حياة الغزاوي المجردة.. إثنوغرافيا ذاتية للحدود والحصار وانعدام الجنسية
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
ترجمة: نوف السعيدي -
خلاصة
أصبحت حدود الدول القومية بمثابة الحواجز الطبيعية التي تقيد وتنظم تحركات الناس. ولهذه الحدود نقاط دخول وخروج من مطارات وموانئ بحرية ومعابر حدودية. إلى جانب كونها عنصرًا أساسيًا في تحديد الهوية الوطنية لغالبية الناس الذين يعيشون داخل مناطقهم الجغرافية، يمكن استخدام الحدود كأداة سياسية للسيطرة على حركة الناس.
هذه المقالة هي سيرة ذاتية عن الاحتلال والسفر والمطارات والمعابر الحدودية. مقالة تصف الحياة في ظل الاحتلال والتأشيرات والعنف الحدودي في حدود رفح ومعبر إيرز الإسرائيلي، واللنبي، تليها التجارب في مطارات وحدود أوروبا والشرق الأوسط. يستكشف المقال «الحالة الاستثنائية» للعيش كفلسطيني تحت الاحتلال، ويدرس عمليات التنميط المنهجي (systematic profiling) للفلسطينيين على حدود الدول العربية.
***
قصتي لا تمثل بأي شكل تجربة فلسطينية جماعية. إنها سرد يضع الذات في سياق اجتماعي (Gregory و Reed-Danahay 2000). قد تتقاطع تجارب الأفراد -الذين غادروا أو فروا من قطاع غزة منذ عام 2006، مع بداية الحصار الإسرائيلي- مع جوانب عديدة من تجربتي. سيرتي الإثنوغرافي الذاتية تدعو القراء لـ«أن يشعروا بحقيقة ما عايشته وأن يصبحوا مشاركين، منخرطين عاطفيا وجماليا وفكريا في القص» (Ellis and Bochner 2011, ص. 745).
إن الحدود بين غزة ومصر غير محددة، تماما كمصير الفلسطينيين في غزة. حياة آلاف الفلسطينيين في غزة -على غرار مستقبلهم- تتأثر، وتُنظم، وتُقيد، بهاته الحدود. المادة التي أعرضها تصوير للعنف الذي تواجهه مجموعة كاملة من الناس -خاصة من شباب القطاع- على الحدود. واستنادًا إلى تجربتي الخاصة كفرد يحمل هوية فلسطينية، أقدم سردًا حول طبيعة الحدود والسياسة والمعاناة وطقوس مراقبة الحدود.
قبل حصولي على الشهادة الجامعية في غزة سنة 2007، استولت حماس على القطاع. لقد كان انقلابًا عسكريًا قام فيه الآلاف من مقاتلي حماس بتقسيم قطاع غزة إلى عدة أجزاء. خشيتُ وقتها على حياتي ومستقبلي. ورحت أتصور المسار الذي أغادر فيه غزة في أسرع وقت ممكن، خاصة بعد هجمات حماس المستمرة على حينا ومقتل عشرات الأفراد من عائلات متعددة. وحدث في أحد الأيام، أن تحدث معي أخي عن منحة دراسية محتملة في إيطاليا قد أكون مؤهلاً لها.
كانت منحة جزئية، ما يعني اضطراري لدفع أجزاء من الرسوم والإقامة وتكاليف السفر. قدمتُ من غزة طلب التأشيرة إلى السفارة الإيطالية عن طريق البريد. وبعد انقضاء أسبوعين، كان جواز السفر مع التأشيرة في يدي. لمع كبارقة من النور.. بصيص أمل بالعبور إلى الجانب الآخر. حدقت في التأشيرة الإيطالية لبعض الوقت. أخذت وقتي في تحسس الحبر وتفاصيل الختم بأصابعي.
كان مطار غزة قد دُمر بالكامل عام 2001، ولم يكن ثمة ميناء للسفر عبر البحر. وكان المخرج الوحيد إما عبر معبر رفح من مصر، أو معبر إيريز المسيطر عليه من إسرائيل. ومن معبر إيريز، يمكن للمرء السفر -بإذن عسكري إسرائيلي خاص- عبر إسرائيل وإلى الأردن، ومن هناك إلى أي وجهة. تم إغلاق معبر رفح في يونيو 2006 وكان يُعاد فتحه مرات قليلة (يومين إلى ثلاثة أيام، كل ستة أشهر). تم تصنيف الراغبين في السفر في مجموعات حسب الغرض من سفرهم. لم يكن أي منها «للترفيه». الفئة الأولى -والتي تضم غالبية المسافرين- عبارة عن عائلات جاءت لقضاء إجازة في عام 2006 قبل أن تُصبح محاصرة في غزة. أما الفئة الثانية فهي المرضى الذين يطلبون العلاج في مصر أو عداها من الدول. الفئة الثالثة كانت مكونة من الطلاب الذين يرغبون في متابعة دراستهم في الخارج. والفئة الرابعة هم الأشخاص الذين يريدون مغادرة غزة بأي وسيلة والذهاب إلى أي مكان. طالب حكم الأمر الواقع لحماس جميع الراغبين في السفر بتسجيل أسمائهم في مكاتبها. وخوفًا من إدراجي في القائمة السوداء، لم أقم بذلك وفضلت البحث عن طرق بديلة للسفر.
عندما وردت الأخبار بأن معبر رفح سيفتح لمدة ثلاثة أيام، ودعتُ إخوتي. في فجر ذلك اليوم، استقلينا أنا وأخي محمد سيارة أجرة وتوجهنا إلى رفح. انتظرنا 16 ساعة دون جدوى. وفي اليوم التالي، فعلنا الشيء نفسه، لكن هذه المرة قررنا النوم في خان يونس مثل مئات الرجال والنساء الآخرين الذين كانوا يحاولون المغادرة. لم يُحالفنا الحظ هذه المرة أيضًا، فعدنا لغزة. عندما كنت بالقرب من حدود رفح اقترب مني شاب، أخبرني أن بإمكانه تأمين سفري إذا ما دفعت 1500 دولارًا أمريكيًا. رفضتُ عرضه. ما كنتُ لأُهدر هذا المبلغ مقابل شيء غير مضمون. عرض رجل آخر من رفح، تعيش قبيلته بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية، تهريبي عبر نفق وختم جواز سفري داخل مصر. لكني في هذه الحالة سأحتاج إلى ختم فلسطيني. حري بالذكر أن المناطق الحدودية بين غزة ومصر تشتهر بالتجارة غير المشروعة والتهريب.
لقد جعل الحصار الإسرائيلي في عام 2006 السفر شبه مستحيل، إلا في الحالات التي كان فيها الفرد على اتصال بحكومة حماس، أو مع مسؤول فلسطيني كبير مقرب من الرئيس عباس نفسه. يشكل عبور الحدود تحديًا لوضعنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وله طقوسه ومتطلباته الخاصة، بدءاً من متطلبات الحصول على جوازات السفر والتأشيرات، وصولاً إلى صراع الخروج عبر معبر رفح. يمثل هذا المعبر منطقة حدودية (Hannerz 1997)، تمزج بين المأزق العتبي (Turner 1967, 1986) واللا شرعية (Khosravi 2007).
كان لدي أمل ضئيل للغاية في المغادرة. أخبرني أخي الأكبر أنه بإمكاني التواصل مع مكتب اليونسكو في القدس والسفارة الإيطالية للحصول على المساعدة. يمكن للسفارة الإيطالية مساعدتي في مغادرة قطاع غزة بما أني سأدرس في إيطاليا. ويمكن لليونسكو مساعدتي؛ لأنهم -ولحسن الحظ- كانوا في شراكة مع الجامعة الإيطالية التي قبلتني. في يوليو، قررت أن أكتب لكليهما.
غيّرت تلك الرسالتان حياتي إلى الأبد، فأُزيلت الحدود المادية المتينة بيني وبين المسؤولين في مكتب اليونسكو وفي القنصلية الإيطالية في القدس بشكل كامل. وبعد أسبوع واحد، أبلغني مكتب اليونسكو أنهم سيعملون على طلبي لمغادرة غزة في أسرع وقت ممكن والسفر إلى الأردن ومن ثم إلى إيطاليا. وبينما لم يتبق سوى بضعة أسابيع حتى بداية العام الدراسي، كنت آمل أن يساعدوني قبل فوات الأوان.
في الأسبوع الأول من شهر أغسطس، تلقيت مكالمة وبريدا إلكترونيا من وحدة الأمن التابعة لليونسكو في القدس. قيل لي إن الجيش الإسرائيلي يريد إجراء مقابلة شخصية معي قبل أن يمنحني الإذن بالسفر. وافقت، مع العلم أنه سيتم التنسيق للمقابلة من خلال اليونسكو والسفارة الإيطالية. بعد يومين، تلقيت بريدا إلكترونيا من مكتب اليونسكو يطلب مني الحضور عند معبر إيرز في الساعة السابعة صباحًا. كان يومُ جمعة. ركبتُ سيارة أجرة إلى الحدود الشمالية لغزة، المدخل الوحيد إلى غزة من الشمال. مع انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في عام 2005، دمّر جيشها المستوطنات القريبة من الحدود الشمالية، بما في ذلك نيسانيت، وإيلي سيناي، ودوغيت، جاعلين منها منطقة محظورة على أي شخص.
وبما أن حماس كانت (ولا تزال) الحاكم الفعلي لغزة، فقد اضطررت إلى التوقف عند نقطة التفتيش التابعة لها، والتي تم إنشاؤها حديثا. وبعد فحص السيارة سمحوا لنا بالذهاب. لقد كان أمرا روتينيا أن يطلب الجيش الإسرائيلي من سكان غزة إجراء مقابلة، قبل إصدار تصريح عسكري للمغادرة. وكان هذا هو الحال سواء كانت النية الدراسة في الخارج أو طلب العلاج الطبي. وكانت المحطة التالية هي نقطة التفتيش التابع للسلطة الفلسطينية. عندما استولت حماس على قطاع غزة، لم تترك سوى وزارة الشؤون المدنية لتعمل تحت حكم السلطة الفلسطينية في رام الله. وكانت الوزارة على اتصال مباشر مع إسرائيل، مهمتها تنسيق الواردات والشؤون المدنية مثل سجل السكان والسفر من غزة عبر إسرائيل. غزة ليست دولة، تفتقد أي حدود معينة، وبالتالي فإن السياج الحالي لا يمثل سوى خط ترسيم. عندما نصّبت حماس نقاط التفتيش الخاصة بها، كانت تسعى إلى إثبات وجودها في أعين المسافرين وادعاء شرعية سلطتها في غزة. كانت وسيلة للتنظيم (ألبرت وآخرون 2001) لكن أيضا وسيلة لممايزة نفسها عن نقاط تفتيش السلطة الفلسطينية والإسرائيلية. كان بمثابة وسيلة لترسيخ الملكية الإقليمية من خلال نقاط التفتيش المتنقلة وغير المتنقلة الملحوظة. يقترح حوتوم وفان نارسن أن «جعل الآخرين يمرون من خلال نقاط ترسيخ الملكية للنظام يرتبط ارتباطا جوهريا بصورتنا الحية عن الحدود» (van Houtum and van Naerssen 2002, p. 134).
في المكتب المصنوع من حاوية نقل صغيرة التي ينسق فيها المقابلة، كان هناك مكتبان، وهاتف، وبعض الوثائق، ورجلان فلسطينيان يرتديان الجينز مع قمصان بيضاء وجهاز لاسلكي متصل مباشرة بضباط الجيش الإسرائيلي على الجانب الآخر. طلب مني تقديم هويتي قبل الجلوس. ثمة ثلاثة رجال آخرون بجانبي ينتظرون إجراء المقابلة. وكان أحدهم رئيسا لقسم في الأونروا، والثاني تاجرا، والثالث كان يحاول السفر إلى ألمانيا. انتظرنا مدة 30 دقيقة حتى بدأ صوت جهاز الاتصال اللاسلكي ينادي بأسمائنا. قام الموظف الفلسطيني بفحص هوياتنا وكرر أسماءنا للضباط الإسرائيليين على الجانب الآخر. ثم سألونا إذا كان معنا أي أسلحة أو أدوات حادة. بعدها أعطونا الأوامر للتحرك باتجاه معبر إيرز. عندما نظرنا عبر الفضاء الموجود أمامنا، لم يكن هناك شيء يمكن رؤيته باستثناء البوابة. ثمة منطقة محظورة من حولنا، وعلى بعد ما يُقارب كيلومتر واحد انتصب جدارٌ عالٍ يضم عدة أبراج ملحقة. البوابة تؤدي إلى ممر. بمجرد دخول المرء يتعذر خروجه إلا من الجانب الإسرائيلي. كان الممر بعرض ثلاثة أمتار ومغلقٌ من جميع الجهات. وبالإمكان ملاحظة كاميرا مراقبة كل عشرة أمتار.
لقد علمنا بسرعة أننا كنا في منطقة حدودية خاصة جدًا. كان من السهل ملاحظة المنطقة المحظورة والأسوار العالية وأبراج المراقبة والأسوار والعلاقات الأيديولوجية والاجتماعية عبر السياج/ الحدود. يتم تعريف «المنطقة الحدودية» على أنها «بنية أيديولوجية وجغرافية مادية، وهي منطقة تقاطع حساسة للقوى الداخلية والخارجية التي تعمل على دمج وتمييز المجتمعات والعصور على جانبي الخطوط الحدودية» (Widdis 2005, p 154). على الرغم من أن السياج المحيط بقطاع غزة لا يمثل حدودًا مشروعة، إلا أنه «عنصر معماري رئيسي في السيطرة على الفلسطينيين، وتدفقهم، وتنقلاتهم، واحتوائهم» (Schneidleder 2018).
مشينا حوالي 15 دقيقة حتى وصلنا إلى نهاية الجزء الأول من الممر الطويل. بدأت أسمع أصوات الضباط الإسرائيليين عبر مكبرات الصوت حولنا. لم نستطع رؤيتهم لأن المنشأة خالية من الحراسة، وأول ضابط يمكن رؤيته كان على بعد أكثر من 500 متر. طُلب منا واحدا تلو الآخر الالتفات ورفع قمصاننا. طُلب من كل واحد منا الدخول في طوابير مختلفة مفصولة بحواجز معدنية. أما الجانب الآخر فكان للأشخاص الذين يذهبون إلى غزة. كُنا أربعة في هذه الرحلة، لم نر من قبل منطقة حدودية مهجورة كهذه. مررنا عبر باب دوار فولاذي ممتد حتى السقف. واصلنا السير، مفصولين بحواجز معدنية. بعد سبع دقائق تمكنا أخيرا من رؤية المبنى الرئيسي. بعربية ركيكة، طلب منا صوت ضابط الأمن أن نتحرك واحدًا تلو الآخر. هذه المرة، كان علينا أن نخضع لفحص بالأشعة السينية. دخلنا الغرفة فُرادى، وأُغلقت الأبواب وتلقينا أوامر برفع أيدينا مع فتح أرجلنا. بحلول ذلك الوقت، لم أكن قد سافرت إلا إلى ألمانيا عبر مصر. مررنا واحدًا تلو الآخر دون أن نرى إنسانا.
بعد دخول معبر إيرز استقبلنا ضابط إسرائيلي أسود البشرة. كان يلبس لباسا مدنيا، وعلى خصره مسدس. خمّنّا أنه يهودي من إثيوبيا. أخذ هوياتنا وأوقفنا مقابل الحائط وفحصنا بيديه العاريتين. بعدها طلب منا تسليم أي أحزمة أو نقود أو أحذية للمجندة التي وقفت حاملة بندقيتها. انتظرنا لعشر دقائق. بعد ذلك قام بمساعدة جندي آخر بعصب أعيننا وتقييد أيدينا من الخلف. قادونا واحدًا تلو الآخر إلى أسفل الدرج، وهم يتحدثون بركاكة العربية والإنجليزية. نزلنا حوالي ثلاثة طوابق أسفل المبنى الرئيسي. وضعوا كل واحد منا في غرفة منفصلة. ثم دخل ضابط عدائي مرتديا قفازات النايلون. طَلب منا خلع ملابسنا. سمعت اعتراض الرجل العجوز الذي يعمل في الأونروا قادما من الغرفة الأخرى، لكن الضابط هدده بإعادته إلى غزة إن لم يلتزم. فامتثل. توجب علينا خلع جميع ملابسنا باستثناء الملابس الداخلية. وبينما أبدينا النفور والاعتراض بأقصى ما استطعنا، راح الضابط العدائي يفحص كل جزء من أجسادنا. فور انتهائه، عُصبت أعيننا ثانية وربطنا بحبل. مشينا لعشر دقائق تحت الأرض ثم صعدنا السلالم إلى الطابق العلوي مرة أخرى. عندما وصلنا إلى الطابق الثاني (حسبما أحصيت)، تمكنا أخيرًا من الجلوس في غرفة صغيرة. كانت جدرانها بيضاء بالكامل، بها ثلاثة كراسي صغيرة ولم تحتوِ أي نوافذ، أو كاميرات مراقبة، كان يُمكن ملاحظة شيء ما على أحد الجدران، وظيفته كما أدركت لاحقًا، هي التمكين من رؤيتنا من خلف الجدار. كنا فُرجة. كُنا -في تلك اللحظة بالذات- عُرضة للفتك بنا دون أن يكون في الفِعل قداسة التضحية. إحدى السمات التي تميزنا هو كوننا [الفلسطينيين] لم نولد على أرض نظام قضائي مؤسس، بل تحت الاحتلال والقمع، الأمر الذي يعيدنا إلى فترة ما قبل الحياة الاجتماعية (Agamben 1998).
واحدًا تلو الآخر، كان علينا أن نذهب لمقابلة ضابط المخابرات. وعندما جاء دوري رحّب بي الضابط وطلب مني الجلوس. قدم لي القهوة والسجائر. رفضت. كان من الواضح أنني لم أكن هناك كضيف، بل كشخص ضعيف ومضطهد ومعدوم الحقوق الأساسية. بدأ الاستجواب بأسئلة عرضية عني وعن عائلتي. لقد سُئلت عن كل فرد في العائلة ووظائفهم وأرقام هواتفهم وأوضاعهم المعيشية. عند نقطة ما سألني الضابط عن رجل من حينا. أجبت بأنني أعرف عائلته كجيران ولكني لا أعرفه شخصيا. ثم صُرفت إلى غرفة أخرى لمدة ساعة. لاحقا، احتدت عدوانية الضابط. سألني عن الوضع في غزة وعن المساجد وعن أعضاء حماس. وبما أن جميع إجاباتي كانت «لا أعرف»، «ليس لدي فكرة»، «لست على دراية بهم»، و«أنت بالتأكيد تعرف أفضل مني»، استشاط غضبًا. لقد أظهر لي الاحتلال أحد وجوهه الحقيقية العديدة عندما رفضتُ مشاركة معلومات لا أملكها. في الجلسة الثالثة والأخيرة من التحقيق طَلب مني الضابط إحصاء العائلات في الحي. أخبرته أنني لا أعرف سوى عائلتي وعائلتين أخريين قريبتين منا. تتطلب إنهاء الأمر سبع ساعات طويلة. غادرنا وكانت تلك المرة الأخيرة التي أرى فيها الرجال الثلاثة الآخرين. كانت عملية الخروج والوصول إلى نقطة التفتيش الفلسطينية سهلة للغاية: لم يكن هناك سوى باب دوار فولاذي واحد بارتفاع السقف. كشفت لي تلك التجربة الكثير عن الأيديولوجيات المعقدة والإجراءات المعتمدة «للأخرنة [صناعة الآخر]» التي تخلقها الحدود. صانعة حاجزا متعدد الطبقات، منفذة تكتيكات وآلياتٍ عدوانية وصارمة على الطريق إلى معبر إيرز، وليس على الطريق إلى غزة، ما يدل على أن قيمة حياة الناس على جانبي الجدار ليست متساوية. من وجهة نظر القوات الإسرائيلية، غالبًا ما يكون من الصعب التمييز بين التهديدات الحقيقية والمتصورة (Falah and Newman 1995). مع ذلك، يعتبرون جميع الأفراد الذين يسافرون نحوهم تهديدا محتملا.
بما أنني كنت آمل أن أسافر عبر الأردن، قدمتُ بطلب للحصول على تأشيرة أردنية. وعلى عكس فلسطينيي الضفة الغربية والفلسطينيين الذين يحملون جوازات سفر إسرائيلية، يحتاج فلسطينيو غزة إلى تأشيرة لدخول الأردن. يستغرق الحصول على التأشيرة الأردنية شهرًا واحدًا على الأقل، هذا إذا تم إصدارها أصلا. يتم قبول أقل من 10% من الطلبات (القدس 2016). تبدأ العملية بإرسال الطلب بالبريد إلى رام الله ودفع الرسوم. ثم تبدأ فترة الانتظار. لقد كنت محظوظًا بإصدار تأشيرتي بعد ثلاثة أسابيع فقط. في الأردن، صرح لي أحد الضباط أن الباعث لقبول طلبي كان ذكري أنني أغادر إلى إيطاليا عبر معبر إيرز، لولا هذا ما كانت لتُصدر التأشيرة من قِبل الأردنيين.
بعد مرور أسبوع، اتصل بي مكتب اليونسكو. رفعت سماعة الهاتف وعلمت أن المخابرات الإسرائيلية أرادت رؤيتي مرة أخرى. بقي أسبوع واحد فقط عن بدء العام الدراسي في إيطاليا. كان هذا هو آخر شيء أتوقع حدوثه بعد أن مررت بالفعل بكل ما أستطيع وما لم أستطع تخيله. لقد فاجأني الطلب السخيف. لم تُدرك مديرة اليونسكو في القدس -التي تُحادثني- التبعات المكلفة لطلب كهذا. بالنسبة لي، كانت حياتي على المحك. فيما لم تكن -بالنسبة لها- أكثر من مكالمة روتينية عليها القيام بها دون أدنى تعاطف. كنت أبلغ 23 سنة. في ذلك الوقت كنت أرى أن سلطتها تُمثل نظاما وقانونا دوليا من نوع ما، كان قد خذل كلاهما الفلسطينيين بشكل عام، والغزيين بشكل خاص. لقد فشلوا في توفير فرصة عادلة لتحقيق حلم عملت جاهدا لأجله. خلال تلك المكالمة الهاتفية الملعونة رأيت حياتي بأكملها (ماضيها ومستقبلها) تجري مثل فيلم مُكرر. انهار كل شيء. لم أستطع السيطرة على نفسي. صرخت، وصرخت بأعلى صوتي. عبَّرت بجلافة عن عدم رضاي عن الطريقة التي تعاملتْ بها مع الأمر. توقفتُ للحظة بينما كانت الساعة تُتكتك. كان كل شيء ضدي. كنت أنهال عليها بالأسئلة دون توقف، دون أن أعطيها فرصة للإجابة. حملت الهاتف وقربته ما استطعت من شفتي. رفعت صوتي وصرخت بنبرة موجوعة:
هل تقولين لي إن الأمور يجب أن تمضي على هذا النحو؟ أن أتخلى عن حلمي بمواصلة التعليم العالي؟ أهذا ما تريدين مني أن أفعله؟ أن أرمي الحجارة وأحارب وأخوض معركة لا تنتهي كغالبية الشبان هنا، الذين سلبوا شبابهم وإمكاناتهم، وقد أُفرغوا من أي هدف في حياتهم الملعونة؟ أتقولين لي أن هذا هو أفضل ما يمكنك فعله؟
لم أستطع أن أتغاضى عن الأمر، أو أن أشكرها في امتنان ببساطة وأنتظر أن يتبخر حلمي أمام عيني. ولا يزال صدى جملتها الأخيرة يتردد في أذني: «سنبذل قصارى جهدنا».
تميز منظمات الأمم المتحدة بين الإنسانية والسياسية. إنه تمييز بين حق الإنسان وحقوق المواطن. لقد نظرت إلى وكالة الأمم المتحدة كحياة مجردة أو مقدسة، ولهذا السبب كانوا على استعداد لمساعدتي. وكما يقول أغامبين “لا يمكن للمنظمات الإنسانية أن تفهم الحياة الإنسانية إلا في صورة الحياة المجردة أو المقدسة، وبالتالي، فهي تحافظ على تضامن سري مع القوى نفسها التي يجب أن تقاتلها» (Agamben 1998, p. 133).
بعد عدة أسابيع، بينما كنت عائدا من سوق رمضاني بعد ظهر يوم الخميس، تلقيت اتصالا من السفارة الإيطالية. قال الرجل على الجانب الآخر من الخط: غدًا، سننتظرك في الساعة السابعة صباحًا مع حقائبك. غدا ستسافر إلى الأردن. لدينا تصريح لمدة 12 ساعة فقط. وكانت نهاية شهر رمضان. كانت لدي مشاعر مشوشة. أبلغت والدي وجهزت حقيبتي، التي كانت لا تزال -في الواقع- جاهزة في انتظاري، بعد العديد من المحاولات السابقة الفاشلة للمغادرة. تناولت إفطاري الأخير مع والدي واثنتين من أخواتي. ولم نشارك أخبار رحيلي مع أحد.
كانت آخر جمعة من شهر رمضان المبارك. وبينما كنت في طريقي إلى عمّان في سيارة دبلوماسية، تمكنت من رؤية القدس للمرة الأخيرة. في لحظة عبوري جسر اللنبي بين فلسطين المحتلة والأردن، شعرت أن فصلا من حياتي المُجرّدة قد انتهى، وبدأ فصل آخر مختلف. عندما هبطت في ميلانو لم أتعثر في دخولي. مع ذلك، شعرت أنني خلال السنوات الماضية قد سُلبت من حق أساسي من حقوق الإنسان، وتحولت حياتي إلى حالة من الواقع المعلّق، وأنه قد وُسم على روحي إلى الأبد.
عبد الهادي العجلة باحث فلسطيني يعمل في معهد الدراسات الشرقية الألماني في بيروت، كما يعمل كرئيس مشارك لمجموعة العمل «حقوق الإنسان والهجرة الدولية» في رابطة العلماء الشباب ومقرها ألمانيا، وهو باحث مشارك في معهد أنواع الديمقراطية إلى جانب منصب المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط والخليج في جامعة جوتينبرج السويدية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مکتب الیونسکو الجانب الآخر معبر إیرز قطاع غزة فی القدس معبر رفح إلى غزة ط لب من التی ت حدود ا ا واحد ما کنت فی غزة لم یکن
إقرأ أيضاً:
أزمة الكونغو الديمقراطية.. حروب أهلية متجددة وصراعات عابرة للحدود
شهدت الكونغو الديمقراطية حروبا أهلية وصراعات عرقية متجددة، معظمها في المنطقة الشرقية المحاذية لحدود رواندا، وتعود جذروها الأولى إلى ما قبل حقبة الاستعمار البلجيكي.
وتطور الصراع بين الحكومة والقبائل والإثنيات إلى حرب أهلية في 1996 بدعم من بعض دول الجوار، في مقدمتها رواندا، وبعد الإطاحة بنظام موبوتو سيسي سيكو سرعان ما تجددت الحرب الأهلية عام 1998 وتزايد عدد المليشيا المسلحة ذات الطابع الإثني.
وعلى الرغم من توقيع اتفاقات للسلام بين الحكومة والمتمردين في 2003 و2009 وغيرها فإنها ظلت تنهار بشكل سريع، في حين ظل الطابع العرقي والامتداد الخارجي قاسما مشتركا في كل محطات الصراع المتجدد.
الأسبابتعود أزمة شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى عدة أسباب يتقدمها تجذر الصراع العرقي العابر للحدود في المنطقة التي تعيش فيها قوميات عديدة، وعلى رأسها التوتسي والهوتو.
وزاد من حدة الصراع أن البلاد شهدت موجات تدفق من دول الجوار، وتحديدا رواندا وبوروندي، وبين النازحين متهمون بالمشاركة في أعمال إبادة جماعية، وأصبحت البلاد ساحة لتصدير النزاع وتصفية الحسابات بين الفارين من الحروب في تلك الدول.
كما أن من بين الأسباب تدخّل بلجيكا أثناء المرحلة الاستعمارية لتعزيز النفوذ السياسي لقبائل التوتسي على حساب مجموعات أخرى، وفي عام 1981 سن سيسي سيكو قانونا يجعل الانتماء إلى إحدى المجموعات الإثنية التي كانت موجودة داخل الكونغو في 1885 شرطا للحصول على الجنسية، فزاد بذلك الشرخ الاجتماعي القائم.
إعلانوإضافة إلى ذلك، فإن الواقع الاقتصادي للبلاد واستشراء الفساد ونمط نظام الحكم وترهل المؤسسة العسكرية كل ذلك أسهم في اندلاع واستمرار التمرد.
مدنيون فارون من غوما عقب اشتباكات بين الجيش الكونغولي وحركة "إم 23" في يناير/كانون الثاني 2025 (رويترز) البدايات الأولىبعيد الإطاحة برئيس الوزراء باتريس لومومبا ثم إعدامه في 17 يناير/كانون الأول 1961 بدأ لوران كابيلا -الذي ينتمي إلى قبيلة اللوبا- حراكا مسلحا ضد موبوتو، واستعان في ذلك بقبائل التوتسي الناقمة عليه.
قاد كابيلا حملة نحو كينشاسا، لكن بمساعدة الولايات المتحدة وبلجيكا استطاع موبوتو التصدي للتمرد، وفر كابيلا خارج البلاد وأسس في عام 1967 حزب الشعب الثوري الذي يضم جناحا مسلحا، وتمركز في إقليم كيفو شرقي البلاد.
وفي السبعينيات من القرن الـ20 فشلت محاولات عدة قادها كابيلا لإسقاط موبوتو، قبل أن يستقر في أوغندا حيث عمل في التجارة، ووصف بأنه عاش هناك حياة مترفة.
الحرب الأهلية الأولىفي 31 أغسطس/آب 1996 اندلع ما عرف بتمرد البانيامولينغ تحت قيادة تحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو للإطاحة بالرئيس موبوتو بدعم من رواندا وأوغندا وأنغولا وبوروندي.
وتقول رواندا أن الهوتو الفارين إلى شرق الكونغو مارسوا إبادة جديدة بحق التوتسي الكونغوليين ذوي الأصول الرواندية، كما يتخذون من إقليم كيفو منطلقا لشن هجمات ضدها بدعم من نظام موبوتو.
وبقوة عاد كابيلا إلى الواجهة متصدرا قيادة المتمردين الجدد ضد حكم موبوتو الذي أصبح يعاني جراء تراجع الدعم الغربي ووضعية الجيش المثقل بالفساد والمحسوبية، مما أثّر على ضعف قدراته القتالية.
ووسط مساعٍ دولية للمفاوضات رفض رفاق كابيلا أي تسوية مع نظام موبوتو الذي كانت قواته تنهزم أمام المتمردين القادمين من أقصى شرق البلاد إلى العاصمة كينشاسا في الغرب.
وانتهت الحرب بهروب موبوتو وتولي زعيم المتمردين التوتسي لوران كابيلا حكم البلاد في 17 مايو/أيار 1997، فأعاد تسميتها من جديد لتصبح جمهورية الكونغو الديمقراطية.
إعلان الحرب الأهلية الثانيةيتهم لوران كابيلا من قبل خصومه بأنه أصبح أقرب إلى دكتاتورية موبوتو، فقد أعدم آلاف المدنيين العزل ومئات الجنود من إثنية التوتسي، وضيّق على الحريات العامة، وغرق في الفساد، وبدأ في تهيئة ابنه جوزيف لتوريثه السلطة.
وسرعان ما خرجت قبائل التوتسي من التحالف الذي أوصله إلى الحكم، وشكلت التجمع الكونغولي من أجل الديمقراطية الذي أصبح يعرف باسم "ماي ماي".
كما توترت علاقات كابيلا مع حلفائه في رواندا وأوغندا الذين أسهموا في وصوله إلى السلطة، مما أدى إلى اندلاع حرب جديدة ضده عام 1998 شاركت فيها دول عدة بقيادة رواندا ودعم الولايات المتحدة، في حين وقفت أنغولا وتشاد وناميبيا وزيمبابوي إلى جانب كابيلا.
وألحق المتمردون هزائم عديدة بالقوات الكونغولية، خصوصا في معركة بويتو أواخر عام 2000 التي تكبدت فيها خسائر فادحة، وكادت قوات التمرد أن تقضي عليها لولا أن تمكن نحو 3 آلف عسكري من الفرار إلى زامبيا المجاورة وسط موجات النازحين.
وأثناء الحرب قُتل كابيلا في 16 يناير/كانون الثاني 2001 على يد قائد حراسه، في حين تشير روايات إلى نجاح خصومه في زرع مؤيدين لهم ضمن المقربين منه، وأصبح ابنه جوزيف قائدا للبلاد، وكان ذلك حلا وسطا اتفقت عليه القيادات العسكرية المتنافسة على خلافة والده.
أعضاء من حركة "إم 23" بعد سيطرتهم على مدينة غوما الكونغولية أواخر يناير/كانون الثاني 2025 (رويترز) مسار انتقاليوبموجب حوار سياسي دعا إليه جوزيف كابيلا انخرطت أبرز حركات التمرد ضد والده في مسار انتقالي لحكم البلاد 2003، كما أصبح زعيما أبرز فصيلين متمردين نائبين للرئيس.
لكن بؤر التمرد شرق الكونغو ظلت قائمة من خلال حركات عدة، بينها المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب الذي رفض قائده الجنرال لوران نكوندا دمج قواته في الجيش، إذ يعتبر أنها تحمي التوتسي من هجمات القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وهي مليشيا تنتمي إلى إثنية الهوتو.
إعلانلكن المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب شهد انقلابا داخليا، فأزيح الجنرال نكوندا، وأصبح الجنرال بوسكو نتاغاندا قائدا للمؤتمر، وأعلن في 17 يناير/كانون الثاني 2009 استعداده لإنهاء التمرد ضد الحكومة الكونغولية.
وفي 23 مارس/آذار 2009 توصلت الحكومة والمؤتمر إلى اتفاق سلام بموجبه وضع نتاغاندا مقاتليه تحت إمرة السلطات الحكومية، فأصبحوا جزءا من الجيش الكونغولي.
تمرد حركة "إم 23"في 06 مايو/أيار 2012 انشق عسكريون من قومية التوتسي عن الجيش بعد أن انضموا إليه بموجب اتفاق 23 مارس/آذار، احتجاجا على عدم تنفيذه، وأسسوا حركة مسلحة جديدة عرفت باسم "إم 23".
وخاضت "إم 23" قتالا ضاريا ضد حكومة كينشاسا، وتمكنت من تحقيق انتصارات ميدانية على الجيش الكونغولي والمليشيا المناصرة له، لكنها سرعان ما خسرت المعركة واستسلم مئات من مقاتليها وفر آخرون إلى دول الجوار.
ثم عادت الحركة بقوة إلى الواجهة في أواخر 2021، فسيطرت على مناطق عدة بإقليم كيفو الشمالي، ثم تزايدت وتيرة نشاطها المسلح لتصبح ثاني أكبر الحركات المسلحة الكونغولية نشاطا عام 2022، واستمرت المعارك الدائرة بين الحركة والجيش الكونغولي والمليشيا المناصرة له طوال عامي 2023 و2024.
وفي مارس/آذار 2024 تعثرت مفاوضات سلام بين الطرفين كان يقودها الرئيس الأنغولي جواو لورنسو، كما ألغت أنغولا قمة سلام كان قد تقرر عقدها منتصف ديسمبر/كانون الأول بين رواندا والكونغو الديمقراطية، إذ تتهم كينشاسا كيغالي بدعم حركة "إم 23".
وفي الأيام الأخيرة من عام 2024 ارتفعت حدة المعارك في إقليم كيفو الشمالي بين الجيش الكونغولي والمليشيا الموالية له ومقاتلي "إم 23″، التي واصلت تقدمها لتسيطر على مدينة غوما الإستراتيجية شرق البلاد أواخر يناير/كانون الثاني 2025.
الخسائر البشريةتوصف حروب الكونغو بأنها واحدة من أكثر النزاعات دموية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، فقد وصل عدد الضحايا في الفترة بين 1996 و2003 إلى نحو 6 ملايين شخص.
إعلانووفق تقديرات الأمم المتحدة، فقد نزح 5.7 ملايين شخص في الأقاليم الشرقية في شمال وجنوب كيفو وإيتوري بين مارس/آذار 2022 ويونيو/حزيران 2023، كما فر نحو 6.2 ملايين شخص من ديارهم في جميع أنحاء البلاد، وهو أعلى رقم مسجل للنزوح من الحرب في أفريقيا.
وبسبب الصراعات المتجددة بين القبائل والإثنيات أصبحت الكونغو في صدارة بلدان العالم التي تشهد نزاعات عرقية.
نازحون فروا بعد القتال بين عناصر حركة "إم 23" والجيش الكونغولي في يناير/كانون الثاني 2025 (رويترز) النتائج السياسيةكان من أبرز نتائج حرب الكونغو الأولى الإطاحة بنظام موبوتو الذي امتد حكمه 37 عاما، وصعود معارضه التاريخي لوران كابيلا الذي أصبح رئيسا للبلاد.
أما لوران فقد اغتيل في الحرب الكونغولية الثانية، وخلفه ابنه جوزيف، مما يشير إلى الطابع العائلي للحكم، وكاد رفضه التنحي عن السلطة عقب انتهاء مأموريته الرئاسيتين أن يجر البلاد إلى حرب أهلية في عامي 2017 و2018.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، عززت الحرب الكونغولية الأولى حضور رواندا في الشأن السياسي بالكونغو، قبل أن يدير لوران كابيلا ظهره لكيغالي، وهو ما كان أحد أسباب الحرب الكونغولية الثانية.
كما عمقت الحروب الأهلية والنزاعات التي شهدتها الكونغو -خصوصا في المناطق الشرقية من البلاد- الخلافات الدبلوماسية مع جيرانها الشرقيين، وتحديدا رواندا وأوغندا.