يحل علينا اليوم السابع والعشرين من شهر ديسمبر، ذكرى تولي الشيخ مصطفى عبد الرازق، مشيخة الأزهر الشريف، وهو رائد الفكر الفلسفي الإسلامي، فضلا عن كونه أديبا وشاعرا، كما كان كاتبا صحفيا متميزا.

ويعد الشيخ مصطفى عبدالرازق علامة بارزة بين علماء الأزهر الشريف، ومن تولوا مشيخة الأزهر الشريف، حيث جمع بين العلم الشرعي والأدب والتاريخ والفلسفة الإسلامية والترجمة، وهو مؤسس المدرسة الفلسفية العربية.

كما اجتمع للشيخ سمت العلماء وصفتهم، من التواضع، والوقار، والأدب الجم، ولين الجانب، فكانت ابتسامته لا تفارق وجهه، وحظي بحب موفور من مشايخه وأساتذته، ومرؤسيه وتلامذته.

السيرة الذاتية 

هو مصطفى بن حسن بن أحمد بن محمد بن عبد الرازق، ولد في قرية أبي جرج، من قرى محافظة المنيا، ولا يعرف تاريخ مولده بالضبط، وأشهر الأقوال أنه ولد سنة 1885م، وهو الابن الرابع من أبناء المرحوم حسن باشا عبد الرازق.
حفظ القرآن الكريم في قريته وجوده ودرس مبادئ العلوم ثم أرسله والده إلى الأزهر وسنه بين العاشرة والحادية عشرة، فواصل دراسته في جد واجتهاد، وظهرت بواكير نبوغه وكان والده يتدارس معه في الإجازات كتب الآداب ودواوين الشعراء فنمت موهبته وأينعت، وأحب الصحافة فأنشأ مع إخوته وأقاربه صحيفة عائلية كان يطبعها على مطبعة (البالوظة)، ثم أنشأ جمعية (غرس الفضائل) من شباب أسرته وكانوا يتناوبون فيها الخطابة في مساء الجمعة من كل أسبوع، وكان هو أمين سر الجمعية واستمرت هذه الجمعية من سنة 1900م حتى سنة 1905م.


تولى الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق مشيخة الأزهر، في 27 من ديسمبر سنة 1945، وهذا الأمر لم يرض به مجموعة من كبار العلماء في الأزهر؛ لأن شيخ الأزهر ينبغي أن يكون من هيئة جماعة كبار العلماء، ولا يعين بالهيئة إلا من تولى وظائف معينة في القضاء الشرعي، أو درس بالأزهر مدة معينة، ولم يكن الشيخ مصطفى عبد الرازق باشر التدريس بالأزهر، ولم يعترف كبار علماء الأزهر بتدريسه بالجامعة المصرية، فحل أولياء الأمور هذه المشكلة بإصدار قانون جديد يقضي بأن يكون التدريس في الجامعة مساويا للتدريس في الكليات الأزهرية في الترشيح لمشيخة الأزهر.

ولم يمض عليه حول كامل في مشيخة الأزهر حتى تم اختياره أميرا للحج، فخرج لأداء الفريضة في 28 من أكتوبر سنة 1946م، ولبث في رحلته شهرا وأياما ثم عاد ليتفرغ لاستئناف وجوه الإصلاح في الأزهر، ولكن الأمر لم يطل به.


ذهب الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق في 15 من فبراير سنة 1947م إلى مكتبة الأزهر فترأس جلسة المجلس الأعلى للأزهر ثم عاد إلى بيته فتناول طعامه ونام قليلا، ثم استيقظ فتوضأ وصلى، ثم شعر بإعياء شديد فاستدعي الطبيب فوجد أن الشيخ قد وافته المنية، فقد نفذ قضاء الله فيه، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولكل أجل كتاب.

شيوخه وأساتذته
 

تتلمذ الشيخ على يد علماء أجلاء أثروا في فكره، وصقلوا مواهبه، من أبرز هؤلاء العلماء: الشيخ محمد عبده، والشيخ بسيوني عسل، والشيخ محمد حسنين البولاقي، والشيخ أبو الفضل الجيزاوي، رحمهم الله.

مناصبه العلمية
 

شغل الشيخ مصطفى عبد الرازق عددا من مواقع العلم البارزة، وتقلد العديد من المناصب.

فقد درس القضاء الشرعي في الأزهر الشريف، وعين مفتشا للمحاكم الشرعية.

وفي أوائل أكتوبر 1915م عين بالمجلس الأعلى للأزهر.

وعين أستاذا مساعدا للفلسفة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول؛ ثم منح لقب أستاذ الفلسفة في أول أكتوبر سنة 1935م.

تم اختياره وزيرا لشئون الأوقاف المصرية، والتي تعاقب اختياره وزيرا عليها من قبل ست حكومات متتالية منذ سنة 1938م، وكان أول أزهري يتولاها.


عين شيخا للأزهر الشريف في ديسمبر 1945م / محرم 1365 ه، واختير أميرا للحج في العام نفسه.


مؤلفات الشيخ مصطفى عبد الرازق

وظف الدكتور مصطفى عبدالرازق فكره وأدبه وفلسفته وعلمه لخدمة الدين الإسلامي، ويظهر ذلك جليا في مؤلفاته الرائعة، والتي منها:

تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية.

فيلسوف العرب والمعلم الثاني.

الدين والوحي والإسلام.

الإمام الشافعي (رسالته لنيل درجة الدكتوراة)


وفاة الشيخ مصطفى عبد الرازق

بعد حياة حافلة بالعلم والعطاء وخدمة العلم، لحق مجدد الفل فة الإسلامية المفكر الأديب الدكتور مصطفى عبدالرازق بالرفيق الأعلى في 24 ربيع الأول 1366 ه / 15 فبراير 1947م، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مشيخة الأزهر شيخ الأزهر الشريف الأزهر الشریف مشیخة الأزهر

إقرأ أيضاً:

خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف

مكة المكرمة

‏‎أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط، في خطبته التي ألقاها اليوم، بالمسجد الحرام، المسلمين بتقوى الله ومُراقبته والإيمان بلقائه.

وقال فضيلته: إن نزول البلايا وحُلول المصائِب في ساحةِ العبد، على تنوُّعها، وتعدُّد ضُرُوبها، وما تُعقِبُه من آثار، وما تُحدِثُه من آلامٍ، يتنغَّصُ بها العيشُ، ويتكدَّرُ صفوُ الحياة؛ حقيقةٌ لا يُمكِنُ تغييبُها، ولا مناصَ من الإقرار بها، لأنها سُنَّةٌ من سُنن الله في خلقه، لا يملِكُ أحدٌ لها تبديلًا ولا تحويلًا.

وأوضح الدكتور أسامة خياط، أن مواقف الناس أمامَها، فأما أهل الجَزَع، ومن ضعُف إيمانُه واضطربَ يقينُه، فيحمِلُه كل أولئك على مُقابلة مُرِّ القضاء ومواجهة القدَر، بجزَعٍ وتبرُّمٍ وتسخُّطٍ، تعظُمُ به مُصيبتُه، ويشتدُّ عليه وقعُها، فيربُو ويتعاظَم، فينوءُ بثِقَلها، ويعجِزُ عن احتمالها، وقد يُسرِفُ على نفسه، فيأتي من الأقوال والأعمال ما يزدادُ به رصيدُه من الإثم عند ربِّه، ويُضاعِفُ نصيبَه من سخَطِه، دون أن يكون لهذه الأقوال والأعمال أدنى تأثيرٍ في تغيير المقدور، أو دفع المكروه.

‏‎وأبان فضيلته أن أولي الألباب، يقِفُون أمامَها موقفَ الصبر على البلاء، والرضا ودمع العين، لا يأتون من الأقوال والأعمال إلا ما يُرضِي الربَّ سبحانه، ويُعظِمُ الأجرَ، ويُسكِّنُ النفسَ، ويطمئنُّ به القلبُ، يدعوهم إلى ذلك، ويحُثُّهم عليه، ما يجِدونه في كتاب الله من ذكر الصبر وبيان حُلو ثِماره، وعظيمِ آثاره ، بإيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم: (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون) .

وأكد فضيلته أن المرءُ بالصبر خيرَ عيشٍ في حياته، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “خير عيشٍ أدركناه في الصبر”.
وأشار فضيلته إلى أن أمرُ المؤمن كلُّه خير له، لأنه دائرٌ بين مقامَي الصبر والشُّكر، حيث قال صلى الله عليه وسلم-: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمرَه كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابَته سرَّاء شكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَته ضرَّاءُ صبَرَ فكان خيرًا له”.

تحدّث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير عن أهمية انشغال العبد بما ينفعه من أمور دينه ودنياه، والبُعد عن الاشتغال بأخبار الناس، وتتبّع أخبارهم، وما لا يعنيه من أمورهم، مبينًا أن ذلك من المكروهات، ومدخل للخصومات والشرور الذي يورد للمرء الندامة والشقاء.

وأوضح الشيخ الدكتور صلاح البدير أن من صفات أهل العزائم والكمالات ترك ما لا يعني، ورفضُ الاشتغال بما لا يُجدي، وأن ينشغل المرء بما يتعلق بضرورة حياته في معاشه، وسلامته في معادِه، فإذا اقتصر الإنسان على ما يعنيه من أموره، سلِم من شرٍ عظيم، وذلك من حُسن الإسلام، مضيفًا أن ثمرة اشتغال المرء بما يعنيه، وتركُهُ ما لا يعنيه، الرفعة، والراحة، والسكينة، والطمأنينة، والبركة في العمر والقول والعمل، والأهل والمال والولد.

وقال إمام وخطيب المسجد النبوي: إن أكثر الناس تعاسة وانتكاسة وشقاء ً أكثرهم اشتغالًا بما لا يعنيه، مشيرًا إلى أن اشتغال المسلم بما لا منفعة له فيه هو الداءُ العُضال، الجالِبُ لكلّ شرّ، مبينًا أن من صور اشتغال المرء بما لا يعنيه كثرة البحث عن أخبار الناس، والاشتغال باستقصاء أخبارهم، وتتبع أحوالهم، وكشف عوراتهم، والشغف بمعرفة تفاصيل أمورهم، وحكاية أقوالهم، ومعرفة أملاكهم، وضِياعهم، وزوجاتهم، وأولادهم، ومعرفة الداخل عليهم والخارج منهم حتى يُدخل عليهم الحرج والأذى في كشف ما ستروه من أمورهم، وهو فِعلٌ قبيح مكروهٌ، يُدخل في عموم حديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “إن الله كره لكم ثلاثًا:

قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال” متفق عليه وتابع فضيلته قائلًا: كم سَلَب ذلك التهافت المشؤوم بكثرة سؤال الناس عن أحوالهم الخفية والدقيقة من خيراتٍ وبركات، وكم زرع من عداوات، وكم غرس من خصومات، وكم أوقع من حرج وحزازات، وقد جُبل الناس على بُغض الباحث عن مخبئات أمورهم، المستعلم عن أحوالهم، المتقصّي عن أهلهم وأولادهم وأموالهم، ومن تقصّى أخبار الناس مجّته قلوبهم، وعافته نفوسهم، وكرهته مجالسهم.

وبيّن الشيخ صلاح البدير أن مِن سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ عَنْ عُيُوبِ غَيْرِهِ، وأن من صور اشتغال المرء بما لا يعنيه خوضُه في لغو الكلام الذي لا منفعة فيه، فمن ترَكَ من الأقوال والأفعال ما لا ضرورة فيه، ولا منفعةَ له منه، صانَ نفسَه، ومن أراد خِفة الذُّنوب، وقِّلة الأوزار، وراحة القلب، وحُسن الذكر، وصلاح العمل، فليترك الاشتغال بما لا يعنيه، مضيفًا أن من صور اشتغال المرء بما لا يعنيه سؤال العلماء عمّا لا يعنيه من القضايا والوقائع والحوادث، والإكثار من السؤال عمّا لم يقع، ولا تدعو إليه حاجة، تكلفًا وتنطعًا، داعيًا إلى مجاهدة النفس على التمسُّك بهذا الأصل العظيم من أصول الأدب والسلوك.

وأشار إلى أن من صور اشتغال المرء بما لا يعنيه، انتصابه للفتوى والأحكام؛ وتصدُّره للإفادة في العلوم الشرعية، وهو ليس بأهلٍ لذلك، فيتَكَلَّم فِي الدّين بِلَا عِلم، ويُحدّث بِلَا عِلم، ويُفتي بِلَا عِلم، داعيًا العباد إلى تنزيه قلوبهم وجوارحهم عمّا لا ينفعهم، فإذا اشتغل العبد بما لا ينفعه، انصرف عما ينفعه، فتحقّقت خسارته، وعظُمت ندامته.

وختم فضيلته خطبة الجمعة؛ مذكرًا العباد بملازمة الصلاة على نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – في كل وقت وحين، داعيًا الله جلّ جلاله أن يُعزّ الإسلام والمسلمين، وينصُر عباده الموحّدين، وأن يحفظ بلادنا وبلدان المسلمين، وأن يغيث إخواننا المستضعفين المظلومين في فلسطين، ويكون لهم معينًا وظهيرًا، ووليًا ونصيرًا، وأن يجبر كسرهم، ويشفِ مرضاهم، ويتقبّل موتاهم في الشهداء، ويفُكّ أسراهم، ويُعجّل نصرهم على المعتدين الظالمين.

مقالات مشابهة

  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
  • مشيخة دروز سوريا تعلن رفضها لدعوات التقسيم بعد التوترات الأمنية
  • مصطفى غريب يُحيي ذكرى وفاة والدته بكلمات مؤثرة
  • وزير الخارجية يهنئ نظيره السوداني بمناسبة توليه مهام منصبه الجديد
  • بمناسبة عيد العمال.. الحزاوي: «العمل الشريف هو أساس بناء المجتمع»
  • رئيس بلدية بيت شلالا يفند الانجازات المحققة في فترة توليه منصبه
  • لقاء موسع لعلماء وخطباء المربع الجنوبي بالحديدة في ذكرى الصرخة
  • بشأن قطع الطرقات والتظاهر.. بيان من مشيخة العقل
  • ما أبرز ما جاء في كلمة ترامب بمناسبة مرور 100 يوم على توليه الرئاسة؟
  • كريم الحسيني يحيي ذكرى نور الشريف ومدحت مرسي: "تعلمت على أيدكم الكثير.. ولن أنسى أفضالكم"