فئات ضعيفة تدفع الثمن الأكثر مأساوية لاتساع رقعة حرب السودان
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
بصعوبة بالغة تمكنت العشرينية سارة عثمان من وضع طفلها الأول بعد ساعات من وصولها إلى إحدى القرى الواقعة جنوب مدينة ود مدني في وسط البلاد والتي تشهد للأسبوع الثاني على التوالي تدهورا كبيرا في أوضاعها الأمنية.
سارة وغيرها من النساء الحوامل في الأشهر الأخيرة هن ضمن 5 فئات تتعرض لمخاطر كبيرة في ظل الحرب الحالية المستمرة منذ نحو 9 أشهر بين الجيش وقوات الدعم السريع والتي اتسع نطاقها الجغرافي بشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة.
وتقول منى، شقيقة سارة، لموقع سكاي نيوز عربية إن شقيقتها نجت من الموت بأعجوبة بعد أن تدخلت إحدى القابلات المحليات في توليدها بصعوبة بالغة في قرية لا يوجد بها مستشفى أو طبيب متخصص.
ومنذ اندلاع الأحداث الأخيرة في مدينة ود مدني كانت أسرة سارة تسعى بشكل متواصل للبحث عن طريقة آمنة لإخراجها من المدينة قبل أن يداهمها المخاض في ظل انعدام تام لسيارات الإسعاف؛ لكنها اضطرت في النهاية إلى إخراجها على ظهر سيارة نقل صغيرة وعبر طرق وعرة رغم أنها كانت حامل في نهاية شهرها الثامن.
وتقول هويدا محمد الحسن، استشارية التوليد وأمراض النساء لموقع سكاي نيوز عربية إن هناك مخاطر كثيرة تتعرض لها المرأة عند الولادة خصوصا في حالة الحمل الأول حيث تتزايد احتمالات الحاجة لعملية قيصرية أو قد تتعرض المرأة الحامل لتمزقات في عنق الرحم أو قناة الولادة مما يؤدي إلى حدوث مضاعفات أو وفاة المولود. وتنبه الحسن إلى المضاعفات والمخاطر التي تتعرض لها المرأة عند الولادة في حال كان لديها أمراض مصاحبة للحمل مثل ارتفاع السكر والضغط حيث تكون أكثر عرضة لمشاكل طارئة قد تتطلب إدخالها لعملية قيصرية لضمان سلامة الطفل أو الأم.
وعند وصولها إلى ود مدني قبل نحو 7 أشهر، هاربة مع مئات الآلاف من السودانيين من القتال الذي اندلع في الخرطوم منتصف أبريل الماضي؛ كانت سارة حاملا في شهرها الثاني ولم تكن تتوقع أن تجبرها الظروف الأمنية على البحث عن مكان آمن آخر لوضع مولودها المنتظر؛ لكن بعد مرور أكثر من 9 اشهر على اندلاع القتال دخلت معظم مدن السودان في دائرة المناطق غير الآمنة.
وفي ظل تدهور الأوضاع الأمنية في معظم انحاء السودان؛ تجد العديد من الفئات الضعيفة صعوبة كبيرة في الخروج من مناطق القتال أو الأماكن غير الآمنة مما يعرض حياتهم للخطر. ويتزايد الخطر أكثر بسبب ما تتعرض له فرق الإنقاذ والمنظمات والهيئات الدولية العاملة على الأرض من مصاعب حقيقية في عمليات الإجلاء.
وقبل نحو 3 أسابيع تعرضت قافلة نظمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإجلاء عدد من العالقين من المرضى والأطفال وكبار السن في مناطق القتال بجنوب الخرطوم لهجوم مسلح من أحد طرفي القتال مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من المستهدفين بعملية الإجلاء.
ومنذ اندلاع الحرب، توفي نحو 20% من المصابين بالفشل الكلوي المقدر عددهم بأكثر من 13 ألفا، بحسب ما ذكرته نازك أبو سن رئيسة منظمة أطباء السودان لحقوق الإنسان – مكتب الخرطوم – لموقع سكاي نيوز عربية.
وقبل تدهور الأوضاع الأمنية فيها كانت مدن، مثل ود مدني وسنار وكوستي، تأوي آلاف المرضى الباحثين عن استكمال جرعات غسيل الكلى أو جلسات علاج السرطان أو خدمات العناية بالقلب التي توقفت بسبب النقص الحاد في المحاليل والأدوية في المستشفيات والمراكز القليلة المتوافرة خارج الخرطوم والتي لجأ إليها آلاف المرضى بعد اندلاع القتال.
وبسبب الضغط الكبير تم تقليص عدد جلسات غسيل الكلى في بعض المراكز إلى واحدة فقط بدلا من اثنتين. كما ارتفعت تكلفة الغسلة الواحدة في بعض المراكز الخاصة إلى اكثر من 200 ألف جنيه “نحو 200 دولار” وهو ما يشكل عبئا ماديا كبيرا على أسر المرضى في بلد يعيش فيه أكثر من 60% من السكان تحت خط الفقر. وتضاعفت خلال الفترة الأخيرة أسعار بعض الأدوية المكونة لجرعات علاج السرطان بأكثر من 10 مرات.
وفي الجانب الآخر؛ يدفع اكثر من 20 مليون طفل ثمنا باهظا للتدهور الأمني المتزايد الانتشار في معظم مناطق البلاد. وبعد عملية إجلاء محفوفة بمخاطر كبيرة من الخرطوم إلى ود مدني أنجزت قبل نحو 6 أشهر، أعلنت منظمات وهيئات إنسانية الاثنين عن عملية معقدة لإخراج أكثر من 400 طفل من فاقدي السند من مدينة ود مدني بعد تدهور الأوضاع الأمنية فيها.
وخلال الأسابيع الأولى من الحرب؛ بذلت منظمات طوعية جهود مضنية لإجلاء أولئك الأطفال بعد وفاة 30 منهم بسبب انعدام الرعاية الصحية في الدار التي كانوا يقيمون فيها في إحدى أخطر مناطق الاشتباكات في وسط الخرطوم.
ويواجه الأطفال الموجودين في دور الرعاية الاجتماعية في ود مدني حاليا مخاطر كبيرة بسبب عدم قدرة المرضعات والأمهات البديلات من ممارسة عملهن. وخلال الأسابيع الأولى من اندلاع الفتال؛ قال الناشط المجتمعي ناظم سراج لموقع سكاي نيوز عربية إن عدد الضحايا من أطفال دور الرعاية تزايد بشكل مقلق؛ مشيرا إلى الجهود التي بذلت لإجلاء من تبقى منهم إلى أماكن آمنة وذلك بمساعدة منظمات دولية.
ورسم جيمس الدر، المتحدث الرسمي باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، صورة قاتمة عن مستقبل 24 مليون طفل في السودان بسبب التداعيات الناجمة عن الحرب.
وقال الدر في رد على أسئلة بعث بها موقع سكاي نيوز عربية عبر البريد الإلكتروني إن هنالك ارتفاعا كبيرا في وفيات الأطفال بسبب الاشتباكات المسلحة وسوء التغذية؛ مشيرا إلى أن مخاطر كبيرة تواجه مستقبل أكثر من 19 مليون طفل بسبب إغلاق مؤسسات التعليم وعدم القدرة على الالتحاق بالمدارس.
ووفقا للمتحدث باسم اليونيسف فإن التجاهل القاسي للمدنيين والهجمات المتواصلة على الخدمات الصحية والتغذوية؛ يعرض حياة آلاف الأطفال حديثي الولادة لخطر الموت.
وأوضح “يحتاج مئات الآلاف من المواليد الجدد إلى رعاية ماهرة عند الولادة وهو أمر تتضاءل إمكانية حدوثه بسبب وقوع الملايين في الحصار في مناطق الحرب أو اضطرارهم للنزوح في ظل نقص خطير في الإمدادات الطبية”.
سكاي نيوز
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: لموقع سکای نیوز عربیة مخاطر کبیرة ود مدنی أکثر من
إقرأ أيضاً:
أطباء بلا حدود تعلق عملها في مستشفى كبير في الخرطوم بسبب هجمات عنيفة
الخرطوم - أعلنت منظمة أطباء بلا حدود الجمعة 10يناير2025، تعليق عملياتها في مستشفى يلعب دورا أساسيا في الخرطوم بعد "هجمات عنيفة" شنها مسلحون على مدى أشهر.
وقال الأمين العام للمنظمة غير الحكومية كريستوفر لوكيير لوكالة فرانس برس "اضطررنا إلى تعليق أنشطتنا في مستشفى بشائر في الخرطوم" بعدما شهد "الكثير من الهجمات العنيفة على مرضى" خلال الأشهر الماضية.
وأضاف المسؤول "بات من غير المحتمل بالنسبة لنا العمل هناك، وهو من المنشآت الاستشفائية القليلة المجانية في مدينة الخرطوم التي تتعرض لهجمات منذ عدة أشهر. إنه تطور مأسوي فعلا للأحداث".
ويقع مستشفى بشائر في جنوب الخرطوم، في منطقة تسيطر عليها قوات الدعم السريع التي تخوض حربا ضد الجيش السوداني.
وشدد لوكيير على أن "هذا قرار مأسوي لم يتخذ بشكل متهور، وجاء بعد إجراء محادثات مع كل الأطراف المتحاربة حول وجودنا في هذا المستشفى"، مؤكدا أنه لم يعد بإمكان أطباء بلا حدود "العمل في وضع على هذا القدر من العنف".
ومستشفى بشائر الذي يقدم رعاية مجانية، هو من آخر المستشفيات التي لا تزال تعمل في جنوب الخرطوم. ومع اشتداد المعارك استقبل منذ أواخر أيلول/سبتمبر أعدادا متزايدة من المرضة المصابين بصدمات عنيفة، بحسب المنظمة التي أضافت أن "عشرات الأشخاص يصلون أحيانا إلى المستشفى في الوقت نفسه بعد عمليات قصف أو ضربات جوية على المناطق السكنية والأسواق".
ففي 5 كانون الثاني/يناير نقل خمسون شخصا إلى قسم الطوارئ، أعلنت وفاة 12 منهم، بعد ضربة جوية على مسافة كيلومتر واحد من المستشفى، بحسب أطباء بلا حدود.
وجاء في بيان المنظمة التي تعمل في 11 ولاية سودانية "نأمل أن تسمح لنا الظروف بالعودة إلى مستشفى بشائر في المستقبل واستئناف نشاطنا الطبي".
منذ نيسان/أبريل 2023، أسفرت الحرب بين الجيش النظامي السوداني وقوات الدعم السريع عن مقتل عشرات الآلاف. وفي العاصمة وحدها، قُتل 26 ألف شخص بين نيسان/أبريل 2023 وحزيران/يونيو 2024، وفقا لتقرير صادر عن كلية لندن للصحة والطب الاستوائي.
وشهدت الخرطوم بعضا من أسوأ أعمال العنف في الحرب، حيث تم إخلاء أحياء بأكملها. ولم يتمكن الجيش، الذي يحتكر الأجواء بطائراته النفاثة، من استعادة السيطرة على العاصمة من قوات الدعم السريع.
وتفيد أرقام الأمم المتحدة أن ما يقرب من ثلث النازحين داخل السودان البالغ عددهم 11,5 مليون شخص، فروا من العاصمة.
واتُهمت قوات الدعم السريع والجيش مرارا باستهداف المدنيين وقصف المناطق السكنية من دون تمييز.
ووفق نقابة الأطباء السودانيين، اُضطر ما يصل إلى 90% من المرافق الطبية في مناطق النزاع على الإغلاق، ما يحرم ملايين السودانيين من الرعاية. وبحسب المصدر نفسه، دخلت قوات الدعم السريع مؤسسات صحية لعلاج جرحاها أو ملاحقة أعدائها، ونفذ مقاتلوها عمليات انتقامية ضد أطباء بعد وفاة رفاقهم أثناء تلقيهم العلاج، فيما يُتهم الجيش بتنفيذ غارات جوية على مستشفيات، على ما ذكرت المنظمة غير الحكومية الجمعة.
Your browser does not support the video tag.