حرب الطوفان حرب عربية وليست غزاوية فحسب
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
هناك تحليل سياسي عمره من عمر النكبة أي سابق على حرب الطوفان تتفق حوله النخب والشعوب والأنظمة العربية في الأعم الأغلب، وهو أن وجود الكيان الصهيوني مزروعا في جسد الأمة هو عملية تخريب مقصودة لهذا الجسد للإبقاء عليه هشا وضعيفا وتابعا وغير ذي مكانة ودور في التاريخ. وقد بُنيت على هذا الخطاب سياسات ووُضعت استراتيجيات طويلة المدى؛ زعمت كلها مقاومة الكيان ووصل طموح بعضها -في الخطاب على الأقل- إلى رمي هذا الكيان في البحر.
لماذا تصمت الشعوب العربية؟
في اللحظة التي نتابع فيها ما يشبه الثورة العالمية مع غزة ونرى تحولات عميقة في وعي الشعوب بحق الفلسطيني في الوجود والحرية وبداية وعي كوني بطبيعة الكيان الاحتلالي، فإن الملاحظة الأبرز هي سلبية الشعوب العربية في أقطارها بأهمية معركة الطوفان الجارية، فالشوارع العربية هي الأقل حركة والأقل تعاطفا بشكل يوحي بأن هناك تخليا عن القضية.
في اللحظة التي نتابع فيها ما يشبه الثورة العالمية مع غزة ونرى تحولات عميقة في وعي الشعوب بحق الفلسطيني في الوجود والحرية وبداية وعي كوني بطبيعة الكيان الاحتلالي، فإن الملاحظة الأبرز هي سلبية الشعوب العربية في أقطارها بأهمية معركة الطوفان الجارية، فالشوارع العربية هي الأقل حركة والأقل تعاطفا بشكل يوحي بأن هناك تخليا عن القضية
ونسمع لتونسيين يقولون "اللي فينا مكفينا"، ففي تونس يشقى الناس للحصول على الأساسيات الغذائية ويكافحون يوميا من أجل تدبر الخبز وزيت الطعام. فهل بقي لنا من جهد لدعم غزة؟ وهذا التبرير يبدو واقعيا جدا، ولكن سؤالا مهما لم يُطرح الآن وهنا: لماذا وصل الناس إلى هذا الدرك من الحاجة؟ أليس لوجود الكيان هناك من تأثير هنا؟ (والقياس جائز في بقية الأقطار العربية).
في تقديرنا أن ضعف كل قُطر عربي يعود في جزء مهم منه إلى وجود هذا الكيان في جسد الأمة، حتى أن المرء ليخجل من التذكير بذلك في هذه اللحظة. لقد فرضت القوى العظمى الداعمة للكيان منذ وجوده ومنها، فرنسا ذات التأثير الكبير على أقطار المغرب العربي، سياسات قهرية أدت إلى تفتت إرادات الشعوب وتحويل أنظمتها إلى أدوات قمع لشعوبها فمنعت هذه الشعوب من التحرر الفعلي وإن كانت لها دول قائمة شكلا لا مضمونا.
الاحتلال وإن كان غير مباشر أضعف الأنظمة التي تحولت إلى أجهزة قمع لشعوبها، فأضعفتها فشغلتها بقُوتها اليومي فأنستها قضيتها الأم وهي قضية التحرر السياسي، والذي منه الحق في الوقوف ضد الكيان الغاصب في فلسطين التي بقيت لهذه الأسباب تحارب وحدها.
كان يمكن الاستفادة السياسية من حرب الطوفان
وفّرت غزة للأنظمة العربية فرصة كبيرة للتحرر من نير الاحتلال، ولا تزال الفرصة قائمة أمام هذه الانظمة لابتزاز الدول الغربية وتحصيل مكاسب لشعوبها عبر إطلاق شعوبها في الشوارع للضغط على السفارات والشركات بالاحتجاج السلمي وحده، وهو كاف أسوة بالاحتجاج العالمي الذي يقوم الآن بالضغط على الأنظمة الغربية ويجبرها على تعديلات سياسية في الخطاب على الأقل في انتظار ظهور نتائج الضغط انتخابيا.
مثل هذا الضغط في الدول الغربية سيؤدي في أقل الاحتمالات إلى عرض أثمان على الأنظمة العربية نظير إسكات شعوبها بما يفتح الأبواب إلى مزيد من الابتزاز، وقد رأينا رأي العين أن دول الغرب خائفة فعلا على مصير الكيان وعلى وجوده وهي تبذل الكثير للحفاظ على الوضع القائم. وهذا هامش واسع للمناورة السياسة أتيح للأنظمة فلم تستغله.
هذا الاحتمال أُهدر بلا مقابل، فحتى إغلاق معبر رفح وحصار غزة الجائعة الجريحة كان يمكن أن يكون له ثمن كبير يقوي النظام المصري ويوفر لشعب مصر مكاسب، لكننا نرى بيعا بلا مقابل وتفريطا مجانيا بل تطوعا لخدمة الكيان.
لقد توقفت قيادة المقاومة في بياناتها الأخيرة عن استنهاض الأمة واكتفت بشكر من يشارك بالقليل المتاح مثل أهل اليمن، وهذا يكشف شعورا باليأس لدى المقاومة من أن ترى شوارع عربية تتحرك إلى جانبها. سيتحدثون من غزة في وقت لاحق عن الخذلان العربي.
المقاومة تصمد وحدها
الكيان الصهيوني مرتبك في الميدان ومرتبك في السياسة ويوشك كيانه أن يتفتت، وسيكون لضعف الكيان أثر على الأنظمة التي فقدت دورها في حمايته، وعندما يخرج في وقت لاحق من يطالب الفلسطيني بحقوق مقابل جهد لم يبذله في نصرته عند الحاجة إلى النصرة؛ فسيكون الوقت قد فات فعلا على هذه الأنظمة التي لم تستوعب لحظة المعركة القومية الجارية في مربع غزة
حتى اللحظة والحرب تتجه إلى مائة يوم؛ تصمد المقاومة وحدها بلا سند عربي وربما يكتب فلسطيني ذات يوم قريب "الحمد لله أن لم يساندنا نظام عربي فجاء الانتصار طاهرا نقيا". لقد ارتفع الثمن البشري في غزة وكان يمكن التقليل منه بالإسناد العربي، ولكن الغزاوي يحارب وحده ويصمد وحده ويدفع الثمن وحده. ولعل ذلك يمنحه قوة غير متوقعة وهو على أبواب التفاوض على ما بعد الحرب، فلن يقدم تنازلات لمن لم يساعده عندما احتاج المساعدة.
الكيان الصهيوني مرتبك في الميدان ومرتبك في السياسة ويوشك كيانه أن يتفتت، وسيكون لضعف الكيان أثر على الأنظمة التي فقدت دورها في حمايته، وعندما يخرج في وقت لاحق من يطالب الفلسطيني بحقوق مقابل جهد لم يبذله في نصرته عند الحاجة إلى النصرة؛ فسيكون الوقت قد فات فعلا على هذه الأنظمة التي لم تستوعب لحظة المعركة القومية الجارية في مربع غزة الصغير على الخريطة.
القلة المؤمنة بغزة من خارج غزة لم تنجح في فرض صوتها وإرادتها على الأنظمة الحاكمة فاكتفت بالدعاء والبكاء من ألم وعجز، ولعل مصابها يتحول مع الوقت إلى وعي أكثر حدة بوضعها كشعوب محتلة تحتاج بدورها إلى خوض معركة طوفانها الخاص لتحرر إراداتها، وهو الأمل الوحيد الذي ترسله غزة المحاصرة برا وبحرا وجوا. لهذه الفئة أن تعتمد على نفسها وتشرع في إعداد طوفانها الخاص، فإن لم تفعل فستكون غزة حرة ذات يوم قريب ولن يكون لديها الوقت لنصرة من لم ينصرها.
لقد كانت طوفان الأقصى معركة عربية تتجاوز حدود غزة وفلسطين، لكننا نحدس أن الله يرتب قدرا لا نفهمه فهذه المعركة لن تتوقف عند حدود غزة.. سنواصل الدعاء ونخفي دموع القهر والخذلان.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطيني المقاومة فلسطين غزة المقاومة العالم العربي الاستبداد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأنظمة التی على الأنظمة
إقرأ أيضاً:
الكيان الصهيوني مختبر الفاشية الغربية
رغم أنّ الفاشية أحد مكوّنات المشروع الغربي الرئيسية الأربعة: الإمبريالية، والرأسمالية، والعنصرية، والفاشية، إلا أنها المكوّن الأكثر التباساً وتنكّراً في التجربة الغربية. ويتّفق مفكّرون غربيون على أنها لا تأتي إلا متدثّرة بالعلم القومي وتحمل صليباً أو متخفّية في صورة أيديولوجية مركّبة من العنصرية والدين والاشتراكية بمُسمّى “الاشتراكية القومية”، أو “إعادة أمريكا عظيمة” واسترداد الفوقيّة العنصرية البيضاء و”تلفيق الإجماع”.
أخيراً عادت الفاشية الغربية لتقمع حرية التعبير والحرية الأكاديمية والاحتجاج السلمي على الإبادة الإسرائيلية في غزة، بدعوى “محاربة عداء السامية” و”حماية اليهود”!
عودة الفاشية مُتنكّرة
يقول الكاتب البريطاني، جوناثان كوك، مؤخّراً في مقال بعنوان “الفاشية الجديدة: إسرائيل نموذجٌ لحرب ترامب وأوروبا على الحرية”، إنه ما كان للفاشية أن تعود أبداً إلى أوروبا أو الولايات المتحدة في رداء النازية. وما كان لها أن تصل أبداً مُرتديةً أحذية عسكرية ورافعةً صليب النازية المعقوف. في الحقيقة، كان يُتوقّع تماماً أن تصل مُتنكّرة، مُرتديةً بدلات رسمية أنيقة وجذّابة، على شاشات التلفزة، مُصوِّرة خصومها، لا نفسها، كنازيّين أشرار.
هنا تكمن فائدة “إسرائيل” مرة أخرى، فهي لم تُصبح نموذجاً للفاشية فحسب، مُحافظةً على أفكار الفوقيّة والتفوّق العرقي والاستعمار والإبادة الجماعية ومُجدِّدةً لها. بل طيلة عقود، سمحت أيضاً للغرب بإضفاء شرعية أخلاقية على الفاشية الإسرائيلية. وتمّ ترويج ودعم تسلسل الهرمية العرقية الإسرائيلية، التي تُضحّي بأرواح الفلسطينيين بالكامل، كضرورة “لحماية اليهود”.
بدورها، أتاحت هذه الفرضية للإبادة الجماعية أن تصبح قضية “محترمة” أخلاقياً. وهذا تحديداً ما جعل رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، قادراً على القول إنّ لإسرائيل “حقاً” في حرمان أكثر من مليوني رجل وامرأة وطفل فلسطيني من جميع أنواع الطعام والماء والوقود. إنّ الإبادة الجماعية التي كان سيرفضها ستارمر في ظروف أخرى (بل رفضها بالفعل) باتت مقبولة طالما أنّ “إسرائيل” هي من تقوم بها.
لهذا السبب، لم يحظَ تقرير الأمم المتحدة الصادر بشهر مارس 2025 عن “أعمال الإبادة الجماعية” الإسرائيلية باهتمامٍ يُذكر في وسائل الإعلام الغربية. يُظهر التقرير كيف جعلت “إسرائيل” الاعتداء الجنسي والاغتصاب – ضد فلسطينيين تعتقلهم تعسفيّاً – ممارساتٍ روتينيةً كأوراق مساومةٍ مقابل رهائن لدى حماس في غزة.
ولهذا السبب أيضاً، لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مجرم الحرب المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية وغيرها والهارب من العدالة، موضع ترحيب العواصم الغربية، وكذلك جنرالاته الذين يرتكبون الإبادة الجماعية في غزة.
حساباتٌ مُشوّهة
إنّ تساهل الغرب المستمرّ مع تنوّع الفاشية الإسرائيلية الصهيونية قد سمح لأفكاره بالتسرّب بهدوءٍ إلى مجتمعاته، حيث لا تزال الصهيونية تُعامل باحترامٍ شبه مُبجّل.
وإذا كان تسلسل الهرمية العرقية أمراً جيداً في “إسرائيل”، فلماذا لا تكون كذلك في الولايات المتحدة وأوروبا؟ لهذا السبب، يُطلق قطاعٌ كبيرٌ من قاعدة ترامب على أنفسهم بفخرٍ لقب “الصهاينة البيض”. إنهم يرون في “دولة إسرائيل” اليهودية المحَصّنة نموذجاً للولايات المتحدة كدولة بيضاء محصّنة ضدّ مخاوفهم من “الاستبدال العظيم”.
إذا كانت “حماية اليهود” في “إسرائيل” تبرّر أيّ جريمة ترتكبها “الدولة” الصهيونية ضدّ الفلسطينيين، فلماذا لا تبرّر “حماية اليهود” أيضاً سلوك دول الغرب غير القانوني تجاه شعوبها؟!
فـ “حماية اليهود” تعني وجوب تجريم أيّ خطاب ينتقد “إسرائيل”، حتى مع ارتكابها جرائم حرب وإبادة جماعية، لأنّ هذا النقد يُسيء لمنظمات يهودية محلية تُشجّع “إسرائيل”.
يجب سحق الحرية الأكاديمية أيضاً، لحماية مشاعر الطلاب والأساتذة اليهود الذين يعتقدون أنّ المذبحة الجماعية لأطفال فلسطين ثمن مقبول لإعادة تأكيد الردع الإسرائيلي العسكري.
وبمنطق تبريري ذاتي، يُعتبر اليهود الغربيون الذين لا يسجدون لـ “إسرائيل” بحماس كافٍ من “النوع الخطأ من اليهود” أو “فلسطيني”، كإهانة جديدة وجّهها ترامب لتشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية (اليهودي) في مجلس الشيوخ الأمريكي.
في هذه الحسابات المشوّهة الأنانية لحقوق الإنسان، تُوضع حساسية اليهود الصهاينة في القمة، وحقّ الفلسطينيين في عدم التعرّض للقتل في القاع.
ولهذا تحديداً، تسعى السلطات الفيدرالية الأمريكية لإرساء سابقة باختطاف وترحيل محمود خليل، المقيم الدائم بشكل قانوني، لدوره في قيادة احتجاجات طالبيّة ضدّ الإبادة الجماعية الإسرائيلية بغزة.
ويُتهم، من دون أيّ دليل، بـ “الاصطفاف مع حماس” و”دعم الإرهاب” و”تبنّي آراء معادية للسامية” والرغبة في تدمير الغرب بواسطة التطرّف الإسلامي.
وكما جنّدت “إسرائيل” الذكاء الاصطناعي لاختيار المستهدفين بالإعدام في غزة، باستخدام أوسع فئات يُمكنها ابتكارها كمحفّزات خوارزمية، يستخدم البيت الأبيض الذكاء الاصطناعي لاختيار أوسع نطاق ممكن لمن هو [بزعمه] مُنحاز لحماس، ومن هو إرهابي ومعادٍ للسامية.
كذلك، تُلغى المنح الحكومية الفيدرالية لمؤسسات أكاديمية أمريكية بدعوى أنها لا تبذل جهوداً كافية لمعالجة “معاداة السامية”، أي لا تسحق الاحتجاجات ضدّ الإبادة الجماعية. ويتسارع انضمام الجامعات المطيعة لحملة القمع الحكومية.
تُصوّر إدارة ترامب هذه التحرّكات، ولا شكّ أنّ المزيد منها مقبل، كجزء من “الحرب على معاداة السامية” وهي امتداد لـ “الحرب على الإرهاب”.
في هذه العملية، تُهيّئ واشنطن أرضيةً لشيطنة شرائح واسعة من الطلاب الأمريكيين ومن الجالية اليهودية، خاصة الشباب اليهود الرافضين لارتكاب إبادة جماعية باسمهم. ويواجه الجميع الآن التشهير بهم بتهمة “الاصطفاف مع الإرهاب”.
وإدارة ترامب ليست الوحيدة في هذا. لقد هيّأت حكومة ستارمر ببريطانيا، كسابقتها، بعناية مناخاً سياسياً يُشوّه سمعة صحافيين وباحثين وطلاب ومنظمي احتجاجات وسياسيين وناشطين – وكثير منهم يهود – بوصفهم كارهين لليهود، وتعتبر احتجاجهم ضدّ الإبادة الجماعية عداءً للسامية.
وسّعت الحكومة البريطانية نطاق تشريعات الإرهاب القاسية، بصياغة غامضة وفضفاضة، للتحقيق والادعاء الجنائي على من تتهمهم بالتعبير عن آراء أو سرد حقائق تنتقد “إسرائيل” بشدة، وتوجيه الاتهامات إليهم – وترى الحكومة أن انتقاد “إسرائيل” قد “يشجّع على دعم” حماس.
حالياً، يتمّ نبذ حرية التعبير وحجب الحقّ في الاحتجاج والحرية الأكاديمية – كمبادئ أساسية للديمقراطية الليبرالية – على عجل، ويُفترض أنها تُشكّل تهديداً للديمقراطية!
تفاوت قيمة البشر
هناك نمطٌ لافت ومتكرّر من ممارسات الفاشية تتضح معالمه أكثر فأكثر.
لقد أعادت إدارة ترامب قانون الأعداء الأجانب، وهو تشريع غامض من القرن الثامن عشر صُمّم لمنح السلطة التنفيذية صلاحيات استثنائية لإخفاء (اعتقال) الأجانب أثناء الحرب من دون إجراءات قانونية واجبة. لم يُستخدَم هذا القانون إلا في ثلاث فترات تاريخية – آخرها لاعتقال عشرات الآلاف من ذوي الأصول اليابانية من دون محاكمة خلال الحرب العالمية الثانية.
جرّب ترامب هذا القانون للمرة الأولى على مجموعة يفترض أنّ أحداً لن يدافع عنها: أشخاص يصفهم مسؤولوه بالمجرمين الفنزويليين. لكنّ المؤكد أنّ الإدارة حريصة على توسيع نطاق تطبيقه.
كما استعانت إدارة ترامب الأولى بقانون غامض آخر، هو قانون التجسّس لعام 1917، لاستخدامه ضدّ جوليان أسانغ، وهو غير مواطن، معتبرةً عمله الصحافي الذي يكشف جرائم الحرب الأمريكية والبريطانية في العراق وأفغانستان “تجسّساً”. أُقرّ القانون على عجل خلال الحرب العالمية الأولى.
كان هدف واشنطن من استهداف أسانغ هو إرساء سابقة قانونية تُمكّنها من القبض على أيّ شخص، في أيّ مكان بالعالم، واحتجازه لأجل غير مسمّى كجاسوس.
والمؤكّد أنّ مسؤولين في إدارة ترامب يُنقّبون في كتب القوانين القديمة بحثاً عن قوانين أُهملت زمناً طويلاً، ويمكن إعادة توظيفها لقمع المعارضة وسجن من يقف في طريق إدارة ترامب.
لكن أسوأ السوابق قائمة بالفعل، وتُقدّمها “إسرائيل”.
إذا كانت “إسرائيل” تستطيع إبادة الشعب الفلسطيني الذي تضطهده منذ عقود لمنع ما تدّعي، بشكلٍ غير معقول، أنه تهديد وجودي مستقبلي من جماعة مسلحة صغيرة، في حين تتلقّى دعماً غربياً قوياً، فلماذا لا تستطيع الولايات المتحدة وأوروبا أن تحذو حذوها؟
بإمكانهما اللجوء إلى مزاعم مماثلة حول تهديد وجودي لتطبيع معسكرات الاعتقال، أو الترحيل، أو حتى برامج الإبادة الجماعية.
كان اليهود الألمان يعتبرون أنفسهم مواطنين ألماناً حتى قرّرت حكومة أدولف هتلر أنهم عنصر دخيل تُطبّق عليه قواعد مختلفة. لم يحدث ذلك بين عشية وضحاها. بل كان انزلاقاً تدريجياً تراكمياً في القواعد القانونية، أدى إلى تأكّل قدرة الجماعات المستهدفة على مقاومة اعتبارها كبش فداء، وتأكّل قدرة أنصارها على الاحتجاج، بينما انصاعت الأغلبية انصياعاً أعمى.
يؤكد جوناثان كوك أنه في الواقع، لم تختفِ الفاشية قط. لقد أوكل الغرب أمرها إلى دولة تابعة مهمتها، نيابةً عن الغرب، الترويج للأفكار القبيحة نفسها حول هرميّة وتفاوت قيمة البشر وحقوقهم في الشرق الأوسط. نحن نتعاطف مع “إسرائيل” إذ يُقال لنا إنها تُمثّلنا، وتُمثّل قيمنا وحضارتنا.
والحقيقة أنها كذلك، ولهذا السبب تقع مسؤولية 18 شهراً من الإبادة الجماعية في غزة علينا. هذه إبادتنا الجماعية. وقبل أن تكتمل، ستعود لتوجعنا!