يختلف منطق الخسارة والربح عند المكوّنات السياسية، لكن التشظي داخل الأحزاب والاختلاف في الرؤى والذي يترك أثراً على كيفية التعاطي سواء على مستوى لملمة البيت الداخلي أو على مستوى الاستحقاقات والتحالفات، غالباً ما يعني تراجعا على الساحة السياسية، البعض يستفيد منها لشد العصب الطائفي بأساليب وطرق مختلفة والبعض الاخر يحاول إعادة ترتيب أوراقه من أجل تصويب البوصلة من جديد.


منذ انتخاب الرئيس العماد ميشال عون في نهاية العام 2016 وحتى انتهاء ولايته في نهاية العام 2022، ذهب "التيار الوطني الحر" بعيداً في طموحاته السياسية والادارية على مستوى إدارات الدولة، إلا ان سرعان ما ترك ذلك حساسيات كبيرة على مستوى علاقته مع حزب "القوات اللبنانية" التي اعتبرت أن النائب جبران باسيل  أطاح ببنود اتفاق معراب، ولا يزال هذا الخلاف مستمراً حتى اليوم، رغم أن الطرفين تقاطعا في ملف رئاسة الجمهورية لجهة رفض انتخاب رئيس "تيار المرده" سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية أسوة بحزب الكتائب وبعض نواب التغيير وذهبوا جميعاً إلى تبني ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور الذي سرعان ما عاد إلى منصبه في صندوق النقد الدولي،

ضرب الملف الرئاسي علاقة "التيار الوطني الحر" ب"حزب الله"، فبعد 17 عاماً من اتفاق مار مخايل، كاد التحالف بينهما أن يسقط بضربة باسيلية قاضية، مع تهديد رئيس تكتل لبنان القوي حزب الله بإنهاء التحالف متذرعا بأن الحزب تخلى عن بنود عدة في الوثيقة يتصل أبرزها ببناء الدولة وأن الخلافات الداخلية الموجودة كافية لتنسفها، في حين أن حزب الله أدرك ولو متأخراً أنه لم يعد في وسعه أن يعطي باسيل كل ما يطلبه وعلى حساب حلفائه الآخرين.
 يمكن القول إن المياه لم تعد إلى مجاريها بعد على خط ميرنا الشالوحي- حرة حريك، رغم إعادة التواصل بين باسيل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا والاتصال الذي تلقاه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من رئيس"التيار "بعد أيام من عملية "طوفان الأقصى"، عرض خلاله مجموعة من الملفات، لا سيما التطورات الأخيرة في لبنان والمنطقة، خصوصا تلك التي تهدف إلى حماية لبنان وتعزيز الوحدة الوطنية. ومع الإشارة إلى أن هذا الاتصال استتبع ايضاً بجولة قام بها باسيل على القيادات السياسية لكنها لم تفض إلى أي نتيجة، لكونها كانت مبنية على حسابات خاطئة جعلت الذين التقاهم يقولون في السر وفي العلن أنه خرج خالي الوفاض، وهذا ما تظهر في الأيام الماضية مع إقرار مجلس النواب لقانون رفع سن التقاعد لقادة الأجهزة الأمنية برتبة لواء وعماد لمدة سنة واحدة، والذي مدد لقائد الجيش العماد جوزاف عون عاماً، في حين أن باسيل جاهر أنه ضد التمديد، وسعى حتى الساعات الأخيرة التي سبقت الجلسة التشريعية لقطع الطريق على العماد عون إلا أنه فشل في ذلك، ومجدداً سارع نواب "التيار" إلى تحميل حزب الله المسؤولية بقولهم انه كان قادرا على عدم  تأمين نصاب الجلسة لكنه فعل، ولذلك فإن العلاقة معه لم تعد كما كانت قبل سنوات إنما باتت في إطار تقاطع المصالح لا أكثر.
 كل ذلك، سبقه أيضاً غضب باسيلي من مشاركة وزراء حزب الله في جلسات مجلس الوزراء، فبعد مشاركة الوزيرين علي حمية ومصطفى بيرم في أول جلسة لحكومة تصريف الاعمال بعد انتهاء ولاية الرئيس عون والتي قاطعها الوزراء المحسوبون على "لبنان القوي" لوّح باسيل بأن اتفاق مار مخايل يهتزّ  وأن مشكلتنا مع الصادقين الذي نكثوا بالاتفاق وبالوعد والضمانة، ليسارع الحزب في حينه ويرد في بيان بالقول إننا "لم نقل إن الحكومة لن تجتمع إلا بعد اتفاق مكوناتها، كما أننا لم نقدم وعداً ل"التيار" بأننا لن نحضر جلسات ‏طارئة للحكومة إذا غاب عنها وزراء التيار".
 كرت سبحة مشاركة حمية وبيرم في جلسات مجلس الوزراء، وأدرك باسيل أن لا مجال مطلقاً لدفع الحزب إلى التراجع وهو المدرك أيضاً أن علاقته بالسيد حسن نصر الله لم تعد كما كانت عليه في السابق، بعد ما اقترفه، وفق توصيف المقربين من حزب الله، بحق السيد، عندما هاجم في تشرين الثاني من العام 2022  فرنجية بعد ساعات من عشاء جمع رئيس "تيار المرده" والسيد نصر الله وتباحثا خلاله في الملف الرئاسي واتفقا على أن للبحث صلة، لكن باسيل نسف كل ما قيل في دقائق.
 
 لطلما كان حزب الله الحليف شبه الوحيد ل"التيار الوطني الحر"، نظراً إلى علاقة الاخير المتوترة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والمتأرجحة مع معظم افرقاء فريق 8 آذار، مروراً بعلاقته السيئة مع معظم مكونات فريق 14 آذار  وحتى مع الحزب التقدمي الاشتراكي، وصولا الى هجومه على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وتشويهه الحقائق. ومع ذلك لم يسع باسيل إلى البناء على القواسم المشتركة مع القيادات السياسية والاحزاب، ولم يحافظ على علاقته مع حزب الله، وها هو اليوم وحيداً يخوض، بحسب مصدر سياسي بارز لـ"لبنان24"، معارك وهمية من شأنها أن تطيح ب"التيار" الذي رفض عدد من مسؤوليه الحملة المنظمة على قائد الجيش وطالبوا مرارا إبعاد المؤسسة العسكرية عن المناكفات السياسية والخلافات الشخصية، مع الإشارة في هذا السياق إلى أن النائب اسعد درغام فشل في تقريب وجهات النظر بين باسيل والعماد عون، بعدما نجح سابقا في عقد لقاء بينهما.
 كل اتهامات باسيل لقائد الجيش دحضها ديوان المحاسبة عندما أكد القاضي فوزي خميس في قراره، أن "كل التدابير التي اتخذها قائد الجيش متوافقة مع الأصول، وهي مشروعة ومباحة ومبرّرة ومناسبة مع حجم التحدّيات والظروف الاقتصادية والسياسية والاستثنائية المحدقة التي تمر بها البلاد، وأكدت حرص قيادة الجيش على أموال المؤسسة العامة، وعدم ثبوت ارتكاب عون أي مخالفة".
 أمام كل ذلك، يقول مصدر قريب من الثنائي الشيعي لـ"لبنان24" أن صدقية "التيار الوطني الحر" على المحك، وأن الأوان حان لمراجعة شاملة لسياساته وأدائه في السنوات الماضية، لأن الأمور لن تقتصر على خسارة نائب البترون لحلفائه إنما ستمتد إلى القاعدة الشعبية للتيار العوني لا سيما المسيحية على وجه الخصوص، فانتخابات العام 2022 أثبتت أن باسيل ليس الزعيم المسيحي الأول، فهناك 7 نواب لم يكن ليصلوا إلى البرلمان لولا "المد الشيعي" لهؤلاء بالاصوات.
قبل نهاية العام كان لقاء اليرزة بين فرنجية والعماد عون محطة مهمة سوف يبنى عليها في العام 2024 لا سيما وأن الرجلين اتفقا على المنافسة الديمقراطية، لكن الواقع يشير إلى أن باسيل سيجد نفسه أمام تحديات سياسية كثيرة. ويقول مقربون من "التيار الوطني الحر" إن المطلوب في العام 2024 العودة لتصدر المشهد السياسي في البلد ، والابتعاد عن السجالات والمناكفات التي لا طائل منها، والمفروض أيضاً أن  يضع باسيل في حساباته أن العام 2024 يجب أن يكون عام التقويم والمراجعة وتصويب الخيارات بدءا من تبني خيار منطقي لرئاسة الجمهورية يمكن التقاطع عليه مع الحلفاء، مرورا بترميم الانقسام الداخلي العميق وغير المعلن داخل "التيار" ومع قسم كبير من الكوادر الذين غادروا "التيار "في الاونة الأخيرة، وصولاً إلى إعادة بناء الثقة المهتزة مع حلفائه وفي طليعتهم حزب الله وإعادة الاعتبار للفكرة المركزية عند "التيار"وهي الإصلاح والتغيير ومغادرة الحسابات الشخصية الضيقة. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: التیار الوطنی الحر على مستوى العام 2024 حزب الله

إقرأ أيضاً:

المجلس العسكري في مالي يعين رئيسا جديدا للوزراء.. من يكون؟

قال التلفزيون الرسمي في مالي، إن المجلس العسكري الحاكم قد عيّن المتحدث باسمه، اليوم الخميس، عبد الله مايجا، رئيسا للوزراء، وذلك عقب يوم من إقالة شوجيل مايجا، على خلفية انتقاده لإدارة البلاد.

من يكون؟
جاء في مرسوم أذيع في التلفزيون الرسمي لمالي، أن: "الكولونيل عبد الله مايجا، وزير الإدارة الإقليمية واللامركزية، تم اختياره ليشغل بالإنابة منصب "شوجل كوكالا مايجا" في رئاسة الوزراء ورئاسة الحكومة".

وكان عبد الله مايجا الذي يبلغ أربعين عاما، قد شغل منصب المتحدث باسم الحكومة أيضا، قبل أن يصبح رئيسا للوزراء.

وفي وقت سابق، أدلى مايجا، بصفته المتحدث باسم الحكومة، بتصريحات علنية وصفت بكونها "قوية"، ضد فرنسا التي استعمرت بلاده من قبل، مطالبا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بـ"التخلّي عن موقفه الاستعماري الجديد والمتعالي".

وطالب المسؤول المالي، في عدد من المرّات، بـ"إصلاح قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في بلاده". فيما انتقد بشدة عددا من القادة الأفارقة مثل: الرئيس النيجري، محمد بازوم، الذي اتهمه بكونه ليس نيجريا؛ ورئيس ساحل العاج، الحسن وتارا، الذي اعتبر أنه قام بـ"مناورة من أجل الاحتفاظ بالسلطة لنفسه ولعشيرته بتغيير الدستور للترشح لولاية ثالثة".

كذلك، اتّهم الرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" رئيس غينيا بيساو، عمر سيسوكو إمبالو، بـ"اتباع الأمم المتحدة". بالقول: "من المهم أن نوضح له أن الأمين العام للأمم المتحدة ليس رئيس دولة، وأن الرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ليس موظفا لديه".

لماذا أُقيل شوجيل مايجا؟
بحسب عدد من التقارير الإعلامية، المُتفرٍّقة، فإن مصدرا مقربا من رئيس الوزراء المُقال، أبرز أنّ: "وسائل إعلام نقلت عنه تنديده في مطلع الأسبوع الجاري، بإخفاق المجلس العسكري في تنظيم انتخابات، خلال فترة انتقالية مدتها 24 شهرا للعودة إلى الديمقراطية، وهو الشيء الذي قد أثار غضب المجلس".


إلى ذلك، تأتي إقالة شوجيل مايجا، في خضم مؤشرات على تفاقم الإحباط وكذا الانقسام وسط السياسيين في مالي، حتى بين من دعم منهم الانقلاب خلال البداية وتعاون مع المجلس العسكري.

تجدر الإشارة إلى أن العسكريون قد تقلّدوا السلطة من خلال ما وُصف بـ"انقلابين متتاليين" في عامي 2020 و2021، فيما وعدوا بإجراء انتخابات في شباط/ فبراير الماضي، غير أنهم أرجأوا التصويت إلى أجل غير مسمّى، وأرجعوا ذلك إلى عدد من  المشكلات الفنية.

مقالات مشابهة

  • المجلس العام الماروني: الإستقلالُ يكونُ بتحمُّل المسؤولية دفاعاً عن الوطن
  • المركز الوطني للأرصاد ينبه من هطول أمطار غزيرة على منطقة مكة المكرمة
  • الأفعال العمليّة المُجدّية التي تُوقِف الحرّب
  • المجلس العسكري في مالي يعين رئيسا جديدا للوزراء.. من يكون؟
  • «الجيل الديمقراطي»: الحوار الوطني أحدث زخمًا كبيرًا في الحياة السياسية والحزبية
  • البطريرك ميناسيان: ندعو القوى السياسية إلى اختيار رئيس يكون رمزًا للوحدة
  • ممانعو التيار يتجنبون الاعلام
  • الخيارات العربية فى غزة ولبنان!
  • خبير قانوني:التعداد العام لن يكون له تأثير في ملف المادة 140 الدستورية
  • حتى يكون الدعاء مستجاب.. داعية يكشف عن كلمات نبوية مأثورة