صنعاء- بعد ثمان سنوات من حرب طاحنة أخذت أبعادا محلية وإقليمية، يبدو أن اليمن بات قاب قوسين من انفراج حقيقي باتفاق سلام، بعد جولات طويلة من التفاوض المعلنة وغير المعلنة بين السعودية وجماعة الحوثيين.

وقال مصدر في الحكومة اليمنية -أوصى بعدم ذكر اسمه- للجزيرة نت، إن الاتفاق جرى بين السعودية والحوثيين، في حين استُبعدت القوى السياسية في الحكومة من التفاوض حول بنوده، وإن المسودة الأولية أُحيلت إلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ ليُضفى عليها الصبغة الأممية.

وقال غروندبرغ، السبت الماضي، إن "الحكومة اليمنية والحوثيين التزما باتخاذ خطوات نحو وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، والانخراط في الاستعدادات لاستئناف عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة".

وتشمل تلك الخطوات دفع رواتب موظفي القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة.

عن تسليم مرتبات الموظفين في اليمن..
ضمن خارطة الطريق للحل في اليمن؛ فإن #السعودية ستقوم بتغطية مرتبات موظفي القطاع العام اليمني لمدة ستة أشهر وفقا لكشوفات الخدمة المدنية للعام 2014.. كما أن المملكة لا تمانع في تغطية المرتبات لمدة ستة أشهر إضافية في حال نفذت الأطراف اليمنية بنود…

— فارس الحميري Fares Alhemyari (@FaresALhemyari) December 26, 2023

مرحلة جديدة

يُحكِم الحوثيون قبضتهم على العاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية والغربية لليمن منذ سبتمبر/أيلول 2014، وقادت الرياض -بعد 6 أشهر- تحالفا عسكريا من 10 دول ضدهم، بهدف إعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إلى صنعاء.

وأسفرت جولات الحرب -منذ ذلك الحين- عن سيطرة حكومية على المحافظات الجنوبية والشرقية، غير أن التنافس بين القوى السياسية والعسكرية التي تشكّل الحكومة أضر بها كثيرا، لتبدو منقسمة وبلا قرار قوي.

وخاضت الحكومة اليمنية والحوثيون آخر مفاوضات سلام نهاية 2018 في العاصمة السويدية ستوكهولم، وكانت تلك الجولة استكمالا لجولات مماثلة عُقدت في الكويت في 2016.

غير أن طول أمد الحرب التي ظلت تراوح خطوط الاشتباك، دفع السعودية للذهاب إلى تفاوض مباشر مع الحوثيين، ووصل السفير السعودي محمد آل جابر إلى صنعاء، في أبريل/نيسان الماضي، كما هبط وفد الحوثيين في الرياض منتصف سبتمبر/أيلول الماضي.

ووفق المصدر الحكومي الذي تحدث للجزيرة نت، فإن الاتفاق المُعلن لم يكن مبنيا على المفاوضات السابقة التي استندت فيها الحكومة اليمنية إلى المرجعيات الثلاث كأساس لأي حل في اليمن؛ وهي:

المبادرة الخليجية التي وقعتها الأطراف اليمنية في 2011. مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في صنعاء (2013-2014). قرار مجلس الأمن 2216، الذي طالب الحوثيين بوقف العنف وسحب قواتهم من المدن والعاصمة صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها من مؤسسات الدولة.

ولطالما رفض الحوثيون هذه المرجعيات، وحسب تصريحات سابقة لقادة الجماعة، فإن المرجعيات باتت من الماضي، وأي مقترح للحل لا بد أن يعمل على إنهاء عمليات التحالف، ودفع رواتب الموظفين، وفتح مطار صنعاء.

اتفاق بين السعودية والحوثيين

وكان قادة الأحزاب السياسية الرئيسة الموالون للحكومة اليمنية، قالوا في ندوة عُقدت مؤخرا، إن الاتفاق جرى بين السعودية والحوثيين ولم يُناقش مع الحكومة أو القوى السياسية.

وأبدى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات والمشارك بالحكومة، الذي يسيطر على العاصمة المؤقتة عدن وعدد من محافظات الجنوب، تحفظا ضمنيا على الاتفاق، وربط ترحيبه "باستكمال المشاورات مع جميع الأطراف الفاعلة لضمان تحقيق عملية سياسية شاملة وناجحة"، في إشارة إلى استبعاده من جولات التفاوض التي توصلت للاتفاق.

وخلال المفاوضات، حاول الحوثيون استغلال اندفاع السعودية ليرفعوا سقف طموحاتهم، وطالبوا بتوقيع الاتفاق مع الرياض التي رفضت ذلك تماما، لتؤكد أن دورها هو وسيط وليس طرفا، لتخفق مساعي الحوثيين في الحصول على اعتراف ضمني من السعودية.

ووفق مصدر خاص، فإن السعودية أصرّت أن يُوقِّع الاتفاق بين الحوثيين ومجلس القيادة الرئاسي ممثل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وهو ما أعلنه المبعوث الأممي.

مستجدات بشأن الجهود المبذولة للتوصل لخارطة طريق ترعاها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن:

بعد سلسلة اجتماعات مع الأطراف في الرياض ومسقط، بما في ذلك مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وكبير مفاوضي أنصار الله محمد عبد السلام،

— @OSE_Yemen (@OSE_Yemen) December 23, 2023

تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر

وحسب مصادر خاصة للجزيرة نت، فإن توقيع الاتفاق كان مقررا له في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، غير أن تداعيات الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة تسببت بتأجيله، وأن الولايات المتحدة قد تكون ضغطت لتأجيل الاتفاق حتى يتم التعامل مع هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر وباب المندب.

وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن؛ تيموثي ليندركينغ، قال خلال مشاركته في حلقة نقاشية نظمها مركز بحثي يمني، الأربعاء الماضي، إن التصعيد الأخير من الحوثيين في البحر الأحمر وباب المندب، ليس في صالح تحقيق السلام في اليمن.

أقام مركز واشنطن للدراسات اليمنيه @WCYSUS فعالية طاولة مستديرة جمعت المبعوث الأمريكي لليمن تيم لندركينج وسفير اليمن لدى الولايات المتحدة السيد محمد الحضرمي بإدارة الخبيرة بالشأن اليمني ندوى الدوسري. شهدت هذه المحادثة على دعم الولايات المتحدة لجهود السلام في اليمن والتدابير… https://t.co/ROlrojW22x pic.twitter.com/fhrPOvBaUh

— Washington Center for Yemeni Studies (@WCYSUS) December 21, 2023

وبعد 3 أيام من إعلان الاتفاق، لم تبدِ الولايات المتحدة موقفا، رغم أن ملف إنهاء الحرب في اليمن كان من أولويات إدارة الرئيس بايدن، الذي عيّن مبعوثا خاصا لواشنطن إلى اليمن فور وصوله للبيت الأبيض، في مؤشر إلى أن تركيزها ينصب حاليا على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

وفي المقابل، لم تعلن الجماعة أي موقف من الاتفاق، وحاول موقع الجزيرة نت التواصل مرارا بالمتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام دون جدوى، ويبدو أنها تسعى حاليا للتعامل مع الموقف بعد تشكيل الولايات المتحدة قوة متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر، الذي بات مهددا بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وتقول الجماعة، إنها تستهدف السفن الإسرائيلية، أو المتجهة إلى إسرائيل.

ويظهر أن الاتفاق المُعلن على المحكّ، في حال قررت الولايات المتحدة شن هجوم على مواقع حيوية للحوثيين ردا على الهجمات المستمرة في البحر الأحمر، ويقول الباحث السياسي اليمني مصطفى الجبزي، للجزيرة نت، إن عرقلة الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر يستدعي إعادة التفكير في عقد سلام معهم.

فيما كانت طائرة استطلاع تابعة للقوات البحرية اليمنية تقوم بعمل استطلاعي عرض البحر الأحمر قامت بارجة أمريكية بإطلاق النار بطريقة هيستيرية وبأسلحة متعددة تظهر حالة الإرباك والقلق حيث انفجر أحد الصواريخ بالقرب من سفينة متجهة جنوب البحر الأحمر تابعة لجمهورية الغابون وهي آتية من…

— محمد عبدالسلام (@abdusalamsalah) December 24, 2023

 

الخروج من المستنقع اليمني

حمل إعلان التوصل لاتفاق آمالا كبيرة لليمنيين، وقال علاء جميل -وهو شاب يملك متجرا صغيرا للملابس وسط العاصمة صنعاء-، "إنها لحظة طال انتظارها"، ممنيا نفسه بأن يتحسن الوضع للأفضل.

ويضيف للجزيرة نت "الناس تعبوا جدا، كل تفكيرهم حاليا في الوجبة التالية، صرنا نغلق المحل عند السابعة مساء بدلا من العاشرة؛ بسبب توقف البيع والشراء، لكن نأمل أن تُصرف الرواتب للموظفين بعد الاتفاق وتعود الحياة من جديد".

كما رحبت الحكومة اليمنية والسعودية وقطر والإمارات وسلطنة عمان والكويت والأردن والعراق ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي بالإعلان، الذي قد ينهي حربا تسببت في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية بالعالم.

ورغم حالة التفاؤل، فإن يمنيين يرون أن الاتفاق قد ينهي البعد الإقليمي للحرب في اليمن، بينما ستبقى الحرب مستعرة في الداخل بين الأطراف والقوى اليمنية، أي أن ما حدث لا يعدو أن يكون صفقة سياسية أكثر مما هو اتفاق سلام.

ويقول الباحث السياسي مصطفى الجبزي، إن "الالتزامات المعلنة لا ترقى إلى مستوى الاتفاق، بل هي حصيلة مشاورات مكوكية تفرضها حاجة دول الإقليم للخروج من المستنقع اليمني، وتثبيت الوئام السعودي الإيراني وتعظيم مكاسبه"، وأضاف للجزيرة نت، أن "ذلك يأتي من حاجة القوى اليمنية إلى إعادة بناء صفوفها استعدادا لمعركة قادمة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحوثیین فی البحر الأحمر الولایات المتحدة الحکومة الیمنیة بین السعودیة للجزیرة نت فی الیمن

إقرأ أيضاً:

من خلفه علم اليمن وصورة العليمي.. عيدروس الزبيدي يصدر توجيهات بشأن قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية

وجه عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، بالإسراع في تنفيذ مصفوفة رئاسة الوزراء بشأن قرار تصنيف مليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية.

وأكد خلال لقاءه اليوم الإثنين بالعاصمة المؤقتة عدن، وزير الداخلية اللواء ابراهيم حيدان، وعدد من وكلاء الوزارة، على رفع مستوى الجاهزية الأمنية وتعزيز التنسيق بين مختلف الأجهزة المختصة، بما يضمن تحقيق الاستقرار ويحفظ السكينة العامة للمواطنين.

وناقش اللقاء تداعيات قرار الولايات المتحدة بإعادة تصنيف مليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية.

وفي هذا السياق، شدد الزبيدي على أن هذا القرار يضع مسؤوليات كبيرة على عاتق وزارة الداخلية، خصوصاً فيما يتعلق بالإجراءات الأمنية في المنافذ البحرية والبرية والجوية، لضمان التصدي لأي تهديدات محتملة.

وخلال اللقاء، اطّلع عضو مجلس القيادة من اللواء حيدان والوكلاء على سير العمل في الوزارة، ومستوى الجاهزية الأمنية والاستعدادات لدى الأجهزة الأمنية، إضافةً إلى أداء المصالح والهيئات التابعة للوزارة والخدمات المقدمة للمواطنين في عموم المحافظات المحررة.

وظهر عيدروس الزبيدي في اللقاء وخلفه العلم اليمني وصورة الرئيس العليمي، كما ظهرت القيادات الأمنية مرتدية زيها العسكري.

مقالات مشابهة

  • التداعيات الاقتصادية لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية.. دراسة بحثية لمركز البحر الأحمر للدراسات السياسية والأمنية
  • من خلفه علم اليمن وصورة العليمي.. عيدروس الزبيدي يصدر توجيهات بشأن قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية
  • قائد الثورة يحدد موعد استئناف العمليات اليمنية
  • تهديدات الحوثيين لـ”إسرائيل”.. هل هي بداية لمرحلة جديدة من المواجهة الإقليمية؟
  • ماذا يعني أن تتخلى الحكومة الشرعية عن النطاق الرقمي الأعلى (YE) لصالح الحوثيين؟
  • حماس: لا طريق سوى الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق للحفاظ على مصير الأسرى
  • فضيحة رقمية.. الحكومة اليمنية تستخدم نطاقات تجارية بينما الحوثيون يسيطرون على الدومين الرسمي
  • نهب الآثار اليمنية.. سرقات متكررة تهدد التاريخ والتراث
  • بعد تهديدات صنعاء.. مصير غامض لحاملة الطائرات الأمريكية “ترومان”
  • جرائم الحوثيين في اليمن.. الطبيبة والمُسن ضحايا العنف والتجاوزات