لجريدة عمان:
2024-11-25@15:00:43 GMT

بين ضفتين: لورينزو سيلفا... كرب البلشفي

تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT

على الرغم من مرور ما يقارب الثلاثة عقود على تحول كلمة «البلشفي» (نسبة إلى البلشفية، المذهب الذي تبنّاه أنصار الجماعية الماركسية في روسيا 1917) إلى مجرد كلمة مُعجمية بحتة، بمعنى أنها أصبحت تشكل جزءا من تاريخ محدد، ولم تعد قيد التداول الراهن، إلا أنها عادت مؤخرا، لتشكل جزءا من عنوان أدبي، ولنقل لتشكل «شخصية روائية».

هذا ما قام به الكاتب الإسباني لورينزو سيلفا في كتابه «حزن البلشفي» (وفق الترجمة الفرنسية، (منشورات «جان كلود لاتيس»)، بينما العنوان الأصلي الإسباني هو «La flaqueza del bolchevique» أي «ضعف البلشفي».

في أي حال، ثمة سؤال يُطرح بداهة: هل يشكل البلشفي حقا بطل الكتاب؟

ربما كان أول بلشفي يعمل موظفا في أحد المصارف. أما بالنسبة إلى اليأس الذي يسكنه، فنجد أنه يُقرّبه أكثر فأكثر من شخصيات الكاتب الأمريكي إيستون إيلليس أكثر ممّا يقربه من شخصيات الروائي الفرنسي إميل زولا على سبيل المثال، لأننا نقع على هذا البؤس السيكولوجي أكثر ممّا نقع على أي يأس آخر. لذلك يُشكل الحزن البلشفي، بالنسبة إلى الراوي، نوعا من «مرض» محدد. وهذا العذاب، يحيلنا إلى إغواء الجمال المخزي، إلى البراءة. فمنذ فترة طويلة، كانت هذه المحاولة كامنة عند الراوي، إلا أنها عبر هذه الفرصة السانحة، التي جاءت عن طريق الصُدفة، تمظهرت بمختلف أوجهها.

مع بداية أحد الأسابيع «السوداوية»، في مدينة مدريد، عند الساعة الثامنة صباحا، يقع هذا «البطل المضاد» في زحمة سير خانقة، وفي لحظة من عدم الانتباه، يصطدم غفلة، وبشكل خفيف، بالجزء الخلفي من سيارة مكشوفة كانت تقودها إحدى السيدات. جاءت المعاينة الصاخبة، لتدخله في بحر من الاضطراب، فالسائقة «الهيستيرية» أهانته وشتمته، ليغادر بعدها المكان وهو يشعر بالذل، لدرجة أنه يقرر الانتقام. ليلعب القدر لاحقا دوره في معرفة عنوان هذه المرأة، كما رقم هاتفها، لتتخذ حياته من بعد ذلك منعطفا غير متوقع.

جعلته رغبته في الانتقام يقوم بدور التحري ليكتشف أن لها أختا شابة، اسمها روزانا، تبلغ من العمر خمسة عشر عاما، وهي لا تزال على مقاعد الدراسة الثانوية. كانت شابة جميلة، بل أكثر من رائعة وتثير مئات الرغبات، كما تثير فيه «حشدا من العواطف المتناقضة». فيقع في حبها وغرامها بجنون. هل نحن أمام شخصية جديدة من لوليتا؟ من الواضح أنه لا يسعنا إلا أن نفكر في الكاتب الروسي الشهير فلاديمير نابوكوف وفي روايته «لوليتا». إذ إن قصة هذه الفتاة «الملهمة» تتأرجح حتى النهاية ما بين الكوميديا ​​والمأساة، السخرية والغنائية، الخفة والثقل، السعادة والألم وتقترن بنظرة، بدون تنازلات، على العالم من حولنا.

عند هذه النقطة يتركنا الراوي في حيرة، إذ لا نعرف ما الموقف الذي سيتخذه: هل سيشكل هذا اللقاء، المناسبة التي طالما تمناها وحلم بها كي يحقق انتقامه الذي وعد نفسه به مرارا؟ هل ستكون هذه اللحظة هي المفتاح، حيث ستجد فيه، هذه المرارة المتراكمة عبر السنين الطويلة، أخيرا، الوسيلة للإفلات من معاقلها كي تروي غليلها؟ (مرارة العمل والعلاقات الإنسانية تجاه النساء)، أم ستكون على العكس من ذلك كله، أي ستشكل لحظة خلاص؟

كلّ أهمية الرواية تكمن في هذه الموضوعة المتفردة التي تتشكل منها رواية «حزن البلشفي»، كما في هذا العلاج، الساذج قليلا، لهذا «المرض» الذي يقترحه علينا سيلفا. بيد أن هذا الأخير يمتاز بخاصية خيار التشويق كما بِحَبكِ سطوح الحكاية ببعضها البعض، ما يجعله يربط الأحداث المتداخلة والمتشابكة بشكل حيوي، مضحيا في الوقت عينه، بهذه المحاولة التي تشبه «التصوير الشعاعي» المتدرج لروح بطله مقابل صيغة الجملة التي تلعب الدور الأكبر في التغلغل داخل هذا السر، والكشف عنه.

من هذه النقطة، يقترب الكاتب الإسباني من زميله الروائي الأمريكي كما من الكاتبة جويس كارول واتس، أيّ يندرج ضمن فئة هؤلاء الكتّاب الذين أطلق عليهم اسم «رسامي الدناءة». فلكي يقدم «بطلا محتقرا»، لجأ إلى تشكيل حافز للرواية كي تحفر لها مكانتها؛ لذا يميل سيلفا إلى كتابة هذه «الدناءة» بدقة متناهية، أو لنقل بــ«مينيمالية» تجعلنا حقا، نفهم شيئا حول هذا «المرض» الذي يطرحه الكاتب.

السؤال الآخر الذي نجده أمامنا: من أين جاءت صفة البلشفي لِتَسِمَ هذا المصرفي؟

على الرغم من أنه ليس من هواة الــ«لوليتا»، إلا أنه يحتفظ بصورة لبنات القيصر نيقولاوس الثاني في منزله. كان يشعر بانجذاب خاص إلى الدوقة الكبرى أولغا، وغالبًا ما يتساءل عمّا شعر به البلشفي الذي كُلّف بقتلها. من هنا، يأتي عنوان الرواية من افتتان بطل الرواية ببنات آخر قياصرة روسيا. كان يقارن حزنه الذي تسببه له هذه الفتاة، روزانا، بحزن ذاك «الموجيك» وهو أمام الدوقة الكبرى التي كانت تستعد للزواج والتي أطلق عليها النار في يكاترينبورغ عام 1918. إلا أن الراوي، وفي مواجهة ذكاء روزانا الشديد، وجاذبيتها القوية، بدا ضعيفًا وقد أثبت أنه أسوأ مائة مرة من أي حادث سيارة.

هكذا من العنوان، يعطينا الكاتب النغمة، نغمة السرد المكرر الذي تلعب فيه الشخصية الذكورية بسهولة على المراجع التاريخية والأدبية والموسيقية. تتحول الفتاة الملهمة إلى مأساة، والصفحات الأخيرة المؤثرة تعطي معنى لمقاربة الرجل المنهك الساخر: لقد خسر كل شيء، ولم يندم على شيء.

يمكن أن تكون رواية «حزن البلشفي» رواية كوميدية بدون الطابع الدرامي الذي تكتسبه عندما تصبح مخططات الراوي أكثر تعقيدا. لكن ربما تكمن قوة المؤلف في صورة روزانا، وهي حورية لا مثيل لها من شأنها أن تزعج القراء الأكثر لا مبالاة. فبكل انفصال وروح دعابة وحنان يروي لنا بطل الرواية قصة هذا الحب المجنون الذي سينتهي به الأمر إلى الانفجار مثل القنبلة. لأن هذا الكتاب هو قصة كابوس أيضا: فروزانا، الفتاة الصغيرة، ستموت بغباء في كمين نصبه مدمنون وحشاشون ليلقى اللوم على بطل الرواية في كل شيء.

كأننا أمام كتابين في «حزن البلشفي»؛ القسم الأول منه، مضحك وساخر على الرغم من أنه مبتذل إلى حدّ ما، أما القسم الثاني، فينتهي نهاية درامية.

ثمة روايات نفتحها صُدفة، ولا نستطيع أن نغلقها قبل أن نقرأها بالكامل، «حزن البلشفي» هي إحداها. لكن علينا أن نؤكد: من يبحث عن كتاب مسلّ، تبدو شخصيته الرئيسة، بطلا «مكشوف البصيرة» ومليئا بالتشويق، من دون شك سيجد متعة في القراءة. أما الباحث عن «أدب» فعلي، عميق، فمن الأفضل له أن يدعها تمرّ من أمامه. إذ لا بدّ أن يصيبه «كرب القراءة».

إسكندر حبش كاتب وصحفي من لبنان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلا أن

إقرأ أيضاً:

طالبت فرنسا باعتقال نتنياهو.. الجزائر تعتقل الكاتب الفرنكفوني بوعلام صنصال

أكدت الجزائر رسميا أمس الجمعة، توقيف الكاتب الفرانكو جزائري بوعلام صنصال، في مطار الجزائر الدولي، ، متهمة إياه بـ"التشكيك في استقلال وتاريخ وسيادة وحدود الجزائر، وإنكار وجود الأمة الجزائرية، وارتباطه بأطراف معادية للجزائر.

ورأت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية التي أوردت الخبر دون أن تذكر تاريخ توقيف المعني، أن ما وصفته بـ "الضجة الكوميدية" التي تثيرها بعض الأوساط السياسية والفكرية الفرنسية حول حالة صنصال هي "دليل إضافي على وجود تيار حاقد ضد الجزائر. وهو لوبي لا يفوت أي فرصة للتشكيك في السيادة الجزائرية".

وأضافت الوكالة: "أدى توقيف بوعلام صنصال، المثقف المزعوم المبجل من قبل اليمين المتطرف الفرنسي، إلى ايقاظ محترفي السخط إذ هبت الأسماء المعادية للجزائر والمؤيدة للصهيونية في باريس هبة رجل واحد: إريك زمور ومحمد سيفاوي ومارين لوبان وخافيير دريانكور وفاليري بيكراس وجاك لانغ ونيكولا ديبون إينيان، وبالطبع الطاهر بن جلون، صديقه المغربي الذي يتعافى من داء 'عرق النسا' من كثرة الانحناء لتقبيل يد ملكه محمد السادس. هؤلاء كلهم قد صعدوا إلى الواجهة للدفاع عن هذا المحترف للتزييف والذي وقع في شر أعماله".

وأكدت البرقية أن اللوبي الحاقد على الجزائر مر بأسبوع سيء، أولا أن "أحد محمييهم، وهو كمال داود، قد ضبط متلبسا باستغلال معاناة ضحية للإرهاب في الجزائر من أجل الحصول على جائزة "غونكور' "، ثم جاء الدور على "صديقهم مرتكب الابادة الجماعية، نتنياهو، الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية من قبل المحكمة الجنائية الدولية" وأخيرا "تم توقيف الكاتب الآخر لغاليمار، صنصال، في خضم هيجانه التحريفي".عروض وظائف

وذكرت الوكالة أن الكاتب واسيني الأعرج كان قد اتهم صنصال بسرقة عنوان وقصة رواية "2084 نهاية العالم".

وواصلت الوكالة هجومها على عدة أطراف فرنسية منها "المجنس بمرسوم، إريك زمور، الذي قال في دعمه لصديقه بوعلام صنصال أنه يجب على الحكومة الفرنسية أن تطالب بالإفراج الفوري عنه"، إضافة إلى الرئيس الفرنسي ماكرون "العائد من رحلة استجمام من البرازيل حيث وصف الهايتيين بالأغبياء والذي عبر عن قلقه البالغ"، مضيفة أن "فرنسا الماكرونية الصهيونية تشجب توقيف صنصال لكنها لم تصرح للعالم عما إذا كانت لديها السيادة اللازمة التي تمكنها من اعتقال بنيامين نتنياهو إذا وطأت قدمه مطار شارل ديغول! وبما أن باريس تتحدث عن القانون وحقوق الإنسان، فإن الامتثال للقانون الدولي في حالة نتنياهو قد يكون ذلك بداية جيدة لها".

وحسب تقرير وكالة الأنباء الجزائرية فإن "فرنسا في عهد ماكرون ليست غريبة عن التناقضات، فهذا الرئيس الذي يتحدث عن جرائم ضد الإنسانية في الجزائر بخصوص الاستعمار الفرنسي، ويقر بالاعتراف التاريخي باغتيالات دولة طالت علي بومنجل وموريس اودان والعربي بن مهيدي، ويقوم بتكليف سفيره بوضع اكليل من الزهور على قبر شهيدنا، هو نفسه الذي يدافع عن منكر يشكك في وجود الجزائر، واستقلالها، وتاريخها وسيادتها وحدودها، أليس من الأجدر لفرنسا التي تشرع قوانين الذاكرة في كل مرة، خاصة لما يتعلق الأمر بمعاداة اليهود (قانون غيسو)، أن تدين صنصال لمحاولته انكار وجود الأمة الجزائرية؟ قد يشكل هذا موضوعا جيدا للدراسة والتفاوض بالنسبة لبنجامين ستورا".عروض وظائف

وختمت الوكالة تقريرها بالقول: "مع كل موجة عداء ضد الجزائر، تتهم باريس الجزائر بكل الشرور، بينما تتصرف الجزائر دائما وفقا لمبدأ الثبات. إن اتهام الجزائر بمنع حرية التعبير في الوقت الذي لا يزال فيه الفرنسيون يحتجزون بافيل دوروف، مؤسس تطبيق تيليغرام، المنصة العالمية للتعبير، ما هو إلا تأكيد على هذه المسرحية الشريرة، التي لا يعد فيها صنصال سوى الدمية المناسبة".



وكان مراسل فيصل مطاوي مراسل "مونت كارلو الدولية"، قد قال في تصريحات له إن المتابعة القضائية مرتبطة بتصريحات أخيرة لوسيلة إعلام فرنسية، قال فيها إن سبب المشاكل الحالية بين الجزائر والمغرب قرار فرنسا إعطاء جزء من المغرب، كما قال، بعد استعمارها، للجزائر، وذكر غرب الجزائر، وحتى بعض المدن، مثل وهران وتلمسان، معلومات خاطئة، ولا أساس لها من الصحة كما قال بعض المؤرخين والعارفين بشمال أفريقيا. حتى أن صنصال برر دخول الجيش المغربي، بعد استقلال الجزائر عام 1963، برغبة الرباط باسترجاع أراضيها في الجزائر، كما قال، وشبّه هذا بما يحدث في غزة حالياً”.

ويعتبر صنصال الذي يبلغ 75 عاما من الكتاب المعروفين بمواقفهم الناقدة للنظام الجزائري وأيضا للأصولية الدينية والتطرف الإسلاموي، منذ بداية مشواره الأدبي في عام 1999، وقد حصل على الجنسية الفرنسية عام 2024 حسب وكالة الأنباء الفرنسية.

مقالات مشابهة

  • الفجر تُهنيء الكاتب الصحفي علاء ثابت لتعيينه عضوًا بـ "الوطنية للصحافة"
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. مخبز العروبة!
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. الحلم أكسجين الحياة
  • رئيس جامعة الأزهر يشيد بمحاضرة الكاتب بهجت العبيدي في النمسا
  • قلق متزايد بشأن مصير الكاتب بوعلام صنصال بعد اعتقاله في الجزائر
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. في بيتنا تلفزيون
  • طالبت فرنسا باعتقال نتنياهو.. الجزائر تعتقل الكاتب الفرنكفوني بوعلام صنصال
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • توقيف الكاتب بوعلام صنصال.. الجزائر تهاجم أصواتا فرنسية تطالب بحريته