فرنسا: الحوثيون لازالوا ثابتين رغم التحذيرات الأمريكية
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
(عدن الغد)متابعات.
الحوثيون ثابتون ولا يتزعزعون على الرغم من التحذيرات الأمريكية”. في الأسابيع الأخيرة، ركزت الصحافة العالمية على مشكلة الحوثيين في اليمن، الذين وقفوا في وجه العمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية ضدهم منذ ما يقرب من ثماني سنوات.
في الواقع، في حين يبدو أنه من الوارد تجنب اندلاع حريق إقليمي- حتى الآن- على الرغم من عنف القتال في قطاع غزة بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس، وعلى جانبي الحدود الإسرائيلية اللبنانية بين جيش الدفاع الإسرائيلي وحزب الله في اتجاه خطاب الانتظار والترقب النسبي لزعيم الجماعة اللبنانية شبه العسكرية حسن نصر الله، ظهر الحوثيون في وقت مبكر من الصراع من خلال شن عدة هجمات ضد أهداف إسرائيلية أو تم تحديدها على أنها حليفة لإسرائيل.
شهدت هذه الهجمات تكثيفا خاصا منذ بداية ديسمبر الجاري، حيث جعلت هذه المرة أهدافا عسكرية ومدنية على حد سواء في مرمى نيرانها.
وبالتالي، أثارت هذه العمليات موجة من الذعر بين مُلاك السفن وشركات الخدمات اللوجستية الدولية، مما دفع بعضهم إلى وقف عملياتهم في منطقة البحر الأحمر، الذي يربط بين المنفذين الاستراتيجيين الحيويين للتجارة الدولية: مضيق باب المندب وقناة السويس.
ومن أجل عرض ملامح الأزمة في البحر الأحمر بشكل أفضل، سوف نلخص من خلال هذا المقال الطبيعة والدور الجيوسياسي الذي تلعبه حركة الحوثي في منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم الوصول إلى تاريخ الحقائق وتداعيات وآفاق هجمات الحوثيين.
منذ بداية العمليات القتالية بين إسرائيل وحركة حماس في 7 أكتوبر، أكد قادة الحركة الحوثية دعمهم للحركة الفلسطينية وأشادوا بنجاح الهجوم الذي رأوا فيه “المجد الذي يعانق عنان السماء” على حد تعبيرهم.
ومع ذلك، لم يعلن الحوثيون بصورة رسمية عن نيتهم الانخراط في الصراع إلى جانب حركة حماس من خلال شن ضربات صاروخية وطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة إلا في 10 أكتوبر، بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن إرسال عدة سفن حربية قبالة سواحل بلاد الشام، فهذا كان أحد الخيارات العسكرية في حال التدخل الأمريكي.
إذا تم أخذ هذا التهديد، في البداية، على محمل الجد بشكل معتدل فقط بالنظر إلى المسافة الجغرافية الكبيرة (أكثر من 2000 كيلومتر) التي تفصل اليمن عن إسرائيل، وقبل كل شيء، التهديد الأكثر إلحاحا من حزب الله على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، فإنه ومع ذلك، سوف ينفذ الحوثيون تهديدهم في 19 أكتوبر:
سوف تعلن المدمرة الأمريكية الراسية في البحر الأحمر، يو إس إس كارني، في ذلك اليوم أنها أسقطت عدة موجات من الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز تم اطلاقها من اليمن باتجاه إسرائيل.
إجمالاً، خلال تسع ساعات من العمليات، تم اعتراض خمسة صواريخ وخمسة عشر طائرة بدون طيار، بما في ذلك صاروخ واحد دمرته بطارية دفاع أرض جو تابعة لسلاح الملكي السعودي.
لقد مر هذا الهجوم دون أن يلاحظه أحد نسبيا وسط سيل المعلومات المصاحب للحرب في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، خاصة وأن الجيش الإسرائيلي كان يستعد آنذاك لشن غزو بري في قطاع غزة، وكانت الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا تقصف بانتظام القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط.
واصل الحوثيون هجماتهم رغم كل شيء: على سبيل المثال، تم إطلاق طائرات بدون طيار وصواريخ باتجاه إسرائيل في 27 أكتوبر وفي 31 أكتوبر وفي 1 نوفمبر وفي 9 نوفمبر، ولكن ولم يصيب أي من هذه الهجمات هدفه.
ففي الواقع، تحطمت جميعها بعيدا عن هدفها (مثل تلك التي ضربت المباني القريبة من مستشفى في مدينة طابا بمصر، في 27 أكتوبر)، أو اعترضتها البحرية الأمريكية في البحر الأحمر، إما عن طريق الدفاع الجوي الأرضي أو عن طريق سلاح الجو الإسرائيلي، الذي استخدم لأول مرة نظامه الدفاعي المضاد للصواريخ الباليستية “سهم- Arrow ” لاعتراض الصواريخ التي أطلقت باتجاه إيلات، جنوب البلد.
ومن جانبها، سوف تأخذ الولايات المتحدة الأمريكية التهديد الذي يشكله الحوثيون هذه المرة على محمل الجد، حيث سوف تقوم بعد ذلك بعمليات استطلاع قبالة سواحل اليمن.
في 8 نوفمبر، أسقطت الدفاعات الحوثية المضادة للطائرات طائرة أمريكية بدون طيار من طراز ” أم كيو-٩ ريبير MQ-9 Reaper – ” في مدينة الحديدة المطلة على البحر الأحمر.
وفي مواجهة فشل محاولاتهم لضرب الأراضي الإسرائيلية بشكل مباشر، غير الحوثيون تكتيكاتهم وأعادوا توجيههم نحو البحر الأحمر:
في 15 نوفمبر، أسقطت المدمرة الأمريكية توماس هودنر طائرة بدون طيار قادمة من اليمن كانت حينها متجهة نحوها.
وفي 19 نوفمبر، سوف تقوم القوات التابعة للحركة الحوثية بالاستيلاء على السفينة “جالاكسي ليدر” واختطافها خلال هجوم بطائرة هليكوبتر، بسبب ملكيتها لرجل الأعمال الإسرائيلي رامي أونجار.
تم الترويج للعملية بمهارة من قبل الحركة الحوثية، وذلك بفضل الكاميرات الأمامية التي كان يرتديها أفراد الكوماندوز وقت الاستيلاء على السفينة التجارية أو المثبتة على الهيكل السفلي للمروحية التي أقلت المقاتلين على متنها.
سوف يتركز اهتمام وسائل الإعلام هذه المرة على الحوثيين الذين، بفضل نجاحهم، سوف يضاعفون تصريحاتهم:
المتحدث باسمهم، يحيى سريع، سوف ينشر العديد من البيانات الصحفية على شبكات التواصل الاجتماعي محذرا القوى “المرتبطة بالكيان الصهيوني” (على حسب تعبيرهم) من المخاطر التي تواجهها سفنهم التي تعبر البحر الأحمر الآن.
في الواقع، لم يعد الإسرائيليون والأمريكيون الأهداف الوحيدة للحوثيين: ففي 10 ديسمبر، أسقطت الفرقاطة الفرنسية لانغدوك طائرتين مسيرتين كانتا متجهتين نحوها.
وبعد يومين، نجحت في حماية ناقلة النفط النرويجية ستريندا، التي تضررت بالفعل بسبب صاروخ مضاد للسفن، ووابل من الطائرات بدون طيار.
في 16 ديسمبر، بينما أسقطت سفينة حربية أمريكية 14 طائرة بدون طيار أطلقها الحوثيون من اليمن إلى البحر الأحمر، أسقطت مدمرة بريطانية، من طراز ” HMS Diamond” طائرة أخرى استهدفت سفينة تجارية.
وبعد يومين، تم أيضا استهداف سفينتين تجاريتين كانتا تعبران مضيق باب المندب، عند مدخل البحر الأحمر، وأصيبتا جراء استهدافها من قبل الحوثيون.
إذا كان تأثير الهجمات التي نفذها الحوثيون في البحر الأحمر على إسرائيل يبدو طفيفا بصورة نسبية من وجهة نظر عسكرية، فإن الاضطرابات التي سببتها التجارة البحرية الدولية تبدو كبيرة.
في الواقع، يمثل مضيق باب المندب، الذي وقعت فيه معظم الهجمات في البحر الأحمر أو بالقرب منه، عنق الزجاجة الاقتصادي الحقيقي، الذي عبرته من خلاله أكثر من 40٪ من التجارة العالمية في العام 2022.
بالإضافة إلى 12٪ من النفط و8% من الغاز السائل بحراً في العالم.
وقد أجبرت العمليات التي نفذها الحوثيون في المنطقة بالفعل العديد من شركات النقل الدولية بتعليق أنشطتها هناك، مثل:
– شركة ” ميرسك- “Maersk الدنماركية
– شركة” هاباغ لويد- Hapag-Lloyd ” الألمانية
– الشركة العملاقة الفرنسية” سي إم ايه سي جي أم- CMA CGM ”
– شركة البحر الأبيض المتوسط – MSC” للملاحة وهي خط شحن دولي سويسري إيطالي.
– شركة يانغ مينغ- Yang Ming للنقل البحري هي شركة شحن تايوانية.
حيث قررت عدم استخدام المضيق حتى إشعار آخر وقررت عبور الطريق البحري الأفريقي من الجنوب للوصول إلى / أو المغادرة من القارة الأوروبية، وهي رحلة ملاحية أطول تستغرق حوالي سبعة إلى ثمانية أيام.
وإذا لم تبدو هذه المدة كبيرة، فإن تداعياتها على تكلفة المنتجات والمواد الأولية يمكن أن تصبح ملحوظة بسرعة، كما ظهر ذلك من خلال على سبيل المثال عندما جنحت سفينة الشحن “إيفر جيفن-Ever Given ” في قناة السويس مما ادى الى توقف حركة الملاحة البحرية لمدة أسبوع تقريبا، في ربيع 2021.
في المجمل، قُدرت الخسائر التجارية الناجمة عن توقف العمل في القناة بحوالي 54 مليار دولار للبضائع وحدها على متن السفن التي تم إيقافها أو تأخيرها.
بناءً على هذه الملاحظة، وقلقا من عواقب الأزمة الدائمة في البحر الأحمر، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 10 ديسمبر عن إنشاء قوة متعددة الجنسيات تهدف إلى حماية حركة المرور البحرية في المنطقة.
إذ اخذت هذه القوة المتعددة الجنسيات على عاتقها مهمة استهداف أي عملية تقوم بها الحركة الحوثية في اليمن واعتراض أي صاروخ أو طائرة مسيرة يطلقها الحوثيون ضد السفن التي تعبر البحر الأحمر.
تتجمع هذه القوة تحت راية عملية “حارس الازدهار”، حيث تضم هذه القوة المنضوية تحت القيادة الأمريكية: المملكة المتحدة وأستراليا وكندا وفرنسا وإيطاليا واليونان وهولندا والنرويج وإسبانيا وسيشيل ومملكة البحرين.
وباستثناء الأخيرة، فإن الدول العربية، أو على الأقل الدول المطلة على البحر الأحمر مثل مصر والمملكة العربية السعودية، من أبرز الغائبين عن هذا التحالف البحري، مما يشهد على عزوف دول المنطقة عن المشاركة في العمليات العسكرية الأمريكية ضد حليف إيران.
علاوة على ذلك في سياق الاشتباكات التي اندلعت في البداية ردا على العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة.
لا بد أن المملكة العربية السعودية كانت مترددة في الانضمام الى هذا التحالف كي لا تفسد الأشهر التي قضتها في نسج المفاوضات الحساسة والصعبة مع الحوثيين وإيران.
حتى سبتمبر 2023، أظهرت المناقشات ما يكفي من الوعد لاستقبال وفد من الحركة الحوثية في العاصمة السعودية الرياض لمناقشة شروط وقف دائم لإطلاق النار.
ولا يزال من المحتمل جداً، في الوضع الراهن، أن يواصل الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر على الأقل على المدى القصير؛ فهي لا تمثل سوى تكلفة عسكرية ضئيلة بصورة نسبية بالنسبة لهم، ولكنها تلحق أضرارا اقتصادية وسياسية فادحة بخصومهم.
تبلغ تكلفة الطائرات بدون طيار التي يستخدمها الحوثيون حوالي 10 آلاف دولار (أي ما يعادل حوالي 9000 يورو)، مقارنة بـ 1.4 مليون يورو لكل صواريخ أستر يتم أطلقته من الفرقاطة لانغدوك لاعتراض هذه الطائرات بدون طيار.
وبالتالي فإن الهجمات التي نفذها الحوثيون كلفتهم ما يقرب من 150 مرة أقل من التدابير الدفاعية المتخذة ضدهم، ناهيك عن التكلفة التي لا تقدر بثمن في الوقت الحالي، للاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن هذه الهجمات داخل مضيق باب المندب.
إن فعالية التحالف البحري تحت القيادة الأمريكية وقدرته على البقاء في وضع دفاعي بحت سوف تكون حاسمة في نجاحه وفي نزع فتيل التصعيد الأمني الإقليمي المحتمل.
وبالتالي فإن الهجمات التي نفذها الحوثيون كلفتهم ما يقرب من 150 مرة أقل من التدابير الدفاعية المتخذة ضدهم، ناهيك عن التكلفة التي لا تقدر بثمن في الوقت الحالي، للاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن هذه الهجمات داخل مضيق باب المندب.
لا ينقاد الحوثيين، الذين يعتبرون وكلاء لطهران وراء النظام الإيراني بشكل أعمى.
ولكنهم مع ذلك يظلون منتبهين لتوجيهات النظام الإيراني، لذا لن يخاطروا بتصعيد أمني غير منضبط في البحر الأحمر، وهو ما سوف يخاطر حتماً بالتوسع إلى اليمن، على الأقل من خلال ضربات مستهدفة ضد مواقعهم.
كما لم تتردد الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة في القيام بفعل قرب العاصمة العراقية بغداد ضد (الميليشيات) الشيعية المسؤولة عن إطلاق النار على القواعد الأمريكية.
إن فعالية التحالف البحري تحت القيادة الأمريكية وقدرته على البقاء في وضع دفاعي بحت سوف تكون حاسمة في نجاحه وفي نزع فتيل التصعيد الأمني الإقليمي المحتمل.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة الطائرات بدون طیار فی البحر الأحمر مضیق باب المندب الحرکة الحوثیة هذه الهجمات فی الواقع من خلال
إقرأ أيضاً:
إثيوبيا ومصر.. صراع النفوذ والمياه
إثيوبيا ومصر.. صراع النفوذ والمياه
بقلم م. فؤاد عثمان عبدالرحمن
سباق محموم تشهده منطقة القرن الافريقي وشرق أفريقيا مابين إثيوبيا ومصر لإعادة تشكيل التحالفات وترتيب الأوراق بالاقليم في سبيل تحقيق كل دولة لمصالحها الاستراتيجية وفقا لما تخطط له وتنتهجه.
فضمن مساع مصرية متواصلة لتعميق حضورها في تلك المنطقة الحيوية، وقع أواخر يناير 2025 الرئيسان المصرى والكيني بالقاهرة على إعلان مشترك يقضي برفع العلاقات الثنائية إلى مستوي الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وقبلها شهدت الأسابيع الماضية استقبال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نظيره الصومالي حسن شيخ محمود، ووقعا على إعلان سياسي يقضي أيضا بترفيع العلاقات لمستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
بالمقابل، هل تسرع المفاوضات مابين الصومال واثيوبيا وتختبر سياسة خفض التوتر بالقرن الأفريقي ام تعيد تصعيدها.
فبعد عام من الخلاف زار حسن شيخ محمود، أديس ابابا والتقى برئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، لحل الخلاف والتوتر مابين البلدين والذي توسطت فيه تركيا والذي توج بتوقيعهما (إعلان انقرة) ولتسريع وتيرة المفاوضات بينهما.
إذ تعهد الإتفاق الذي رعته تركيا بإنهاء الخلاف والذهاب إلى محادثات في نهاية فبراير 2025، بهدف التوصل لاتفاق نهائي في غضون ٤ أشهر بمساعدة تركية. في ظل رفض مقديشو ماعرف باتفاق المؤاني مابين الحكومة الإثيوبية واقليم ارض الصومال الانفصالي، تحصلت بموجبه أديس أبابا على منفذ بحري للاستخدامات المدنية والعسكرية في بربرة لمدة 50 عام، مقابل اعتراف إثيوبيا بارض الصومال كدولة مستقلة ودعم تحركاتها الباحثة عن الاعتراف بها إقليميا ودوليا.
وعقب لقاء الرئيسان باديس ابابا، صدر بيان مشترك بين البلدين، يؤكد إتفاق الجانبين لاستعادة التمثيل الدبلوماسي الكامل بينهما، والتزامهما بإعلان انقره وروح التضامن والصداقة وتسريع المفاوضات الفنية المنصوص عليها في الإعلان.
ويبقى السؤال، لماذا توترت العلاقات مابين مصر و إثيوبيا، ماجعل كل دولة تسعي لتعميق حضورها بقرن أفريقيا وشرقها؟.
# سد النهضة : محور التوتر الإقليمي :
أثار بناء إثيوبيا لسد النهضة على هضبتها، نزاعا تحول لنقطة خلاف وتوتر بين إثيوبيا من جهة، والسودان ومصر من جهة أخرى.
تعتبر إثيوبيا السد مشروعا تنمويا حيويا، بينما يريان مصر والسودان فيه تهديدا لحقوقهما المائية في نهر النيل بجانب مخاوف أخرى حول سلامة السد كون أن موقع السد يقع في منطقة زلازل مما يشكل خطرا حال حدوث هزات.
ورغم المساعي الدبلوماسية المتواصلة لاتفاق ينهى النزاع، مايزال يشكل هذا الملف تحديا رئيسيا لعلاقات هذه الدول.
# كيف تقرئ التحركات المصرية في المنطقة:
التحليل الفاحص حول تأثير التكتلات مابين مصر ودول بالاقليم في إعادة تشكيل التحالفات الاقليمية في منطقة البحر الأحمر وشرق افريقيا لايمكن فصله عن السياق الجيوسياسي المعقد في المنطقة خلال الأعوام الأخيرة، العلاقات في هذه الفترة شهدت تحولا ملموسا في مواقف عدة دول وتطورات على الأرض قد تؤدي لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية بهذه المنطقة الحيوية.
التوافق المصري الكيني مؤخرا وتوقيع إتفاق الشراكة الاستراتيجية وماسبقه من توقيع مصر والصومال لمعاهدة دفاع مشترك واحلال مصر قواتها بديلة للقوات الإثيوبية المشاركة ضمن بعثة حفظ السلام بالصومال، وتكوينها الحلف الثلاثي (مصر ارتريا الصومال)، كل ذلك قد يكون بمثابة رافعة في مفاوضات سد النهضة فيما يلي مواضيع أسس الملء والتشغيل، حيث يمكن أن تشكل هذه التحالفات والحراك الدبلوماسي الكثيف منصة للضغط على إثيوبيا فى قضايا أخرى مثل الأمن المائي ومشاركة الموارد الطبيعيه وأمن البحر الأحمر.
في 30 نوفمبر 2020 أعدت هيئة عمليات الجيش المصري بحثا تطرق إلى الاستراتيجية المقترحة لتفعيل الدور المصري مع دول حوض النيل في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، والاحتياجات المصرية المائية وفقا لبيان أصدره الجيش عبر ناطقه الرسمي حينها العقيد تامر الرفاعي عقب زيارة رئيس أركان الجيش المصري لكينيا ورواندا، ووقعت مصر في ذلك الوقت 4 اتفاقات للتعاون الدولي والدفاعي مع كينيا، بورندي، رواندا واوغندا.
ذلك ماذهب إليه د. حمدي عبدالرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة في مقال له 2021 بعنوان (الصعود المصري في القرن الأفريقي وحوض النيل)
يقول فيه، أن أحد دوافع التحركات المصرية الفاعلة في المنطقة، هو عزل النهج التوسعي الذي يمارسه نظام أبي أحمد منذ 2018.
وحسب د. حمدي فإن رئيس الوزراء الإثيوبي يحاول إن يعيد رسم خارطة القرن الأفريقي وفقا لمفهوم السلام الإثيوبي (باكس إثيوبيانا)، وأن الهدف من ذلك هو الوصول إلى البحر والتخلص من لعنة الدولة الحبيسة التي تطارد هضبة الحبشة، فعمل على تشكيل أسطول بحري وتبني إستراتيجية الموانئ، كما تبني سلفه ميليس زيناوي إستراتيجية السدود.
ويضيف ان تحالفات مصر الجديدة لاتقتصر على مجرد مسألة سد النهضة وإنما هي أعمق وابعد من ذلك، حيث تهدف إلى حماية مصالح الدولة المصرية وتوجهها جنوبا ولاسيما الدفاع عن أمنها المائي، وتسعى الحركة المصرية لاحتواء النفوذ السلبي _حسب تعبيره _ لبعض القوى الإقليمية المنافسة مثل تركيا، إذ استطاعت السياسة الخارجية لتركيا، اكتساب المزيد من النفوذ في القرن الأفريقي (خاصة في الصومال والسودان) حيث تنظر مصر للأدوار الجيوسياسية والأمنية التركية الأكثر طموحا في المنطقة بحذر شديد.
أيضا جدير بالذكر وإضافة لما ذكر أعلاه، سبق وأن أشارت مصر مرارا إلى تأثر حركة الملاحة في قناة السويس بالتوترات الإقليمية، وخلال اجتماع سابق برئاسة السيسي في ديسمبر 2024، تمت خلاله الإشارة إلى أن (إيرادات قناة السويس شهدت انخفاضا تجاوز 60% مقارنة بعام 2023، مايعني ان مصر قد خسرت قرابة 7 مليارات دولار في عام 2024, إثر الأحداث الراهنة في منطقة البحر الأحمر وباب المندب وفقا لمتحدث الرئاسة المصرية انذاك).
وكانت القاهرة أعلنت رفضها وجود أي طرف (غير مشاطئ) في البحر الأحمر في إشارة أكثر من واضحة لاتفاق الموانئ مابين إثيوبيا وأرض الصومال، وقال وزير الخارجيه المصري في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الصومالي أحمد معلم، في ديسمبر 2024، ان البحر الأحمر للدول المشاطئة له، ولايمكن القبول بوجود أي طرف غير مشاطئ له.
وسابقا وفى نفس السياق، أشار نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية السفير صلاح حليمة إلى الجهود المبذولة لمنع أي وجود عسكري لأي دولة غير مشاطئة في البحر الأحمر، حيث كان أخرها إثيوبيا وقال :
مصر تعتبر وجود أي دول غير مشاطئة مساسا بأمن واستقرار المنطقة، مضيفا بأنه وفي هذا السياق دعمت مصر وحدة الصومال، وكذلك جهوده في مكافحة الإرهاب لتحقيق الإستقرار والأمن في منطقة البحر الأحمر.
قراءة التحركات الإثيوبية بالمنطقة :
بالمقابل، إثيوبيا تشعر بأنها محاصرة من قبل تحالفات إقليمية ضدها، وتعمل بحذر على تفكيك تلك التحالفات وإضعافها، إذ عملت سريعا على تفكيك الحلف الثلاثي مصر إريتريا الصومال، بأن وقعت إتفاق انقره مابينها والصومال لخفض التوترات واستعادة التمثيل الدبلوماسي كما ذكرنا سابقا. ولكن قد ترى إثيوبيا فى إتفاق مصر وكينيا تهديدا لمصالحها الاستراتيجية واستمرارا لمصر في محاولات حصارها.
وفقا لدكتور عبدالله أحمد إبراهيم الخبير في الشؤون الأفريقيةو مدير مركز دراسات شرق أفريقيا بنيروبي، يرى ان إثيوبيا فى حراكها الأخير مع الصومال له هدفان :
الأول تشكيك وتفكيك الحلف الثلاثي (مصر ارتريا الصومال)، والثاني خفض التوترات ضدها.
مرجحا أن تكون تلك المحادثات تخديرا منها للمشاكل دون حل في النهاية.
وباعتقاده أن زيارة الرئاسة الصومالية لاديس أبابا تحمل ابعادا أكبر من الاتفاق على تسريع مفاوضات البلدين، موضحا ان مقديشو تجس نبض أديس ابابا ونواياها، وتريد ان تختبر مدى جدية وإمكانية أن توقف أديس ابابا دعمها للتحركات المزعزعة للاستقرار في الصومال، خاصة في ظل وجود مشاكل داخلية بمعظم الأقاليم مثل إقليم جوبالاند وبونتلاند، وهما اقليمان يتلقيان دعما عسكريا من إثيوبيا وفقا لزعم د. عبدالله أحمد ابراهيم مدير مركز دراسات شرق افريقيا.
ختاما سيظل احتواء محاولات القوى الرامية لتقليص النفوذ المصري ضرورة استراتيجية بالنسبة لها، لاسيما مع تنامي التهديدات التي قد تطال أمنها القومي.
خاصة بعد وجود انباء عن احتمالية تأسيس حلف بين إسرائيل وأرض الصومال، وهو ماكشف عنه موقع (ميدل إيست مونيتور) في أكتوبر 2024، بأن هناك نوايا إسرائيلية لإنشاء قاعدة عسكرية في إقليم أرض الصومال، وردا على التهديد الإيراني للمصالح الإسرائيلية، من خلال المواجهات غير المباشرة مع الحوثيين بعد عملية طوفان الأقصى.
جدير بالذكر أن إسرائيل تدعم إتفاق الموانئ مابين إثيوبيا وأرض الصومال، وفق ماصرح به سفير إثيوبيا لدي إسرائيل بداية العام 2024، وقد أوضح أن المسؤولين الاسرائليين تعاطو ايجابا لتطلع إثيوبيا وصولها البحر الأحمر وخليج عدن، واضافو بأن حصول إثيوبيا على قاعدة عسكرية هو خطوة جيدة لتحقيق الإستقرار في المنطقة المضطربة.
ولكن بعض المراقبين يرون أن هذا التقارب إن ترجم على أرض الواقع، ربما يقود لتزايد الهجمات الإرهابية من قبل حركة الشباب الصومالي الرافضة لوجود إسرائيل، وستعمل على شن مزيد من الهجمات عبر حشد مزيد من المقاتلين، مستغلة مشاعر العداء تجاه إثيوبيا ولشن حرب دينية ضد إسرائيل، علاوة على إحتمال تنسيق حركة الشباب وجماعة الحوثي اليمنية أمنيا واستخباريا، لتهديد مصالح إسرائيل في المنطقة. إلى جانب توسيعهم عملياتهم البحرية ضد خطوط الملاحة الدولية وهو ماقد يشكل تهديدا للأمن البحري والتجارة الدولية.