الجزيرة:
2025-03-17@16:52:18 GMT

الحصار الكبير

تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT

الحصار الكبير

غزة هي المدينة الوحيدة المحاصَرة والمعزولة في العالم، لكنني سأتحدّث إليكم اليوم عن حصارٍ مختلف؛ حصارٍ خطير، ومخيف بالقدر نفسه لحصار غزّة، وهو "الحصار الرقْمي".

5.4 مليارات شخص في العالم يستخدمون الإنترنت

عندما بدأتُ العملَ في الصحافة عام 1995، لم يكن هناك إنترنت ولا هواتف محمولة، وكانت مهنتنا أصعب لكنها أجمل في الحقيقة، حينها كان الناس يستخدمون التلفزيون والصحف والراديو للحصول على المعلومات، حتى تمّ اكتشاف الإنترنت، وسيطر على العالم بسرعة لا تصدق.

والآن؛ أصبح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ أهمّ طرق الحصول على المعلومات. وهنا يكمن خطر.

في المقابل؛ إذا كانت إحدى الدول قد احتكرت تدفّق المعلومات في العالم، ومشاركة الأخبار والرسائل والصور ومقاطع الفيديو، فلدينا مشكلة يجب أن نفكّر فيها بجدية، لقد أصبح هذا أيضًا مشكلة أمنية وطنية لكل دولة. عندما أعطيك الأرقام، ستفهم الوضع بشكل أفضل.

الهيمنة الأميركية في العالم الرقْمي

يبلغ عدد سكان العالم 8.1 مليارات نسمة؛ يستخدم 68 بالمئة منهم؛ أي 5.4 مليارات شخص، الإنترنت. كذلك يستخدم 4.7 مليارات شخص في العالم، وسائل التواصل الاجتماعي؛ أي أن 60 بالمئة من سكان العالم يدخلون وسائل التواصل الاجتماعي يوميًا.

من هذه الناحية، فإن انتشار استخدام الإنترنت أمر جيد. ولكن أين يكمن الخطر؟

دعونا لنلقي نظرة على أفضل 10 منصات تواصل اجتماعي تستخدم في العالم:

فيسبوك – 2.9 مليار شخص. يوتيوب – 2.5 مليار. واتساب – 2 مليار. إنستغرام – 2 مليار. وي تشات – 1.3 مليار. تيك توك – 1.05 مليار. فيسبوك ماسنجر – 931 مليونًا. تليغرام – 700 مليون. سناب شات – 635 مليونًا. تويتر – 556 مليونًا.

نلاحظ من بين أفضل 10 منصات تواصل اجتماعي تستخدم في العالم؛ 7 منها تعود ملكيتها إلى الولايات المتحدة، واثنتان إلى الصين، وواحدة "تليغرام" مرخصة في المملكة المتحدة، والولايات المتحدة.

ولكن ما هو محرك البحث الذي يستخدمه 5.4 مليارات شخص في العالم الذين يرغبون في الوصول إلى المعلومات، من شراء الأدوية إلى العثور على الاتجاهات؟

نعم؛ إنه غوغل، فـ93 بالمئة من الناس يستخدمون "غوغل" (الولايات المتحدة)، و1.7 بالمئة يستخدمون "بينغ" (الولايات المتحدة)، و1.1 بالمئة يستخدمون "ياهو" (الولايات المتحدة)، و0.1 بالمئة يستخدمون "يانديكس" (روسيا).

وهذا يعني أن بيانات البحث والبيانات الشخصية لاثنين من كل ثلاثة أشخاص يعيشون في العالم مسجلة حاليًا بواسطة شركات أميركية. وتشمل هذه المعلومات جميع أنواع بياناتك الشخصية.

 بيع جميع البيانات الإنسانية

قبل سنوات؛ كنت أسير مع زوجتي وابنتي في منطقة أوسكودار في إسطنبول، فقالت زوجتي: إننا بحاجة لشراء آلة التوست (محمصة الخبز)، بينما كنا نفكّر في أي منها، تلقيت رسالة على هاتفي المحمول تقول: "هناك خصم 30 بالمئة على آلة التوست"، فقلتُ: "يا له من خصم رائع!"، وذهبنا إلى ذلك المتجر واشتريت الآلة. لكن عندما وصلت إلى المنزل؛ أدركت ما حدث، فلقد كانت المعلومات التي تفيد بأن "غوغل" تستمع إلى أصواتنا، وترسل إعلانات بناءً على ذلك، صحيحة.

وقد اعترفت شركة "غوغل" لاحقًا بأنها كانت تستمع إلى أصوات المستخدمين دون علمهم، وأنها استخدمتها فقط في قسم التسويق الخاص بها، ولكنها لم "تسجلها".

فهل يمكنك أن تتخيل أن هاتفك المحمول هو في الواقع جهاز استماع لشركة تابعة لبلد آخر؟ إذن ما الضرر في كل هذا؟

التعتيم الرقْمي في حرب غزة

نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرًا في الأسابيع الأخيرة اتهمت فيه شركة "ميتا"، المالكة لـ"فيسبوك" و "إنستغرام"، بـ "إغلاق حسابات فلسطينية بشكل غير عادل".

في الوقت نفسه؛ تم إغلاق أكبر حساب إخباري فلسطيني على "فيسبوك"، وهو "شبكة القدس الإخبارية"، التي تضم 10 ملايين متابع، مما أثار ردود فعل غاضبة. ومع ذلك، تبين لاحقًا أن هذا ليس الحادث الوحيد، بل تم إغلاق آلاف الحسابات الأخرى، وذلك بسبب اتفاقية بين وزارة العدل الإسرائيلية و"فيسبوك" في عام 2016، مما أدّى إلى إغلاق 85 بالمئة من الحسابات التي اشتكت منها إسرائيل.

وبالمثل؛ قامت "إنستغرام"، و"يوتيوب" أيضًا بإزالة أو تقليل ظهور المنشورات المؤيدة للفلسطينيين.

أمّا إيلون ماسك، مالك منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، فقد قاوم لفترة من الوقت، لكنه اضطر في النهاية إلى السفر إلى إسرائيل و "للتكفير عن ذنبه"؛ بسبب حملة مقاطعة الإعلانات التي أُطلقت ضده.

اتفاق مرعب بين "غوغل" وإسرائيل

وفي عام 2021؛ وقعت الحكومة الإسرائيلية وشركة "غوغل" اتفاقية أُطلق عليها اسم: "مشروع نيمبوس" بقيمة 1.2 مليار دولار. وبموجب هذه الاتفاقية؛ سيتم إنشاء نظام سحابي ضخم في إسرائيل لجمع البيانات، وسيتم معالجتها باستخدام الذكاء الاصطناعي.

ولكن بعد ذلك؛ كشف موظفو "غوغل" أن هذا المشروع يمكن استخدامه لأغراض استخباراتية عسكرية، وأنه يمكن استخدامه لتتبع الفلسطينيين وتحديدهم وجمع بياناتهم.

وعليه؛ نظمت مجموعة من الأشخاص مظاهرة أمام مقر "غوغل" في "سان فرانسيسكو"؛ للاحتجاج على الاتفاقية. ومع ذلك، لا يزال مشروع "نيمبوس" قيد التشغيل حتى الآن.

 حصار خطير

كل هذا يشير إلى أن أثمن شيء في العالم لم يعد النفط، بل البيانات الخاصة بالبشر. الآن؛ إذا كنتُ تمتلك البيانات وليس المعلومات، فأنت تمتلك القوة، وقوة كبيرة جدًا؛ لدرجة أنها يمكن أن تؤثر على الانتخابات في بلد ما.

في الواقع؛ في انتخابات الولايات المتحدة لعام 2014، حُوكمت "فيسبوك" بتهمة بيع بيانات شخصية لشركة "كامبريدج أناليتيكا"، مما أثر على نتائج الانتخابات لصالح حزب معين.

واليوم؛ يتم إدخال مواقع جميع الصحفيين العاملين في غزة، ومعلوماتهم الشخصية، إلى أرشيف هذه الشركات. إذًا؛ من يمكنه أن يضمن أن هذه الشركات التي أعلنت دعمها إسرائيلَ لن تقدم بياناتها إلى إسرائيل؟

مع مشروع "نيمبوس" يمكن لإسرائيل الوصول بسهولة إلى هذه البيانات، وفكّر في الباقي.

تُجبر جميع المؤسسات الإعلامية في العالم على استخدام "إكس" (تويتر سابقًا) و"إنستغرام" و"فيسبوك" لنشر أخبارها، فإذا كنت تريد أن يتم مشاهدة مقطع فيديو في العالم، فأنت ملزم بـ"يوتيوب"، كذلك يتابع الناس الأخبار على "إكس" وتتشكل الأجندة العالمية بفضله.

أيضًا؛ إذا كنت تريد إرسال رسائل أو الدردشة عبر الإنترنت، فإن "واتساب" هو مركز رئيسي في جميع أنحاء العالم تقريبًا. ومن خلاله يرسل 2 مليار شخص 70 مليار رسالة يوميًا. بالإضافة لذلك؛ يقوم هؤلاء الـ" 2 مليار" شخص في العالم بتحميل أكثر صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم حميمية على "إنستغرام"، وقد قام "إنستغرام" بتخزين أكثر من 50 مليار صورة، وفيديو حتى الآن. كل هذه البيانات المجنونة تخلق الكَنز الأكثر قيمة في العالم.

وبهذه الطريقة؛ تمتلك الشركات الأميركية أهم المعلومات الأكثر أهمية وحساسية حول جميع الناس في جميع البلدان، ويمكنها استخدامها كما يحلو لها وبيعها، وتقديمها إلى أي مؤسسة حكومية تريدها.

يجب كسر هذا الحصار

في هذا النظام البيئي الذي يؤثر على البشرية جمعاء، لا توجد منصة واحدة تابعة لدول مسلمة. الآن؛ تمت إضافة برامج الذكاء الاصطناعي التي ستشكل مستقبل البشرية إلى هذا النظام، وهنا أيضًا العالم الإسلامي غائب.

57 دولة إسلامية، و2 مليار مسلم؛ هم في الواقع عبيد رقميون لهذه الشركات التي تمتلك معظمها الولايات المتحدة.

تخيل أن الإبادة الجماعية في غزة يمكن الإعلان عنها من خلال الشركات التي تملكها أميركا، التي تقدم أكبر دعم لإسرائيل. هذه هي الحقيقة المؤلمة.

وكما نجحت قناة الجزيرة في كسر احتكار القنوات التلفزيونية الأميركية أثناء حرب الخليج، فإننا نحتاج إلى خطوة جديدة الآن. نحن بحاجة إلى إنشاء وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بنا لكسر هذا الحصار الرقمي. وصدقوني، هذه قضية لا تقل أهمية عن تحرير غزة من الحصار.

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی الولایات المتحدة شخص فی العالم ملیارات شخص بالمئة من

إقرأ أيضاً:

صفقة ترامب للمعادن.. هل يتجه للتكنولجيا الخضراء التي يسخر منها؟

منذ توليه منصبه، انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، التي تُعتبر أهم اتفاقية عالمية للمناخ. ليس هذا فحسب بل هناك تقارير تفيد بأنه منع العلماء الأمريكيين من المشاركة في أبحاث المناخ الدولية، وألغى الأهداف الوطنية للسيارات الكهربائية.

وكان دائما يسخر من محاولات سلفه تطوير تكنولوجيا خضراء جديدة، واصفاً إياها بـ "الخدعة الخضراء الجديدة".

ومع ذلك ربما يهدي ترامب أكبر هدية لمؤيدي التكنلوجيا الخضراء، بحسب تقرير لـ"بي بي سي".



يأتي ذلك في ظل الاهتمام الكبير لترامب بمسألة المعادن النادرة. حيث تُعد هذه المعادن أساسية في صناعات تشمل الفضاء والدفاع، لكن من المثير للاهتمام أن لها استخداماً رئيسياً آخر أيضاَ، وهو تصنيع التكنولوجيا الخضراء، التي يستهزئ بها ترامب.

تناول تقرير نشرته لجنة حكومية أمريكية في كانون الأول/ ديسمبر 2023 ضعف موقف الولايات المتحدة في المعادن الأرضية النادرة والمعادن الحيوية (مثل الكوبالت والنيكل).

وجاء في التقرير: "يجب على الولايات المتحدة إعادة النظر في نهجها السياسي تجاه سلاسل توريد المعادن الحيوية وعناصر الأرض النادرة نظراً للمخاطر التي يشكلها اعتمادنا الحالي على جمهورية الصين الشعبية".

وحذر التقرير من أن عدم القيام بذلك قد يؤدي إلى "توقف الإنتاج الدفاعي تماماً وخنق تصنيع التقنيات المتقدمة الأخرى".

وتنبع هيمنة الصين على السوق من إدراكها المبكر للفرص الاقتصادية التي توفرها التكنولوجيا الخضراء. التي "تستحوذ على 60 في المئة من إنتاج المعادن الأرضية النادرة العالمي، لكنها تُعالج ما يقرب من 90 في المئة منها، وهي المهيمنة في هذا المجال"، بحسب غريسلين باسكاران، مديرة برنامج أمن المعادن الأساسية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.

وووفق كريستوفر نيتل، أستاذ الاقتصاد التطبيقي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا فـ"إنها مصادفة سعيدة أن هذا قد يُسهم في نهاية المطاف في دعم التكنولوجيا الخضراء".

ويبدو أن جهود ترامب الأخيرة للحصول على هذه المعادن الأساسية تُشير إلى أن التركيز على العمليات الأولية قد يكون قائماً الآن.

ويفيد عاملون في القطاع إن الهمسات في أروقة البيت الأبيض تُشير إلى أنه قد يكون ترامب على وشك إصدار "أمر تنفيذي للمعادن الحيوية"، والذي قد يُوجِّه المزيد من الاستثمارات لتحقيق هذا الهدف.



ولا تزال التفاصيل الدقيقة التي قد يتضمنها الأمر التنفيذي غير واضحة، لكن خبراء مُلِمّين بالقضية قالوا، بحسب "بي بي سي" إنه قد يشمل تدابير لتسريع التعدين في الولايات المتحدة، بما في ذلك تسريع إصدار التصاريح والاستثمار لبناء مصانع المعالجة.

تختم "بي بي سي" تقريرها بالقول إنه "بالنسبة للمهتمين بقضايا المناخ، فإن ترامب ليس بالتأكيد مناصراً للبيئة. ومن الواضح أنه لا يهتم بجعل إرثه بيئياً، بل اقتصادياً، مع أنه قادر على تحقيق الأمر الأول إذا اقتنع بأنه سيعزز الاقتصاد".

مقالات مشابهة

  • بينها مصر والسعودية. هذه أكثر الدول استيرادا للأسلحة في العالم (إنفوغراف)
  • منظمة التعاون الاقتصادي تقلّص آفاق النمو لعام 2025
  • مقامرة ترامب التي ستضع الدولار في خطر
  • 27.4 مليار درهم صادرات الدولة إلى أميركا
  • البيت الأبيض: أخطرنا إيران بإنهاء دعمها للحوثيين بعد الضربات التي تلقتها
  • غزة بلا خبز ولا مياه مع تجدد الحصار الإسرائيلي
  • تركيا الأولى عالميا ضمن الدول التي يصعب فيها امتلاك منزل!
  • الشعب الجمهوري: افتتاح المتحف المصري الكبير حدث عالمي واستعدادات مصر استثنائية
  • زمن التفكك الكبير
  • صفقة ترامب للمعادن.. هل يتجه للتكنولجيا الخضراء التي يسخر منها؟