مدار أوّل:
"البلد الحنين .. سمِّيتو يُمٌة و يابا... بين العالمين ..عِزة وجمال ومهابة... الحُزن القديم .. تمطر تزيلو سحابة... لا أطفال حزانى..لا نازحين وغلابة..." ((محمد طه القدال))

-1-
أكتُب مساء اليوم 26 ديسمبر 2023، ومُدن العالم الآمنة والمطمئنة، تواصل اِحتفالاتها البهيجة بعيد ميلاد السيد المسيح، "رسول السلام"، بصورٍ شتّي، بينما يعيش السودان وأهله وساكنيه، فى حالة حُزنٍ تام، وضنك حربيٍّ سام، وكرب يُثقل الأنفس المحبة للسلام، ومآسي كُبري، تسبّبت فيها وعمّقتها وأطالت أمدها الحرب "المليجيشية" الكارثية، بين الدعم السريع والجيش، وتابعهما "الأطراف المتحاربة الأُخري"، كما يُطلق عليها مجازاً، حيث تتواصل – وبصورة متزايدة – أفظع انتهاكات حقوق الإنسان فى السودان، بهذه الحرب اللعينة والخاسرة، وقد "وصلت سيوفها زباها"، لتدمّر - يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر – المزيد من البني التحتية، والمنشئات الإستراتيجية، فى طول البلاد، وعرضها، من عاصمة البلاد الخرطوم، إلى دارفور، ثُم كردفان!.


-2-
هاهي الحرب "المليجيشية" (("العبثية"))، كما يُطلِق عليها، ويصفها، مفجروها بـ"عظمة ألسنتهم"، تتمددّ، وتدخل منعطفاً خطيراً، لتدشن مرحلة جديدة من الاحتراب والإقتتال طويل المدي، بدخول قوات الدعم السريع مدينة ودمدني، عاصمة ولاية الجزيرة، وقد تمددت المعارك القتالية بين الجيش والدعم السريع، لتصل إلى تخوم مداخل مدينة سنار، التي تبعد 60 كيلومتراً من عاصمة الولاية سنجة، التي تبعد – هي الأُخري - من عاصمة البلاد الخرطوم بحوالي 360 كيلومتر، وكل هذا وذلك، يؤكّد أنّ الحديث عن انحسار موجات الإقتتال، لم يُعد سوي، مجرّد كلام "ساكت"، ليس له ما يدعمه ويعضده فى الواقع، وميادين ومسارح القتال، رُغم الجهود المبذولة من منظومة الإيقاد، وغيرها، لتحقيق اختراق، بلقاء قادة الطرفين (البرهان وحميدتي) المُرتقب فى عنتيبي، بيوغندا، أو ربّما غيرها، للوصول لوقف أصوات البنادق والراجمات، وانحسار حركة الطلعات الجوية، والقصف العشوائي للأهداف والأعيان المدنية، قبل نهاية هذا العام!.
-3-
بعد إعلان قوات الدعم السريع، اِحكام سيطرتها الكاملة على مدينة ود مدني، وعلى أمانة الولاية، كما على مقر الحامية العسكرية، أعلن الجيش - فى المقابل – انسحاب قواته من (رئاسة الفرقة الأولى) من مواقعها فى المدينة، يوم الإثنين 18 ديسمبر 2023، وقال الجيش، فيما قال: أنّه بصدد إجراء تحقيق فى أسباب وملابسات هذا "الانسحاب"، ثمّ مضى قائد الجيش الفريق البرهان، ليقول – لاحقاً- "ستتم محاسبة كل متخاذل تورط فى أحداث ودمدني، ولا مجاملة فى ذلك" !.
-4-
بورود عبارات من شاكلة "متخاذل" و"تورُّط" و"مُجاملة"!. فى مثل هذا السياق الحساس، فإنّ هذا يُعتبر مؤشّراً بارزاً وقوياً، لـ(شيئٍ ما) يجري فى الكتمان فى أروقة الجيش السوداني، على طريقة عبارة "وحدث ما حدث"، التي أطلقها الفريق الكباشي، فى تبرير جريمة (فض الإعتصام) من أمام بوابات القيادة العامة للجيش السوداني، تلك الجريمة النكراء، التي مازالت أسرارها طي كتمان مدبريها ومنفذيها، وقد زاد طينها بِلّة، صمت لجنة التحقيق فى تلك الاحداث التي شكلها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، برئاسة المحامي نبيل أديب، ولمن لا يعلم، فإنّ مثل هذه الجرائم الخطيرة، لا – ولن – تسقط بالتقادم، مهما كانت الاسباب والمبررات !.
-5-
كثير من المراقبين العسكريين يعتقدون أنّ انسحاب قوات الجيش من "حامية" مدينة مدني، فيه مؤشّر قوي لوجود بحيرات مياهٍ آسنة، ظلّت راكضة تحت جسر العلاقة بين القيادة العليا للجيش، والقيادات الوسيطة، و"الرُتب" الأدني من الضباط، والقاعدة التحتية المكونة من صف الضباط، والجنود البسطاء، إذ لم يعد خافياً على الجميع – والحديث للمراقبين العسكريين – "شبهة" تحالف القيادة العليا فى الجيش، مع كتائب النظام المُباد (البراء) على حساب (وحدة الجيش)، وبخاصةّ، أن ظاهرة "الانسحاب" من "الحاميات" والمواقع العسكرية، والمُدن المهمة، لم يكن الأوّل من نوعه، فى مدني، إذ سبقته "انسحابات" مشابهة ومماثلة، من مواقع عسكرية أُخري، من قبل، ويخشي كثير من الناس أن يسود هذه السيناريو فى مُدن وولايات أُخري، وهذا مربط الفرس !.
-6-
انتقال المعارك الحربية بين طرفي الحرب "المليجيشية" الكارثية، إلى ولاية الجزيرة، وحاضرتها ودمدني، جعل من احتمالات اتساع رقعة الحرب، ودخول البلاد مرحلة الحرب الشاملة، مؤشّراً لحقيقة مخيفة، بإنضمام ولاية الجزيرة، إلى تسع ولايات سبقتها، ظلّت تشهد قتالاً مستمراً وشرساً بين الطرفين الرئيسيين فى الحرب، والأطراف المتحاربة الأخري، وهي – لمن لا يعلم - كتائب النظام المُباد، بمختلف مسمياتها وواجهاتها، والمليشيات الأُخري، المتحالفة مع واحدٍ من طرفي الحرب، والمدعومة بالمال والرجال والعتاد الحربي منهما، بل، نجدها تحارب إلى جانبه "كفاحاً"، أو تخوض معاركها بالوكالة عنه، وعن جهاتٍ خارجية، أصبحت معروفة للجميع، هي المستفيد الأوّل والأخير من الدمار الذي يحدث – وبفظاعة غير مسبوقة - فى السودان، مُضافاً إلى ذلك حملات (استنفار) المدنيين، ليصبحوا وقوداً للحرب الكارثية !.
-7-
فى الوقت الذي تتواصل فيه الحرب الكارثية على الأرض، تتواصل على الميديا والمنصات الإعلامية والميديا الإجتماعية بين الطرفين، حرب ضروس أُخري، لا تقل ضراوة عن الحرب الأصل، حربٌ، ترتفع فيها وتائر الدعاية الحربية "البروباقاندا"، التي يصرف فيها الطرفان أمولاً ضخمة، لتنشر الأخبار الزائفة والمضللة، والكاذبة، ويتم عبرها التحشيد، والتحشيد المُضاد بين طرفي الحرب، حيث يثمارس خطاب كراهية ضد الآخر والمختلف، ويتصاعد لمراحل غير مسبوقة، وهذا يجعل السودان فى حالة اِظلام إعلامي ومعلوماتي شامل، ويجعل من الشباب المتحمّس وقوداً لهذه الحرب الخاسرة، وترتفع رايات التخوين، والتحقير والتحريض على كل الأصوات المعارضة للحرب، والمنادية بالسلام!.
-8-
وقبل أن نودع هذا المقال منصات النشر، ليقرأه الناس، هاهي الأخبار تتري بتجدد المعارك فى الخرطوم، ومناطق ومُدن أخري منها أم روابة والرهد، والأبيض التي شهدت فى الأيام القليلة الماضية، حالات عُنف ورُعب جديد، بسبب تعرّض أجزاء من المدينة لهجوم نفذه الدعم السريع، لعدة أيّام، وبلا أدني شك، فإنّ مثل هذا المنحى الخطير، يجعل من هذه الحرب كارثة أعظم وأكبر مما توقّع الناس، ولهذا، يتوجب بحث كل السبل الكفيلة بإيقافها، ومُسائلة ومحاسبة مدبريها، وعدم السماح لهم بأن يكونوا طرفاً فى أيّ ترتيبات "إنتقالية"، بعد الحرب، وبكلمة أُخري، عدم مكافأتهم، بعودتهم للحكم مرّة أُخري، على أشلاء ودماء أهل السودان، عبر تسويات – من الواضح - أنّها تُحاك فى الظلام، بعيداً عن أحلام وآمال شعبنا فى تحقيق السلام والإستقرار المستدامين، ورغبته فى استكمال مسار ثورة ديسمبر المجيدة !. ولن يتحقق ذلك، إلّا بتكوين أوسع جبهة شعبية، لمناهضة الحرب، وعزل مفجريها عن الحياة السياسية السودانية، ومحاسبتهم على الجرائم التي إرتكبوها بحق الوطن والشعب، وما هذا ببعيد، إذا توحدت إرادة قوى الثورة الحقيقية، وواصلت مهام وواجبات استكمال ثورة ديسمبر المجيدة، ة، وحتماً، فإنّ طريق السلام شاق وطويل، ولكن، يبقي أنّ كل من سار على درب السلام المستدام، سيصل، ولو بعد حين !. والمطلوب اليوم – قبل الغد – تكريس كل الجهود لوقف الحرب، بمواصلة الضغط الشعبي، والإقليمي والدولي، على قيادة طرفي الحرب، للجلوس المباشر، لإتخاذ تدابير عاجلة لوقف الحرب، وتوفير الحماية للمدنيين، وتحقيق فرض السلام... وهذا ما ينتظره الشعب السوداني، من الإيقاد، وأصدقاء الإيقاد، فهل يتحقق ذلك، الحلم المشروع، اليوم، قبل الغد ؟!.
جرس أخير:
"لا تقف فى بداية الطريق إن وجدت صخرة ... فهذه جزء من جسرٍ ستبنيه يوماً لمستقبلك"... /// "يقيس الجنود المسافة بين الوجود وبين العدم بمنظار دبابة ... نقيس المسافة ما بين أجسادنا والقذائف بالحاسةِ السادسة ..." ((محمود درويش))

فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: طرفی الحرب

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يحدد 4 شروط للتفاوض مع الدعم السريع

وضع الجيش السوداني الأربعاء شروطا لأي تفاوض مع قوات الدعم السريع يفضي إلى نهاية الحرب، وقال إن استعادة السيطرة على مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار جنوب شرقي البلاد مسألة أيام فقط.

وقال ياسر عطا مساعد القائد العام للجيش إن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي يسعى إلى تغيير التركيبة الديمغرافية في السودان.

ونفى وجود أي خطط للقاء بين قائد الجيش رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وحميدتي، وذلك ردا على تقارير تحدثت عن عقد لقاء بينهما قريبا في أوغندا.

وأشار إلى أن أي تفاوض مع قوات الدعم السريع يفضي إلى نهاية الحرب يجب أن تسبقه الاستجابة لعدد من الشروط.

وردا على سؤال للجزيرة نت، أوضح العطا أن شروط الجيش للتفاوض مع الدعم السريع هي:

-استسلام قوات الدعم السريع، "وقد تم تحديد 5 معسكرات لنقل قواتهم إليها مع تعهد بعدم التعرض لهم أو استهدافهم ما داموا في تلك المواقع".

-الانسحاب من كافة المناطق السكنية وإخلاء المباني التي سيطروا عليها خلال الأشهر الماضية.

-تسليم الأسلحة والمعدات القتالية، وإعادة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم، وتسليم المتابعين قضائيا بتهم تتعلق بالانتهاكات التي حدثت خلال الفترة الماضية "والتي شملت أعمال النهب وجرائم الاغتصاب والتعدي على حقوق المواطنين".

وقال إنه لن يكون هناك وجود سياسي أو عسكري لقوات الدعم مستقبلا في القوات المسلحة.

وتعهد مساعد قائد الجيش بجبر الضرر وتقديم التعويضات المناسبة "لكل من استهدفتهم جرائم قوات الدعم خلال الفترة الماضية"، وقال إن الجيش سيعين حكومة مستقلة تشرف على تسيير الأمور اليومية، على أن يواصل تولي السلطة إلى غاية تنظيم انتخابات.

وتحدث عطا لوفد من الإعلاميين في منطقة واد سيدنا العسكرية بأم درمان عن تفاصيل الحرب التي تشهدها السودان منذ نحو 15 شهرا.

الخطة والتمويل

وأكد أن قوات الدعم السريع كانت تخطط من خلال حربها وسعيها للاستيلاء على السلطة لتهميش أكثر من 500 قبيلة في السودان وحصر السلطة في فئة قليلة من المجتمع السوداني.

وأشار إلى أن خطط الدعم تلاقت مع خطط دول أخرى باستهداف لم شمل عرب الشتات في السودان على حساب قبائل السودان الأصلية ذات الأصول الأفريقية.

واتهم عطا الإمارات بالوقوف خلف قوات الدعم السريع بتوفير مختلف أشكال المساندة عبر تدفق الأموال والأسلحة والمرتزقة الذين يتم تجنيدهم من مناطق مختلفة، على حد قوله.

ونقل عطا اعترافا لأحد رؤساء الدول المجاورة للسودان أكد فيه أنه سمح بمرور أسلحة لصالح قوات الدعم مقابل وعود بمليارات الدولارات ولم يتلق منها سوى 750 مليونا، مع وعد بمنح باقي المبلغ على أقساط.

وبخصوص آخر تطورات الحرب التي اقتربت من شهرها الـ15، قال إن قوات الدعم السريع احتلت جبل موية ومدينة سنجة.

وأكد أن العمل جار لتجهيز قوات دعم من جبهات مختلفة ستصل إلى المنطقة تباعا من أجل مواجهة مسلحي قوات الدعم.

مقالات مشابهة

  • بالبرهان السودان في كف عفريت
  • البرهان: الحرب لن تنتهي إلا بتطهير السودان من مليشيا “الدعم السريع”
  • السودان: اجتماع بالقاهرة لبحث سبل مكافحة الهجرة غير الشرعية
  • أبي أحمد: لم نستغل حرب السودان
  • محاولة للفرار من المعارك تنتهي بمصرع “عائلات كاملة” غرقا
  • قوات الدعم السريع تعلن سيطرتها على “الميرم”
  • الأمم المتحدة: الحرب تشرد 136 ألفاً من جنوب شرق السودان
  • الكلام ده اكبر من البرهان واكبر من حميدتي … لكن الله اكبر
  • الجيش السوداني يحدد 4 شروط للتفاوض مع الدعم السريع
  • “إلا بعزة”.. البرهان يحدد شروط التفاوض مع الدعم السريع