استمرار التدمير الإسرائيلى فى غزة مشهد ليس جديداً على مواطنى الدول العربية.
فمنذ عقود طويلة ساند الاستعمار زرع الكيان الصهيونى ليكون طليعة استعمارية ثابتة ومتوسعة تغنى الغرب عن شن الحملات المتواصلة للسيطرة على المنطقة وثرواتها. تدمير غزة وغيرها من دول المنطقة يتم بأسلحة أمريكية. تجرب الترسانة الأمريكية أسلحتها فى قتل شعوبنا.وتطبق أمريكا علينا سياسة الإذعان. لم ترَ الشعوب العربية خاصة وشعوب الشرق الأوسط عامة أى خير من أمريكا. بل وجدت منها القتل والتدمير وخلقت عداء دائماً بينها وبين المسلمين الذين ينتظرون الفرصة للانتقام مما فعلته ببلادهم.
تتعامل أمريكا مع السياسة الدولية بمنطق الغطرسة واستخدام القوة المفرطة لتحقيق أهدافها ومصالحها. بعض الأخيار من الأمريكان من أصحاب الرؤية الواضحة يعرفون أن إداراتهم المتعاقبة فى الحكم تكرر الأخطاء مما يفقد هذه القوة العظمى التى كان يمكن لها أن تصلح العالم بنسبة كبيرة، الكثير من المكاسب الإيجابية.
يقول وليم فولبرايت، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ فى ستينات القرن العشرين فى كتاب له بعنوان «غطرسة القوة»: «إن الكثير من الإمبراطوريات الكبرى فى الماضى انهارت لأن زعماءها لم يمتلكوا الحكمة ولا الحصافة لاستخدام قدرات بلادهم على النحو الصحيح. وقد وصلنا اليوم -ستينات القرن العشرين- إلى نقطة تاريخية تواجه فيها الدولة الكبرى خطر فقدان الرؤية بشأن ما يدخل فى نطاق قدراتها وما لا يدخل. وفى القرون الماضية شرعت الأمم التى واجهت نفس اللحظة التاريخية الحرجة فى القيام بما يفوق قدراتها، وبسبب التوسع المبالغ فيه انحسرت قوتها وانهارت». يتحدث «فولبرايت» منذ ما يقرب من ستين عاماً وكأنه يراقب مشهد السياسة العالمية حالياً وتصرفات الإدارة الأمريكية.
شهدت أمريكا تراجعاً فى أدائها وفى تعاملها فى ملفات المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية وخسرت نقاطاً كثيرة سياسية، توجت بالمصالحة التى عقدتها الصين بين إيران والسعودية وهى بمثابة ضربة عنيفة لأمريكا من اثنين من الأطراف تعدهما فى خانة الخصوم إن لم يكن الأعداء، بينما تعد السعودية من أقرب حلفائها. ومن قبل فشلت أمريكا فى إحياء الاتفاق النووى مع إيران، كما أنها انسحبت من أفغانستان انسحاباً مخزياً. وعلى الصعيد العربى فشلت فى تنفيذ وتفعيل ما سمى بالاتفاق الإبراهيمى أو الديانات الإبراهيمية، حيث رفضت الشعوب العربية وبقية الدول هذا التوجه مدركين أنه ستار مكشوف للتطبيع مع إسرائيل.
أشعلت أمريكا الحرب فى أوكرانيا لتحقيق مكاسب اقتصادية فى الأساس وربما تصل إلى استنزاف روسيا لكنها لم تحقق أهدافها السياسية والاستراتيجية، كما أنها تعادى الصين بشأن تايوان التى اشترت منها أسلحة فى الفترة الماضية بمليارات الدولارات، ورغم ذلك قال الرئيس الصينى علانية وبحزم خلال لقائه مؤخراً بالرئيس الأمريكى إن الصين ستسترد تايوان وتضمها للصين الأم فى كل الأحوال، فمن الأفضل أن تنضم سلمياً بدلاً من استردادها عسكرياً.
ركزت السياسة الأمريكية على مدى عقود على ما يجب منعه.. لا ما يجب دعمه، سعت بكل قواها لمنع التغلغل السوفيتى وأشعلت الحرب بين إيران والعراق وبين العراق والكويت لاستنزاف الجميع وخصصت اعتمادات مالية ضخمة لمحاربة ما أطلقت عليه مسمى الإرهاب.
اتبع صناع القرار فى أمريكا مبدأ القوة الغاشمة والمفرطة فى تطبيق سياساتهم الخارجية خاصة مع شعوب المنطقة العربية والشرق الأوسط، فى الوقت الذى لا يملكون فيه معرفة حقيقية بالمنطقة ولا يملكون بصيرة منطقية استراتيجية لتحقيق الأهداف بدون إيذاء الدول والشعوب بهذا الشكل.
إن أمريكا تطبق سياسات مثيرة للعداء فى الوقت الذى تتمتع كل من الصين وروسيا فى هذه المناطق بعلاقات دافئة وتستعدان إن لم يكن لإزاحة أمريكا ذات المقعد القطبى الواحد، فعلى الأقل لاحتلال مقعديهما فى قمة النظام العالمى، وهو ما يعيد رسم السياسات والخرائط من جديد.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
كوميديا الشرق الأوسط الجديد والتراجيديا العربية
يمانيون/ كتابات/ د. شعفل علي عمير