خطوة دبلوماسية جبّارة، والتفافة ذكية مباغتة قامت بها الصين مؤخرا بإصدار قانون خاص بالعلاقات الخارجية الصينية، يدعم الأساس القانوني لما تقوم به الحكومة الصينية دفاعا عن مصالحها الوطنية في وجه ما قد تتعرض له من انتهاكات وتجاوزات من الدول الغربية خاصة وعلى رأسها الولايات المتحدة.

فقد أعدّت اللجنة الدائمة للمجلس الوطني الشعبي الصيني "قانون العلاقات الخارجية"، الذي يعتبر الأول من نوعه منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية أواخر عام 1949، ووافق عليه المجلس الوطني الشعبي الصيني يوم الأربعاء 28 يونيو/حزيران الماضي، ليصبح نافذا اعتبارا من مطلع الشهر الجاري.

فما الذي يحتوي عليه هذا القانون وما دوافع الصين لإصداره في هذا الوقت، ثم ما دلالات ذلك؟

في حالة انتهاك أي منظمة أو أفراد لهذا القانون، وغيره من القوانين ذات الصلة، وانخراطهم في سلوك يضر بالمصلحة الوطنية الصينية؛ فستتم ملاحقتهم وتحميلهم المسؤولية

محتويات القانون

يشتمل القانون على 45 مادة، موزعة على 6 فصول على النحو التالي:

أولا: الأحكام العامة

جاء الفصل الأول من القانون تحت عنوان "أحكام عامة"، مشتملاً على 8 مواد، نعرض فيما يلي أبرز ما ورد فيها من أحكام:

الغرض من هذا القانون تنمية العلاقات الخارجية، وحفظ السيادة الوطنية والأمن والمصالح التنموية، وإقامة قوة اشتراكية حديثة، وتحقيق التجديد العظيم للشعب الصيني، وتعزيز السلام والتنمية في العالم، وبناء مستقبل مشترك للبشرية. تشمل تنمية العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول الأخرى جميع المجالات، بما في ذلك تطوير العلاقات مع المنظمات الدولية كالأمم المتحدة. تلتزم الصين بتوجيهات الماركسية اللينينية، وفكر ماو تسي تونغ، وفكر الرئيس الصيني "شي جين بينغ" حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، تحت القيادة المركزية الموحدة للحزب الشيوعي الصيني. جميع أجهزة الدولة، والقوات المسلحة، والمنظمات الشعبية، والشركات، والمؤسسات العامة، والمنظمات الاجتماعية الأخرى، وكذلك المواطنون؛ يتحملون المسؤولية في الحفاظ على السيادة الوطنية والأمن والكرامة والشرف والمصالح في التبادل والتعاون الدبلوماسي. تلتزم الصين بسياسة خارجية سلمية مستقلة، وتتمسك بالمبادئ الخمسة للاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وهي: عدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة، والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي. تؤكد التزامها بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والحفاظ على السلام والأمن العالميين، وتعزيز التنمية العالمية المشتركة، وتعزيز بناء شكل جديد من العلاقات الدولية؛ وتدعو إلى الحل السلمي للنزاعات الدولية، وتعارض استخدام القوة العسكرية أو التهديد بها في العلاقات الدولية، وتعارض الهيمنة وسياسة القوة. في حالة انتهاك أي منظمة أو أفراد لهذا القانون، وغيره من القوانين ذات الصلة، وانخراطهم في سلوك يضر بالمصلحة الوطنية الصينية؛ فستتم ملاحقتهم وتحميلهم المسؤولية. ثانيا: هيئة العلاقات الخارجية

أما الفصل الثاني فقد جاء تحت عنوان "هيئة العلاقات الخارجية"، مشتملا على 8 مواد كذلك، يتلخص أبرز ما جاء فيها فيما يأتي:

أن الهيئة القيادية المركزية للعمل في الشؤون الخارجية هي المسؤولة عن اتخاذ القرارات الرئيسية وتنسيق المداولات بشأن أعمال الشؤون الخارجية، وهي المسؤولة عن التصميم والتخطيط والتنسيق على أعلى مستوى. أن المجلس الشعبي الوطني ولجنته الدائمة لهما سلطة المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات المهمة المبرمة مع الدول الأجنبية وإلغائها، ولهما السلطة على العلاقات الخارجية. أن رئيس جمهورية الصين الشعبية يمثل الدولة في تسيير شؤونها، ويمارس سلطة العلاقات الخارجية. أن مجلس الدولة يتولى إدارة الشؤون الخارجية وإبرام المعاهدات والاتفاقيات مع الدول الأجنبية وممارسة سلطة العلاقات الخارجية. أن اللجنة العسكرية المركزية تتولى تنظيم وتنفيذ التبادل والتعاون العسكري الدولي، وتمارس سلطة الشؤون الخارجية. أن وزارة الشؤون الخارجية تتولى التعامل مع الشؤون الدبلوماسية وفقًا للقانون، وتجري التبادلات الدبلوماسية بين قادة الحزب والدولة من جهة، والقادة الأجانب من جهة أخرى.

للصين الحق في استخدام تدابير مضادة أو تدابير تقييدية مقابلة، ضد الأعمال التي تنتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي والعلاقات الدولية وتضر بسيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية

ثالثا: الأهداف والمهام

جاء الفصل الثالث تحت عنوان "أهداف ومهام تنمية العلاقات الخارجية"، واشتمل على 12 مادة، أكدت على ما يأتي:

أن الصين تشجع تنفيذ مبادرات التنمية العالمية، ومبادرات الأمن العالمي، ومبادرات الحضارة العالمية، وتعزز التنسيق والتفاعل الإيجابي بين الدول الكبرى، وتعمل على تطوير العلاقات مع الدول المجاورة وفقًا لمفاهيم الصدق والتسامح وسياسة حسن الجوار، وتعمل على تحقيق النظرة الصحيحة للعدالة، وتنمية التضامن والتعاون مع الدول النامية، والمحافظة على التعددية، والمشاركة في إصلاح وإنشاء أنظمة الحوكمة العالمية. تحافظ الصين على النظام الدولي القائم على القانون الدولي، والمعايير الأساسية للعلاقات الدولية القائمة على أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مع الالتزام بمفهوم الحوكمة العالمية والمشاركة في صياغة القواعد الدولية، وتعزيز ديمقراطية العلاقات الدولية والعولمة الاقتصادية الموجهة نحو الانفتاح والتسامح والشمولية والتوازن والمكاسب المشتركة، وتعزيز التعاون الدولي في مجال الأمن، وتحسين آليات المشاركة في حوكمة الأمن العالمي. تلتزم الصين بالوفاء بمسؤولياتها كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتحافظ على السلم والأمن الدوليين، وعلى سلطة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وموقعه، كما تدعم الصين وتشارك في عمليات حفظ السلام التي يقررها مجلس الأمن، وتحافظ على الضوابط الدولية الخاصة بالتسلح وأنظمة نزع السلاح وعدم الانتشار، وتعارض سباقات التسلح وجميع الأنشطة المتعلقة بانتشار أسلحة الدمار الشامل، وتفي بالتزاماتها الدولية ذات الصلة. تلتزم الصين بمفهوم التنمية العالمية الذي يتسم بالعدالة والشمول والتعاون بشكل مفتوح ومنسق بالكامل ومبتكر؛ لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المنسقة والمستدامة والتنمية الشاملة للبشرية. تحترم الصين حقوق الإنسان وتحميها، وتلتزم بمبدأ عالمية حقوق الإنسان مع مراعاة ظروف الأمم، وتعزز التنمية الكاملة والمنسقة لحقوق الإنسان، على أساس المساواة والاحترام المتبادل. تدعو الصين جميع دول العالم إلى تجاوز الاختلافات القومية والعرقية والثقافية من أجل المضي قدمًا في القيم الإنسانية المشتركة المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، وتلتزم بوجهة نظر الحضارة القائمة على المساواة والتعلم المتبادل واحترام تنوع الحضارات. تشارك الصين بنشاط في البيئة العالمية وإدارة المناخ، وتقوية التعاون الدولي الأخضر والمنخفض الكربون، والسعي المشترك لحضارة إيكولوجية عالمية. تواصل الصين دفع عجلة الانفتاح رفيع المستوى، وتطوير التجارة الخارجية، وتعزيز الاستثمار الأجنبي وحمايته بشكل فعال، والحفاظ على النظام التجاري متعدد الأطراف، ومعارضة الأحادية والحمائية (الوقائية)، وتعزيز إنشاء اقتصاد عالمي مفتوح. تقدم الصين مساعدات خارجية للدول النامية، لتعزيز قدرتها على التنمية المستدامة المستقلة، مع الالتزام باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية أو فرض أي متطلبات سياسية. رابعا: أنظمة العلاقات الخارجية

وقد حمل الفصل الرابع عنوان "أنظمة العلاقات الخارجية"، واحتوى على 11 مادة، ركّزت على ما يأتي:

تقوم الصين بتخطيط وتعزيز سيادة القانون المحلية، وسيادة القانون ذات الصلة بالأجانب وأنظمته وتشريعاته. تقوم الدولة بإبرام المعاهدات والاتفاقيات والالتزام بها بحسن نية، بما لا يتعارض مع الدستور، وبما لا يضر بالسيادة الوطنية أو الأمن أو المصلحة العامة للمجتمع. للصين الحق في استخدام تدابير مضادة أو تدابير تقييدية مقابلة ضد الأعمال التي تنتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي والعلاقات الدولية وتضر بسيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية. على أساس مبدأ الصين الواحدة، تقيم الصين وتطور علاقاتها مع دول العالم وفقًا للمبادئ الخمسة للتعايش السلمي. تتخذ الصين إجراءات لتنفيذ قرارات العقوبات الملزمة والتدابير ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وتقوم وزارة الخارجية بإصدار إعلانات وإخطارات بتنفيذ هذه القرارات والإجراءات والعقوبات، ويتعين على إدارات الدولة ذات الصلة والحكومات الشعبية للمقاطعات ومناطق الحكم الذاتي والبلديات الخاضعة للحكم المباشر تنفيذها ضمن نطاق سلطتها الخاصة. بناءً على القوانين والمعاهدات والاتفاقيات ذات الصلة التي تم إبرامها أو الانضمام إليها، تمنح جمهورية الصين الشعبية الامتيازات والحصانات المقابلة للهيئات الدبلوماسية الأجنبية وممتلكاتها ومسؤولي الدول الأجنبية والمنظمات الدولية والمسؤولين الآخرين.

كما تحمي الصين وفقًا للقانون؛ الحقوق والمصالح المشروعة للأجانب والمنظمات الأجنبية داخل أراضيها. ويحق للدولة السماح للأجانب بالدخول أو البقاء في أراضيها أو رفضهم. ويجب على الأجانب والمنظمات الأجنبية الموجودة في الأراضي الصينية الامتثال للقانون الصيني، وألا يعرضوا الأمن القومي الصيني للخطر أو يضروا بالمصلحة العامة المجتمعية، أو يقوضوا النظام العام المجتمعي.

وفقًا للقانون؛ تتخذ الصين الإجراءات اللازمة لحماية الأمن والحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين الصينيين والمنظمات الصينية في الخارج، وضمان عدم تعرض مصالح الأمة الخارجية للتهديد أو التعدي.

خامسا: الضمانات والتنفيذ

اشتمل الفصل الخامس الذي حمل عنوان "ضمانات تنمية العلاقات الخارجية"؛ 5 مواد، ركّزت على ما يأتي:

تستكمل الدولة نظام الضمانات الشاملة لأعمال الشؤون الخارجية وتعزيز القدرة على تنمية العلاقات الخارجية والحفاظ على المصالح الوطنية. توفّر الدولة الأموال اللازمة لجهود الشؤون الخارجية، وتعمل على تنمية المواهب العاملة في الشؤون الخارجية، واستخدام أشكال متنوعة لتعزيز فهم الجمهور لأعمال الشؤون الخارجية. تعمل الدولة على تعزيز بناء القدرة الدولية في العلاقات الخارجية، وتعزيز معرفة العالم للصين بشكل أفضل، وتعزيز التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات البشرية.

أما الفصل السادس والأخير من هذا القانون فقد جاء تحت عنوان "أحكام تكميلية"، واشتمل على مادة واحدة نصّت على أن هذا القانون يدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من 1 يوليو/تموز 2023.

(يتبع.. الدوافع والدلالات)

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: العلاقات الدولیة الشؤون الخارجیة الأمم المتحدة هذا القانون مجلس الأمن تحت عنوان مع الدول على ما

إقرأ أيضاً:

خبير في العلاقات الدولية: استمرار المجازر الإسرائيلية بغزة رغم الضغط الدولي

قال الدكتور أحمد سيد أحمد، خبير في العلاقات الدولية، إنّ كل ما تفعله إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى الآن هي جرائم إبادة جماعية، إذ تستهدف قتل أكبر عدد من الفلسطينيين، موضحا أن إسرائيل اتخذت ذريعة 7 أكتوبر لتغيير وتقليل أعداد السكان الفلسطينيين، سواء بالتهجير القسري أو القتل الجماعي.

إسرائيل تواصل المجازر رغم الضغط الدولي

وأضاف خلال مداخلة هاتفية ببرنامج «هذا الصباح»، المذاع على فضائية «إكسترا نيوز»، أنّ إسرائيل ترتكب كل الجرائم في حق الشعب الفلسطيني، كما تخالف بذلك القانون الدولي، مشيرا إلى أنّها تواصل مجازرها رغم المناشدات الدولية والضغط الدولي، ما يعني أن هناك خلل في النظام الدولي ومجلس الأمن.

أمريكا تشجع حكومة نتنياهو على المجازر

وتابع: «أمريكا والدول الغربية توفر الحماية لإسرائيل، ما شجع حكومة نتنياهو على المضي قدما وراء ارتكاب المجازر، إذ أنه لا يمر يوم إلا ونسمع عن مجزرة جماعية من نساء وأطفال وهدم منازل من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي عدم ردع إسرائيل يشجعها على ارتكاب المزيد من الجرائم».

مقالات مشابهة

  • كيف يضمن قانون العمل الجديد حق العامل؟.. اعرف حقوقك
  • “وزير الاقتصاد” يناقش مع سفير الصين لدى المملكة العلاقات الاقتصادية والاستثمارية
  • محمد بن زايد يبحث مع وزير الخارجية التركي تعزيز العلاقات والتطورات الإقليمية
  • محمد بن زايد يبحث مع وزير الخارجية التركي العلاقات والتطورات الإقليمية
  • وزير خارجية اليابان يزور الصين ويبحث التحديات بين البلدين
  • أستاذ في العلاقات الدولية: إسرائيل هدمت أكثر من 5 آلاف منزل في جباليا
  • متحدث فتح: نتنياهو يستغل ضعف المنظومة الدولية والهيمنة الأمريكية للعدوان على غزة
  • لماذا يرفض أطباء مصر قانون المسئولية الطبية؟.. المادة (29) تجيب
  • "نملة الصحراء" تدعم رقاقة خارقة لاكتشاف السرطان وتعزيز الأمن
  • خبير في العلاقات الدولية: استمرار المجازر الإسرائيلية بغزة رغم الضغط الدولي