مصالح الأردن بعيدا عن النوايا الإسرائيلية والأمريكية
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
مصالح الأردن بعيدا عن النوايا الإسرائيلية والأمريكية
التوقيع على اتفاقيات تطبيع وسلام «مجحفة وظالمة»، لم يلتزم بها الطرف الآخر إطلاقا، لم يؤد إطلاقا لدفن «الوطن البديل».
من يخطط لجعل الإقامة في «مخيم ما» جحيما ثم يقصف ويضرب مقرات «وكالة الغوث» رسالته واضحة وهي «التهجير والتحريك الديمغرافي».
ينبغي اتخاذ كل التدابير اللازمة ليس لمنع «التهجير» فقط بل منع طرحه مستقبلا وبأي صيغة على أي طاولة إسرائيلية، طبعا، إن بقيت إسرائيل الحالية.
مطلوب الحيلولة دون تمكين «يمين إسرائيل» من «تهديد مصالح وثوابت» الأردن بأي شكل، ومنعه من إمكانية تنفيذ «مشاريع تؤذي المجتمع الأردني أو تعمل على «تفخيخه».
«وجود مؤسسة فلسطينية قوية وصلبة وجذرية وعميقة وقادرة» بدأ – خلافا لبعض أفكار الماضي البيروقراطي – يمثّل إحدى «أعمق المصالح الإستراتيجية» للدولة الأردنية.
ينبغي وضع عدة خطوط تحت «فهم الأردن» لمسألة «مؤسسة فلسطينية قوية وصلبة» هي الأساس لـ«دولة مستقلة» بتلك المواصفات التي يرددها منذ عقود الخطاب الأردني.
إيمان الأردن بالسلام والمحبة والاعتدال وتقديمه الأدلة على ذلك من ثلاثة عقود لم يوفر حماية لـ«الوصاية على القدس» ولم يمنع قوات الاحتلال من «تجريف وحفر» شوارع مخيمات الضفة المحتلة.
* * *
لا خلاف إطلاقا على أن أي «اتجاه سياسي» أردني مستحدث يناقش أو تَقرر أو تَمأسس على القناعة بـ»تقصير شديد» إزاء الأهل في فلسطين من حيث التواصل «الاجتماعي والمؤسسي الأفقي» حصريا يتوجب بكل حال أن يأخذ في الاعتبار مصلحتين أردنيتين وطنيتين لا خلاف عليهما.
أولا– اتخاذ كل التدابير والاحتياطات اللازمة لمنع ليس «التهجير» فقط بل مجرد طرحه مستقبلا وبأي صيغة على أي طاولة إسرائيلية، طبعا، إن بقيت إسرائيل الحالية.
ثانيا – الحيلولة دون تمكين «يمين إسرائيل» – بعد التجربة الأخيرة – من «تهديد المصالح والثوابت» الأردنية بأي شكل وبكل الأحوال، ومنعه من إمكانية تنفيذ «مشاريع» يمكن أن «تؤذي المجتمع الأردني أو تعمل على «تفخيخه».
أي تصور أو سيناريو اشتباك بعد «طوفان الأقصى» لا يأخذ باعتباره المصلحتين المشار إليهما يُفضَّل الاستغناء عنه لأن منسوب حساسية الشعب الأردني في الاتجاهين وصل إلى مستويات غير مسبوقة ولا يمكن تجاهلها أو الاحتيال عليها.
السؤال يصبح هنا كالتالي: كيف نفعل ذلك كأردنيين؟
لايمكن الإجابة على السؤال دون تحقيق معادلة ثلاثية فرضتها الإيقاعات الأخيرة وتتمثل في:
- «إظهار قدر من الشك – بعد الآن- عند رسم السياسات بالمعادل الأمريكي والأوروبي،
- ثم إعادة قراءة معركة «طوفان الأقصى» من «زاوية أردنية مصلحية» بموضوعية وبعيدا عن «تراثيات تحالفات وشراكات الماضي».
وثالثا وقد يكون الأهم: رسم السياسات على أساس القناعة المطلقة بأن «وجود مؤسسة فلسطينية قوية وصلبة وجذرية وعميقة وقادرة» بدأ – خلافا لبعض أفكار الماضي البيروقراطي – يمثّل واحدة من «أعمق المصالح الإستراتيجية» للدولة الأردنية.
وينبغي أن نضع عدة خطوط تحت «فهم الأردن» لمسألة «مؤسسة فلسطينية قوية وصلبة» هي الأساس لـ «دولة مستقلة» بتلك المواصفات التي يرددها منذ عقود الخطاب الأردني.
قوة الفلسطيني خلف خطوط الاحتلال وفي مواجهته «ذخيرة» للأردن ينبغي ان لا تخيف أحدا شرقي النهر لأن مصلحة الوطن حتى في حسابات «مكونات المجتمع» أن تنتهي الحرب الهمجية الحالية على الشعب الفلسطيني بـ «كيانية فلسطينية مستقلة قوية» تؤمن أولا – بحق العودة والتعويض معا، وثانيا بأمن واستقرار الأردن و»تدفن حقا»، لا قولا، كل سيناريوهات «التوطين والوطن البديل».
العلاقات الخارجية قد لا تكفي لحماية الأردن من خيارات «البدائل» بكل أصنافها وما فهمناه كمواطنين يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول بعد تحريك البوارج لـ «إنقاذ الكيان» أن الأمريكي وفي لحظة غفلة انتخابية يمكنه ببساطة «طعن المملكة الصديقة من الخلف».
إيمان الأردن بالسلام والمحبة والاعتدال وتقديمه الأدلة على ذلك من ثلاثة عقود لم يوفر الحماية لـ«وصاية القدس» ولم يمنع قوات الاحتلال من «تجريف وحفر» شوارع مخيمات الضفة المحتلة.
ومن يخطط لجعل الإقامة في «مخيم ما» جحيما ثم يقصف ويضرب مقرات «وكالة الغوث» رسالته واضحة وهي «التهجير والتحريك الديمغرافي».
أما المساعدات المالية الأمريكية، فتحصل واشنطن على «خدمات جليلة بدلا منها» تعزز هيبتها المكرسة الآن لصالح إسرائيل ولو على حساب الأردن، والصداقة مع «أوروبا» لم تمنعها من التقدم بخطاب يؤسس لـ «حرب دينية» مضادة لكل تراثيات الاعتدال.
والتوقيع على اتفاقيات تطبيع وسلام «مجحفة وظالمة»، لم يلتزم بها الطرف الآخر إطلاقا، لم يؤد إطلاقا لدفن «الوطن البديل».
واحترام الدولة الأردنية لـ «القوانين الدولية» ولنبذ العنف ولكل الأطر القيمية الأخلاقية يقابله اليوم «حلفاء المجرم» الإسرائيلي بالتجاهل والتغطية على جرائم مضادة للأخلاق والأديان بصيغة تتلاعب بأسس المؤسسة الأردنية.
طبعا التقدير كبير لمواقف وثوابت الدولة لكن العدو لا يفهم إلا لغة المقاومة.
يحاجج كثيرون بأن «الأردن لا يستطيع مواجهة إسرائيل عسكريا أو تحرير فلسطين»… رغم أن «غزة» واجهت وهي أصغر بكثير فعلا من الأردن بكل شيء – كما يشرح السياسي ممدوح العبادي – فإننا نقول: «نعم صحيح» ليس مطلوبا منا كأردنيين إعلان حرب على الكيان أو تحرير فلسطين.
المطلوب منا باختصار اليوم «الاستعداد لحماية الوطن الأردني» من «اعتداء محتمل وشامل» للعدو نفسه دخل قاموس التوقعات وعلى أساس التوقف عن «إنكار المخاطر» ولأسباب «منطقية» لم تعد «متخيلة» فكرتها «أطماع علنية لليمين الإسرائيلي» بـ»شرق الأردن».
أردنيا مطلوب اليوم وبإلحاح: القليل من نكهة «ثقافة الممانعة – إدخال حيز اسمه» العدو قد يهاجمنا بأي صيغة» على «أدبيات الفرضيات» ولو بدون إعلان. مطلوب أيضا تدشين ورشة عمل «تحصين الجبهة الداخلية» والعودة لمربع ما قبل «وادي عربه 1994 وتعديل المناهج».
مطلوب لحماية الذات وليس «فلسطين» نبذ شريحة الخواجات التي تقترح أننا «بعيدون عن الخطر» أو تقترح بأن «الولايات المتحدة هي الحامية لبلادنا من أطماع اليمين الإسرائيلي».
وبالتأكيد مطلوب وطنيا مغادرة «محسوبة ودقيقة ومتوافق عليها» للتفكير أمريكيا وإسرائيليا وغربيا ولاحقا فلسطينيا «خارج الصندوق» حتى لا نجد أنفسنا يوما وقد أغلق الصندوق أعمدته علينا ثم «خنقنا» بسبب حساب انتخابي طائش في واشنطن أو تل أبيب.
مهم جدا «صحوة منطقية» نحن قادرون عليها الآن، بدلا من الاستيقاظ على معادلة تقول إن «الجيوسياسي» حوّله «الخصم والعدو» من «ورقة رابحة لصالحنا» إلى «شر مطلق يمسنا» ومن «منحة» إلى «محنة» لا سمح الله.
*بسام البدارين كاتب وإعلامي أردني
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين الأردن إسرائيل التهجير اتفاقية وادي عربة الحرب الدينية
إقرأ أيضاً:
"روح الأسرة" بعيدا عن "سلطوية العام" و"شكلانية القانون" و"مصلحية الاقتصاد"
كما أغلب المواطنين والمواطنات، أتابع النقاشات الفكرية والمواقف السياسية، وبعضا من المقالات والتدوينات التي مدارها حول مآل تعديل مدونة الأسرة ومضامين المشروع الذي انتهت إليه اللجنة المكلفة، بعد مشوار من المشاورات العمومية، قُدمت بمناسبته المئات من المذكرات والأوراق، ونُظّم بإزائها العشرات من الندوات والمحاضرات.
في خضم هذه المتابعة، هالني هذا التضخّم الهائل في النقاش القانوني حول الأسرة، بسبب المركب الذي امتطته أغلب التوجهات الفكرية والتيارات السياسية، يستوي في ذلك الحداثيون والعلمانيون بالمحافظين والإسلاميين. وهو ما يثير في نفس المرء وذهنه العديد من التحفظات والاستدراكات.
والحاصل، أن واحدا من بين البواعث على استثارة هذه التحفظات والاستدراكات هو حجم الانزياح الفكري والثقافي الذي جُرفنا إليه في غمرة النقاش حول المدونة، التي هي هنا مدونة للأسرة. فتعلّق الكثيرون بنقاشات القانون بمساطره الشكلية والإجرائية، ومساجلات الحقوق بتجريداتها وتلبيساتها الكلامية، وغاب عنا المفهوم السليم والآمن والمستقر لمفردة « الأسرة » كما خبرناه لقرون من الزمن، وورثناه عن آبائنا وأجدادنا. حيث كانت الأسرة فضاء جامعا، يوفر الحنوّ والعطف والدفئ العائلي، بحكم أنها كيان ووجود وجداني واجتماعي وثقافي مفعم بالمعنى والحياة والروح. كيان ووجود عصيّ عن سياسات التقنين ولغات التنميط التي يسعى رجال السلطة وفقهاء القانون وتكنوقراطيو الدولة وبيروقراطيو الإدارة لفرضها على المجتمع بإنتاج لغة عامة ومجردة مناقضة لحيوية المجتمع وخصوصياته وتفرداته.
ومع كل الأسف، فأغلب من يتصدّى اليوم لسؤال الأسرة، بمن في ذلك المعنيون بالدفاع عنها، يدفع في اتجاه إقحام الأسرة في مجال التداول التشريعي العام، سواء من خلال القول بدسترتها اعتقادا منهم بأنها تحميها وتحصنها، أو من خلال السعي إلى تسييجها بالتشريعات القانونية والسياسات العمومية ظنا منهم بأنها تخدمها وتنميها. والحال، أن الأسرة، من حيث هويتها وطبيعتها وتاريخها، مفارقة لهذا المجال ومناقضة له. فهي كيان ينتمي، أصالة وابتداء، إلى مجال تداولي آخر مؤسس على حساسيات وقابليات ولغات تأبى الاندراج لفضاء الدولة المركزية الشاملة والمحيطة، ولمجال قانونها السلطوي أو لعالم سوقها الجشع. ولأنها كذلك، وبحكم انتمائها لهذا العالم والمجال التداولي، المتميز بخصائصه ومثله ورموزه وأيقوناته الإنسانية الرحبة، استطاعت هذه المؤسسة الاجتماعية أن تنهض بدورها الأبرز في إعادة إنتاج المعنى للحياة، بعيدا عن دوائر الدولة الساعية إلى إنتاج الحياة وصياغة المجتمعات بمعنى سلطوي ولغة الإلزام القهري.
أعتقد أننا اليوم في أمس الحاجة إلى التنبّه إلى أننا نخوض في نقاشات وتعديلات مناقضة لروح الأسرة.. ولمنطق الأسرة.. وللمأمول من الأسرة. ونحن بذلك، نُعرّض هذه المؤسسة الحميمية والتراحمية والإنسانية لجملة من الاختراقات المفاهيمية والقيمية التي لن تفضي إلا إلى تقويضها عن أداء أدوراها ووظائفها، بما هي فضاء قائم على التراحم والتعاضد، بعيدا عن نزعة الصراع والتنافس والتعاقد. لذلك، يبدو أنه حريّ بنا ونحن بصدد نقاش هذا المشروع الذي تقدمت به اللجنة المكلفة، أن نعي، دائما وأبدا، بأن:
1- الأسرة أكبر من أن تكون مؤسسة قانونية:
ذلك أن الموغلين في الدعوة إلى تأسيس الأسرة على لغة القانون لا ينتبهون إلى أن هذه « المؤسسة/الفضاء/البنية » أكبر من مجرد علاقة قانونية ناشئة بين أطراف متعاقدة بمراكز حقوقية متقابلة تربطهم مقتضيات تشريعية وإلزامات متبادلة ومتفاوض بشأنها. كما أنهم لا ينتبهون إلى أن عقد الزواج، بما هو ميثاق غليظ، لا يُناظر غيره من الالتزامات والعقود كما استقرت في نظرية العقد وأسفار القانون المدني. فالأسرة، بخلاف ما يعتقده رجال السلطة والقانون والإدارة والكثير من النخب، وحدة اجتماعية متماسكة قائمة على الرحمة والتوادد، أكثر منها وحدة قائمة على منطق الحقوق والتعاقد.
ولأنها كذلك، استطاعت أن تكفل ذاتيتها وتحفظ استقلاليتها عن تدخلية الدولة وهيمنة المجال العام وتجريدية لغة القانون. ولعل واحدا من الأسباب التي أتاح لها هذه الاستقلالية، هو كونها مؤسسة مشيدة على مقوّم « الحرمة »؛ فالأسرة حرمة، لأنها في المبتدأ مجال خاص مطبوع بالسرية ومحرّم على الآخرين، أفرادا كانوا أو مؤسسات. هي حرمة لأنها حيز وجداني وثقافي ومكاني له أبواب مقفلة وعتبات مغلقة على وشائج حميمية وعلائق معنوية مطبوعة بالخصوصية، ومنفصلة عن كل ما هو « برانيّ » وغريب. هذا الانفصال عن الخارج هو ما يتيح لها، وبالتبع لأفرادها، القدرة على إنشاء الخصوصيات والتفرّدات والأسرار، والمساهمة في تبلور الأذواق والتجارب والخبرات وتعدّدها، ما يمنح الحياة الاجتماعية تنوّعها وزخمها الإنساني.
2- الأسرة أكبر من مجرد مشروع اقتصادي:
وكما أنها وجود متفلت من هيمنة القانون، فإن الأسرة أكبر من أن تكون وحدة اقتصادية، بحكم أنها فضاء قائم على التضحية والبرّ وقيم العطاء بدون مقابل ورفض منطق المحاسبة، خلافا لمنطق السوق وتنافسيته، وللغة الاقتصاد بمصلحيته الضيقة والمباشرة. لذلك كانت الأسرة، وستبقى دائما، مقاومة لكل سعي إلى تحويلها إلى شركة اقتصادية أو مقاولة تجارية، قائمة على حسابات الربح والخسارة، وقوانين العرض والطلب. وتراثنا الثقافي والفكري يقيم الأسرة على مبدأ المكارمة، فالزوج يتعبد الله بالإحسان إلى زوجته، والزوجة تتعبد الله بالإحسان إلى زوجها، والآباء يتعبدون الله بحسن رعاية أبنائهم، كما أن الأبناء يتعبدون الله بحسن البر والطاعة لآبائهم.
3- الأسرة أكبر من مجرد وحدة إحصائية:
ولأنها كذلك، فإن الأسرة تأبى أن تبرز باعتبارها وحدة إحصائية أو معطى حسابيا، متشابهة مع غيرها من الوحدات والمعطيات. فهي مؤسسة اجتماعية متجاوزة لأفرادها، مختلفة عن أعضائها، لها شخصيتها ووجودها المتعاليين عن الشخوص المنضوون تحتها. كما أن البيت الأسري ليس فقط مجرد حيز مكاني أو مأوى جدراني، وإنما هو مكان ثابت ومستقر في الوجدان قبل العمران، وفضاء دائم ومستمر تغمره قيم المحبة، وتعمره ثقافة التضامن والتضحية وقيمهما.
ختم
بمثل هذه المعاني، تبرز الأسرة، كما العائلة والأخوة والبنوة والعصبة والجوار والزواج والمصاهرة والجماعة وغيرها، مفهوما متفلتا من قبضة الحداثة ونزوعاتها التفكيكية، ووجودا مقاوما لصيرورة العلمنة وسياساتها التشييئية، لتظل روح الأسرة وفية لدورها الاجتماعي والحضاري في توليد قيم التضحية والتضامن والتعاضد، وأمينة على وظيفة الحفاظ على النظام الاجتماعي وإعادة إنتاجه إنتاجا تراحميا قائما على مبدإ الالتزام الطوعي (التقوى بلغة القرآن)، خارج نطاقات « سلطوية العام » و »شكلانية القانون » و »مادية الاقتصاد » و »حسابية الإحصاء ».