حكاية حب الملكة ناريمان وفريد الأطرش تسببت له في أزمة صحية
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
برقية صغيرة أرسلها أحد مراسلي وكالات الأنباء في مصر، يقول فيها: "إن ناريمان تنتظر الطلاق من فاروق بفارغ الصبر لكي تتزوج من المطرب فريد الأطرش الذي يذهب كثير لزيارتها في بيتها بمصر الجديدة".
وبعد ساعات من التكذيب الرسمي الذي أذاعته ناريمان على جميع الصحف، كان فريد الأطرش يجلس في شقته بالزمالك شبه مذهول من هول المفاجأة التي سببها له هذا التكذيب وأخذ يقول لآخر ساعة: “إنني لا أتصور أبدا أن تقول ناريمان هذا الكلام، الذي نشرته الصحف، لأني أعرف تماما رقة إحساسها وأخلاقها، لذلك كدت أصعق حينما عرفت أنها قالت ”إن هذه الإشاعة أحقر من أن تستحق الرد"، ولكن الظاهر أن التوفيق والصواب قد خاناها في هذه اللحظة".
محاولة للتفاهم
ويستطرد فريد الأطرش قائلا: وكان يجب أن تفهم ناريمان أن مثل هذه الكلمات تسيء إلى كرامتي قبل أي شيء آخر، ولذلك حينما أتصل بي مراسل وكالة "روتر" لكي يأخذ رأيي في هذه الشائعة قلت له إننا لا أستطيع أن أقول كلمة واحدة قبل أن أتصل بعائلة ناريمان وأخذ رأيها في المسألة.
سوف تندم ناريمان بعد أن أغلقت الباب
ومضى فريد الأطرش يقول إنني أقولها بصراحة تامة إن ناريمان سوف تندم في يوم ما على هذه الكلمات التي قالتها، وأنها هي التي كانت ستكسب من وراء زواجي بها قبل أن أكون أنا الرابح، ولكنها بهذا التصريح أغلقت الباب نهائيا في مجرد تفكيري في هذا الزواج.
وكانت ناريمان تستطيع أن تقول مثلا إن هذا الكلام سابق لأوانه، أو أن فريد الأطرش لم يتقدم بمثل هذا العرض، كانت تستطيع أن تقول هذا حتى لتحرجني وتضعني أمام كلماتها التي قالتها بلا وعي ولا تفكير.
ابن أصل وعصامي
وأنا لا أقول هذا الكلام لمجرد التفاخر أو الغرور، ولكنني متأكد من أنني ابن أصل ومن عائلة كريمة، وفوق هذا فأنا "عصامي" بنيت حياتي من عرقي وكفاحي، ولم أعتمد على صلة القرابة أو المصاهرة لكي أمتص الأموال أو أكسب بطرق غير مشروعة، أنني نظيف وكثير من العائلات الكبيرة تتمنى أن أتزوج بناتهن ولكنني لم أفكر في الزواج أبدا، ولا حتى من السيدة ناريمان الملكة السابقة.
وأعود وأقول إنها فتاة تعيسة لم تعرف معنى الزواج السعيد، فعاشت معذبة وكان هذا هو السبب الوحيد لعطفي عليها.
قصتي مع ناريمان:
ولكي تعرفوا حقيقة قصتي معها أحب أقول إنني لم أذهب لزيارتهم أبدا دون تحديد موقع سابق بالتليفون، وذلك على الرغم من الترحيب الشديد الذي كنت ألقاه من والدة ناريمان وجدتها، وأذكر أن آخر مرة رأيت فيها ناريمان كانت في حفل عيد ميلادها، وقد اتصلت السيدة أصيلة بي قبلها بالتليفون وقالت لي: إن ناريمان تريد أن تسمعني في عيد ميلادها.
وذهبت إلى بيتها فورا وأخذت العود فقط، حتى لأكلفهم أجر الموسيقيين، وظللت أغني حتى الفجر، وكانت ناريمان تستمع لي وهي صامتة تماما، وكان هناك كثير في الحفلة من أصدقائها، وأفراد عائلتها، ولذلك لم أستطع أن أتحدث إليها كثيرا، وكل الذي دار بيننا ليلتها كان يتلخص في هذا العرض السينمائي الذي قدمه لها أورسون ويلز لبطولة أحد أفلامه العالمية، وقالي لي ناريمان: إنها لم تفكر أبدا في هذه الناحية بالذات وأنها ترفض القيام بهذه الأعمال التجارية، وسكت بعد ذلك ولم أفاتحها في مسألة اشتغالها بالتمثيل في أفلامي بعد أن رفضت عرض أورسون ويلز.
جازفت بدعوتهم:
ومرة أخرى، حين طلبت السيدة أصيلة أن تشاهد فيلم لحن حبي في عرض خاص، بعد عودة ناريمان من أوربا بشهرين، لم أتردد في تحقيق رغبتها، وأخذتهم في سيارتي إلى أستوديو مصر بالرغم من أن بعض أصدقائي قالوا لي وقتها: هل أنت مجنون حتى تجازف بالظهور مع ناريمان في مثل هذه الظروف الحاضرة وفي مكان عام.
ليس أكثر من ذلك:
ومضى فريد الأطرش يقول: هذا هو ما حدث وليس هناك أكثر منه، ولكنني واثق أن المساءلة مبالغ فيها إلى حد كبير، وأنها كان يمكن أن تنتهي إلى نهاية أخرى، لولا ما قالته ناريمان للصحف ولولا أنها تردد ما يقال لها وتسير في الطريق الذي يرسم لخطواتها... إن ناريمان معذورة ولكنني معذور أيضًا.
المصدر:
من أرشيف الصحافة- أخر ساعة- 1954
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: فريد الأطرش ناريمان فرید الأطرش
إقرأ أيضاً:
رسالة من قلب الخرطوم… حكاية الصامدين في زمن الحرب
قبل أيام، أرسلت رسالة لصديق قديم أعرف أنه ما زال في الخرطوم، لم يغادرها منذ اندلاع الحرب. كنت قلقًا عليه كأخ، وسألته عن حال الأمن، عن الماء والكهرباء، وعن “كيف الحياة ماشية؟”. جاءني رده مختصرًا، لكنه كان كفيلًا بأن يحرّكني من الداخل:
“الأمن ولله الحمد تمام شديد. الموية بنشتريها يوم بعد يوم. الكهرباء عندنا طاقة شمسية. ولو كللللللو مافي، بسط موش مافي جنجويد دي أكبر نعمة.”
توقفت طويلًا عند هذه الكلمات. لم تكن مجرد رد سريع على سؤال عابر، بل كانت شهادة حيّة من قلب الخرطوم. شهادة إنسان يعيش التفاصيل، ويختبر الصبر كل يوم، لكنه ما زال واقفًا.
“الأمن تمام شديد” — هكذا ببساطة. لكن خلف هذه الكلمات عالم كامل من المعاناة والانتصار. الخرطوم، التي يحسبها البعض قد أصبحت أطلالًا، ما زالت فيها أحياء تنام وتصحو، تُقيم الصلوات، وتوزع الابتسامات. في وقتٍ سادت فيه الشائعات واشتدت فيه الحملات النفسية، تأتي هذه العبارة كضوء في نفق مظلم، تؤكد أن هناك مناطق آمنة، وأن الحياة، على قسوتها، ما زالت آمنة وممكنة.
“المويه بنشتريها يوم بعد يوم” — يقوله دون تذمر. لا شكاية ولا تململ. فقط وصف واقعي. لكنها أيضًا تعني أن الناس هناك ما زالوا قادرين على تنظيم يومهم، والتعامل مع النقص بإصرار. أما “الكهرباء عندنا طاقة شمسية”، فهي دليل على أن العقل السوداني لا يستسلم، بل يبحث عن البدائل، ويصنع من الشدة فرصة. الطاقة الشمسية هنا ليست رفاهية، بل أداة للبقاء، ووسيلة لحفظ كرامة العيش.
ثم تأتي الجملة التي اختزلت كل شيء، كل الحرب، كل المعاناة، كل السياسة: “ولو كللللللو مافي، بسط موش مافي جنجويد دي أكبر نعمة.” كأن صديقي يقول لي: قد نفقد كل شيء… الماء، الكهرباء، الراحة… لكن طالما لا نسمع وقع أقدام الجنجويد في حينا، فنحن بخير. هذه ليست مجرد جملة، إنها ميزان يقيس الناس به حياتهم اليوم. لا يبحثون عن الكمال، بل عن الحد الأدنى من الأمان. وهذه، بحد ذاتها، درس في بسالة الإنسان السوداني.
تظل مثل هذه الرسائل البسيطة، الصادقة، هي البوصلة. هي التي تخبرنا أن الناس بخير… ليس لأن حياتهم مريحة، بل لأنهم لم يفقدوا شجاعتهم ولا إحساسهم بما هو “أهم”. وهل هناك أصدق من إنسان يقول: “ما دام مافي جنجويد… فدي أكبر نعمة”؟ نعم، ما زالت الخرطوم بخير، لأن فيها من يشبه صديقي هذا. وهل هناك أصدق من شهادة من لم يترك أرضه؟
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
٢٩ أبريل ٢٠٢٥م