البيان اللغوي لمفهوم المقاومة: أفعال لا أقوال.. قاموس المقاومة (9)
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
اللغة المحققة يمكن أن تكون مقدسة حينما ترتبط بنص مركزي مقدس له أتباع يأخذونه كمصدر لمعرفتهم، وأحكام حياتهم، أو إطار لسلوكهم.. العربية التي بها نزل وكتب القرآن الكريم هي لغة مقدسة، قال تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنا عَرَبِياّ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (يوسف: 2)، وقال تعالى: "بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ" (الشعراء: 195)، وقال سبحانه: "قُرْآنا عَرَبِياّ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (الزمر: 28).
اللغة المشدودة إلى نص مرجعي تكون وعاء قادرا على انطلاق الفكر بكل جوانبه، وإعمال العقل ليبقى الإنسان إنسانا يقوم بواجبه من عبادة الله، وعمارة الأرض، وتزكية النفس.. هذا التغير يجب ألا يمس ثوابت البشر، وأن يكون في سعته متسقا مع سنن الله في كونه "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" (فصلت: 53).
وَقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: اعلم أنَّ اعتِيادَ اللُّغَةِ يُؤثِّرُ في العقْلِ والخُلُقِ والدِّينِ تَأثِيرا قَويِّا بَيِّنا، ويُؤَثِّرُ أَيضَا فِي مُشَابَهةِ صَدْرِ هذهِ الأمَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ والتَّابِعينَ، ومُشَابَهَتُهُم تَزِيدُ العَقلَ والدَّينَ والخُلُقَ، والُّلغَةُ العَرَبِيَّةُ مِنْ الدِّينِ، وَمَعرِفَتُها فَرضٌ واجِبٌ، فإنَّ فَهمَ الكتَابِ والسنَّةِ فَرضٌ، ولا يُفهمانِ إلّا بِفَهمِ الُّلغَةِ العَرَبِيَّةِ، ومَا لا يَتِمُّ الوَاجِبُ إلاَّ بِهِ فَهو واجِبٌ. إنها اللغة الحية الفاعلة؛ المتدبرة الواعية؛ الدافعة للأمة الرافعة.
ودلالات الألفاظ جعلتهم يتدبرون ويحركون بالاشتقاق وغيره من مسلك قضية "الجذور اللغوية" التي هي موجودة في المعاجم، لبناء النظام الصرفي الذي يُخرِج من هذه الجذور الفعلَ الماضي، والمضارع والأمر، واسم الفاعل واسم المفعول، والمصدر، والصفة المشبّهة، واسمي المكان والزمان.. وسائر أنواع التصاريف اللغوية التي تُستعمل في مواطن شتى.. وجذرُ كل شيء أصله، والجذرُ أصل اللسان، وأصل الذكر، وأصل كل شيء؛ هو استحداث كلمة وأخذها من كلمة أخرى للتعبير بها عن معنى جديد يناسب المعنى الأصلي للكلمة أو عن معنى قالبي جديد للمعنى الحرفي مع تشابه الكلمتين في الأحرف الأصلية وترتيبها.
كثيرا ما نرى أن معظم الكلمات يمكننا أن نشتق منها أكثر من كلمة، كما نكتشف أنها ذات أصل واحد، ولها معنى تشترك فيه، وهنا تأتي وظيفة الاشتقاق في اللغة، حيث أنه بواسطته نتعرّف على مفردات اللغة التي تضيف الثروة اللغوية القيمة، وما أبدعته وتركته لنا ولأجيالنا من كنز لغوي. فاللغة العربية بدأت ثرية وبقيت كذلك، وثروتها في زيادة مستمرة، وسبب ذلك ما تمتلكه اللغة العربية من أساليب بلاغية وقواعد نحوية ومفردات تنفرد بها عن غيرها من اللغات، كالاشتقاق والذي يزيد لغتنا قيمة، ويساعد في توليد ألفاظ جديدة، فلولا الحاجة الملحّة إليه، لمَا تطرّق إليه علماؤنا في اللغة، وما أفردوا له مؤلفات كثيرة خاصة به..
إذا كانت العلة التي من أجلها وُجدت اللغة هي أداءَ الفهم المتبادل بين المتخاطبين بها، وضمان التواصل القويم والاتصال المكين؛ فإن هذه الغاية تلزمها أن تتموضع في جميع مسالكها لتحقيق تكامل الدلالة، ولهذا وجب أن يوضع لكل لفظ معنى يعبر عنه؛ لتتألف لدينا مفردات تعتبر مرتكزات أو وحدات لغوية، تكون هي أساس نشأة اللغة، وهي أيضا الأكثر تعبيرا عن ملاءمة حاجات الإنسان، التي يحاول التعبير عنها للطرف الآخر.
ودخول المستجدات على عالمه يدعو الإنسان إلى البحث عن كيفيات في اللغة تُعِينه على التعبير عن هذه الأشياء بصورة كاملة وواضحة. فقد احتاج إلى الزيادة على أصول مفردات النشأة اللغوية، فدأب على وضع وسائل لذلك، فكان الاشتقاق، والتركيب، والترادف، والمشترك وغيرها.
الاشتقاق لغة: اشتق الكلمة من الكلمة؛ أخرجها منها، واصطلاحا: أخذ كلمة أو أكثر من كلمة أخرى.
تتجلى فوائد الاشتقاق في اللغة في أنّه يمد لغتنا العربية بنهر من الألفاظ، والتي من خلالها نقوم بأخذ ألفاظ جديدة، تعبّر بعد ذلك عن معنى جديد، مما يساعد على الاستحداث والتوليد في الألفاظ، بالإضافة إلى أنه وسيلة من وسائل التنويع في الألفاظ للدلالة على المعاني المختلفة.
إن من أعظم الجذور اللغوية الأصيلة؛ الجذر الثلاثي "قوم" الذي يشير إلى أسرة كلمات وعائلة من المفاهيم تجتمع في أشكال عدة بالاشتقاق في أصل المبني، وتتحرك صوب تنوع المعنى المتصل بالروح الواحدة لتشكل في مجموع اشتقاقاتها مباني ومعاني المغزى الأكبر الجامع لحركة الجذر وحركاته وتحريكاته؛ هذا الجذر "قوم" بتوليداته واشتقاقاته واستخداماته في السياقات القرآنية، فتضفي عليه من مبان ومعان ومغازٍ بهاء قرآنيا وعطاء فياضا لا مثيل له؛ هذا الجذر الذي يشير إلى معاني الحركة القاصدة الهادفة المرتبطة بالقيام المشفوع بالنية للفعل والعمل والقصد؛ بالهمة والعزم؛ بالقدرة والفاعلية.
المقاومة في هذا الاعتبار "قيام" و"قوام" و"مقام" و"قيمومية" و"قيمة". المقاومة تتعلق بالمعنى التوحيدي؛ فمن الجذر اللغوي "قوم" كانت "الاستقامة": "فاستقم كما أُمرت". المقاومة مفاعلة وهي من جملة إقامة سنة المدافعة، وهي ترتبط بالقيامة واليوم الآخر.. المحرك الدائم لإنسان المقاومة نصر أو استشهاد، إنه الطريق القويم المستقيم.. ترتبط بـ"الدين القيم"، "دينا قيما"، "دين القيمة".. المقاوم قائما قيما؛ مقيما حيث أقيم في أمته، إنه جذر "قوم" الذى يحرك كل قيمة وكل عمل قيم وقائم.
المقاومة فعل الأمة وفاعليتها وقدرات تمكينها.. هل تعلمنا درس المقاومة من خبراتها المتعددة على مر التاريخ والتي استطاعت أن ترد العدوان وأن تحمى شرف الأمة وكرامتها؟ أم أن البعض لم يعد يعرف لمعاني الشرف والكرامة والعزة معنى؟ إنها المقاومة، لا مساومة من أرباب السياسة القذرة وواقعيتها الواهنة التي في حقيقتها ليست إلا سقوطا واهنا ووقوعا لا واقعية، ولا مقاولة للمنتفعين من هذه السياسات في الحفاظ على كراسيهم، شاهت وجوهم؛ ساء ما يفعلون.
المقاومة تصدع كل يوم بأن "المقاومة خيار وقرار استراتيجي"، فكتبت هذه المقاومة صفحات، الصفحة تلو الصفحة في سياق يؤشر على "بلاغة هذه المقاومة وبيانها" على الأرض تقدم فاعليتها في مواجهة العدوان والاحتلال على الامة وحياضها. "المقاومة عملية حضارية واستراتيجية ممتدة"، وخيار لا بد أن يتحول إلى إصرار، وإصرار يجب أن يتحول إلى قرار واختيار، بل هو ضرورة تتعلق بالكيان والوجود.
مقاومة الأمة فعلها الحامي لكيانها، الضامن لفعاليتها، القادر على حفظ بقائها واستمرارها. المقاومة حالة شاملة متكاملة يتكافل فيها عناصر مقاومة الاستبداد في الداخل ومقاومة العدوان من الخارج، هي حال خمائر عزتها وقدرات الممانعة والمناعة الحضارية. ليس هذا فائض كلام وإنما هي بلاغة المقاومة حينما تبلغ بيانها، وتفعل فعلها على الأرض فتقدم انتصارات مهمة؛ تعنى ضمن ما تعني أن هذه الأمة تستعصي على الموت كما تستعصي على الاحتواء، وأن عناصر ممانعتها هي حقيقة مناعتها وحصانتها، والصمود هو عين الانتصار.
المقاومة تعي أن المفاهيم ليست فحسب إدراكات وتصورات، ولكنها تحفر في الأرض بالأفعال والأعمال.. المفاهيم تُبنى على الأرض؛ وتفرض نفسها على الكافة حتى من منكريها أو أعدائها.. المقاومة عملية معرفية وثقافية وفكرية واجتماعية وسياسية واقتصادية شاملة؛ حضارية في محتواها، وحضارية في مقاصدها تملك عناصر تمكينها من المفاهيم الحرة التي تشكل أساس خطابها للأمة "مفاهيم الحرية والتحرر والمقاومة"، في مواجهة مفاهيم "العدو والعدوان والعبودية والاستسلام"، وفي مواجهة المحتل الغاصب والاستيطان الفاجر..
هذه أولى معاركنا المفاهيم والكلمات كالحياض وكالجيوش، وجب الدفاع عنها كالأرض والعرض، لأنها تنتهك في حرماتها، وتدنس معانيها. وانتهاك حرمة معاني الكلمات لا يأتي فقط من معتد من خارج يحاول أن ينحرف بالمعاني ويدلس الدلالات، فتصير الكلمات لا تدل أو ترشد، بل قد تأتي كذلك من داخل حيث تهون فيه الكلمات وتهان..
أين نحن من كلمات الكرامة، وعقلية العزة ونفسية الأحرار؟ أين مقامنا من كلماتنا، ومقام كلماتنا فينا؟ أين نحن كذلك من أيامنا (أيام العرب والمسلمين)، أيام المقاومة؟
twitter.com/Saif_abdelfatah
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اللغة العربية المفاهيم المقاومة المقاومة اللغة العربية مفاهيم مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی اللغة الذی ی
إقرأ أيضاً:
أسماء أولاد تجلب الحظ السعيد والبركة
يحرص الآباء والأمهات على تسمية أبنائهم بأسماء تجلب الحظ السعيد والبركة جميلة المعنى وذات تأثير إيجابي عليهم، وإذا كنت تنتظر مولودك الجديدة، وتبحث عن أجمل الأسماء المحظوظة التي سيختارها الآباء والأمهات الذين يبحثون عن كل ما هو جديد ليختاروا ما يروق لهم عند تسمية المواليد الأولاد الذين يجلبون الحظ السعيد والبركة، وليكون لأولادهم نصيباً كبيراً من معاني هذه الأسماء.
اقرأ ايضاًعبد الرحمنعبد التوابعبد المهيمنعشرة أسماء تجلب الرزقبسماتحسناتبروينرجاآشابشارأشرقتأبرارإحسانأُمنيةهل اسم فرح يجلب الحظ؟
اسم فرح يجلب الحظ ويعتبر هذا الإسم من أجمل الأسماء التي يمكن أن تطلقيها على إبنتك، ويعني السعادة وسيجلب الحظ لابنتك في الزواج.
أسماء اولاد مباركةبراء وهو الشخص سليم النوايا.
جاسر اسم يدل على الشخص الشجاع الذي لا يهاب شيء.
مالك اسم يأتي من اسم الملك.
أبشر ومعناه البشارة المبهجة والسارة.
أيمن وهو من اليمن والبركات.
الريان وهو باب من أبواب الجنة والذي يدخل منه الصائمون.
أبان البين والواضح.
جهاد من الجهاد والشجاعة.
أيمن ومرجعه واليمن والبركات.
كاظم من يملك نفسه.
تائب العائد إلى ربه تائب
ذاكر الذي يعتاد ذكر الله بالقلب واللسان.
راضي القانع بما قسمه له الله.
حاج وهو الذهاب في رحلة إلى ربه.
أحمد وهو الكثير الحمد.
اديب يعني الشخص ذو التهذيب والأدب والخلق الحميد.
أحنف وهو ذلك الشخص الذي يوصف بالاستقامة ولا علاقة له بالاعوجاج.
حامد وهي من كثرة الحمد.
صابر وهو من كثرة الصبر.
آمن ، وهو شخص مجاهد وصادق.
إيلاف وهو اسم عربي الأصل ، ومعناه من الألفة والود.
بسام كثير الابتسام.
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
انضمّتْ إلى فريق "بوابة الشرق الأوسط" عام 2013 كمُحررة قي قسم صحة وجمال بعدَ أن عَملت مُسبقًا كمحُررة في "شركة مكتوب - ياهو". وكان لطاقتها الإيجابية الأثر الأكبر في إثراء الموقع بمحتوى هادف يخدم أسلوب الحياة المتطورة في كل المجالات التي تخص العائلة بشكلٍ عام، والمرأة بشكل خاص، وتعكس مقالاتها نمطاً صحياً من نوع آخر وحياة أكثر إيجابية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن