لجريدة عمان:
2024-11-15@05:43:38 GMT

بنك الاحتياطي الفيدرالي وإنجازه الاستثنائي

تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT

ينقسم مراقبو السياسة النقدية حاليا إلى مجموعتين. ولكن ربما يتعين على الجانبين أن يتوقفا ويتأملا أين كنا قبل ثمانية عشر شهرا وأين أصبحنا الآن.

على أحد جانبي الانقسام يقف أولئك منا الذين ما زالوا يستسلمون لهوسهم الـمَـرَضي باختلال التوازن الكبير بين المعروض من المدخرات والطلب على الأموال اللازمة للاستثمار الحقيقي.

كانت هذه هي الظروف التي وَطَّـدَت عشر سنوات من أسعار الفائدة عند الحد الأدنى الأقرب إلى الـصِـفر والركود المزمن (النمو المنخفض بسبب الطلب الكلي المنخفض بنيويا) بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

ونظرا لغياب أي سبب جوهري يجعلنا نتوقع أن تكون الجائحة وما تلاها من إعادة الانفتاح الاقتصادي في وقت لاحق سببا في القضاء على اختلال التوازن هذا، فيترتب على ذلك أن يظل سعر الفائدة الحقيقي المحايد المتوازن (حيث لا تكون السياسة النقدية توسعية أو انكماشية) شديد الانخفاض: أو على وجه التحديد، حيث كان أثناء فترة الركود المزمن. نستنتج من ذلك أيضا أن السياسات الحالية التي تنتهجها البنوك المركزية الكبرى تقييدية إلى حد كبير.

من منظور المنتمين إلى المجموعة الأولى، يتمثل الخطر الأبرز في أن الإبقاء على أسعار الفائدة الاسمية عند مستواها الحالي قد يشعل شرارة ركود كبير، وهو ما من شأنه أن يعيدنا حتما إلى الركود المزمن الكامل، مع انخفاض أسعار الفائدة إلى الحد الأدنى الصِـفري أو بالقرب منه وانزلاق الاقتصادات إلى الكساد الشديد. في المقابل، ترى المجموعة الثانية أن أسعار الأصول الحالية وأسعار الفائدة «طبيعية»، زاعمة أن هذه التدابير تتوافق مع توازن الاقتصاد الحالي. من هذا المنطلق، لا تُـعَـد سياسات البنوك المركزية الحالية تقييدية بدرجة كبيرة، بل إنها أقرب إلى الحياد. ويبدو أن أعضاء هذه المجموعة منشغلون بذكريات آرثر بيرنز.

فبعد أن أصبح رئيسا لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أوائل عام 1970، قرر بيرنز خفض سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية من أكثر من 9% إلى 4.5% بحلول نهاية العام. وقد تبين أن ذلك التصرف كان أحد أخطاء السياسة الاقتصادية الكبرى التي أفضت إلى التضخم في سبعينيات القرن العشرين.

تخشى هذه المجموعة الثانية أن يكرر الاحتياطي الفيدرالي الخطأ الذي ارتكبه بيرنز بخفض أسعار الفائدة في غير أوانه قبل استعادة الثقة الكاملة في التزامه بمرتكز التضخم المنخفض. ولهذا، يحذر الخبير الاقتصادي الحصيف المتمكن محمد عبدالله العريان من أنه «كلما استسلم الاحتياطي الفيدرالي لتوقعات المستثمرين بإجراء تخفيضات كبيرة ومبكرة في أسعار الفائدة في عام 2024 -بما في ذلك الاقتراب من التخفيضات الستة المقررة في العام المقبل- كلما ازدادت الضغوط من جانب الأسواق لحمله على اتخاذ موقف سياسي أكثر وداعة. وعلى هذا فإن الخطر البارز الكبير يتلخص في ما يلي:

«... أن يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يشعر بعدم الارتياح إزاء الانفصال بين توجيهاته السياسية المسبقة وتسعير السوق، إلى اتخاذ إجراءات سياسية ترضي الأسواق ولكن يتبين أنها غير متسقة في الأمد الأبعد مع تفويض البنك المركزي.

لن يكون هذا تصرفا غير مسبوق. فقد حدث ذلك الأمر برمته في يناير 2019 مع تحول السياسة في الاتجاه المعاكس عندما كشف رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول عن لغة جديدة فتحت الباب أمام الاحتمال بأن تكون الخطوة التالية في تحديد أسعار الفائدة إلى الأدنى، بعد ستة أسابيع من إشعار البنك المركزي الأسواق بقدوم مزيد من الارتفاعات».

أول رد فعل من جانبي تجاه هذه الحجة هو أن أقول: «ولكن مهلا: لقد سار التوقف المؤقت في يناير 2019 على ما يرام!» لنتذكر أن الاحتياطي الفيدرالي بحلول أغسطس من عام 2019 كان يريد سعر فائدة أقل على الأموال الفيدرالية، وبالتالي بدأ في خفضه. ولو لم يتحول باول في الاتجاه المعاكس، ولو كانت أسعار الفائدة الطويلة الأجل في السوق والظروف المالية أشد تقييدا خلال النصف الأول من عام 2019، فربما كان بنك الاحتياطي الفيدرالي ليواجه في خريف عام 2019 مشكلة أشد صعوبة من تلك التي واجهها بالفعل.

بالعودة إلى الماضي، كنت في حيرة من أمري في عموم الأمر إزاء اللهجة المستخدمة في أغلب التعليقات على الاحتياطي الفيدرالي منذ أصبح جو بايدن رئيسا ثم بدأت عملية إعادة فتح الاقتصاد في أواخر أيام الجائحة.

لقد تأخر بنك الاحتياطي الفيدرالي حقا في البدء في رفع أسعار الفائدة أثناء إعادة فتح الاقتصاد، لكن الأسباب التي دفعته إلى ذلك كانت وجيهة للغاية، ولم يترتب على تأخيره سوى أقل القليل من الجوانب السلبية.

عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي إحكام السياسة النقدية، كانت خطواته أسرع كثيرا وأبعد مما كنت أريد. ولكن تبين أن صناع السياسات في الاحتياطي الفيدرالي كانوا على حق، وكنت أنا على خطأ.

بعد معاينة الأحداث، أستطيع أن أقول إنه من المنطقي إذا تحركت متأخرا، أن تندفع بقوة حتى تتمكن من اللحاق بالركب. وعلى الرغم من تحطم بعض الكيانات المالية الهشة -حيث سقطت ثلاثة بنوك كبرى لكنها كانت صغيرة بالقدر الكافي للسماح بإفلاسها- فإننا نعرف بالفعل كيف ننظف هذا النوع من الفوضى قبل أن يلحق الأذى بكيانات أخرى.

الآن، بينما يحاول الاحتياطي الفيدرالي إيلاج خيط في إبرة صغيرة للغاية، ربما يُـحـسِـن جميع المعلقين صُـنعا بأن يعترفوا بأن تنظيم عملية إعادة فتح سريعة وناجحة للغاية بعد الجائحة، يليها هبوط ناعم على مستوى الاقتصاد الكلي، ليس بالإنجاز الهين. إنها مهمة بالغة الصعوبة، وقد نفذها الاحتياطي الفيدرالي على أكمل وجه تقريبا حتى الآن. ولا بد من تهنئة باول وزملائه. وأظن أن أحكامهم الحالية بشأن وضع راهن بالغ التعقيد تستحق احترامنا.

جي برادفورد ديلونج أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، ومؤلف كتاب التراخي نحو المدينة الفاضلة: تاريخ اقتصادي للقرن العشرين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بنک الاحتیاطی الفیدرالی أسعار الفائدة

إقرأ أيضاً:

قوة الدولار تدفع الذهب للتراجع دون 2600 دولار

واصلت أسعار الذهب بالأسواق المحلية موجة تراجعها، خلال تعاملات اليوم الثلاثاء، مع تراجع الأوقية بالبورصة العالمية، بسبب عمليات الشراء المتواصلة للدولار، وارتفاع عائدات السندات الأمريكية، وسط التوقعات بتباطؤ الفيدرالي الأمريكي في وتيرة خفض أسعار الفائدة، بجانب انخفاض الطلب على الملاذ الآمن.
قال المهندس، سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة» لتداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت إن أسعار الذهب بالأسواق المحلية تراجعت بنحو 45 جنيهًا خلال تعاملات اليوم، ليسجل سعر جرام الذهب عيار 21 مستوى 3640 جنيهًا في حين تراجعت الأوقية بالبورصة العالمية بنحو 24 دولارًا، لتسجل مستوى 2660 دولارًا.
وأضاف، إمبابي، أن جرام الذهب عيار 24 سجل 4160 جنيهًا، وجرام الذهب عيار 18 سجل 3120 جنيهًا، فيمَا سجل جرام الذهب عيار 14 نحو 2427 جنيهًا، وسجل الجنيه الذهب نحو 29120 جنيهًا.
ووفقًا للتقرير اليومي لمنصة «آي صاغة»، فقد تراجعت أسعار الذهب بالأسواق المحلية بقيمة 75 جنيهًا خلال تعاملات أمس الإثنين، حيث افتتح سعر جرام الذهب عيار 21 التعاملات عند مستوى 3760 جنيهًا، واختتم التعاملات عند مستوى 3685 جنيهًا، في حين تراجعت أسعار الذهب بالبورصة العالمية، بقيمة 17 دولارًا، حيث افتتحت الأوقية التعاملات عند مستوى 2684 دولارًا، واختتمت التعاملات عند مستوى 2622 دولارًا.
ولفت، إلى أن أسعار الذهب بالأسواق المحلية، تراجعت منذ بداية تعاملات الأسبوع أمس الأثنين، وعلى مدار يومين بنحو 120 جنيهًا.
أوضح إمبابي، أن أسعار الذهب بالبورصة العالمية، واصلت خسارتها لتهبط دون 2600 دولار،  للمرة الأولى منذ 20 سبتمبر، بسبب عمليات الشراء المتواصلة للدولار الأمريكي وارتفاع عائدات السندات الأمريكية.
وارتفع الدولار الأمريكي إلى أعلى مستوى في أكثر من أربعة أشهر، ومن ثم فهي عامل رئيسي يمارس ضغوطًا هبوطية على الذهب، وذلك بفعل تصورات السوق بأن السياسات الاقتصادية للرئيس المنتخب دونالد ترامب ستكون إيجابية للدولار.
أضاف، أن السياسات التوسعية المتوقعة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ستعمل على تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز التضخم، وهو ما من المتوقع بدوره أن يحد من قدرة الفيدرالي الأمريكي على تطبيق سياسة التيسير النقدي، ما يعزز من قوة الدولار، وعائدات سندات الخزانة الأمريكية، ويحد من الطلب على الذهب.
لفت، إلى أن تعهدات ترامب بفرض رسوم جمركية على الواردات وخفض الضرائب وترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين، سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة وزيادة التضخم، ومن ثم قد يؤدي ذلك إلى إبطاء الفيدرالي الأمريكي لسرعة تخفيضات أسعار الفائدة في محاولته لمكافحة التضخم الناتج، في حين تأثر أسعار الفائدة المرتفعة نسبيًا تأثيرًا سلبيًا على الذهب.
أشار، إمبابي، إلى أن سياسة ترامب الاقتصادية، ستعزز التوترات التجارية العالمية، وتضغط على الأسواق العالمية، وهو ما يمثل دعمًا للذهب، لاسيما مع استمرار التوترات الجيوسياسية.
 

وخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس وأشار إلى خطط لتخفيف السياسة النقدية بشكل أكبر.
قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس نيل كاشكاري إن البنك المركزي يريد أن يكون لديه الثقة ويحتاج إلى رؤية المزيد من الأدلة على أن التضخم سيعود إلى هدف 2٪ قبل اتخاذ قرار بشأن المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة.
وتترقب الأسواق إصدار بيانات التضخم الاستهلاكي الأمريكي يوم الأربعاء المقبل، ومؤشر أسعار المنتجين الأمريكي يوم الخميس، وبيانات مبيعات التجزئة الأمريكية يوم الجمعة، بجانب، خطابات عدد من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي المؤثرين، بما في ذلك رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في وقت لاحق من هذا الأسبوع، وذلك للحصول على إشارات حول مستقبل أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وسط تكهنات بأن البنك المركزي الأمريكي قد يؤجل دورة التيسير النقدي.

مقالات مشابهة

  • الأسواق تنتظر تصريحات محافظ بنك اليابان حول توقيت رفع أسعار الفائدة المقبل
  • رئيس الفيدرالي الأمريكي: لا داعي للاستعجال في خفض الفائدة
  • كيف سيتعامل الاحتياطي الفيدرالي مع ترامب؟.. القانون يقيد رغبات الرئيس المنتخب
  • الاحتياطي الفيدرالي: لا حاجة للإسراع بخفض الفائدة نظرا لقوة الاقتصاد
  • بنك إنجلترا: انتخاب ترامب يعزز مخاطر التضخم
  • الذهب إلى أدنى مستوى في 8 أسابيع والدولار عند أعلى مستوى في عام
  • أسعار الذهب تعود للارتفاع بسبب قوة الدولار
  • تراجع أسعار الذهب في مصر لليوم الثاني على التوالي
  • قوة الدولار تدفع الذهب للتراجع دون 2600 دولار
  • ماسك يؤيد محاولة ترامب المثيرة للجدل للسيطرة على الاحتياطي الفيدرالي