صحيفة البلاد:
2025-04-24@09:22:28 GMT

انتظار ما لا يجيء

تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT

انتظار ما لا يجيء

من المسرحيات الهزلية الشهيرة التي ظهرت في منتصف القرن العشرين ، تلك التي تناول فيها الكاتب الإيرلندي صموئيل بيكيت ، الإنسان في حالة انتظار دائم لشخص لا يجيء أبداً.

الشخصيات الأربعة في المسرحية (فلاديمير واستراجون ولاكي وبوزو) ، تبقى طوال الوقت على خشبة المسرح تحت شجرة في انتظار شخص اسمه “غودو”.

يخلط بيكيت في مسرحية “في انتظار غودو” بين الكوميديا والتراجيديا في الوقت نفسه ، ويصدم القارئ في مواجهة السؤال الصعب طوال المسرحية التي تنتهي دون أن يصل البطل الرئيس وهو غودو.

في الواقع، الجمهور هو الذي ينتظر غودو بالفعل أن يظهر على خشبة المسرح وليست الشخصيات التي عاشت هذا الانتظار المرّ وهي تتبادل الأحاديث الفلسفية حول الزمن والخلود ومعنى الحياة.

نحن هنا أمام مستوييْن مركّبيْن حيث الأول يهتم بمحاولة هذه الشخصيات مناقشة المعنى ومحاولة الحصول عليه ، في الوقت الذي يتكشّف فيه للجمهور الذي يشاهد المسرحية المستوى الثاني المركّب أيضاً وهو أنه، أي الجمهور، أمام معضلة أخرى تتعلّق بالمعنى الذي لا يبدو أنه متاح لهذه الشخصيات البوهيمية التي تنتظر شخصاً لا يجيء أبداً.

الخواء في المعنى الذي يعيشه الإنسان الغربي، وهو الموضوع الرئيس في أدب القرن العشرين الحداثي، يتضح جليّاً في هذه المسرحية التي لم تخضع للأساليب التقليدية المعروفة في الحِبكة والانسجام السردي. تضاعف هذا الخواء وازداد في القرن الحادي والعشرين الذي نعيشه اليوم ، في الوقت الذي كان الإنسان ينتظر فيه التقدّم أن يجيب على كل الأسئلة الوجودية التي تضفي المعنى على حياته.

غياب المعنى أو محاولة الحصول عليه، كما في هذه المسرحية الحداثية، أو تعدّده كما في فلسفة ما بعد الحداثة، قد يعني إلغاءه أو تشظّيه أو اغتياله مجازياً، وبالتالي الوصول إلى نفس الموقف الذي عاشه أبطال هذه المسرحية الهزلية،الذين لا نعرف سماتهم وسبب انتظارهم وحواراتهم غير المكتملة والمكررة، أي الخواء الحرفي والمجازي.

أتاحت التقنية بأعراضها الجانبية السلبية هذا التعدّد في المعنى الذي ينتشر عبر شبكات العزل الاجتماعي المتعددة مثل سناب شات وتويتر وتيك توك والقائمة تطول، فأصبح الإنسان يرى الجيد والرديء والغثّ والسمين وما بينهما ، دون أن يكون لديه الوقاية الأخلاقية التي تساعده على الحكم والتقويم الجيّد للرؤى المطروحة أمامه.

لا شك أن هذا التعدّد سمة واضحة لعصر ما بعد الحداثة الذي رأينا فيه كيف تحوّل الإنسان في العالم الغربي ، والذي يفترض أن يكون مخلوقاً من ذكر وأنثى، إلى مسخ بظهور أجناس متفرقة بينهما.

لم يقف الأمر عند هذا ، بل ومن نكد الدنيا على الإنسان السوي ، أن يرى الغرب وهو يحاول ترّويج هذا الخواء في المعنى وفرضه والدفاع عنه ووصف من يقف ضدّه بالتطرف والعنصرية.

الحياة كما يراها الإنسان الغربي، كما هي في المسرحية أعلاه، بلا معنى ولا أمل في انتظار ما لا يجيء.

khaledalawadh @

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: فی المعنى

إقرأ أيضاً:

ما التحديّات التي تنتظر البابا الجديد؟

ما التحديّات التي تنتظر البابا الجديد؟

مقالات مشابهة

  • الحكومة تنهي محنة الطلبة المغاربة في الجامعات الفرنسية وتقر المعادلة التلقائية للشواهد
  • المصارف الإسلامية التي أعادت الاعتبار للمال.. ماذا حدث لها؟
  • هذه الشخصيات مرشحة لمنصب نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية (صور)
  • من هي أبرز الشخصيات التي ستشارك في وداع البابا؟
  • حياة كاملة .. تفتح طرق الحكي والتخييل وبناء الشخصيات
  • ما التحديّات التي تنتظر البابا الجديد؟
  • هل يجوز الصلاة فور سماع الله أكبر دون انتظار انتهاء الأذان؟
  • انكسار الشخصيات في «لعبة مصائر» لهلال البادي
  • انتظار "الدخان الأبيض".. كيف يجري اختيار بابا الفاتيكان؟
  • الفاتيكان يدخل مرحلة المقعد الشاغر في انتظار انتخاب بابا جديد