د. يوسف عامر يكتب: من مقومات الإسلام
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
الأحكام: جاءت الأحكام والتشريعات فى ديننا الحنيف مراعية لطبيعة الإنسان، هادية له، مصححة لمساره فى الحياة، سواء فى ذلك أحكام العبادات وأحكام المعاملات.
والتزام الإنسان بهذه الأحكام فى عباداته ومعاملاته عبادة مقصودة فى ذاتها، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، وليس معنى العبادة هنا قاصراً على أداء الفروض المعروفة، وإنما العبادة هى أن يكون الإنسان بكيانه كلِّه عبداً لله تعالى، فهو عبد مخلص لله سبحانه بأداء عباداته كما أمر، وهو عبد مخلص لله سبحانه بالتزام أوامره فى المعاملات كما شرع.
فتحقيق العبودية لله تعالى أمر مقصود فى ذاته، ولا يستقيم أمر الإنسان فى الحياة إلّا بوجوده؛ إذ العبادة ترجمة عملية للإيمان الذى هو فطرة فطر الله سبحانه وتعالى خلقه عليها، فيجب أن تُحفظ الأحكام ضابطة لحياة البشر وحركتهم فى الكون.
وقد جاء الإسلام -باعتباره رسالة الله تعالى للعالمين- مهيَّأ لاستمرار أحكامه بكونه غير مقيَّد بأشخاص معينين، أو زمان محدد، أو مكان دون غيره، أو أحوال خاصة، أو أعراف وعوائد لا يتخطاها، وإنما هو مجاوز لكل هذه الحدود، وصالح لكل مكان وفى كل زمان، مُراعٍ لأعراف الناس وعوائدهم المستقيمة؛ لأنّ الناس لم يعتادوا أمراً ويصيّروه عرفاً بينهم إلّا لحاجتهم إليه، ولتحقيق مصالح يرجونها.
ولولا أن الإسلام مجاوز لكل هذه القيود والحدود لما كان محقِّقاً لمصالح العباد فى المعاش والمعاد، نعم هذا المعنى متحقق فى كل شريعة «فإنّ الله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب لإقامة مصالح الدنيا والآخرة، ودفع مفاسدهما» كما يقول سلطان العلماء عز الدين بن عبدالسلام (ت 660)، ولكن هذا فى غير شريعة الإسلام كان محدوداً بقوم أو بزمن، أمّا فى الإسلام فهو نفع غير محدود كما سبق البيان، ولهذا كانت «الشريعة كلها نصائح، إما بدرء مفاسد أو بجلب مصالح»، كما يقول العزّ بن عبدالسلام أيضاً، فرعاية مصلحة الإنسان من ثوابت الشرع الشريف، حتى قال بعض السادة العلماء: «حيثما كانت المصلحة فثمّ شرع الله».
ومن هنا لا يصح أن يتصدّر للإفتاء إلا من كان مدركاً لمقاصد الشرع الشريف، وعالماً بأعراف المجتمع الذى يتولى الإفتاء فيه وعوائده، الحسن منها والقبيح، وما ينبغى أن يُراعَى عند الإفتاء لتحقيق مصالح العباد، وما ينبغى أن يقوَّم ويُعدَّل لأنّه لا يتفق مع دين الله ولا الفطرة التى فَطر الناس عليها، ومن يجترئ على مقام الإفتاء دون إدراك لأعراف الناس وعوائدهم، واختلاف أمكنتهم ومستجدات زمانهم وخصوصية واقعهم فقد ضل وأضل، فمعارف المفتى لا تقتصر على العلوم الشرعية، بل لا بد من إدراك جيد لأحوال المجتمع، ومن متابعة حثيثة دقيقة لمستجدّات الواقع.
وليس هذا قاصراً على المفتى وحده، بل ينبغى أن يكون الدعاة والوعاظ كذلك، لأنهم هم الذين يباشرون دعوة الناس، ويقومون بتوجيه خطاب الله تعالى لهم، وينقلون أحكام الدين إليهم، فينبغى أن يتشبّعوا بهذه الثقافة، ثم يؤصّلونها فى المجتمع... فالشريعة إنّما جاءت لنفع العباد فى المعاش والمعاد.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: التشريعات الإسلام الله تعالى لله تعالى
إقرأ أيضاً:
10 أمور تساعدك على الخشوع في الصلاة..واظب عليها
الخشوع في الصلاة يَكثرُ ثوابها أو يقلّ حسبما يعقل المصلّي في صلاتهِ، إضافةً إلى استشعارُ الخضوعِ والتواضعِ للهِ عزَّ وجلَّ عند ركوعهِ وسجودهِ، وأن يمتلئَ قلبهُ بتعظيمِ اللهِ عز وجلّ عند كل جزءٍ من أجزاء الصلاةِ، وأن يبتعد المُصلّي في صلاتهِ عن الأفكارِ والخواطرِ الدنيويّة، والإعراضِ عن حديثِ النفسِ ووسوسةِ الشيطانِ؛ ذلك أنّ الصلاةَ مع الغفلةِ عن الخشوعِ والخضوعِ لله عز وجل لا فائدة فيها.
10 أمور تساعدك على الخشوع في الصلاة1- ردد الأذان
2- أسبغ الوضوء وحسنه
3- صل الصلاة على وقتها، وحافظ على أدائها فى جماعة
4- ابتعد عن الضوضاء والمشتتات
5- اطمئن فى أداء الصلاة
6- استشعر قرب الله منك
7- اعرف معانى الآيات التى تصلى بها وتدبرها
8- استحضر معانى الأذكار داخل الصلاة
9- أكثر من الدعاء فى السجود
10- حافظ على أذكار ختم الصلاة
كيفية الخشوع في الصلاةونصح مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ببعض الوسائل التي تعين المسلم على الخشوع في الصلاة ومنها: أولًا: معرفة صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- من واجبات وآداب وهيئات وأدعية وأذكار، ثانيًا: وأن تحرص بعد المعرفة على التطبيق التام لها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم «صلوا كما رأيتموني أصلي».
وأضاف: ثالثًا: المجاهدة والمثابرة على الخشوع في الصلاة ولذا قال سبحانه وتعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ»، رابعًا: استحضار عظمة الله تعالى وجلاله وعلوه على خلقه، وأنك تقف بين يديه عبد بين يدي سيده ومولاه.
وتابع: خامسًا: وإذا عرض لك شيء يشغلك في صلاتك فاتفل «هواء مع ريق خفيف يشبه الرذاذ» عن يسارك واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فإنه ينصرف عنك بفضل الله تعالى.
حكم الخشوع في الصلاةاختلفَ الفقهاءُ في حكم الخشوع في الصلاةِ؛ هل هي سنةٌ أم فرضٌ، أم تُعتبرُ من فضائِلها ومُكمّلاتِها: القول الأول: ذهب جمهورُ الفقهاءِ إلى أنّ الخشوعَ في الصلاةِ سُنّةٌ من سننِ الصلاةِ، بدليلِ صحةِ صلاةِ من يُفكّرُ في الصلاةِ بأمرٍ دنيويٍّ، ولم يقولوا ببطلانِ صلاةِ من فكَّر في صلاتهِ.
واستدلوا بما رواه أبو هريرة - رضي اللهُ عنهُ-: «أنَّ النبيَّ -عليه الصّلاة والسّلام- رأى رجلًا يعبثُ بلحيتهِ في الصلاةِ فقال: لو خَشعَ قلبُ هذا لخشعت جوارحُهُ»؛ وما يُفهَم من الحديث أنَّ هناكَ أفعالًا تُكرهُ في الصلاةِ لأنها تُذهبُ الخشوعََ، وعلى المصلِّي البُعدَ عنها وتجنّبها، كالعبثِ باللحيةِ أو الساعةِ، أو فرقعةُ الأصابعِ، كما يُكرهُ للمصلِّي دخول الصلاةِ وهناك ما يشغلهُ عنها، كاحتباسِ البولِ، أو الجوعِ أو العطشِ، أو حضورِ طعامٍ يشتهيهِ.
- القول الثاني: ذهب أصحاب هذا القول إلى أن الخشوع في الصلاة واجب؛ وذلك لكثرة الأدلة الصحيحة على ذلك، ومنها قوله تعالى: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ»، وقوله –تعالى-: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ»، والخشوع الواجب في الصلاة الذي يتضمّن السكينة والتواضع في جميع أجزاء الصلاة، ولهذا كان الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- يقول في ركوعه: «اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، خشع لك سمعي وبصري، ومُخّي، وعظمي، وعصبي»، فجاء وصف النبي -عليه الصّلاة والسّلام- بالخشوع أثناء ركوعه، فيدل على سكونه وتواضعه في صلاته.
وفسر بعض العلماء قوله –تعالى-: «الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ» بأن الخشوع في القلب، وفي قول آخر: (معنى الخشوع أي: الرّهبة لله تعالى)، وقيل: عدم الالتفات في الصلاة، وغضّ البصر، والخوف من الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك أيضًا خشوع الصوت؛ فإذا كان الخشوع في الصلاة يُعتَبر عند بعض العلماء واجبًا، والذي يعني السّكون، فمن نقر في صلاته نقر الغراب لم يخشع في صلاته، وكذلك من رفع رأسه من الركوع ولم يستقرّ قبل أن ينخفض لم يسكن بفعله هذا، ومن لم يسكن في صلاته لم يخشع في ركوعه وسجوده، ومن لم يخشع في صلاته يُعتَبر آثمًا عاصيًا.