السودان المنسيّ.. أين العرب؟
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
السودان المنسيّ… أين العرب؟
ما يحدث في السودان ينذر بتقسيم المقسم، وتحويله لبؤرة صراع دولي، فهناك أطماع أمريكية روسية صينية أوروبية في ثرواته التي لا ينتفع بها أبناؤه.
ضرورة الاهتمام الشعبي والنخبوي بمأساة السودان، وإبراز تفاصيل محنته، والدعم الإغاثي للمنكوبين في السودان، فهذا أقل ما ينبغي أن يكون على المستوى الشعبي
سكوت النظام المصري عما يحدث في السودان كارثة بحق أمن مصر، فالسودان عمقها الاستراتيجي، وأي قلاقل واضطرابات وتدخلات أجنبية، تعني تهديد الأمن المصري.
أشد ما يثير الاستياء تخلي مصر عن دورها في السودان، دعك من كون مصر والسودان أبناء وادي النيل ولهما تاريخ وإرث حضاري مشترك، لكن ماذا عن الأمن القومي المصري؟
لماذا أصاب الخرس الحكومات العربية حيال السودان، لماذا لا تتدخل الأنظمة العربية لوقف الصراع؟ لماذا لا يتم ردع الأطراف الإقليمية التي تؤجج الصراع طمعا في ذهب السودان؟
* * *
تأتي المكَارِهُ حينَ تأتي جُملةً … وترى السرورَ يجيءُ في الفلتاتِ
ربما كان هذا البيت للشاعر ابن يسير الرياشي معبرا بشكل واضح عن أحوال الأمة، التي لا نكاد نلتفت إلى جرح فيها، حتى نفجع فيها بآخر، وكثيرا ما تنسينا الأزمات بعضها بعضا، كما هو الحال في السودان المنكوب، الذي لم تسلط الأضواء على مأساته العظمى، في وقت برزت أحداث غزة لتطغى على كل حدث.
قرابة ثمانية ملايين نازح سوداني، ومقتل 12 ألف شخص، وتدمير للمنظومة الصحية، وتفاقم الأحوال المعيشية المتردية، هي حصيلة القتال الدائر بين الجيش السوداني وميليشيا قوات الدعم السريع، على مدى ثمانية أشهر، في ظل تعتيم إعلامي شديد على كوارث داخلية تحدث، أبرزها حالات الاغتصاب التي تنفذها قوات الدعم السريع بحق السودانيات، فضلا عن تخريب المنشآت ونهب البنوك والأسواق واحتلال المنازل.
السودان، ذلك البلد المنكوب الذي انقسم إلى شمال وجنوب في 2011، وعانى ويلات الحروب الداخلية والأحوال المعيشية البائسة، يواجه الشمال منه شبح الخراب والدمار، وأصبح مسرحا لصراع النفوذ بين دول كبرى طامعة في الذهب السوداني، وأجندات خارجية لتقسيم المقسم.
بعد أن أطاح العسكر بحكم البشير، تم تشكيل مجلس عسكري انتقالي بقيادة البرهان، وقام بقمع المحتجين المطالبين بحكم مدني، وفي ديسمبر من العام الماضي تم التوقيع على الاتفاق الإطاري الذي من المفترض أن يتم تسليم السلطة بموجبه إلى المدنيين.
لكن نشبت الخلافات بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد ميلشيات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بـ(حميدتي)، حول الجدول الزمني للانتقال إلى حكم مدني بموجب الاتفاق الإطاري ودمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، ومن يقود المؤسسة العسكرية التي تتمخض عن دمج الجبهتين، فتم تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائي، واشتعل الصراع المسلح بينهما.
يخوض الجنرالان على السلطة صراعا يبدو أنه صراع وجودي صفري، يعمل كلا الطرفين على إفناء الآخر، والشعب هو من يدفع الثمن. لم يكن حميدتي قائد قوات الدعم، من المؤسسة العسكرية، بل كان تاجرا للإبل جنى ثروات هائلة في التسعينيات من هذه التجارة، استطاع من خلالها تكوين ميليشيا خاصة به، استعان البشير بها في قمع التمرد في دارفور، وأضفى عليها الشرعية بتسميتها «قوات الدعم السريع»، وفق مرسوم رئاسي أصدره في 2013.
برز حميدتي على المسرح السياسي بعد الإطاحة بالبشير، وعين نائبا للبرهان في المجلس العسكري، ثم عضوا في مجلس السيادة الانتقالي، الذي يترأسه البرهان، بينما كانت تتنامى الأخبار عن وجود خلاف بين الجنرالين.
منذ اندلاع الصراع، تمارس قوات الدعم المدعومة من دول عربية، أقسى أنواع الإجرام بحق الشعب السوداني من نهب وقتل واغتصاب للنساء، وتقمع كل من يحاول نشر هذه الجرائم، التي خرج منها للعلن لا يعد شيئا مما يحدث في الواقع، كما يؤكد ناشطون سودانيون.
لقد كان لمواقع التواصل الاجتماعي دور عظيم الأثر، في إبراز محنة السودان وتداول الحديث عنها، في ظل التعتيم الإعلامي الذي تفرضه ميليشيا حميدتي، والضعف الإعلامي الشديد للجيش السوداني، وفي ظل هيمنة المشهد في غزة على ما سواه، وبرزت هاشتاجات عدة لنقل معاناة السودانيين، مثل هاشتاج «أنقذوا السودان»، ولاقت تفاعلا كبيرا، وأحدثت صدى قويا في الأوساط الثقافية والسياسية.
لن نتساءل هنا عن دور الأمم المتحدة، التي تثبت يوما بعد يوم أنها غير معنية بالشأن العربي الإسلامي، إلا بما يخدم مصالح الدول الكبرى، ولن نتساءل عن دور أمريكا شرطي العالم، التي افتضحت عنصريتها وتحيزها التام للكيان الإسرائيلي، وسقطت كل شعارات الحرية والعدل التي ترفعها.
لكننا نتساءل هنا عن الصمت العربي، لماذا أصاب الخرس الحكومات العربية حيال الشأن السوداني، لماذا لا تتدخل الأنظمة العربية لوقف هذا الصراع، لماذا لا يتم ردع الأطراف الإقليمية التي تؤجج الصراع طمعا في الذهب السوداني؟
لماذا لم تغادر الجامعة العربية المربع ذاته، الذي تقف عليه في كل مشهد مقتصرة على إصدار بيان مخيب للآمال، أو عقد قمة صورية لا تقدم ولا تؤخر شيئا، لماذا لا تغادره إلى قرارات جادة لإنهاء الحرب بصورة أو بأخرى؟
في الحالة الفلسطينية تعلل الأنظمة العربية صمتها وعجزها بتعسف دولة الاحتلال المدعومة من أمريكا، وترى أن التدخل يعني إعلانا للحرب على الكيان الإسرائيلي، فماذا عن التدخل لإنهاء الصراع في السودان؟
ما الذي ينقص هذه الأنظمة من أدوات لإنهائه وإنقاذ الشعب السوداني؟ ما الذي يمنعها من إغاثة الشعب الذي لا يجد قوته ولا يجد مأواه؟ ما الذي يمنعها من الضغط على طرفي القتال والتدخل العسكري إذا لزم الأمر؟
ما يحدث في السودان ينذر بتقسيم المقسم، وتحويل السودان لبؤرة صراع دولي، فهناك أطماع أمريكية روسية صينية أوروبية في ثروات السودان التي لا ينتفع بها أبناؤه، هل من المعقول أن يتم تجاهل تبعات ما يحدث في السودان وأثره في الدول العربية على هذا النحو؟!
الولايات المتحدة، تعمل على مواجهة النفوذ الروسي الصيني والروسي في السودان، والسيطرة على ثرواته، كما أن لحكومة الاحتلال الإسرائيلي أطماعها في دول أبناء النيل، والهيمنة على افريقيا، بعد أن زاد نفوذها في الدول الافريقية على حساب تراجع الدور العربي.
دول أوروبا التي كانت تحتل العديد من الدول الافريقية وتنهب ثرواتها، يعنيها الدخول عبر بوابة السودان لاستعادة إرثها الاستعماري في افريقيا بشكل أو بآخر. روسيا بدورها لها حضور قوي في افريقيا في الميادين السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، ولها وجودها العسكري من خلال شركة فاغنر، ولا يخفى أن الذهب السوداني هو أكثر ما تطمح إليه روسيا.
الصين كذلك دخلت اقتصاديا في القارة السمراء بقوة، وتبحث عن تنامي نفوذها والقيام بلعب دور أكثر حيوية بإنشاء قواعد وموانئ لها في تلك المنطقة، ومع ذلك تعيش الحكومات العربية حالة من الصمت المقيت حيال ما يحدث من كوارث في السودان.
وأشد ما يثير الاستياء، هو تخلي مصر بالذات عن دورها تجاه السودان، دعك من كون مصر والسودان أبناء وادي النيل ولهما تاريخ وإرث حضاري مشترك ونحو ذلك من القيم المعنوية، لكن ماذا عن الأمن القومي المصري؟
إن سكوت النظام المصري عما يحدث في السودان كارثة بحق أمن مصر، فالسودان يمثل عمقها الاستراتيجي، وأي قلاقل واضطرابات وتدخلات أجنبية، تعني تهديد الأمن المصري، والحديث منذ عقود لم يتوقف عن أطماع صهيونية للسيطرة على شمال السودان لتهديد السد العالي في مصر، لخنق القرار السياسي فيها.
مصر تمر بأزمات إقليمية تهدد أمنها، منها الصراع في ليبيا، وأحداث غزة، بما لها من حدود مع كلتيهما، إضافة إلى سد النهضة الذي ينذر بتدمير الزراعة وتعطيش المصريين، فهل بات تخلي النظام عن السودان تتمة لهذه السلسلة من تجاهلات قضايا الأمن القومي المصري؟!
يبدو أن الحكومات العربية لم تعد تعبأ بحكمة الثور الأبيض، وهي ترى الخروج المتتابع للبلدان العربية من السياق التاريخي والجغرافي، لكنه على كل حال يجدر القول بضرورة الاهتمام الشعبي والنخبوي بمأساة السودان، وإبراز تفاصيلها، والترويج لمحنتها، والدعم الإغاثي للمنكوبين في السودان، فهذا أقل ما ينبغي أن يكون على المستوى الشعبي، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
*إحسان الفقيه كاتبة أردنية
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السودان الذهب مصر حميدتي الأطراف الإقليمية الجيش السوداني الدعم السريع ما یحدث فی السودان قوات الدعم السریع الحکومات العربیة لماذا لا عن دور
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية يستقبل نظيره السوداني الجديد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
استقبل د. بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة، مساء أمس الأربعاء، د. علي يوسف أحمد الشريف وزير خارجية السودان الجديد، فى أول لقاء رسمى له بعد تعيينه وزيرا للخارجية.
يأتى اللقاء تأكيداً على خصوصية العلاقات المصرية - السودانية والروابط التاريخية التى تجمع الشعبين المصرى والسودانى الشقيقين.
وصرح السفير تميم خلاف، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، بأن الوزير عبد العاطى قدم التهنئة لنظيره السودانى على تعيينه فى منصبه الجديد وعلى الثقة التي حاز عليها من مجلس السيادة السودانى، مؤكدا موقف مصر الراسخ من دعم السودان الشقيق فى هذا الظرف الدقيق.
وشدد عبد العاطي على دعم مؤسساته الوطنية واحترام السيادة السودانية ووحدة وسلامة أراضيه ورفض أى تدخل فى شئونه الداخلية، مؤكدا أن مصر ستظل تقف بجوار السودان وشعبه الشقيق خلال الظرف الحرج والمنعطف التاريخى الخطير الذى يمر به.
كما أكد الوزير عبد العاطى على حرص مصر على تقديم كافة أوجه الدعم للسودان سواء على المستوى السياسى أو الإنساني، حيث استضافت القاهرة مؤتمرا للقوى المدنية والسياسية السودانية في يونيو ٢٠٢٤ فى إطار الجهود المصرية لتحقيق السلام والأمن بالسودان، وأبرز الزيارة الناجحة لمجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي إلى بورسودان في أوائل أكتوبر ٢٠٢٤ في إطار رئاسة مصر للمجلس.
أما بالنسبة للشق الإنسانى، فقد شدد الوزير عبد العاطى على حرص مصر على توفير كافة أوجه الرعاية للإخوة السودانيين الذين توافدوا على مصر بأعداد كبيرة منذ اندلاع الأزمة فى السودان فى ظل تدهور الأوضاع الإنسانية هناك.
وأضاف المتحدث الرسمى أن اللقاء بين وزيرى الخارجية المصرى والسودانى عكس تطابقا كاملا فى المواقف بشان قضية الأمن المائى، حيث أكد الوزيران أن تحقيق الأمن المائى يمثل مسألة وجودية للبلدين لا يمكن التهاون فيها.