عربي21:
2024-12-25@19:36:21 GMT

حرب الطوفان حرب عربية وليست غزاوية فحسب

تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT

هناك تحليل سياسي عمره من عمر النكبة أي سابق على حرب الطوفان تتفق حوله النخب والشعوب والأنظمة العربية في الأعم الأغلب، وهو أن وجود الكيان الصهيوني مزروعا في جسد الأمة هو عملية تخريب مقصودة لهذا الجسد للإبقاء عليه هشا وضعيفا وتابعا وغير ذي مكانة ودور في التاريخ. وقد بُنيت على هذا الخطاب سياسات ووُضعت استراتيجيات طويلة المدى؛ زعمت كلها مقاومة الكيان ووصل طموح بعضها -في الخطاب على الأقل- إلى رمي هذا الكيان في البحر.

والنتيجة المنطقية لهذه المقدمات هي أن أي معركة تندلع في الأرض المحتلة هي حرب تحرير لا لفلسطين فحسب، بل لكل الأمة المطعونة بهذا الخنجر المسموم. وتبعا لذلك فإن حرب الطوفان الجارية الآن في غزة والضفة هي جزء من عملية التحرير الشاملة، وعليه فإن الفلسطيني انتظر وربما فقد الأمل الآن في أن تقوم أمة العرب بنجدته بما تيسر لها من قوة سياسية وأخلاقية؛ ليس بتحريك الجيوش ولكن بوسائل تحول الأقطار وشعوبها المحتلة من السلبية إلى المشاركة لتكون عملية التحرير شاملة.

لماذا تصمت الشعوب العربية؟

في اللحظة التي نتابع فيها ما يشبه الثورة العالمية مع غزة ونرى تحولات عميقة في وعي الشعوب بحق الفلسطيني في الوجود والحرية وبداية وعي كوني بطبيعة الكيان الاحتلالي، فإن الملاحظة الأبرز هي سلبية الشعوب العربية في أقطارها بأهمية معركة الطوفان الجارية، فالشوارع العربية هي الأقل حركة والأقل تعاطفا بشكل يوحي بأن هناك تخليا عن القضية.

في اللحظة التي نتابع فيها ما يشبه الثورة العالمية مع غزة ونرى تحولات عميقة في وعي الشعوب بحق الفلسطيني في الوجود والحرية وبداية وعي كوني بطبيعة الكيان الاحتلالي، فإن الملاحظة الأبرز هي سلبية الشعوب العربية في أقطارها بأهمية معركة الطوفان الجارية، فالشوارع العربية هي الأقل حركة والأقل تعاطفا بشكل يوحي بأن هناك تخليا عن القضية
ونسمع لتونسيين يقولون "اللي فينا مكفينا"، ففي تونس يشقى الناس للحصول على الأساسيات الغذائية ويكافحون يوميا من أجل تدبر الخبز وزيت الطعام. فهل بقي لنا من جهد لدعم غزة؟ وهذا التبرير يبدو واقعيا جدا، ولكن سؤالا مهما لم يُطرح الآن وهنا: لماذا وصل الناس إلى هذا الدرك من الحاجة؟ أليس لوجود الكيان هناك من تأثير هنا؟ (والقياس جائز في بقية الأقطار العربية).

في تقديرنا أن ضعف كل قُطر عربي يعود في جزء مهم منه إلى وجود هذا الكيان في جسد الأمة، حتى أن المرء ليخجل من التذكير بذلك في هذه اللحظة. لقد فرضت القوى العظمى الداعمة للكيان منذ وجوده ومنها، فرنسا ذات التأثير الكبير على أقطار المغرب العربي، سياسات قهرية أدت إلى تفتت إرادات الشعوب وتحويل أنظمتها إلى أدوات قمع لشعوبها فمنعت هذه الشعوب من التحرر الفعلي وإن كانت لها دول قائمة شكلا لا مضمونا.

الاحتلال وإن كان غير مباشر أضعف الأنظمة التي تحولت إلى أجهزة قمع لشعوبها، فأضعفتها فشغلتها بقُوتها اليومي فأنستها قضيتها الأم وهي قضية التحرر السياسي، والذي منه الحق في الوقوف ضد الكيان الغاصب في فلسطين التي بقيت لهذه الأسباب تحارب وحدها.

كان يمكن الاستفادة السياسية من حرب الطوفان

وفّرت غزة للأنظمة العربية فرصة كبيرة للتحرر من نير الاحتلال، ولا تزال الفرصة قائمة أمام هذه الانظمة لابتزاز الدول الغربية وتحصيل مكاسب لشعوبها عبر إطلاق شعوبها في الشوارع للضغط على السفارات والشركات بالاحتجاج السلمي وحده، وهو كاف أسوة بالاحتجاج العالمي الذي يقوم الآن بالضغط على الأنظمة الغربية ويجبرها على تعديلات سياسية في الخطاب على الأقل في انتظار ظهور نتائج الضغط انتخابيا.

مثل هذا الضغط في الدول الغربية سيؤدي في أقل الاحتمالات إلى عرض أثمان على الأنظمة العربية نظير إسكات شعوبها بما يفتح الأبواب إلى مزيد من الابتزاز، وقد رأينا رأي العين أن دول الغرب خائفة فعلا على مصير الكيان وعلى وجوده وهي تبذل الكثير للحفاظ على الوضع القائم. وهذا هامش واسع للمناورة السياسة أتيح للأنظمة فلم تستغله.

هذا الاحتمال أُهدر بلا مقابل، فحتى إغلاق معبر رفح وحصار غزة الجائعة الجريحة كان يمكن أن يكون له ثمن كبير يقوي النظام المصري ويوفر لشعب مصر مكاسب، لكننا نرى بيعا بلا مقابل وتفريطا مجانيا بل تطوعا لخدمة الكيان.

لقد توقفت قيادة المقاومة في بياناتها الأخيرة عن استنهاض الأمة واكتفت بشكر من يشارك بالقليل المتاح مثل أهل اليمن، وهذا يكشف شعورا باليأس لدى المقاومة من أن ترى شوارع عربية تتحرك إلى جانبها. سيتحدثون من غزة في وقت لاحق عن الخذلان العربي.

المقاومة تصمد وحدها

الكيان الصهيوني مرتبك في الميدان ومرتبك في السياسة ويوشك كيانه أن يتفتت، وسيكون لضعف الكيان أثر على الأنظمة التي فقدت دورها في حمايته، وعندما يخرج في وقت لاحق من يطالب الفلسطيني بحقوق مقابل جهد لم يبذله في نصرته عند الحاجة إلى النصرة؛ فسيكون الوقت قد فات فعلا على هذه الأنظمة التي لم تستوعب لحظة المعركة القومية الجارية في مربع غزة
حتى اللحظة والحرب تتجه إلى مائة يوم؛ تصمد المقاومة وحدها بلا سند عربي وربما يكتب فلسطيني ذات يوم قريب "الحمد لله أن لم يساندنا نظام عربي فجاء الانتصار طاهرا نقيا". لقد ارتفع الثمن البشري في غزة وكان يمكن التقليل منه بالإسناد العربي، ولكن الغزاوي يحارب وحده ويصمد وحده ويدفع الثمن وحده. ولعل ذلك يمنحه قوة غير متوقعة وهو على أبواب التفاوض على ما بعد الحرب، فلن يقدم تنازلات لمن لم يساعده عندما احتاج المساعدة.

الكيان الصهيوني مرتبك في الميدان ومرتبك في السياسة ويوشك كيانه أن يتفتت، وسيكون لضعف الكيان أثر على الأنظمة التي فقدت دورها في حمايته، وعندما يخرج في وقت لاحق من يطالب الفلسطيني بحقوق مقابل جهد لم يبذله في نصرته عند الحاجة إلى النصرة؛ فسيكون الوقت قد فات فعلا على هذه الأنظمة التي لم تستوعب لحظة المعركة القومية الجارية في مربع غزة الصغير على الخريطة.

القلة المؤمنة بغزة من خارج غزة لم تنجح في فرض صوتها وإرادتها على الأنظمة الحاكمة فاكتفت بالدعاء والبكاء من ألم وعجز، ولعل مصابها يتحول مع الوقت إلى وعي أكثر حدة بوضعها كشعوب محتلة تحتاج بدورها إلى خوض معركة طوفانها الخاص لتحرر إراداتها، وهو الأمل الوحيد الذي ترسله غزة المحاصرة برا وبحرا وجوا. لهذه الفئة أن تعتمد على نفسها وتشرع في إعداد طوفانها الخاص، فإن لم تفعل فستكون غزة حرة ذات يوم قريب ولن يكون لديها الوقت لنصرة من لم ينصرها.

لقد كانت طوفان الأقصى معركة عربية تتجاوز حدود غزة وفلسطين، لكننا نحدس أن الله يرتب قدرا لا نفهمه فهذه المعركة لن تتوقف عند حدود غزة.. سنواصل الدعاء ونخفي دموع القهر والخذلان.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطيني المقاومة فلسطين غزة المقاومة العالم العربي الاستبداد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأنظمة التی على الأنظمة

إقرأ أيضاً:

الأمة وأهداف قوى الهيمنة والاستعمار

 

في وطننا العربي الكبير كان هناك نوعان من الأنظمة، (أنظمة جمهورية) تحررت شعوبها من براثن الاستعمار والقهر الاجتماعي وسيطرة الأنظمة الرجعية والإقطاع، وهناك نوع آخر من الأنظمة هي (الأنظمة الملكية) التي قامت برعايتها قوى الاستعمار، وقد مُنحت هذه الأنظمة لنفسها حق الوصايا المطلقة على شعوبها، ومنحت نفسها حق تطويع شعوبها وتحويلهم إلى أتباع لدرجة ان هناك أنظمة ملكية صادرت هوية مواطنيها وحقهم في الانتماء الوطني وأطلقت على وطن بكل ما فيه من قدرات بشرية وإمكانيات مادية ومعنوية مسمى يكرس هيمنة الأسرة الحاكمة نموذج (السعودية) التي اسمها يخلد (أسرة آل سعود) وكأن البلاد ملكية خاصة لهذه الأسرة وأن لا وجود للشعب ولا هوية له..
في ذات السياق نرى أنظمة ملكية أخرى يقف فيها الجنرالات وقادة الجيش والأمن والوزراء محني الهامات أمام أطفال ونساء الأسرة المالكة التي تفرض قدسيتها على الشعب مع أن هناك علماء وقادة عظاماً ومفكرين وفلاسفة ينتمون للشعب يجدون أنفسهم مجبرين على (الركوع والانحناء) أمام الملك وأفراد الأسرة المالكة مع ان السجود لله وحده ولم يحدث أن ركع أو انحنى مسلم أمام خير خلق الله ورسوله الخاتم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام وعلى آله..
يمكن القول أن وطننا العربي الكبير انقسم إلى قسمين قسم (جمهوري) تطلعت شعوبه للحرية والانعتاق من براثن العبودية للحاكم الفرد، وحلمت بالحرية والتقدم الاجتماعي، وأسقطت صفة (الألوهية) عن حكامها، بغض النظر عن محاولة البعض من الحكام تخليد أنفسهم من خلال  السيطرة على السلطة، ولكن هذه السيطرة رغم كل عيوبها إلا أنها منحت شعوبها قدرا من الاستقرار والتقدم والتطور، بغض النظر عما آلت إليه الأوضاع في هذه الأنظمة التي واجهت المخططات الاستعمارية واستهدفت من قبل محاور التأثير الإقليمية والدولية، التي راحت تضع هذه الأنظمة تحت مجهر الاستهداف رغبة في تطويعها وفرض الوصاية عليها ، فيما القسم الآخر يتصل بأنظمة الحكم (الملكية) التي فرضت سيطرتها وسطوتها على شعوبها وصادرت حق شعوبها في التعبير عن قناعتهم وحقهم في ممارسة الحرية في كل ما يتصل بشؤون أوطانهم وقضاياهم الاجتماعية والحياتية، ومارست وتمارس بحق شعوبها كل صنوف القهر والقمع والاستبداد وأن جعلت من أوطانها (بازارات) تعرض فيها كل منتجات العالم وأحدثها متخذة من حياة الرفاهية والانفتاح أداة لتطويع وإخضاع شعوبها في ذات الوقت الذي منحت فيه قرارها السيادي للآخر الحضاري الذي منحها حمايته وجعلها تحت وصايته من خلال قواعده العسكرية وتحالفاته المقدسة معها..
على خلفية هذا الواقع العربي كان من الطبيعي أن تصطدم الأنظمة الجمهورية بالقوى الاستعمارية وقوى الهيمنة الباحثة عن مصالحها والحريصة على تطويع هذه الأنظمة وتطويع شعوبها أو تدجين تطلعاتهم في التقدم والتطور وصناعة مستقبل أوطانها وشعوبها، في ذات الوقت الذي فرضت فيه قوى الهيمنة والاستعمار وجودها وسيطرتها على الأنظمة الملكية العربية والتحكم بقدراتها وثرواتها ومصيرها ومستقبلها وجعلها في خدمة أهدافها الاستعمارية.
بيد أن أزمة أمتنا كامنة فيما لدى هذه الأمة من قدرات وإمكانيات بدءا من موقعها الجغرافي وسيطرتها على طرق الملاحة الدولية، إلى ما لديها من ثروات طبيعية منها ما اكتشف ومنها ما لايزل كامن في جوف الأرض، وبين الأنظمة الجمهورية والملكية يقف (الكيان الصهيوني) المزروع في قلب الجغرافية العربية والذي تستدعي حمايته حضور متواصل ويقظ للقوي الاستعمارية التي أوجدت هذا الكيان ليس لأنه ملكية قديمة لما يسمى (شعب الله المختار، وليس لأن فلسطين هي (أرض الميعاد) وفق الأساطير الصهيونية التي اتخذت من البعد التاريخي والديني مجرد شعارات الهدف منها السيطرة والتحكم بقدرات وإمكانيات الأمة التي خرجت منها رسالات السماء حاملة تعاليم الله وقوانينه وتشريعاته ومنها اختار الله رسله وأنبيائه وحملها رسائل التوحيد ونشرها على العالمين.
ويمكن القول أن المكانة التي منحها الله سبحانه وتعالى للأمة العربية وكرمها بأن اختار منها خاتم الأنبياء والمرسلين وأنزل القرآن الكريم بلغتها وجعلها (أمة وسطاء لتكون شاهدة على الناس ويكون الرسول عليها شهيدا).. هذا التكريم الرباني هو دافع قوى الشر والهيمنة لاستهداف الأمة وتمزيق قدراتها المادية والمعنوية والجغرافية، فما لدى الأمة من مقومات روحية ومادية جعلها هدفا لقوى الهيمنة والاستعمار التي تفتقد القدرات والمقومات المادية والروحية والمعنوية التي تمتلكها الأمة العربية والتي تخشاها قوى الهيمنة التي ترى في نهوض الأمة وتوحيد قدراتها خطرا يهددها ويهدد نفوذها ومكانتها الوجودية وعلى مختلف الصعد.
نعلم جيدا أن أمتنا وبعد انتشار راية التوحيد لتعم كل اصقاع الأرض، برزت (الحملات الصليبية التسع) التي قادتها الامبراطوريات الاستعمارية الغربية تحت راية (السيد المسيح عليه السلام) والهدف ليس الدفاع عن (المسيح) وقيمه وتعاليمه، بل كان الهدف هو ضرب العلاقة بين العرب مسلمين -ومسيحيين، ومحاولة استعمارية هدفها المتاجرة بمسيحيي الشرق من العرب وتوظيفهم ضد إخوانهم من المسلمين العرب بما يحقق أهدافها الاستعمارية، وحين فشلت هذه المحاولة وانتصرت إرادة الأمة وترسخت وحدة أبنائها في مقاومة الأطماع الاستعمارية، وكانت الحرب العالمية الثانية فاتحة الانطلاق نحو أمة عربية حرة مستقلة بعد تضحيات جسام قدمها أبناء الأمة، كان من الطبيعي أن تعيد قوى الهيمنة ترتيب أوراقها والبدء في مرحلة استعمارية أكثر تحضرا وأشد خطورة من سابقتها ومع بداية أحداث مرحلة منتصف القرن الماضي وانقسام الأمة بين أنظمة جمهورية وأخرى ملكية، قامت الأولى بإرادة ومباركة الشعوب، وقامت الثانية برعاية استعمارية وحماية دولية، عملت  قوى الاستعمار والهيمنة على (شيطنة الأنظمة الجمهورية) والسعي لإفشال مشاريعها الوطنية والقومية وضرب كل محاولتها التقدم والارتقاء بشعوبها مستغلة الكثير من التناقضات الاجتماعية والسياسية داخل الأنظمة الجمهورية، في ذات الوقت راحت فيها قوى الهيمنة ترسخ وجود الأنظمة الملكية الدائرة في فلكها والمحمية من قبلها والتي وجدت لخدمتها وخدمة كيانها اللقيط في فلسطين..

مقالات مشابهة

  • أي تحدٍّ خلقه الطوفان لإسرائيل؟.. تقييمات جنرالات الجيش
  • مبتدأ وخبر
  • خصوصية الطوفان.. لماذا تصدعت السردية الإسرائيلية عقب 7 أكتوبر؟
  • مفتي الجمهورية: اللغةالعربية ليست وسيلة للتواصل فحسب بل جزء من هُويتنا وحضارتنا
  • خالد حنفي: القطاع البحثي من أهم المعايير المستخدمة لقياس مدى تطور الشعوب
  • إسرائيل توجه سفاراتها للعمل على تصنيف الحوثيين تنظيميا إرهابيا
  • لقاء للعلماء في الحديدة يدعو الأمة إلى مواجهة العدوان الصهيوني الأمريكي
  • المسلمي: القوة الناعمة تؤثر في الشعوب مثل الدبلوماسية الهادئة والفن والرياضة (فيديو)
  • نحو منظور جديد للديمقراطية التمثيلية
  • الأمة وأهداف قوى الهيمنة والاستعمار