الوطن:
2025-03-26@11:41:52 GMT

د. يوسف عامر يكتب: من مقومات الإسلام

تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT

د. يوسف عامر يكتب: من مقومات الإسلام

الأحكام: جاءت الأحكام والتشريعات فى ديننا الحنيف مراعية لطبيعة الإنسان، هادية له، مصححة لمساره فى الحياة، سواء فى ذلك أحكام العبادات وأحكام المعاملات.

والتزام الإنسان بهذه الأحكام فى عباداته ومعاملاته عبادة مقصودة فى ذاتها، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، وليس معنى العبادة هنا قاصراً على أداء الفروض المعروفة، وإنما العبادة هى أن يكون الإنسان بكيانه كلِّه عبداً لله تعالى، فهو عبد مخلص لله سبحانه بأداء عباداته كما أمر، وهو عبد مخلص لله سبحانه بالتزام أوامره فى المعاملات كما شرع.

فتحقيق العبودية لله تعالى أمر مقصود فى ذاته، ولا يستقيم أمر الإنسان فى الحياة إلّا بوجوده؛ إذ العبادة ترجمة عملية للإيمان الذى هو فطرة فطر الله سبحانه وتعالى خلقه عليها، فيجب أن تُحفظ الأحكام ضابطة لحياة البشر وحركتهم فى الكون.

وقد جاء الإسلام -باعتباره رسالة الله تعالى للعالمين- مهيَّأ لاستمرار أحكامه بكونه غير مقيَّد بأشخاص معينين، أو زمان محدد، أو مكان دون غيره، أو أحوال خاصة، أو أعراف وعوائد لا يتخطاها، وإنما هو مجاوز لكل هذه الحدود، وصالح لكل مكان وفى كل زمان، مُراعٍ لأعراف الناس وعوائدهم المستقيمة؛ لأنّ الناس لم يعتادوا أمراً ويصيّروه عرفاً بينهم إلّا لحاجتهم إليه، ولتحقيق مصالح يرجونها.

ولولا أن الإسلام مجاوز لكل هذه القيود والحدود لما كان محقِّقاً لمصالح العباد فى المعاش والمعاد، نعم هذا المعنى متحقق فى كل شريعة «فإنّ الله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب لإقامة مصالح الدنيا والآخرة، ودفع مفاسدهما» كما يقول سلطان العلماء عز الدين بن عبدالسلام (ت 660)، ولكن هذا فى غير شريعة الإسلام كان محدوداً بقوم أو بزمن، أمّا فى الإسلام فهو نفع غير محدود كما سبق البيان، ولهذا كانت «الشريعة كلها نصائح، إما بدرء مفاسد أو بجلب مصالح»، كما يقول العزّ بن عبدالسلام أيضاً، فرعاية مصلحة الإنسان من ثوابت الشرع الشريف، حتى قال بعض السادة العلماء: «حيثما كانت المصلحة فثمّ شرع الله».

ومن هنا لا يصح أن يتصدّر للإفتاء إلا من كان مدركاً لمقاصد الشرع الشريف، وعالماً بأعراف المجتمع الذى يتولى الإفتاء فيه وعوائده، الحسن منها والقبيح، وما ينبغى أن يُراعَى عند الإفتاء لتحقيق مصالح العباد، وما ينبغى أن يقوَّم ويُعدَّل لأنّه لا يتفق مع دين الله ولا الفطرة التى فَطر الناس عليها، ومن يجترئ على مقام الإفتاء دون إدراك لأعراف الناس وعوائدهم، واختلاف أمكنتهم ومستجدات زمانهم وخصوصية واقعهم فقد ضل وأضل، فمعارف المفتى لا تقتصر على العلوم الشرعية، بل لا بد من إدراك جيد لأحوال المجتمع، ومن متابعة حثيثة دقيقة لمستجدّات الواقع.

وليس هذا قاصراً على المفتى وحده، بل ينبغى أن يكون الدعاة والوعاظ كذلك، لأنهم هم الذين يباشرون دعوة الناس، ويقومون بتوجيه خطاب الله تعالى لهم، وينقلون أحكام الدين إليهم، فينبغى أن يتشبّعوا بهذه الثقافة، ثم يؤصّلونها فى المجتمع... فالشريعة إنّما جاءت لنفع العباد فى المعاش والمعاد.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: التشريعات الإسلام الله تعالى لله تعالى

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: النبي عاش بين غير المسلمين وعاملهم بالعدل والإحسان

أكد الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- أن الإسلام في نصوصه ومقاصده يقدم نموذجًا متقدمًا للتعامل بين البشر، يقوم على أسس العدل والتكامل والمواطنة والتعايش السلمي، محذرًا من خطورة الدعاوى المتطرفة التي تروِّج للعزلة والانغلاق وتصوِّر الإسلام كدين يرفض التعايش مع غير المسلمين.

مفتي الجمهورية: نعمل على توظيف الذكاء الاصطناعي لفهم احتياجات المجتمعمفتي الجمهورية: اليأس ليس من صفات المؤمن.. والتشاؤم لا أصل له في الإسلام

وتناول مفتي الجمهورية، خلال حديثه الرمضاني، قضية العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، مؤكدًا أنها من القضايا التي يكثر فيها الجدل وسوء الفهم، لا سيما مع تصاعد خطابات الكراهية التي يروج لها بعض المتشددين بدعاوى باطلة، على رأسها "الولاء والبراء"، التي يُساء فهمها واستخدامها خارج سياقاتها الشرعية.

وشدَّد مفتي الجمهورية، على أن التنوع والتعددية سُنَّة إلهية أكَّد عليها القرآن الكريم، فقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118]، وأن الإسلام لم يفرض دينًا واحدًا على الناس بالقوة، بل دعا إلى التعارف والتعاون، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُم شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].

وأوضح أنَّ سيرة النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تؤكد هذه المبادئ، حيث لم يدعُ إلى مقاطعة غير المسلمين، بل عاش بينهم وتعامل معهم بعدلٍ وإحسان، فعقد عند قدومه إلى المدينة "وثيقة المدينة" التي رسخت لمبدأ المواطنة، وبيَّنت شكل العلاقة المدنية بين المسلمين وغيرهم، مؤكدًا أن التعامل مع غير المسلمين في الإسلام يقوم على قواعد العدل والإنصاف لا الخصومة والعداء.

وفي تحذير واضح من الخطاب المتطرف، نبَّه مفتي الجمهورية إلى خطورة استخدام بعض الجماعات والجهات المتشددة لمفاهيم مغلوطة مثل "الولاء والبراء"، لتبرير القطيعة والكراهية، مستشهدين بآيات قرآنية خارج سياقاتها، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ...} [المائدة: 51]، مؤكدًا أن هذه الآية نزلت في سياق سياسي متعلق بالحروب والمعاهدات، وليس لها علاقة بالعلاقات الاجتماعية والإنسانية.

كما أشار إلى أن الإسلام يحترم حرية الاعتقاد، وهذا ما تؤكده نصوص واضحة مثل: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، و{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]، مشددًا على أن الإسلام لا يُجبر أحدًا على الدخول فيه، بل يدعو إلى الحوار بالتي هي أحسن، كما في قوله تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].

وأكد أن العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين ليست علاقة صراع دائم كما يروِّج بعض المتشددين، بل علاقة قائمة على البر والإحسان، مستشهدًا بقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

وتوقف عند مفهوم المواطنة في الإسلام، مؤكدًا أنه مفهوم أصيل، فالدولة الإسلامية منذ نشأتها قامت على احترام التعددية الدينية، حيث عاش المسلم والمسيحي واليهودي وغيرهم في كنف الدولة الإسلامية بحقوق كاملة وواجبات متبادلة، وكان لهم دور فاعل في بناء المجتمع، دون تمييز أو تفرقة دينية.

وأشار إلى أمثلة تاريخية بارزة على التعايش، منها التجربة الأندلسية التي عاش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود جنبًا إلى جنب في ظل حضارة منفتحة. وفي مصر، ظلت الكنيسة القبطية -ولا تزال- شريكًا وطنيًّا أصيلًا في بناء المجتمع، على مدى قرون طويلة.

وختم مفتي الجمهورية اللقاء بالتأكيد على أن الدولة الوطنية الحديثة هي امتداد شرعي لمفهوم المواطنة الإسلامية، وأن الإسلام يدعم كل نظام يقوم على العدل والمساواة والكرامة الإنسانية، مشددًا على أن لا تعارض بين الإسلام ومبادئ المواطنة الحديثة، بل إن الإسلام يحث على احترام القانون، ويعزز من قيمة الإنسان أيًّا كان دينه أو عِرقه.

مقالات مشابهة

  • هل يكتب الله الأقدار في ليلة القدر.. ولماذا تتبدل من عام لآخر؟
  • 30 كلمة في القرآن يفهمها الناس خطأ.. اعرف معناها الصحيح
  • السيد القائد يشيد بالمؤتمر الدولي الـ3 “فلسطين قضية الأمة المركزية” المنعقد في صنعاء
  • قائد الثورة: المؤتمر الثالث لفلسطين يأتي في إطار الاهتمام والتوجه الصادق لنصرة القضية الفلسطينية
  • فتاة: ليه ربنا فضل الإسلام على باقي الأديان اللي خلقها؟ علي جمعة يجيب
  • مفتي الجمهورية: النبي عاش بين غير المسلمين وعاملهم بالعدل والإحسان
  • وزير الأوقاف: التدبر في النعم يولّد بالقلب وعيا للسير في طريق الله
  • هل الرحمة تجوز على غير المسلم؟.. الدكتور أيمن أبو عمر يجيب
  • مفتي الجمهورية: اليأس ليس من صفات المؤمن.. والتشاؤم لا أصل له في الإسلام
  • صابر حارص يكتب: صراع الإعلامي والداعية