ولاية هرات لؤلؤة أفغانستان وموطن الزعفران
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
هرات ثالث أكبر مدينة في أفغانستان ويرجع تاريخها إلى العصور الوسطى، وهي مدينة كبيرة وحيوية تحوي بقايا معمارية حاضرة، تؤرخ لوقتها عاصمة للإمبراطورية التيمورية العائدة للقرون الوسطى.
تقع هرات غربي أفغانستان، ويقول المؤرخون، إنها تأسست في القرن الرابع قبل الميلاد على يد الإسكندر الأكبر، ويقول عالم الجغرافيا الإيراني حمد الله مستوفي في القرن الرابع عشر الميلادي "وهرات هو اسم أحد زعماء أتباع البطل ناريمان، وهو أول من أسس المدينة، وبعد أن انهارت، أعاد الإسكندر الأكبر بناءها، وكان محيط أسوارها 9 آلاف خطوة".
كانت من أهم العواصم الـ12 للإمبراطورية الساسانية في خمسينيات القرن السادس الميلادي، وفتحها المسلمون في القرن التاسع الميلادي، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب عام 22 هجرية بقيادة الأحنف بن قيس التميمي.
الموقعكانت هرات -أيضا- مفترق طرق للتجارة: حيث امتدت الطرق شمالا على طول طريق هريرود إلى سمرقند وبخارى، وجنوبا إلى إيران، وشرقا إلى بلخ والصين، وغربا إلى نيسابور. وفقدت هرات موقعها المحوري في الثمانينيات من القرن الماضي؛ بسبب إنشاء سكة حديد عبر بحر قزوين، التي تمر إلى الشمال. لكنها ظلت مكانا تختلط فيه شعوب آسيا الوسطى.
منزل متضرر جراء زلزال ضرب قرية ساربولاند بمنطقة زينده جان بولاية هرات يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (الفرنسية) التاريخكانت هرات مركزا تجاريا عظيما يتمتع بموقع إستراتيجي على طريق التجارة من البحر الأبيض المتوسط إلى الهند أو إلى الصين، وقد اشتهرت المدينة بصناعة المنسوجات في عهد الخلافة العباسية، حسب مراجع عديدة للجغرافيين.
وصفها الإصطخري وابن حوقل في القرن العاشر "بأنها مدينة مزدهرة محاطة بأسوار قوية مع وفرة من مصادر المياه وضواحي واسعة وقلعة داخلية ومسجد جامع و4 أبواب، كل بوابة تفتح على سوق مزدهر".
غزا المغول هرات في 1221، واستسلمت المدينة بعد حصار قصير، ولكن بعد أشهر عدة ثار أهلها ضد المغول، وأدت الفوضى داخل المدينة إلى تدمير شبكة قنوات الري، وساد الخراب لعقود طويلة على طول طريق هريرود التاريخي في المنطقة.
وقد جعلها القائد المغولي تيمورلنك بدل سمرقند عاصمة لدولته في 1381م، وتحولت بعد ذلك إلى أحد أهم المراكز العلمية والثقافية، وأثناء حكم شاه روخ خان بن تيمور، كانت المدينة النقطة المحورية للنهضة التيمورية، التي يُعتقد أن مجدها يضاهي فلورنسا في عصر النهضة الإيطالية كمركز للنهضة الثقافية، ووصف هيرودوت مدينة هرات بأنها سلة الغذاء في آسيا الوسطى.
وبعد انهيار الإمبراطورية التيمورية، حكم هرات -التي تلقب بـ"لؤلؤة أفغانستان"- عدد من الحكام الأفغان منذ أوائل القرن 18، ففي 1716 استولى عليها الإمبراطور الأفغاني أحمد شاه دُراني وأصبحت إحدى المدن الأفغانية المهمة، وشكل فيها دولة سَدوزاي الخاصة.
البعثات الدبلوماسيةنظرا لأهمية ولاية هرات، بادرت دول أوروبية وإقليمية عدة أثناء حضور القوات الأجنبية في أفغانستان إلى فتح قنصلياتها فيها، وكانت الولايات المتحدة وتركيا والهند وتركمنستان وإيران وباكستان وألمانيا من الدول التي فتحت مكاتبها الدبلوماسية هناك، وتوجد فيها أكبر قاعدة عسكرية، وكانت القوات الإيطالية والإسبانية مستقرة فيها قبل وصول طالبان إلى السلطة في 2021.
يهود هراتفي ستينيات القرن الماضي، بنى مهندسون من الولايات المتحدة مطار هرات، الذي استخدمته القوات السوفياتية بعد اجتياحها لأفغانستان في 1979، وكان هناك وجود كبير للمستشارين السوفيات في المدينة، وبعد انسحاب القوات السوفياتية في 1989، دخلت المدينة بعد 13 سنة قوات إيطالية وإسبانية، واستقرت فيها.
وعاشت في مدينة هرات 280 عائلة يهودية منذ 1948، واختفت معظمها ولجأت إلى إسرائيل بعد اندلاع الحرب الأهلية في بداية التسعينيات من القرن العشرين بين الفصائل الأفغانية التي طردت الاتحاد السوفياتي من البلاد.
وكانت في المدينة 4 معابد يهودية في الحي القديم أُهملت لعقود من الزمن وأصبحت في حالة سيئة، وفي أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، جُددت مباني هذه المعابد من قبل صندوق الآغا خان للثقافة، وحوّل 3 منها إلى مدارس ودور حضانة، بعد أن اختفت الجالية اليهودية.
الاقتصاد في بلد الزعفرانتوجه الأفغان إلى زراعة الزعفران في 2006، وانتشرت في ولاية هرات والولايات الأفغانية الأخرى تدريجيا بديلا لزراعة الخشخاش والمخدرات، وتحتل أفغانستان حسب إحصاءات رسمية في 2023 -بحصتها السوقية البالغة %15.6 من الصادرات العالمية- الرتبة الثالثة بعد إيران والهند.
وتصدّر أفغانستان الزعفران إلى 27 دولة؛ من أهمها: قطر والصين والهند والإمارات العربية المتحدة. وحسب الأرقام الرسمية لوزارة الزراعة الأفغانية فإن أكثر من 25 ألف عائلة تعمل في زراعة الزعفران وحصاده وتعبئته، ويصل حجم إنتاجه سنويا إلى 27 طنا.
هرات الأفغانية مدينة ضاربة في التاريخ (شترستوك) المعالمأعلنت اليونسكو في 2021 إدراج مدينة هرات ضمن مواقع التراث العالمي؛ بسبب تاريخها الحافل ومآذنها وقلعة اختيار الدين، وبُنيت معظم هذه الآثار التاريخية في القرن 15 الميلادي برعاية كوهر شاد زوجة الملك شاه روخ خان.
وتشتهر جميع مبانيها بزخرفة البلاط في مبانيها، حيث كشفت الأبحاث الأثرية التي أجريت في 1922 عن العديد من الأعمال الفنية من العصور الإسلامية وما قبلها، وخاصة منمنمات مدرسة هرات، التي ازدهرت فنونها في القرن 15 في عهد شاه روخ خان الذي أسس مدرسة الرسم، وجلب إلى بلاطه فنانين ورسامين.
حصن اختيار الدينتقع قلعة هرات وسط المدينة، وهي من المواقع الأثرية في أفغانستان، يعود تاريخها إلى 330 سنة قبل الميلاد، بناها الإسكندر عندما وصل مع جيشه إلى هرات واستخدمتها العديد من الإمبراطوريات مقرا رئيسا لها على مدار 2000 عام الماضية.
دُمرت مرات عدة على مر القرون، تُعرف باسم قلعة الإسكندر، ولكنها تعرف محليا باسم حصن اختيار الدين، وهي نصب تذكاري في أفغانستان، وتستخدمها الحكومة الأفغانية متحفا وطنيا.
الجامع الكبير في هراتالجامع الكبير في هرات معلم تاريخي في أفغانستان ويعرف -كذلك- باسم الجامع، بناه السلطان غياث الدين غوري في 1200م، وترك الصفويون والمغول والأوزبك أثارهم فيه، يتميز بتصميمه الإسلامي التقليدي، وبه 8 مآذن، وهو أول مسجد في مدينة هرات غربي أفغانستان.
زراعة الزعفران تشكل جزءا مهما من اقتصاد ولاية هرات خاصة والولايات الأفغانية عامة (شترستوك) الأعلاميعدّ كمال الدين بهزاد من أنجح رسامي المنمنمات في أفغانستان، واستمر هذا التقليد المعروف في هرات منذ القرن 15 في إلهام الرسامين والمهندسين المعماريين.
ومن هرات ظهر العديد من الأدباء والفلاسفة؛ منهم: أبو الفضل المنذري الذي له مؤلفات عديدة منها "مفاخر المقالة"، و"الزيادات"، و"نظم الجمان"، وغيرها.
وقد كان -كذلك- أستاذا ومعلما لمنصور الأزهري (895م -981م) وهو أحد كبار علماء اللغة العربية المنحدرين من مدينة هرات، ومن أشهر أعماله قاموس "تهذيب اللغة" و"شرح ديوان أبو تمام".
وخرج من هرات -أيضا- النحوي والأديب المشهور أبو المظفر الهروي، وأبو الحسن الهروي وهو أحد أشهر اللغويين والنحاة، واشتهر بمهارته في كتابة الخط العربي كذلك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی أفغانستان مدینة هرات ولایة هرات فی القرن
إقرأ أيضاً:
علماء يحذرون من ثوران بركاني هائل قد يفاجئ العالم قريبًا
قبل انتهاء عام 2024 تفاجئ العماء بكارثة متوقعة قد تصيب العالم هذا القرن حيث حذر العلماء من أن الأرض تواجه فرصة "بنسبة 1 من 6" لحدوث ثوران بركاني ضخم هذا القرن قد يؤدي إلى "فوضى مناخية" مشابهة لتلك التي حدثت عقب ثوران جبل تامبورا في إندونيسيا عام 1815، وأوضحوا أن البشرية لا تمتلك خطة لمواجهة آثار هذا الحدث الكارثي المحتمل.
وفي عام 1815، أطلق ثوران جبل تامبورا 24 ميلا مكعبا (100.032 كم مكعب) من الغازات والغبار والصخور إلى الغلاف الجوي، ما أدى إلى انخفاض كبير في درجات الحرارة العالمية، وهذا الحدث تسبب في "عام بلا صيف"، حيث فشلت المحاصيل الزراعية وانتشرت المجاعة، كما تفشت الأمراض ما أسفر عن وفاة عشرات الآلاف من الأشخاص.
ومع ذلك، فإن تأثيرات ثوران بركاني ضخم في القرن الحادي والعشرين قد تكون أسوأ بكثير، بالنظر إلى الظروف البيئية الحالية التي تشهدها الأرض نتيجة للاحتباس الحراري الناتج عن الاعتماد المستمر على الوقود الأحفوري.
وقد تزيد الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تم إطلاقها في القرن الماضي من تأثير التبريد الناتج عن ثوران بركاني. ووفقا للدكتور توماس أوبري، فإن الغلاف الجوي الأكثر سخونة سيساهم في انتشار الغاز الكبريتي بشكل أسرع وأكثر فعالية، ما يزيد من قدرة الجسيمات المعلقة في الهواء على عكس أشعة الشمس وتقليل درجات الحرارة العالمية.
وقالت الدكتورة أنيا شميت، عالمة الغلاف الجوي في جامعة كامبريدج: "هناك نقطة مثالية من حيث حجم الجسيمات الدقيقة التي تكون فعالة للغاية في تشتيت ضوء الشمس". وأضافت أن دراستها التي نشرت في Nature Communications عام 2021، تشير إلى أن الاحترار العالمي سيزيد من قدرة هذه الجسيمات على تقليص 30% من الطاقة الشمسية، ما قد يساهم في تبريد سطح الأرض بنسبة 15%.
وعلى الرغم من هذه الاكتشافات، يبقى التنبؤ بالثورات البركانية أمرا صعبا. وقال الدكتور ماركوس ستوفيل، أستاذ المناخ بجامعة جنيف: "نحن في بداية الفهم لما يمكن أن يحدث"، مشيرا إلى ضعف البيانات المتاحة حول البراكين القديمة.
لذلك، يعتمد العلماء على بيانات نوى الجليد وحلقات الأشجار القديمة لتحليل تأثيرات البراكين في الماضي.
وتشير الدراسات إلى أن العديد من الثورانات البركانية في العصور الماضية أدت إلى تبريد مؤقت للأرض، مثل ثوران جبل تامبورا الذي أدى إلى انخفاض درجة الحرارة العالمية بنحو درجة مئوية واحدة. كما تشير الأدلة إلى أن ثوران بركان سامالاس في إندونيسيا عام 1257 قد ساعد في بداية "العصر الجليدي الصغير"، الذي استمر لعدة قرون. أما ثوران جبل بيناتوبو في الفلبين عام 1991 فقد أدى إلى تبريد الأرض لمدة عدة سنوات بمقدار نصف درجة مئوية.
وبالإضافة إلى ذلك، قد يساهم تغير المناخ في تعديل سلوك البراكين.
وقال الدكتور توماس أوبري: "الذوبان السريع للأنهار الجليدية فوق البراكين يمكن أن يزيد من الضغط تحت الأرض ويؤدي إلى ثورانات بركانية". كما أن هطول الأمطار المتزايد بسبب تغير المناخ قد يتسبب في انفجارات بركانية مشابهة لـ "قنبلة البخار"، حيث تتسرب المياه إلى الشقوق القريبة من البراكين النشطة.
وأظهرت دراسة أجريت في 2022 أن حوالي 58% من البراكين النشطة في العالم قد تكون معرضة للانفجار نتيجة لتغير المناخ وزيادة هطول الأمطار المتطرف، ما يعزز فرص حدوث تبريد عالمي مشابه "لعصر جليدي صغير".
وبالرغم من صعوبة التنبؤ بتوقيت حدوث ثورانات بركانية، فإن العلماء يحثون على أهمية الاستعداد لهذه الكارثة المحتملة. وقال ستوفيل: "يجب على صناع السياسات الاستعداد من خلال وضع خطط إخلاء وتنظيم المساعدات الغذائية في حالة فشل المحاصيل نتيجة للثوران البركاني".
كما أشار الخبراء إلى أن ثورانا بركانيا في القرن الحادي والعشرين قد يؤثر على عالم أكثر اكتظاظا بالسكان، حيث يمكن أن تكون الاضطرابات الناتجة عنه غير متوقعة وقد تتردد تأثيراته في أنحاء مختلفة من العالم بطرق مميتة وغير مباشرة.