مفردات دعم محاور التنافسية (٢)
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
تناولنا فى المقال السابق كيف أن لكل عصر من العصور مفرداته التى يمكن للبشر أن يتعاملوا بها، وينجحوا معها فـى بناء دولتهم، وأن مصر مصرة على النهضة واستعادة دورها ووجها الحضارى، وهنا بدأت الدولة المصرية بالاعتماد على خطة تعتمد على زيادة معدلات النمو الحقيقى وبصورة مستدامة، كذلك مراعاة البعد الاجتماعى وتطلب ذلك وضع مخطط استراتيجى قومى للتنمية يمتد لأكثر من 30 عامًا من الآن، ويعتمد على ضرورة إقامة مدن جديدة، وزيادة مساحة الأراضى الزراعية وضرورة العمل على إنشاء مجتمعات صناعية، وزيادة معدلات التصدير، وبالتالى فإن السعى نحو تغيير وجه الحياة فى مصر أمر تتطلبه الظروف والتحديات الراهنة، التى تتطلب إقامة برنامج طموح للإصلاح الاقتصادى.
لذلك تسعى القيادة السياسية إلى تعزيز مؤشر التنافسية العالمية، التى تعتبر مصطلحًا حديثًا فى علم الإدارة والاقتصاد، وتهدف إلى تحديد أسس ومبادئ ومعايير الكفاءة والتميز والتطور الذى وصلت إليه دول العالم فى 4 محاور رئيسية، تضم المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، إلى جانب 20 محورًا قطاعيًا، و330 مؤشرًا فرعيًا. وهذا يؤكد على نجاح الرؤية المصرية الهادفة لرفع مرتبة تنافسيتها إقليميًا وعالميًا إلى أحد المراكز الـعشرة الأوائل بحلول عام 2030. طبقا للاستراتيجية المصرية الطموحة، وحيث إن التنافسية العالمية تعتمد على معايير الاستغلال الأمثل لموارد الدولة لتحقيق الرفاهية والتنمية المستدامة، اتبعت السياسة العامة للدولة، أفضل أساليب الإدارة لرفع مستوى الكفاءة والتميز والتطور فى مختلف المجالات، وتتنوع هذه المعايير حسب أساليب القياس التى تتبعها المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولى، والمنتدى الاقتصادى العالمى، والمؤسسة الدولية للتطوير الإدارى بسويسرا، التى تقوم بنشر تقاريرها بشكل سنوية فى خضم هذه المزايا والمعطيات، حددت مصر هدفًا طموحًا واضحًا لكى تتمكن من التكيف مع المتغيرات العالمية بنجاح، فخلال السنوات الثمانى الماضية تم تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادى متكامل وهيكلة إدارية شاملة، تتمتع باستراتيجيات تنموية مرنة لكى تكتسب صفة الاستدامة، لتعزيز دور القطاع الخاص، من خلال تشجيعه على الاستثمار والمشاركة فى إدارة وتنفيذ كافة الأنشطة الاقتصادية، وكذلك تعديل النهج التقليدى فى الإدارة، عبر تدشين المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة الرئيس السيسى لضمان تسريع عملية اتخاذ القرار وتنفيذ أحكامه بما يتفق مع الوتيرة المتسارعة للأحداث العالمية، لتحسين مراتبنا على مؤشرات التنافسية العالمية، وإذ نعتز اليوم بقوة السياسة الخارجية المصرية التى حققت نجاحًا كبيرًا خلال الفترة الماضية مقرونة بإقامة علاقات متوازنة مع القوى الاقتصادية العالمية، والوعى المجتمعى الكبير أفرزته نتائج الانتخابات الرئاسية الماضية، فإننا سنواصل تصدرنا للمشهد السياسى والاقتصادى كى نستفيد من تقدمنا والنجاح فى أن نكون أسرع دول العالم فى النمو الاقتصادى، كى نستحق بجدارة ما حققناه من إنجازات مشرفة على معظم مؤشرات التنافسية العالمية.
رئيس المنتدى الاستراتيجى للتنمية والسلام
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: اصلاح اقتصادي الرئيس السيسي د علاء رزق التنافسیة العالمیة
إقرأ أيضاً:
العنصرية الضمنية في تبرير الهيمنة الغربية وانعدام المساواة
لا ينظر للطفولة باعتبارها مرحلة كغيرها. بل المرحلة التي تُكوّن الإنسان ذهنيا، جسديا، ونفسيا. مرحلة يتقرر فيها ما إذا كان الطفل سيؤجل أكل قطعة المارشميلو ليكافأ بأخرى، ويكبر ليصبح إنسانا قادرا على ضبط النفس، تأجيل تحقيق الرغبات، ينال الشهادات، والترقيات، ويحقق النجاح الاجتماعي. أو ما إذا كان سيأكلها مباشرة، وينتهي باختصار بلا مستقبل. مرحلة تغور فيها الجراح النفسية لتصبح أمراضا عقلية عند البلوغ. مرحلة إذا فات فيها الطفل أن يلعب، أن يتغذى كما يجب، فإنه يفقد الفرصة في تنمية دماغه على النحو المطلوب.
لكن، ثمة أطروحات جديدة لا تكتفي بأن ترفض هذه الأفكار، لأننا نفتقر للأساس العلمي الذي يدعمها، بل تذهب إلى تسليط الضوء على خطر هذه النظرة الجوهرانية والحتمية لنمو الإنسان.
تكتب فرانسيسكا مِزينزانا وغابرييل شايدكر في «ما المشكلة في ذكاء أطفالنا؟» حول تحويل تدخلات الطفولة المبكرة لوسائل هيمنة في الجنوب العالمي. يعمل منطق هذه التدخلات كالتالي: إذا ما تم التدخل في تربية الأطفال على نحو محفز، يحسن أدمغتهم، فسيعود بنتائج إيجابية على أدائهم الأكاديمي، وتكوينهم كناضجين. إن هذه التدخلات تمثل استثمارا فعالا يعِدُ بتحقيق النمو الاقتصادي، السلام، الديمقراطية بأنجع الطرق، عبر استهداف لبنات المجتمع الأساسية، ومكون مستقبله الأهم.
وفق هذا تُصمم برامج للتطور الأمثل لدماغ الأطفال، تستفيد من المرحلة التكونية، وقدرة الدماغ على النمو بوتيرة لن تتكرر مستقبلا.
يُجادل الكاتبان أن هذا المنطق يقوم على افتراضين مترابطين. «الأول هو أن هناك خطأ جوهريا في طريقة تربية الآباء في الجنوب العالمي لأطفالهم. والثاني هو أن قضايا مثل الفقر، وانخفاض الدخل، والبطالة، وعدم الاستقرار السياسي أو الحروب يمكن إرجاعها بطريقة ما إلى عيوب فردية».
هذه السرديات تؤكد على وجود قصور. والقصور الذي كان يُرد يوما ما إلى دونية العرق، يُربط اليوم بالظروف الاقتصادية الاجتماعية فترة التنشئة. سردية تُعزي أصحاب الامتيازات عبر تأكيدها أنهم لا يتحمّلون مسؤولية التفاوت الاقتصادي والاجتماعي. وهي أداة طيعة لتبرير فشل السياسات، ودور القوى المهيمنة في المصير المؤسف للدول التي استعمرتها، وتواصل استعمارها بنعومة في عالم اليوم. غني عن الذكر كيف استغل هذا لانتزاع الأطفال من السكان الأصليين، وكيف أن وضع تنشئة الطبقة المتوسطة في الدول الغربية كمعيار، يفشل في الأخذ في الحسبان الفروق الاجتماعية والثقافية التي تنتج أساليب أخرى، لعلها أكثر ثراءً وتحفيزا. فالأب الغربي يحتاج ليعين «موعد لعب» حتى يتسنى لطفله اللعب مع أقرانه، بينما الحارة والعالم هي ملاعب الأطفال الطبيعية في مناطق أخرى.
يتم عبر سرديات النمو المبكر الاحتفاظ بعقلية الحتمية وتحويل المسؤولية من النظام وسياساته إلى طبيعة الأفراد. ولأن تفسيرات الحتمية البيولوجية للسلوك البشري -والتي تركز على دور الجينات على حساب البيئة أو التربية والأقران- لم تعد مقبولة أخلاقيا ومعرفيا اليوم، يحدث الانزياح من مرحلة التكون الجنيني إلى الطفولة المبكرة، ليرتبط حظ الإنسان، وما يستحقه في الحياة بظروف تنشئته التي لا سبيل لإلغائها.
الذي نغفل عنه غالبا أن كثيرا من الاستنتاجات حول الأمر تُبنى على دراسات لحالات استثنائية، متطرفة. أقتبس مجددا من فرانسيسكا مِزينزانا وغابرييل شايدكر، اللذين يقولان: «تستند معظم الأبحاث حول تأثير الحرمان على الدماغ في مرحلة النموّ إلى دراسات أُجريت على الأطفال الذين تم تبنّيهم من دُور الأيتام الرومانية بعد سقوط نظام تشاوشيسكو عام 1989، والذين عرفوا الحدّ الأدنى من التواصل البشري، وهو أمرٌ لن تعيشه الغالبية العظمى من أطفال العالم».
في أكثر من مناسبة أتحدث عن الحاجة الملحة لأن تُقرأ العلوم والنتاج المعرفي المتمركز حول الغرب على نحو ناقد. إن المقاييس التي توضع لتشخيص وتبرير التدخلات العلاجية والطبية قد تكون في حالات (غير كونها أداة هيمنة) ضد مصلحة الأطفال، لأسباب أقلها إقناعهم بأنهم يعانون من أمراض، ومن قصور. وأقصاها تهديد حياتهم عبر التدخلات غير الملائمة.
نوف السعيدية كاتبة وباحثة عمانية في مجال فلسفة العلوم.