ألا فاعلموا هذي فلسطين منحةً...
من الله تفدى بالنفيس وبالنفس
برهان الدين العبوشي
(1)
يعد كتاب نشأة الرواية والمسرحية في فلسطين حتى عام 1948م، للدكتور إبراهيم السعافين، (176) صفحة، الذي صدرت طبعته الأولى في الأردن عن دار الفكر للنشر والتوزيع في عام 1985م أحد الكتب التأريخية المهمة للتعرف على تاريخ الدراما ونشأتها في فلسطين.
أول الجوانب التي تناولها إبراهيم السعافين في كتابه المشار إليه تمثل في استلهام المؤلفين للتراث الثقافي والشعبي، فيقول: «والكتاب، في موضوعاتهم جميعا، يتأثرون التراث من جهة، والنصوص والمترجمات الغربية من جهة أخرى، دون أن نلحظ فواصل حاسمة بين المنابع التي استقى منها هؤلاء الكتاب موضوعاتهم-ص94».
إن الفقرة السابقة، تؤكد لنا أمرا واضحا: أن تناول الناقد للنص المسرحي لتحليله في أثناء تركيزه على فاعلية القراءة في النص، لا تعني نظريا ألا نتفق مع بنائها الفني، بل على الناقد ألا يطمح إلى تصور وجود سقف عال في النص، وعليه تناوله كما هو في سياقه التاريخي والاجتماعي والسياسي الذي كتبه، ففاعلية القراءة في النص التي تتطلب فهما ينبغي لها تقدير المرجعيات، وفهم تفاوت المستويات، لا التعامل من داخل النص فقط كما تنادي البنيوية الحادة أو المتطرفة وما تلاها، بل الالتفات إلى ما يكون خارجه أيضا، لظروفه الخاصة، وإلا تحولت مهمة النقد إلى ضرب من الخلل والتخبط.
في ظل الوعي بأدوار القراءة لنصوص تعود إلى عام 1912م كما سنرى لاحقا، بعضها موجود وأخرى لم تصل إلينا، إنما اهتدى إلى مضامينها المؤلف السعافين من عناوينها، لأن العنوان عتبة رئيسة، فإنه يقسم موضوعات المسرحيات كالتالي: مسرحيات استلهمت قصص التراثين العربي والشعبي، ومسرحيات استلهمت التاريخين البعيد والقريب، والتاريخ المحلي والقومي، ومسرحيات تناولت الجانب الاجتماعي.
الناظر إلى الأعمال التي استلهمت قصص التراث من خلال عناوينها، تركز على أسماء الشخصيات، كمسرحية «وفود النعمان على كسرى أنو شروان» لمؤلفها محمد عزة دروزة، ولا بأس من استقطاع ما كتبه مؤلفها ملمحا إلى مصدرها بقوله: «قرأت موضوع هذه الرواية في عدة كتب من كتب الأدب، فقام في خاطري أن أوسع الموضوع، وأدخل فيه بعضا من المعاني التي تجول في صدري، وأظنها في صدر كل عربي يحزن لحالة قومه، وينفطر فؤاده مما وصلوا إليه من التخاذل والتشتت، والانحطاط عن مستوى الأمم الأخرى...ص94»، ونتعرف في فقرة ثانية على ثلاث مسرحيات لمحمد دروزة يشير إبراهيم السعافين إلى غيابها قائلا: «لم نعثر عليها، غير أن عنواناتها تكشف عن طبيعة الموضوعات التي تعالجها. وهي: «آخر ملوك بني سراج، وصقر قريش، والفلاح والسمسار...96».
ومن الكتاب الفلسطينيين الذين ظهروا في تلك الفترة (نجيب نصار) وله مسرحية «في ذمة العرب، وشمم العرب»، مستمدان كلاهما من التاريخ المحلي، ومن كتاب الفترة الزمنية نفسها، يذكر السعافين كل من: (جميل البحري)، وله مسرحيات «أبو مسلم الخراساني، ووفاء العرب، وسقوط بغداد، وحصار طبرية، والوفاء العربي.» أما (نصري الجوزي) فقد أسهم بعدد من المسرحيات والتمثيليات المستمدة من التاريخ العربي بهدف أن «يسقطها على القضايا المعاصرة-ص97» وغيرهم؛ كـ(محي الدين الحاج عيسى الصفدي، ومحمد حسن علاء الدين، وبرهان الدين العبوشي).
الملحظ العام على عناوين المسرحيات وموضوعات التمثيليات انصبابها واهتمامها بالقضايا الوطنية والقومية، فيلجأ الكاتب المسرحي إلى اصطناع الحيلة الفنية، ليسقط عليها الواقع المعاصر، وهو أسلوب فني عرفته الكتابة الإبداعية في تاريخها الفني الطويل.
(2)
ثم ينتقل مؤلف الكتاب إلى تناول المسرحيات ذات القضايا الاجتماعية الإنسانية، التي غلب عليها كما يقول: «سذاجة المعالجة أحيانا، وسطحية الرؤية أحيانا أخرى-ص98»، فيستشهد ببعض الأسماء مثل: (حنة شاهين) ولها مسرحية «جزاء الفضيلة» وتحاول كاتبتها «أن تصور المتاعب التي يلقاها الفضلاء المحسنون من الأوغاد الأشرار-ص99».
إلى جانب القضايا الوطنية والوحدة العربية التي صاغها المسرحيون بأساليب أقرب إلى الدراما الجادة، كذلك التفت كتاب المسرح في فلسطين إلى الموضوعات الفكاهية، وتبلور ذلك لدى اهتمام الفرق التمثيلية بها، من قبل فرق محلية أو عربية وافدة، لكن النصوص لم تصل إلينا. ففي حاشية يشير السعافين حول هذه الجزئية فقال: «يمكننا أن نلاحظ صورة للروايات والتمثيليات الفكاهية فيما نشرته جريدة فلسطين عن عدد منها مثل: «لوكندة الهدوء والراحة، واللعب على الحبلين 1942، والطبيب والأمي 1943 تقدمها فرقة فريد الجوزي-ص99»، فإن مؤرخي الحركة المسرحية في فلسطين، استندوا في التأريخ لذلك، على نشاط الفرق فقط. وتكشف العناوين السابقة عن نوعية الفكاهة والظرف.
في الصفحات المتبقية للكتاب، يقف إبراهيم السعافين ليتناول عناصر البنية الدرامية للمسرحيات والتمثيليات؛ كالبناء الفني، والحبكة، والصراع، والشخصيات، واللغة والحوار. فمن حيث البناء الفني تتسم الأعمال بالتفاوت الملحوظ «غير أنها -مع هذا التفاوت- تبدو أسيرة مرحلة النشأة، لا تتعداها كثيرا. وهذا يؤدي إلى محاولة تلمس أثر الأشكال التراثية في بنية العمل الدرامي، ومدى تأثير هذه الأشكال على بنية الأعمال سلبا وإيجابا-ص101»، وتشمل الأشكال التراثية المقصودة هنا في تلك الفترة الزمنية، فن (القراقوز أو الدمىPuppet Theater) وبحسب المعجم المسرحي، هو شكل فني قديم ينتمي إلى مسرح العرائس، تؤدي الأدوار فيه دمى عوضا عن الممثلين الحقيقيين، وتعد عروض الدمى من أقدم أشكال العروض في العالم.
وأهم تلك التأثيرات حسب المؤلف هي:
(أ) قيام حركة الكتابة على فهم الخطوط العامة لفن المسرح، دون تمثل عناصره ومقوماته.
إن المؤلفين أو المترجمين يتحدثون عن وظيفة المسرحية الاجتماعية أو التربوية أو الأخلاقية، غير أنهم لا يتحدثون بوعي عن الفن المسرحي وأصوله وقواعده ونظرياته.
(ب) إن تمييز بعض الكتاب للفرق بين عناصر المسرحية الفنية، والقراقوز، يعود إلى الطابع لا الشكل.
في هذا السياق المهم يستدل السعافين بأعداد لمجلة الكرمل وموقف لنجيب نصار من مجلس إدارة الشام الذي رفض أن يجيز تأليف فرع الجمعية تمثيلية لأسباب سياسية، يكتب المؤلف: «فالذي يراجع بعض أعداد جريدة الكرمل يلفته الاهتمام المبكر بخطر الحركة الصهيونية في فلسطين-ص102».
وفي عنصري الحبكة والصراع يلحظ السعافين على أعمال تلك الفترة تأثرها بالتراث الشعبي في بنائها، وتفاوتها في تجسيد ذلك بين مسرحية وأخرى. فالأهداف الكبرى التي يتوخاها المؤلف ستظل كبيرة، إلا أن حرارة تكوين الصراع إذا خفتت، تضر من حيث لا يدري المؤلف بذلك، فتسقط حبكة المسرحية وصراعها في التفكك، لا سيما، إذا لجأ إلى إسقاط مشكلات الأمة العربية المعاصرة على فترة زمنية تاريخية حرجة. يستشهد السعافين بمسرحية «وفود النعمان على كسرى أنو شروان» وهي حكاية كما عرضنا لها في الجزء السابق، استقاها مؤلفها من كتب الأدب، وسعى أن يوظفها في التعبير عن فكرة الوحدة العربية في وجه الأطماع التي تحيط بالأقطار المتناحرة المتنابذة المتخاصمة. لكن المؤلف محمد دروزة باهتمامه وتركيزه على الهدف السياسي للمسرحية، ضحى- من أجل تلك الغاية- بالبناء الفني.
وفي فقرة أخرى من الكتاب يخصص تحليلا لمسرحيتي «العدل أساس الملك أو تراث الآباء»، و»ذكاء القاضي» لمؤلفهما (نصري الجوزي)، وفي جانب القضايا الاجتماعية وجد السعافين «ثمة مسرحيات قد حاولت أن تفيد من القضايا الاجتماعية في إطار تغلب عليه المغامرات الخيالية والمخاطرات والصدف، مما يذكرنا بالتراث الشعبي وصورة الرومانس الخيالية-ص121».
(3)
الشعر في المسرح
التفت كتاب المسرح الفلسطينيين حتى عام 1948م إلى وظيفة الشعر في المسرح. ويجد السعافين مسرحيات استقت حوادثها من وقائع تاريخية قديمة، بيد أنها اتخذت الشعر أداة تعبير وشكلا يقوم به البناء الدرامي كله.
وبحسب المعجم المسرحي، فإن المسرح الشعري تسمية يقصد بها المسرحية المكتوبة شعرا أو بلغة نثرية لها طابع الشعر. وقد صنف أرسطو المسرح ضمن فنون الشعر، بسبب الأصول الغنائية والطقسية لهذا الفن.
إن حبكة ونمو الصراع للمسرحيات الفلسطينية (وطن الشهيد) لبرهان الدين العبوشي، و(مصرع كليب) لمحي الدين الحاج عيسى الصفدي، و(امرؤ القيس بن حجر) لمحمد حسن علاء الدين، متباينة. سأقصر الاستشهاد بمسرحية واحدة هي (وطن الشهيد)، التي تبدأ أحداثها قبيل الثورة العربية الكبرى، وتدور محاورات حول أحوال العرب وما صنعهم بهم جمال السفاح، وتبدو في المقاطع القادمة إشارات حول مراسلات حسن مكماهون ووعود الإنجليز باستقلال الأمة، وهذه المقاطع:
بلغ رجالك أني شاكر لهم، ودادهم وجميل كل ما كتبوا
لكن تاجي بغير القدس منتقص، فإن رضوا سألبي كل ما طلبوا
لا تجهلوا فبلاد العرب واحدة يضمها الدين والتاريخ والنسب
ويتطور الصراع لتتجه الأحداث نحو الثورة:
مهلاً فلسطين، مهلاً يا دمشق فما أغمدت سيفي وقومي العرب في المحن
لأطلقن عياراً تستجيب له أسداً العروبة من شامٍ إلى عدنٍ
وتطلق رصاصة الثورة العربية، لكن وعد بلفور يصدر ناقضا الاتفاق والوعود.
يقولون بلفور تخطى حدوده وجاد على أبناءٍ صهيونٍ بالقدس
وهل نسي الأحلاف وعدهم لنا؟ أظن وعود العرب تؤخذ بالعكس.
ألا فاعلموا هذي فلسطين منحةً من الله تفدى بالنفيس وبالنفس
أحارب أهل الأرض من أجلها فلا تضيع، ولو أدرجت في غيهب الرمس
تنتهي المسرحية بأحداث تاريخية متعاقبة تسجل تطور القضية الفلسطينية من أيام العثمانيين فالثورة العربية الكبرى، فنقض الحلفاء عهودهم، فتمكن اليهود من أرض فلسطين بتذليل كل الصعوبات في وجوههم ومحاربة أصحاب الأرض الشرعيين بالسجن والنفي والتعذيب والظلم والإذلال.
وللمقالة بقية...
آمنة الربيع باحثة أكاديمية متخصصة في مجال المسرح
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی فلسطین
إقرأ أيضاً:
أصالة تستأذن زوجها لخلع العباءة على المسرح في أبوظبي! .. فيديو
خاص
أثارت الفنانة أصالة نصري الجدل في حفلها الأخير في أبوظبي، عندما قامت بالإشارة إلى زوجها فائق حسن من على المسرح، مستأذنته لخلع عباءتها أثناء غنائها.
وفي لحظة مرحة، قامت أصالة بالتوجه بنظراتها نحو زوجها في المقعد الأمامي، وأشارت له بيدها طالبة إذنه لخلع العباءة لتتمكن من التحرك بحرية أثناء أدائها على المسرح.
الجمهور تفاعل مع هذا الموقف بشكل إيجابي، معبرين عن إعجابهم بحس الدعابة والتفاهم بين الزوجين.
https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2024/11/IuWo4NL7sCRCAgNA.mp4