مُحباً ، مُدارياً و موارياً نصيحتهُ لي عن أعين الناس وخوفاً عليّ من أن تصل المناصحة للتجريح وبين من يتعمد أن يتصيد أخطائي ، ناشراً لها بين البشر..
أنا لا أقف هنا في وجه الكلمة الحلوة والمجاملة الرقيقة والطبطبة الناعمة ، فنحن في زمن أحداثهُ مهولة ونحتاج للأمان فيه ولو بكلمة عابرة..!
ولكن يجب أن نميّز بين من يجامل وبين من يرى هفواتك ويبتسم ، وأحياناً تعلم ما يُحاك خلفك وما يُقال ، وتفرح أنه لا يُقال لك أمامك ، لا لشيء سوى أنك تحب من يطبطب عليك..!..
.
كن قوياً وجانب المجاملة ، وأطلب ممن حولك أن يلامسوا أخطائك ويناقشوها صراحةً معك ، فقد تكون أعمى من جانب ولديهم كل الرؤى عنك ، دعهم يبصرونك و ينتشلونك مما أنت به..
.
يقول الشافعي رحمهُ الله:
تعَمَّدني بِنُصحِكَ في انْفِرادِي
وجنِّبني النصيحة َفي الجماعهْ
فإِنَّ النُّصْحَ بينَ النّاسِ نوْعٌ
من التوبيخِ لا أرضى استماعه..
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: بین من
إقرأ أيضاً:
«الأبيض والأسود» والحنين للماضى
فى كل مرة نشاهد فيها أفلام الأبيض والأسود، نجد أنفسنا مستغرقين فى ذكريات ترسم أمامنا مشاهد حية لمصر القديمة، بجمالها وعراقتها وأناقة شوارعها التى كانت تنبض بالحياة. هذه الأفلام ليست مجرد صور بالأبيض والأسود، بل هى بوابة إلى زمن كان فيه كل شىء أبسط وأعمق؛ المبانى، والشوارع، والعلاقات بين الناس، حيث كانت الأخلاق والقيم الإنسانية حاضرة فى كل تفاصيل الحياة.
عندما نشاهد أفلام الأبيض والأسود التى تبرز جمال مصر القديمة، نتذكر شوارعنا وحوارينا وأزقتنا التى كانت نابضة بالحياة والأناقة الطبيعية. فى تلك الفترة، كانت كل زاوية وكل شارع يتمتع بسحر خاص، يمتزج فيه جمال المعمار مع روح الناس.
كانت المنازل بسيطة لكنها تفيض دفئًا وراحة، وكان الناس يظهرون بمظهر يعكس بساطتهم وأصالتهم، حيث يرتدى كل شخص ما يليق به بشكل غير متكلف. كان المشهد العام لمصر ينضح بالجمال والنظام، حيث تكشف الأفلام عن عادات وأسلوب حياة مجتمعى غنى بالاحترام والتآلف.
فى الزمن القديم، كانت العلاقات بين الناس تتسم بالترابط؛ الجار بمثابة الأخ، وابنة الجيران هى بمثابة شقيقة لأبناء الحى. الأفراح كانت تجمع الجميع، والأحزان يتقاسمونها معًا، ما يجعلنا نستشعر أن القيم الأخلاقية كانت تحتفى بها وتعطى الأولوية فى حياتهم اليومية.
حيث كانت الأولويات للأخلاقيات هكذا تربينا أو تربى سكان هذا الزمن.
تعكس الأفلام القديمة أيضًا جمال مدن مثل القاهرة والإسكندرية وبورسعيد وأسوان مطروح ومحافظات صعيد مصر والدلتا وتبرز الطابع الخاص لكل منها، الذى يجعلها تتألق بروعة تقارب مثيلاتها فى أوروبا. نعم كانت بنيات وسط القاهرة ومصر الجديدة والزمالك وجاردن سيتى والمعادى تضاهى أجمل المدن الأوروبية.
كنا نمتلك دار الأوبرا القديمة بكل ما تحمله وتقدمه من فنون راقية تماثل ما يقدم فى دور الأوبرا العالمية، والمسرح القومى الذى قدم أهم كلاسيكيات المسرح المصرى والعالمى وحديقة الأزبكية التى كانت تقام بها حفلات لكبار نجوم الطرب، أم كلثوم وعبدالوهاب ومنيرة المهدية كل مطربى مصر العظام، هل ننسى شارع محمد على بكل ما قدمه من موسيقيين وصناع للآلات الموسيقية، كان يشع بهجة وفرحة، الآن ماذا حدث له، أصبح بقايا تاريخ، نموذجاً للشارع الذى يعبر عن الإهمال الجسيم فى حق جزء من تاريخنا، لذلك عندما نشاهد فيلماً قديماً تدور أحداثه فى شارع محمد على أو شارع مصرى له تاريخ يمتلكنا شعور بالحزن والإحباط.
تلك الأفلام لم تكن مجرد تصوير لقصص، بل هى تذكرة بروعة التراث المعمارى المصري، والقوة الناعمة التى شكلت وجه مصر عالميًا، وإبداع المصريين فى إضفاء لمسات خاصة على كل ما حولهم.
أفلام الأبيض والأسود تظل شاهدًا حيًا على زمن الجمال البسيط والسلوكيات الراقية، لتعيد إلينا الحنين إلى مصر المحروسة كما كانت، وتجعلنا نطمح لإعادة إحياء تلك القيم والأخلاقيات التى جعلت مجتمعنا متماسكًا ومتناسقاً وجميلًا.
كلاسيكيات السينما كما تعد مصدراً لمتعة المشاهدة، فهى أيضاً مصدر للحزن وتقليب المواجع.
بسبب الحنين للماضى.
فى زمن السرعة والتغيير، تأتى أفلام الأبيض والأسود لتذكرنا بأهمية الحفاظ على التراث الثقافى والقيم الأخلاقية. هى ليست مجرد متعة للمشاهدة، بل رسالة تدعونا لإعادة النظر فيما فقدناه من معانٍ وقيم.