سيمون دو بوفوار وتأثير جان بول سارتر على كتاباتها المنشورة
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
قادني الفضول للحصول على الرواية الأخيرة «متلازمتان» التي نشرت لأول مرة عام 2021 للمفكرة والفيلسوفة الوجودية الفرنسية سيمون دو بوفوار. بعض الأسماء تسبق محتوى الكتاب وتحثنا على البحث في ما تعذر نشره في زمنه.
تملكتني الدهشة والتساؤل: ما الذي منع كاتبة بحجم سيمون دوبوفوار من نشر رواية لها كتبت عام 1954 بعد أن أعطاها شريكها جان بول سارتر رأيا سلبيا في رواية أتوبيوغرافية؟ هل هي التبعية الضمنية المشروطة على المرأة التي تجاهد من أجل الاستقلال الفكري والاقتصادي؟ أم العجز عن تحطيم المحظورات دفعة واحدة والبقاء في ظل فيلسوف وثوري كبير له أثره على الحراك الثقافي في فرنسا والعالم؟ أم أن هناك أولويات للكتابة والطرح في كل حقبة زمنية، وانحازت سيمون دو بوفوار إلى الموافقة مع سارتر في هذا الرأي لتنصرف إلى مشاريعها الكتابية الغزيرة سواء سير-ذاتية أو فكرية أو متخيلة!
الأرشيف يؤكد أن سيمون فضلت أن تنشر روايتها الفلسفية المعقدة المهمة في تلك المرحلة والتي حملت عنوان «ذا ماندرين - أو الماندرين» وهي رواية فلسفية معقدة عن دور المثقف في المجتمع بعد الحرب العالمية الثانية كما يشير العنوان إلى العلماء البيروقراطيين في الصين الإمبراطورية.
من هما الشخصيتان غير القابلتين للانفصال وللتفريق بينهما في رواية «متلازمتان»؟
أنهما المؤلفة سيمون دو بوفوار وصديقتها اليزابيث لكوين في هذه الرواية الإتوبيوغرافية القصيرة. جاءت تلك الكلمة في سياق رسائل شخصية تم تبادلها بين سيمون دوبوفوار مع إليزابيث لكوين والتي عرفت باسم زازا، والاسم ورد في مذكرات سيمون دو بوفوار الشخصية.
سيمون دو بوفوار والإهداء إلى الصديقة التي عرفتها وأحبتها بشغف على مقاعد المدرسة الإعدادية ثم واستمرت حتى بداية المرحلة الجامعية حيث درست دو بوفوار الفلسفة، فيما التحقت إليزابيث بقسم الآداب في جامعة السوربون. ويبدو أن تلك الباريسية ليست فرنسا التي نعرفها اليوم والتي غدت مدينة الأنوار، بل كانت رازحة تحت جور تقاليد كاثوليكية صارمة. ينعكس ذلك في الرسائل المتبادلة بين سيمون وإليزابيث (زازا)، وهي منشورة في نهاية الرواية مؤرخة بين عامي 1920-1929. انتهت الرواية الإتوبيوغرافية بموت (زازا) في ظروف غامضة حين كان عمرها 21 سنة. ويذكر أن أندريا، اسم بطلة القصة وشخصية «سيلفي» هي سيمون دو بوفوار كما يرد في صفحات أخرى في ختام الرواية.
هل أثرت تلك العلاقة الملتبسة على حياة دوبوفوار وكتابتها اللاحقة؟
أقول ربما، لو تعش سيمون دو بوفوار تجربة شخصية خاصة مع واحدة من بنات صفها حين كان عمرها 9 سنوات لما ألفت هذه المفكرة الوجودية كتابها الثوري «الجنس الثاني» الذي اعتبر مانفسيتو الحركة النسوية الثانية حين صدر عام 1949.
لكن سارتر، المفكر والفيلسوف لم يتقبل تلك الرواية حين عرضتها سيمون دو بوفوار عليه، وكانت نظرته إليها بأنها لن تلفت اهتمام القرّاء، وموضوعها ليس مسألة مهمة في الوقت الذي كان العالم يحارب من أجل قضايا أساسية كبيرة وهي الاشتراكية ومناصرة الحركات العمالية والرأسمالية البرجوازية ما بعد الحرب العالمية الأولى والثانية.
وهنا يلح علي سؤال: هل ستتحرر المرأة كليا من إملاءات وسلطة الرجل الذي تعيش معه أو في حمايته، سواء كان فيلسوفا أو تاجر سيارات؟!
ملابسات الصداقة وموت زازا
ماتت (زازا) في ظروف غامضة في 25 ديسمبر 1929. بسبب فايروس تسبب لها في هلوسات وحمى، أو بسبب الاكتئاب والجنون الذي قضى على صحتها النفسية والجسدية وأدى إلى الموت المبكر الغامض. تنتهي القصة بمشهد دفن (اندريا) التي يقوم الأهل بنثر الكثير من الورود البيضاء على قبرها، وحدها سيمون (سيلفي) تضع ثلاث زهرات حمراء على القبر.
تلخص سيمون دو بوفوار في مذكراتها: إن صديقتها كانت ضحية المجتمع وقُتلت نفسيا وروحيا بسبب التقاليد الصارمة وحصار الأسرة والعشيرة التي كانت تتبع تقاليد كاثوليكية برجوازية ذات خلفية عسكرية.
كانت البنت متمردة -اندريا- متقدمة على عصرها تتمتع بفردية عالية في التفكير لا تتناسب مع حركة المجتمع الفرنسي البرجوازي في العقد الثالث من القرن 19. التحرر والاختلاف الفكري كان سبب كآبتها لأنها لم تستطع تحمل متطلبات الحياة الجماعية واشتراطاتها القاتلة للفردية الشخصية. لم تستطع كل المحاولات المحيطة ترويضها لتجعل منها امرأة مثل أخواتها وأمها، كي تكتفي بالزواج المدبّر لتعيش مثل أمها التي أنجبت 9 أولاد وبنات ولم يكن لديها فسحة للاهتمام بنفسها، بل قامت الأم بدور الجلادة وحجبت عن ابنتها أي رغبة خاصة بما في ذلك العزف على القيثارة مما حدى بها للقبول بالزواج من رجل إنجليزي خارج الأقارب والعشيرة كي يأخذها إلى إنجلترا بعيدا عن أسرتها. لم تستطع سيمون دوبوفوار أن تبقيها في دائرتها.
أفكار على هامش المرأة الفرنسية والعربية: حين أتمعن في هذه القصة التي انتهت بموت البطلة «زازا» في 25 نوفمبر 1929، أجد بالتوازي هناك آلاف الحالات القمعية التي لا تزال تحدث في المحيط العربي والشرقي، حيث تكون البنت مجردة في كثير من الأحيان من حقها في اختيار الدراسة أو الشريك أو المهنة.
كتبت سيمون في مقدمة الرواية الإهداء إلى زازا وترجمته هي: إذا كنتُ أبكي الآن فلأنكِ ميتة، أو ربما لأنني باقية على قيد الحياة؟ يجب أن أهدي هذه القصة لك، ولكنني أعرف أنك هنا الآن فيها، وأنا هنا أتحدث معك بصيغة أدبية. إضافة لذلك، الحقيقة هذه ليست قصتك، ولكن ببساطة هي قصة مستوحاة منا. أنت في القصة لست «اندريا» وأنا لست «سيلفي» التي تتكلم باسمي.
***
ماذا قالت مارغريت أتوود في مقدمة الرواية:
اخترت ترجمة فقرة أخيرة من الكلمة التي تتناول مقارنة مفصلة بين جيل سيمون دو بوفوار ووالدة مارغريت أتوود، التي عاشت وأسرتها في حرية شديدة قياسا للحال في باريس في تلك الحقبة. وتأخذ أتوود فرصتها في تحليل الخط السياسي الذي سار عليه سارتر في علاقته مع الاتحاد السوفييتي والثورة الفرنسية. بالإضافة إلى الإعجاب بثورية سيمون وطروحاتها المتميزة في مجتمع ذكوري الفلسفة والتقاليد.
«عزيزي القارئ، أقرأ وأبكي، المؤلفة نفسها بكت، وهكذا بدأت القصة بالدموع. يبدو أنه وبالرغم من ظاهرها المتسم بالتمنع، سيمون دو بوفوار لم تكف عن البكاء مدى حياتها لفقدها زازا. وربما هي نفسها، عملت بكل هذه الجهود كي تصبح ما كانت عليه وكنوع من التعويض والتذكير بأن دو بوفوار كان عليها أن تعبّر بفكرها إلى أقصاه ذلك أن زازا لم يكن بمقدورها أن تفعل».
***
الآخرون والأول والثاني في جحيم سارتر وسيمون دوبوفوار ونحن جيل الألفية الثالثة: سيحفظ التاريخ مقولة جان بول سارتر الشهيرة «الآخرون هم الجحيم» والتي جاءت على لسان واحد من أبطال مسرحيته التي بعنوان «لا مخرج، أو نهاية ميتة» والتي كتبها عام 1944. وستبقى دو بوفوار علامة فارقة في تاريخ الحركات النسوية العاملة وبخاصة في كتابها الفلسفي الشهير «الجنس الآخر» 1949. في كلا الكتابين يقتحم الفلاسفة أيديولوجيا العلاقة الشائكة بين الأنا والآخر المختلف جنسيا وفكريا، ولنا أن نحلل ونفكر ونسقط ذلك على أسلوب معيشتنا ومفاهيمنا عن الحرية والفردية الشخصية والالتزام الاجتماعي. الكتابة بحرية والتفكير خارج الإطار التقليدي يحكم على المبدعة أن تكسر الإطار التقليدي لتغوص في الكشف عما يعاني منه الفرد وإن كان في ذلك مخاطرة ونقد لاذع. ولا أدري إن كان بإمكان المرأة أن تفعل ذلك حين يعاكسها القانون المدني والاجتماعي والديني!
جاكلين سلام كاتبة ومترجمة سورية كندية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
فوكس: ما الذي يعنيه فعلا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟
تبرر إسرائيل وحلفاؤها كل ما قامت وتقوم به من تدمير في الأراضي الفلسطينية بحقها في الدفاع عن نفسها، ولكن بعض الخبراء القانونيين يجادلون بأنها لا تستطيع التذرع بهذا الحق تلقائيا، كما يُفهم في السياق القانوني.
وذكرت نشرة فوكس بأن إسرائيل، منذ دخول الاتفاق بينها وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) حيز التنفيذ، صعّدت غاراتها في الضفة الغربية، مما أدى إلى نزوح أكثر من 40 ألف فلسطيني، وبعد انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار الهش أصلا، قطعت الكهرباء ومنعت دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، بعد أكثر من عام من الحرب قتلت فيه أكثر من 61 ألف فلسطيني، ودمرت البنية التحتية للرعاية الصحية في القطاع، وشردت حوالي 90% من السكان.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إيكونوميست: هذه أوراق بيد أوروبا حال تعمق خلافها مع أميركاlist 2 of 2تايمز: ما قصة الثورة التي يريد ستارمر إطلاق شرارتها في بريطانيا؟end of listومع أن لكل دولة حسب القانون الدولي الحق في الدفاع عن النفس -كما تقول النشرة في تقرير بقلم مراسلها عبد الله فياض- فإن لهذا الحق الذي أصبح يتكرر منذ عقود، حدودا تربطه بهجوم مسلح من دولة أخرى، وهو ما ليس متوفرا في حالة إسرائيل التي هاجمتها حماس من أراضٍ تسيطر عليها.
وإذا كان البعض يجادل بأنه لم يكن أمام إسرائيل، من الناحية الأخلاقية، خيار سوى استخدام القوة لمحاسبة حماس على أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن هذه الحجج الأخلاقية لا تكفي، لأنه في النهاية لا شيء يمكن أن يُبرر أخلاقيا قتل عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء.
إعلان حجج قانونية مبهمةولأن القوانين هي التي تحكم العالم، يمكن لإسرائيل الرد بقوة متناسبة لاستعادة النظام، لكن شن حرب والادعاء القاطع بأنها دفاع عن النفس لا يستند إلى أساس قانوني ظاهريا، وادعاؤها لا يغير جوهريا كيفية تصرفها في قطاع غزة والضفة الغربية، ولن يضفي شرعية على جميع أفعالها خلال هذه الحرب، حسب النشرة.
وأشارت النشرة إلى أن الفهم العميق لمعنى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها سيساعد في توضيح ما إذا كانت حربها دفاعا عن النفس أو عدوانا، وإذا تبين أنها عدوان، فإن ذلك يجب أن يدفع حلفاءها إلى إعادة النظر في نوع الدعم السياسي الذي يقدمونه لها في مثل هذه الأوقات.
ويعتمد ادعاء إسرائيل بالدفاع عن النفس على حجج قانونية مبهمة، مع أن هناك إطارين قانونيين رئيسيين للنظر في حق الدفاع عن النفس، أولهما ميثاق الأمم المتحدة، وهو معاهدة ملزمة قانونا للدول الأعضاء، وثانيهما، القانون الإنساني الدولي الذي يُرسي قواعد السلوك المتعلقة بالنزاعات المسلحة.
وقالت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن حالة إسرائيل لا ينطبق عليها الحق في الدفاع عن النفس، لأنها لم تتعرض لهجوم من دولة أخرى، بل إن الهجوم شنته جماعة مسلحة داخل منطقة تسيطر عليها إسرائيل وتحتلها بشكل غير قانوني، لا يمكنها ادعاء الحق في الدفاع عن النفس.
وفي عام 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا بشأن الجدار الذي كانت إسرائيل تبنيه حول الضفة الغربية، واعتبرت أن الحاجز غير قانوني، لأنه سيحمي من التهديدات القادمة من منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالفعل، مما يعني أنها لم تكن تتصرف كما زعمت، دفاعا عن النفس. وكتبت محكمة العدل الدولية "لا يمكن لإسرائيل بأي حال من الأحوال الاستناد إلى تلك القرارات لدعم ادعائها بممارسة حق الدفاع عن النفس".
إعلانوفي سياق هذا الرأي الاستشاري، يُمكن اعتبار أي إجراء يُتخذ لتعزيز أو إدامة قبضة إسرائيل العسكرية على الفلسطينيين امتدادا للاحتلال، وليس دفاعا عن النفس، وقال محامو جنوب أفريقيا إن "ما تفعله إسرائيل في غزة، تفعله في أراض خاضعة لسيطرتها"، واستنتجوا أن أفعالها تُعزز احتلالها، وبالتالي لا ينطبق عليها قانون الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة".
وقد كتب رئيس محكمة العدل الدولية عند إصداره رأي المحكمة الاستشاري، الذي قضى بعدم قانونية الاحتلال، أن "دولة إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة بأسرع وقت ممكن"، ولكن إسرائيل استمرت في بناء المستوطنات غير القانونية على الأراضي المحتلة، وحصار غزة، وفرض حكم عسكري على الفلسطينيين ينتهك حقوقهم الإنسانية.
وهذا -حسب النشرة- ما يجعل إسرائيل معتدية بموجب القانون الدولي، قبل وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وما دامت كذلك فلا يحق لها ادعاء حق الدفاع عن النفس، وتقول ألبانيز إن "استمرار احتلال ينتهك بشكل عميق لا رجعة فيه حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، يعد شكلا دائما ومستمرا من أشكال العدوان".
حجة إسرائيل
ورغم ذلك يجادل بعض الخبراء بأن مبرر إسرائيل للحرب يندرج ضمن الإطار القانوني الدولي، وذلك لأن السابع من أكتوبر/تشرين الأول يرقى إلى مستوى "هجوم مسلح"، وهو ما تنص عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ومن شأنه أن يُفعّل حق الدولة في الدفاع عن نفسها.
وقد أوضح إريك هاينز، أستاذ الدراسات الدولية بجامعة أوكلاهوما، أسباب لجوء إسرائيل إلى الدفاع عن النفس في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بحجة أن حجم الهجوم وعدد الضحايا المدنيين، يُشكل "هجوما مسلحا" ويجعل الرد العسكري مبررا.
بيد أن المسألة لا تقف عند كون السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان هجوما مسلحا، إذ يرى أردي إمسيس، أستاذ القانون الدولي بجامعة كوينز، أن ذلك لا يبرر حق الدفاع عن النفس لأن ذلك الحق لا ينطبق داخل الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
إعلانوهذا يقود إلى الجزء الثاني من الأساس وراء حجة إسرائيل -كما تقول النشرة- وهي المقولة بأن غزة لم تكن تحت الاحتلال منذ أن سحبت إسرائيل مستوطناتها وجيشها من القطاع عام 2005، ومع ذلك، فإن هذا الوصف مرفوض على نطاق واسع من قبل جماعات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي، وحتى وزارة الخارجية الأميركية تُدرج قطاع غزة في تعريفها للأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، كما أكدت محكمة العدل الدولية مجددا أن غزة، من وجهة نظر قانونية، تحت الاحتلال.
وتساءلت النشرة كيف يمكن لإسرائيل الرد قانونيا ما دام الاحتلال لا نهاية له في الأفق؟ لترد بأن هناك العديد من السبل القانونية التي يمكن لإسرائيل اتباعها مع ضرورة الالتزام بقانون الاحتلال، وهو فرع من القانون الإنساني الدولي، يحدد كيفية التعامل مع الهجمات الصادرة من الأراضي المحتلة.
والرد في هذه الحالة -كما تشير النشرة- يكون من خلال إنفاذ القانون، وذلك بالقمع المتناسب الذي تشنه الشرطة على مرتكبي العنف إذا لم ينتهك حقوق الناس، وكقوة احتلال، كان بإمكان إسرائيل استخدام "القوة الضرورية والمتناسبة لصد الهجوم، كما قال إمسيس، موضحا أنه لكي يكون أي استخدام للقوة قانونيا، "يجب أن يكون ضروريا ومتناسبا مقارنة بالقوة المستخدمة ضدها".
نهج انتقائيووصلت النشرة إلى أن إسرائيل يصعب عليها الادعاء بأن حربها على غزة كانت دفاعا عن النفس، أو حربا ضد حماس فقط، ناهيك عن كونها ردا مُتناسبا مع أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لأنها خلال عام، استخدمت التجويع الجماعي كسلاح في الحرب، ودفعت البنية التحتية للرعاية الصحية في غزة إلى الانهيار، وخلقت ظروفا مواتية لانتشار أمراض تمكن الوقاية منها، كما قتلت أكثر من 150 صحفيا.
كل هذا يعني أن إسرائيل، حتى لو استطاعت الادعاء بأنها بدأت الحرب دفاعا عن النفس، فإن أفعالها في الحرب نفسها لا يمكن اعتبارها قانونية، وقال كلايف بالدوين، كبير المستشارين القانونيين في المكتب القانوني والسياسي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، "مهما كانت المبررات القانونية المحتملة لاستخدام القوة، يجب على جميع الأطراف دائما الامتثال لقانون النزاع المسلح ومعرفة أن جرائم الحرب لا يمكن تبريرها أبدا".
إعلان
هناك أيضا حقيقة مزعجة لإسرائيل وحلفائها عندما يجادلون بأن مبادئ الدفاع عن النفس تمنح إسرائيل ترخيصا لشن هذا النوع من الحرب في غزة، وهي أن للفلسطينيين، كشعب خاضع للاحتلال، الحق في المقاومة بموجب القانون الدولي، وذلك يشمل المقاومة المسلحة.
وخلصت النشرة إلى أن قبول كون إسرائيل تتصرف دفاعا عن النفس بدلا من كونها قوة احتلال تُوسّع سيطرتها العسكرية، يعني أن حلفاءها على استعداد لانتهاك القانون الدولي كلما كان ذلك مناسبا، وهذا النوع من النفاق نهج انتقائي في تحديد القوانين التي ينبغي تطبيقها على إسرائيل وتلك التي ينبغي تجاهلها، ولا بد أن تكون له عواقب عالمية، لأنه يقوض شرعية النظام القانوني الدولي، ويشجع إسرائيل ودولا أخرى على الاستمرار في انتهاك القوانين دون عقاب.