فهم الرد الإسرائيلي على هجوم حماس في السابع من أكتوبر
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
في السابع من أكتوبر، نفذت حركة حماس الفلسطينية، التي يقع مقرها الرئيسي في مدينة غزة وتحكم قطاع غزة في الأراضي الفلسطينية، هجوما مفاجئا من البر والجو والبحر على جنوب إسرائيل.
وفقا لمسؤولي حماس، جاءت العملية، التي تسمى طوفان الأقصى، ردا على الغارات الإسرائيلية العنيفة والاشتباكات مع المصلين في المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة، وكذلك للفت انتباه العالم إلى ظروف الفلسطينيين المزرية في غزة والضفة الغربية المحتلة، حيث زاد الإسرائيليون من سكان المستوطنات غير الشرعية من هجماتهم المميتة على الفلسطينيين.
بعد فترة وجيزة من هجوم حماس المميت وغير المسبوق من حيث السرعة والتنسيق والحجم، وكذلك من حيث عدد القتلى والجرحى الإسرائيليين (بحسب ما أفاد به مسؤولون إسرائيليون، وإن أشارت بعض الروايات إلى أن العدد يشمل أيضا مدنيين إسرائيليين لعلهم لقوا مصرعهم بنيران إسرائيلية)، أعلنت الحكومة الإسرائيلية الحرب على حماس.
أدت هذه الحرب حتى الآن، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، إلى سقوط عدد هائل من الضحايا المدنيين في غزة، منهم آلاف القتلى من الأطفال، وأدى إلى تهجير داخلي لحوالي 1.9 مليون من سكان غزة في جميع أنحاء القطاع بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل للجيب المحاصر.
وبرغم اتهام حماس والجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب في هذه الجولة الأخيرة من القتال، فإن الطبيعة المروعة للرد العسكري الإسرائيلي في غزة تدفعنا إلى التساؤل: لماذا قررت إسرائيل الرد على هجوم حماس بهذا الشكل غير المتناسب تماما، مع علمها بأن تدخلها العسكري قد ينطوي على أعمال يرجَّح أن يعدَّها المجتمع الدولي والسلطات القضائية انتهاكات جسيمة لقواعد الحرب، المعروفة رسميا باسم القانون الإنساني الدولي، ولحقوق المدنيين الفلسطينيين الإنسانية؟
في ظل تركيز هذا المقال على عدم التناسب الشديد لطبيعة الرد الإسرائيلي على هجوم حماس، يبدو أن لدينا تفسيرين معقولين، أحدهما سياسي أيديولوجي بطبيعته والآخر جيوستراتيجي.
التفسير الأول هو رغبة القوميين الإسرائيليين المتطرفين الراسخة (المتجذرة في النظرة التوراتية لفلسطين التاريخية باعتبارها أرض الميعاد) في الاستيلاء أو السيطرة على الأراضي الفلسطينية المتبقية، تحقيقا لما تسعى العناصر اليمينية المتطرفة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي بقيادة بنيامين نتانياهو وما تعمل بجد من أجله.
والتفسير الثاني هو مصلحة حكومة نتانياهو في الحفاظ على سيطرتها على موارد النفط والغاز الهائلة في الأراضي الفلسطينية أو توسيع هذه السيطرة.
ولنبدأ بإلقاء نظرة فاحصة على التفسير الأول.
في عام 2017، نشر بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي الحالي، مقالة دعائية بعنوان «خطة إسرائيل الحاسمة»، لعلها واحدة من أهم التعبيرات عن رغبة القوميين الإسرائيليين المتطرفين في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية المتبقية في الآونة الأخيرة.
الحجة الأساسية التي يقوم عليها المقال المطول هي أنه لا بد من إبدال «حل الدولتين»، أي إطار تقسيم فلسطين التاريخية الذي طرحته الأمم المتحدة في الأصل عام 1947، بخطة جديدة، تستفيد من «النهج الإيماني الذي يتبعه الجناح الصهيوني».
هكذا، وفقا لسموتريش، الذي لم يخف كراهيته للفلسطينيين ونزعاته الإبادية ضدهم، لا بد أن يتخل الفلسطينيون عن «طموحاتهم الوطنية» في أرض إسرائيل وأن يقبلوا نتيجة لذلك أحد خيارات ثلاثة: أن يعيشوا جزءا من المجتمع الإسرائيلي حياة جماعة سكانية خاضعة ودون حقوق متساوية، أو يهاجروا طوعا إلى بلاد أخرى (وهو اقتراح قدمه السياسي الصهيوني المبكر تيودور هرتزل في مذكراته)، أو يلقوا مصرعهم إذا ما اختاروا القتال تحقيقا لطموحاتهم الوطنية.
وفي صدى لجولدا مائير، رئيسة الوزراء الرابعة لإسرائيل، يواصل سموتريش، في المقال نفسه (ومرة أخرى في باريس هذا العام)، رفض فكرة القومية الفلسطينية أو القومية أصلا ، مقدما «الشعب الفلسطيني» باعتباره محض «حركة مضادة للحركة الصهيونية». فقوميتهم كما يقول هي ببساطة غير موجودة إلا بوجود الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
غير أن ما لا يدركه سموتريتش هو أن مثل ذلك يمكن أن يقال عن القومية اليهودية.
فقد تشكلت القومية اليهودية (الصهيونية)، وفقا لخبيري الصراع الإسرائيلي الفلسطيني روزماري وهيرمان روثر على سبيل المثال «ردا على قومية عرقي أو عنصرية أوروبية إقصائية، وأعادت إنتاج إقصاء عنصري عرقي مماثل خاص بها. وخطتها للدولة اليهودية كانت لليهود فقط».
لكن من المثير للاهتمام هو أن ديفيد بن جوريون (ديفيد جرين سابقا)، المؤسس العلماني لدولة إسرائيل وأول رئيس وزراء لها، شأن حاييم وايزمن، أول رئيس لإسرائيل، لم يكن لديه غافلا قط عن أن في فلسطين سكانها العرب الذين يعدون فلسطين وطنا لهم.
وفي كتابه «المفارقة اليهودية» (1978)، ينقل ناحوم جولدمان، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، عن بن جوريون قوله له «إنني لو كنت زعيما عربيا، لما أوقعت مطلقا اتفاقا مع إسرائيل. وهذا طبيعي، فقد أخذنا بلدهم. صحيح أن الرب وعدنا بها، ولكن كيف يمكن لذلك أن يثير اهتمامهم؟
«إلهنا ليس إلههم. كانت هناك معاداة السامية، والنازيون، وهتلر، وأوشفيتز، ولكن هل كان لهم ذنب في شيء من ذلك؟ إنهم لا يرون إلا شيئا واحدا: أننا جئنا وسرقنا بلدهم. فلماذا يقبلون بذلك؟»
فضلا عن ذلك، يذكرنا روزماري وهيرمان روثر أنه قبل جهود النازيين المنهجية لإبادة اليهود في أوروبا، «ظلت الصهيونية (أي القومية اليهودية) وجهة نظر أقلوية بين يهود القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين».
فعلى سبيل المثال، كان رد فعل المجتمع اليهودي الأمريكي «الذي تهيمن عليه اليهودية الإصلاحية، غاضبا عندما ناشد الصهاينة المسيحيون في عام 1891 الرئيس هاريسون أن يدعم دولة يهودية مجددة في فلسطين... فبالنسبة لأولئك اليهود الإصلاحيين، كانت اليهودية دينا عالميا لليهود المواطنين في العديد من الدول».
وهكذا، دونما إنكار للأهمية الدينية والتاريخية للمنطقة بالنسبة لليهود في جميع أنحاء العالم، يمكن القول إن إنشاء إسرائيل في فلسطين لم يكن مجرد مشروع بناء دولة، بل لقد كان أيضا مشروع الحركة الصهيونية السياسية في أوروبا لبناء أمة، وقد تسارعت هذه الحركة بسبب معاداة النازية للسامية وسهلتها بريطانيا من خلال وعد بلفور عام 1917، الذي كان يهدف إلى حماية المصالح البريطانية في فلسطين في مواجهة مصالح فرنسا وروسيا.
ولكن البريطانيين وعدوا ـ كما أشارت روزماري وهيرمان روثرـ «فقط بتيسير إقامة ’وطن قومي’ لليهود، وليس ’دولة يهودية’. وما قيل شيء عن الحكم اليهودي في هذا ’الوطن’» الذي يشكل العرب فيه «أكثر من 90% من السكان» في ذلك الوقت.
من الواضح إذن أن تأكيدات سموتريش فيما يتعلق بالقوميتين الفلسطينية واليهودية مشوهة للغاية ومعيبة تاريخيا.
أما «نهجه اليميني الإيماني الصهيوني» الذي يبدو أن حكومة نتانياهو قد تبنته عن طيب خاطر في الجولة الحديثة من القتال، فقد يعد محاولة من القوميين المتطرفين في إسرائيل (وخاصة المتدينين منهم) لإقامة أساس أخلاقي لهذا النوع من العنف المنحرف المطلوب إسرائيليا للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية المتبقية أو السيطرة عليها، وهي محاولة أثارت حتى الآن كثيرا من المعارضة بين اليهود وغير اليهود داخل إسرائيل وخارجها منذ السابع من أكتوبر.
يقودنا هذا إلى ثاني التفسيرين المذكورين سابقا، فيما يتعلق برد إسرائيل غير المتناسب على هجوم حماس، وهو مصلحة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة في الحفاظ على سيطرة إسرائيل على احتياطيات النفط والغاز في الأراضي الفلسطينية أو توسيعها في انتهاك للقانون الدولي. ويرد في وفقا لتقرير لجنة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) UNCTAD لعام 2019:
«لقد أكد علماء جيولوجيا وخبراء في اقتصاد الموارد الطبيعية أن الأرض الفلسطينية المحتلة تقع فوق احتياطيات كبيرة من ثروة النفط والغاز الطبيعي، في المنطقة (ج) من الضفة الغربية المحتلة والبحر الأبيض المتوسط قبالة قطاع غزة ...»
«إن استغلال قوة الاحتلال للموارد الطبيعية الفلسطينية، ومنها النفط والغاز الطبيعي، يفرض على الشعب الفلسطيني تكاليف باهظة تستمر في التصاعد باستمرار الاحتلال. وهذا لا يتعارض مع القانون الدولي فحسب، بل ينتهك أيضا العدالة الطبيعية والقانون الأخلاقي».
«وحتى الآن، تراكمت التكاليف الحقيقية وتكاليف الفرصة البديلة للاحتلال بصورة حصرية في مجال النفط والغاز الطبيعي إلى عشرات مليارات الدولارات إن لم يكن المئات».
وبطبيعة الحال، حاولت إسرائيل، لمصلحتها الذاتية ودونما أي اعتبار لسبل عيش السكان المدنيين في فلسطين، الدفاع عن سياستها المتمثلة في عدم السماح للفلسطينيين باستغلال احتياطياتهم من النفط والغاز، فضلا عن حصتهم من هذه الموارد في شرق البحر الأبيض المتوسط، بزعمها أن من شأن هذا الاستغلال أن يساعد في تقوية المسلحين الفلسطينيين.
غير أن تقرير الأونكتاد يحذر من أن هذا النوع من الترتيبات ليس خروجا فقط على القانون، بل إنه أيضا قد يكون «مصدرا لمزيد من الصراع والعنف في حال استغلال أطراف فردية لهذه الموارد دون المراعاة الواجبة للحصة العادلة للآخرين».
وبالتالي قد يكون منطقيا أن نأخذ في الاعتبار فكرة أن الرد العسكري الإسرائيلي المتطرف منذ السابع من أكتوبر ربما كان راميا إلى لتأمين مزيد من السيطرة على موارد النفط والغاز في الأرض الفلسطينية المحتلة، خاصة عند النظر إلى هذه الفكرة في ضوء الإزاحة الهائلة للسكان التي تمكنت إسرائيل من تنفيذها في غزة.
ومثلما أوضح خبراء الهجرة والحرب نيكولاس ميسينسكي وآدم ليشتنهلد وكيلسي نورمان في مقالتهم التي تحمل عنوان «التهجير الإسرائيلي الجماعي لسكان غزة يلائم استراتيجية استخدام الهجرة كأداة للحرب»، فقد كان تهجير السكان يستعمل تاريخيا لتحقيق «ثلاثة أهداف استراتيجية في الصراع»، وثاني هذه الأسباب هو «اغتصاب الأراضي والموارد».
قد يتساءل المرء: والآن إلى أين المسير؟
يظهر تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أن غلاة القوميين في إسرائيل، مهما بذلوا من جهد، لن يتمكنوا أبدا من إرغام الفلسطينيين على التخلي عن تطلعاتهم الوطنية أو إفقادهم الرغبة في الاستقلال.
وقد أصاب تقرير الأونكتاد إذ أشار إلى أن الأوضاع التي فرضتها إسرائيل على الأراضي المحتلة لا تفتقر إلى الإنصاف والإنسانية وحسب، ولكنها تتعارض أيضا مع القانون الدولي.
وإلى هذا لا بد من أن نضيف بطبيعة الحال الانحدار النسبي للاقتصادات الغربية والنظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة (من حيث ظهور تكوينات جيوسياسية جديدة)، فضلا عن السخط العالمي من الوضع المتردي في الأراضي الفلسطينية، ومن شأن الجمع بين هذه العوامل أن يحد مما يمكن أن تفعله إسرائيل وحلفاؤها في المنطقة.
ولذلك فسيكون من المفيد لإسرائيل أن تفكر في إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والتوصل إلى حل تفاوضي مع الأطراف الممثلة للشعب الفلسطيني، على أن يكون حلا جوهريا بطبيعته ومرتكزا على القانون الدولي. ويقتضي هذا بطبيعة الحال تشكيل جبهة سياسية موحدة في فلسطين تتبنى استراتيجية واقعية للسلام.
ومن ناحية أخرى، إذا قررت حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة تصعيد الموقف الحالي بشكل أكبر، فعليها أن تفكر بعناية في الأقوال العميقة التي قالها عالم الاجتماع الشهير إيمانويل فالرشتاين، في عام 2015 فيما يتعلق بفوز بنيامين نتنياهو الانتخابي في العام نفسه:
«إن [استراتيجية نتنياهو] تستنزف صبر العالم، والأهم من ذلك، أنها تستنفد صبر الذين كانوا مؤيدين مخلصين إلى حد ما لمواقف الحكومة الإسرائيلية... لقد حدث تحول عالمي في النظرة إلى إسرائيل فلم يعد يعدها ’الضحية’ وإنما ’الطاغية’».
«وهذا كابوس للقضية الصهيونية في إسرائيل. ولا سبيل إلا إلى مزيد من التدهور بالنسبة لإسرائيل. بل إن لحظة قد تأتي، ربما بعد سنوات قليلة من الآن، فتعزف تكون الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن الدولي التي تنتقد إسرائيل».
وبالفعل، يبدو أن الولايات المتحدة وصلت بالفعل إلى حيث تجد صعوبة متزايدة في دعم إسرائيل دون دفع ثمن باهظ في الداخل والخارج.
والمثال الجيد لذلك هو تهديد بعض الجماعات والقادة العرب والمسلمين الأمريكيين في الولايات المتأرجحة بالتخلي عن الرئيس جو بايدن في الانتخابات العامة لعام 2024 بسبب رفضه الضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة، على الرغم من إدراكهم لأن هذه خطوة قد لا تكون في صالحهم.
وثمة مثال آخر هو الغضب العالمي المنصب على إدارة بايدن لاستخدامها حق النقض (الفيتو) في الثامن من ديسمبر ضد قرار آخر لمجلس الأمن دعا إلى الوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة.
ولكن ليس بغريب أن صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة في الثاني عشر من ديسمبر لصالح تبني قرار غير ملزم يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، بما يعكس بشكل أكبر افتقار الولايات المتحدة إلى الدعم الدولي لموقفها في هذه القضية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب الانتباه إلى كيفية تأثير الحرب في المنطقة على الحياة الاجتماعية في المجتمعات التي تزعم أنها حرة وديمقراطية. بعبارة أخرى، هل ستتمكن حكوماتها من إدارة التداعيات الداخلية الناجمة عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على النحو الذي يضمن لشعوبها حقوقها وحرياتها الدستورية؟ هذا ما لا نعرفه بعد.
في الوقت الحالي، يجب على الناس في مختلف أنحاء العالم أن يستمروا في الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة وإنهاء للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، باعتبارهما الحد الأدنى من الشروط لظهور حل قابل للحياة للصراع القائم منذ عقود.
رامين ميرفخري عالم اجتماع مقيم في الولايات المتحدة.
الترجمة خاصة لـ عمان عن «آسيا تايمز»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الصراع الإسرائیلی الفلسطینی فی الأراضی الفلسطینیة الولایات المتحدة السابع من أکتوبر على هجوم حماس النفط والغاز على الأراضی فی فلسطین فی غزة
إقرأ أيضاً:
تحقيق الاحتلال عن هجوم 7 أكتوبر في “نير عوز”: فشل ذريع بكل المقاييس
#سواليف
ما زالت المؤسسة العسكرية والأمنية لدى #الاحتلال تصدر نتائج تحقيقاتها تباعاً بشأن إخفاقها في التصدي لعملية #طوفان_الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، وهذه المرة حول ما حصل في #كيبوتس_نير_عوز في #غلاف_غزة، حين اقتحمه 500 مقاوم وأدخلوا #جيش_الاحتلال في الفوضى العارمة، ووصل أول الجنود بعد أربعين دقيقة فقط من مغادرة آخر مقاوم.
عيمانوئيل فابيان مراسل موقع زمن إسرائيل، كشف عن “أهم ما جاء في تحقيقات الجيش بشأن تفاصيل الهجوم على كيبوتس نير عوز”، وهو جزء من سلسلة تحقيقات مُفصّلة في أربعين معركة خاضها الجيش مع مقاتلي حماس خلال الهجوم.
#سيناريو_كابوس
مقالات ذات صلةوأضاف في تحقيق مطول أن “نتائج التحقيقات شدّدت على #فشل_الجيش، الذي سمح لمئات المسلحين بالاستيلاء على الكيبوتس دون مواجهة جندي واحد على الأرض، وبالتالي فقد فشل بمهمته لحماية المستوطنين، ويعود ذلك أساسًا لعدم استعداده إطلاقًا لهذا السيناريو المتمثل بوقوع مستوطنة إسرائيلية في أيدي المقاومين، وفي الوقت نفسه #هجوم_واسع النطاق على العديد من #المستوطنات والقواعد في جميع أنحاء الغلاف”.
وأوضح أنه “على عكس المستوطنات الأخرى التي تعرضت للهجوم في ذلك اليوم، فإن كيبوتس نير عوز الذي يبلغ عدد مستوطنيه 420 نسمة، كان منهم 386 موجودًا وقت الهجوم، لم يقاتل الجيش المسلحين على الإطلاق، وفي المجموع، قُتل 47 منهم، واختطفت حماس 76 آخرين، وحتى اليوم، لا يزال خمسة منهم على قيد الحياة، عقب نجاح المسلحين في اقتحام جميع منازل المستوطنة، متسبّبين بدمار هائل، وتخضع المستوطنة لعملية إعادة تأهيل طويلة”.
وأشار إلى أن “التحقيق فيما حدث في نير عوز، أجراه اللواء عيران نيف، الرئيس السابق لقسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي كرّس وفريقه مئات الساعات للتحقيق، وفحص جميع مصادر المعلومات الممكنة، بما فيها الوثائق التي صوّرها المسلحون بكاميرات مثبتة على أجسادهم، ورسائل واتساب من المستوطنين، وتسجيلات كاميرات المراقبة، ومقابلات مع ناجين ومختطفين سابقين ومقاتلين حاولوا حماية الكيبوتس، وأجروا زيارات ميدانية، وكل ذلك بهدف استخلاص استنتاجات عملياتية محددة للجيش”.
انهيار القيادة
وكشف التحقيق أن “عددًا غير عادي من المسلحين قاموا بغزو نير عوز، مقارنة بباقي المستوطنات، وقد تفاقم الوضع فيه بسبب الغياب التام للجيش، مما أعطى المسلحين شعورًا بحرية العمل، وأدى لوصول مئات الفلسطينيين من بلدة خزاعة إلى نير عوز، ومن بين أكثر من 500 مسلح تسلّلوا للمستوطنة، فلم يتمكن فريق التحقيق من العثور على جثة واحد منهم، ويبدو أن مقاتلي حماس جمعوا جثث رفاقهم خارج الكيبوتس، وعلى الطريق المؤدي لغزة، تم العثور على جثث 64 منهم، حيث قُتلوا بنيران مروحيات ودبابة”.
وخلص فريق التحقيق إلى أن “القوات لم تستعد، ولم تتدرب على سيناريوهات بحجم ما حدث في السابع من أكتوبر، ولم يتلقوا أي تحذير في ذلك الصباح، ومع بداية القتال، أصيب العديد من القادة على مختلف المستويات في القطاع، وانهارت سلسلة القيادة والسيطرة، ولم يكوّن الجيش صورة دقيقة لما يحدث في المنطقة بأكملها، وفي نير عوز تحديدًا، ولم يتمكن من إجراء تقييم منظم للوضع، كما لم يكن هناك نشاط قتالي في أي وقت أثناء الهجوم، ولم يجرِ أي اتصال بين الجيش والمستوطنين لفهم مسار المعركة هناك”.
وأشار إلى أن “الجنود لم يحموا قاعدة البحث والتطوير قرب نير عوز، الذي كان بإمكان وحداته حماية الكيبوتس لو لم تقع في أيدي المسلحين، كما أن تقدم القوات المدرعة نحو حدود غزة أثناء الهجوم كان خطأً، بدلاً من البقاء أقرب للتجمعات الاستيطانية لحمايتها، أما الفصيل المتأهّب، فقد عانى من نقص في عدد قواته أمام هذا العدد الكبير من المقاومين القادمين من غزة”.
ووفقًا للتحقيق، فإن “الهجوم الواسع والمنسق الذي شنته حماس على عشرات المواقع والقواعد العسكرية جعل من الصعب للغاية على الجيش، على جميع المستويات تكوين صورة دقيقة للأحداث، خاصةً لخطورة الوضع في كل موقع، أما قوات التعزيزات التي وصلت لحدود غزة من الشمال، فقد انحصرت بالقتال داخل سديروت، أما الآخرون الذين تمكنوا من التقدم جنوباً فقد وقعوا في معارك أخرى، أو تعرضوا لكمين من قبل المسلحين عند تقاطعات رئيسية”.
وأكد أن “القوات القادمة من الجنوب هوجمت أثناء طريقها، مما أدى لتأخير وصولها، فلم يصل الجنود الأوائل إلى نير عوز إلا بعد الساعة الواحدة ظهرًا، ولم تتلقَّ سوى قوات قليلة أوامر صريحة بالوصول إليه، أما القوات التي تلقّتها فقد علق أفرادها في القتال على طول الطريق، وعندما نجحت قوة خاصة باقتحام مفترق ماعون قرب الكيبوتس الساعة 11:45 فقد كان الأوان فات بالفعل”.
فشل منهجي
وكشف التحقيق عن “وجود معلومات آنية كان من الممكن لقادة الجيش استخدامها لفهم خطورة الوضع في نير عوز، إلا أنها لم تُستغل، ومنها لقطات من كاميرا مراقبة تابعة للجيش تُظهر عشرات المسلحين يدخلون ويخرجون من نير عوز، وهي لقطات بُثت مباشرةً إلى مركز قيادة الجيش، إضافة لمعلومات من مروحيات سلاح الجو المحلّقة فوق المنطقة، وهذه المعلومات أكدت وجود مسلحين ينشطون في نير عوز، لكنها جاءت من أماكن أخرى عديدة، ولم يكن ممكنا فهم أن نير عوز في وضع أصعب من غيرها من المستوطنات”.
وأكد التحقيق أن “مستوطني نير عوز استغاثوا مرارًا وتكرارًا، لكن اتصالاتهم ضاعت وسط فوضى آلاف الرسائل والتقارير، ونفّذ المسلحون خطتهم في الكيبوتس دون انقطاع، مما يجعل فشل الجيش بحماية نير عوز منهجياً، وليس تكتيكيًا أو أخلاقيًا، لأنه لم يُعطِ أولوية خاصة لإرسال قوات إليه على حساب أماكن أخرى، مما يتطلب إنشاء موقع عسكري جديد بين نير عوز وغزة، وتعزيز الأمن المحلي، وإنشاء آلية جديدة لتكوين صورة استخباراتية للوضع حتى في حالات انهيار سلسلة القيادة أثناء القتال، وتغييرات تكتيكية في الجيش”.