“إنتَ زَلَمة”
كيف يمكن لهذا المسكِ أن يُعطِّرَ المكان؟! حتى أنه لا توجد بقعةٌ من الأرض إلا وخالَطها.
أرجلٌ كثيرةٌ، أصواتٌ متداخلة ومختلفة، أنوارٌ محترقة، صوتُ #الصافرة يَطغى على كل ذلك، لا أستطيعُ أن آخذ نفسًا من شدة تركيز ذلك المسك، أسعى لأن آخذَ العالم معي لينتبهوا إلى جمال رائحته، إنهم لا يلاحظونها مثلي لربما ليس لديهم أيّة معلومات عنه.
ومن بين #زحمة #الأصوات صوتًا ينادي: “يا الله” كنتُ أحملُ صاحبَ الصوت على ظهري، لا أدري إلى أين أحملُه، ليس لدي أيّة فكرة كيف أنجو به.
المكان المُفترَض أن أنقلَهُ إليه ليس آمنًا، وبينما ألتقطُ أنفاسي متلهثًا من حُرقتي عليه أسمع صوتًا قويًّا قادمًا نَحوِي بعد أن صدرَ صوتٌ أشبهُ بضرب فرامل السيارة، وأنا حينها ما زلت واقفًا أمام المشفى في حالةِ إدراكٍ لذلك الصوت. يتعالى التكبير بلحظتها، لم أعدْ أسمعُ شيئًا، حتى أصبحتُ ملقًى على الأرض أسمع كلامًا من بعيد وكأنه من خلف فولاذ: “ما لنا غيرك يا الله”.
أحاولُ أن استيقظَ لأرى ماذا يحدث، لكنَّني لم أستطع، كنتُ أشعر بصعوبة التنفس، أريد أن أتنفس.
صوت آخر يقول: “لا نستطيع أن نوقف النزيف، نحتاج إلى دم”. فجأةً، شعرتُ وكأن رأسي في بلورة زُجاج باردة جدًا، كان نفَسي قليلًا جدا حتى وجدتُ نفسي على سرير أبيض يسير في ممرٍ طويل مُضيء. أطباء على يمين السرير وشماله، لا أعرف جنسَ هؤلاءِ ذكورًا أم أناثًا! حتى وصلتُ لآخر الممر وإذا أنا أمام فوَّهَة كبيرة وصلت بي إلى السماء الباردة، شعرتُ بالسعادة والفرح وتأملتُ النجوم؛ فكانت وكأنها طاقاتٌ مريحةٌ جدًا، كنتُ أشعرُ أنني ضخمٌ جدًا حتى شدني شيءٌ ما أخذني إلى غرفة في مشفى، رأيتُ الناسَ يستلقون على الأرض بين جريح وقتيل، بين مُقطَّعٍ وفاقدٍ لعضو، والخوفُ والذُّعر يسيطرُ على المكان الأطباء منهكون، الأمهات تركض في الممرات تسأل بين الغرف عن ذويها، الأسماء مكتوبة على كل يد، نظرتُ في زاوية الغرفة وجدتُ عمي “صالح” يقفُ بجانب جسدي ويقول: “شد حيلك يا أبو ناجي إنتَ زَلَمة”.
“كرهان يدخلك ناجي الفردوس بإيده”؟.
“نياله كان عم يحاول ينقذ الشب”.
كان عمي يردِّدُ هذه الكلمات، ووالدي بالجانب الآخر يبكي بحُرقة.
تذكرتُ أنني كنت أحمل شابًا على ظهري، أُغرِقَ بالمسك حتى لم نتعرَّفْ على ملامحه. “لا يكون أنا متت”، صوتٌ أجاءَني إلى الحقيقة، كنتُ سعيدًا جدًّا، ليتني أستطيعُ أن أُخبرَ أبي بمدى راحتي التي أشعرُ بها، ليتني أستطيع أن أُوصلَ لهم شعورَ الحريةِ الذي يحتويني، لم أستطع أن أخبرَهم أنني حيٌّ، أسمعُ ما يقولونه بكل تفاصيله، خرجتُ من الغرفة إلى ساحة المشفى، رأيتُ نساءً تبكي، وأطفالًا خائفين، ورجالًا يسجدون شكرًا لله على فقد أبناءئِهم.
الأقمشة البيضاء كثيرة، مرصوصةٌ فوق بعضها، كُتِبَ عليها مجهول، وأرقام وتواريخ ووداعات أخيرة، غطَّت وجوهًا مبتسمةً وأصابعَ مرفوعةً نحو السماء.
حين رأيتُ تلك الوجوه عرفتُ أنهم قد ذاقوا شعوري، وفجأةً، قوةٌ تشدُّني إلى الأعلى، كنتُ خفيفًا جدًا، ابتعدتُ عن المشفى، ثم عن المدينة، ثم عن الكرة الأرضية. شعورُ الأمان يحاصرني، إنني أعرفُ الطريق، سعيدٌ لأنني ذاهبٌ إلى شيء جميل أُحبُّهُ وأنتمي إليه، وكأنهُ بيتي، كنتُ حيًّا، وكانوا جميعَهم أمواتًا.
فأنا الشهيدُ لكلِّ أرضٍ خُلِقَتْ للسلام، ولم تعرفِ السلامَ يومًا.
مقالات ذات صلة وجهة نظر .. قصة قصيرة جدا 2023/12/25
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الصافرة زحمة الأصوات
إقرأ أيضاً:
“إن الإنسان خلق هلوعا”
“إن الإنسان خلق هلوعا” .
–
من خلال هذه الآية فقط ..
يمكننا فهم الواقع الذي نعيشه ..
معرفة حقيقة الحرب التي علينا ..
وضع أسس البناء و آليات المواجهة .
أربع كلمات بسيطة .. توضح كل شيء ،
وتلخص عصارة التجارب البشرية منذ بدء الخليقة حتى الفناء والزوال !!
“إن الإنسان خلق هلوعا”
ما الذي يعنيه الهلع ؟!
هو كما اجاب الله سبحانه وتعالى عنه فيما تلى من الايات :
(( إذا مسه الشر جزوعا .. “خائف متوجس” / وإذا مسه الخير منوعا .. “طموع بخيل” )) .
الخوف والطمع!!
هذه هي التركيبة الأولى .. والاصل الأقدم ..
والنقطة الأعمق في تكوين النفس البشرية!!
إن كان للعناصر “النفسية” جدول دوري فلن يتكون إلا من هاذين العنصرين!
“الخوف والطمع” .. وما سواهما مركبات ونتائج لهما وعنهما.
كل المشاعر والصفات والطباع مكتسبة .. مستحدثة .. مؤقتة .. تأتي وتذهب !
إلا الخوف والطمع إرث وميراث نولد به ويلازمنا طيلة حياتنا!
نحن طوال الوقت “خائفون – طامعون” طوال الوقت حرفياً حتى ونحن نائمون!
تكاد لا تمر على الإنسان لحظة واحدة من حياته إلا وهو “خائف من .. وطامع في” لهذا السبب
نحب أحياناً .. نكره أحياناً أخرى ،
نقدم تارة .. نجبن تارة .. نعطي .. نمنع ..
نعصي .. نخضع .. نزهوا .. نلهوا .. نقطع .. نسمع!
نحن ما نحن عليه نتاج “الخوف والطمع”!!
لقد بني نظام البشر على هاذين العنصرين!
وعليه هداية الله قائمة “بالخشية والترغيب” .
وغواية الشيطان عائمة “بالتخويف والتمني” .
من لا يخشى الله سيخاف الشيطان ، ليس لأنه ند .. كلا بل لأننا اغبياء جهلة!
ومن لا يرغب في الثواب سيسعى للسراب!
من لا تخيفه الحقيقة سترعبه الأكاذيب ، ومن لا يستهويه المحتوم ستتخطفه الأوهام .
هذه قاعدة لا يمكن الخروج عنها …!
ومنها انبثق كل شيء !
بدءاً بطمع آدم عليه السلام في الخلود والمنزلة الملكوتية وصولاً لخوف ذريته من الولايات المتحدة وترسانتها العسكرية !
السؤال الذي يجب أن يطرح هنا:
لِم استخدم الشيطان عنصر الطمع لإغواء آدم وفضل الاعتماد على الخوف لإغوائنا ؟!
– لأن آدم عليه السلام كان يعرف حقيقة ضعف الشيطان وعجزه … بينما نحن نظنه لا يقهر!
والقطيع الخائف أكثر انصياعاً واقتياداً وتوفيراً للمال ياصديقي .
عليك تعلم هذا :
يستمال الرعاة باهوائهم وتقاد الخراف بمخاوفهم!!
أنت راع ضال او خروف خائف .. مالم تخش الله وترغب فيما لديه .
في النهاية كلنا “خائفون طامعون ” ونتيجة ما نحن عليه قائمة على “ممن و فيمَ” نوظف ذلك .
مالك المداني
"إن الإنسان خلق هلوعا"