لجريدة عمان:
2025-05-01@14:42:40 GMT

بين ضفتين: لورينزو سيلفا... كرب البلشفي

تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT

على الرغم من مرور ما يقارب الثلاثة عقود على تحول كلمة «البلشفي» (نسبة إلى البلشفية، المذهب الذي تبنّاه أنصار الجماعية الماركسية في روسيا 1917) إلى مجرد كلمة مُعجمية بحتة، بمعنى أنها أصبحت تشكل جزءا من تاريخ محدد، ولم تعد قيد التداول الراهن، إلا أنها عادت مؤخرا، لتشكل جزءا من عنوان أدبي، ولنقل لتشكل «شخصية روائية».

هذا ما قام به الكاتب الإسباني لورينزو سيلفا في كتابه «حزن البلشفي» (وفق الترجمة الفرنسية، (منشورات «جان كلود لاتيس»)، بينما العنوان الأصلي الإسباني هو «La flaqueza del bolchevique» أي «ضعف البلشفي».

في أي حال، ثمة سؤال يُطرح بداهة: هل يشكل البلشفي حقا بطل الكتاب؟

ربما كان أول بلشفي يعمل موظفا في أحد المصارف. أما بالنسبة إلى اليأس الذي يسكنه، فنجد أنه يُقرّبه أكثر فأكثر من شخصيات الكاتب الأمريكي إيستون إيلليس أكثر ممّا يقربه من شخصيات الروائي الفرنسي إميل زولا على سبيل المثال، لأننا نقع على هذا البؤس السيكولوجي أكثر ممّا نقع على أي يأس آخر. لذلك يُشكل الحزن البلشفي، بالنسبة إلى الراوي، نوعا من «مرض» محدد. وهذا العذاب، يحيلنا إلى إغواء الجمال المخزي، إلى البراءة. فمنذ فترة طويلة، كانت هذه المحاولة كامنة عند الراوي، إلا أنها عبر هذه الفرصة السانحة، التي جاءت عن طريق الصُدفة، تمظهرت بمختلف أوجهها.

مع بداية أحد الأسابيع «السوداوية»، في مدينة مدريد، عند الساعة الثامنة صباحا، يقع هذا «البطل المضاد» في زحمة سير خانقة، وفي لحظة من عدم الانتباه، يصطدم غفلة، وبشكل خفيف، بالجزء الخلفي من سيارة مكشوفة كانت تقودها إحدى السيدات. جاءت المعاينة الصاخبة، لتدخله في بحر من الاضطراب، فالسائقة «الهيستيرية» أهانته وشتمته، ليغادر بعدها المكان وهو يشعر بالذل، لدرجة أنه يقرر الانتقام. ليلعب القدر لاحقا دوره في معرفة عنوان هذه المرأة، كما رقم هاتفها، لتتخذ حياته من بعد ذلك منعطفا غير متوقع.

جعلته رغبته في الانتقام يقوم بدور التحري ليكتشف أن لها أختا شابة، اسمها روزانا، تبلغ من العمر خمسة عشر عاما، وهي لا تزال على مقاعد الدراسة الثانوية. كانت شابة جميلة، بل أكثر من رائعة وتثير مئات الرغبات، كما تثير فيه «حشدا من العواطف المتناقضة». فيقع في حبها وغرامها بجنون. هل نحن أمام شخصية جديدة من لوليتا؟ من الواضح أنه لا يسعنا إلا أن نفكر في الكاتب الروسي الشهير فلاديمير نابوكوف وفي روايته «لوليتا». إذ إن قصة هذه الفتاة «الملهمة» تتأرجح حتى النهاية ما بين الكوميديا ​​والمأساة، السخرية والغنائية، الخفة والثقل، السعادة والألم وتقترن بنظرة، بدون تنازلات، على العالم من حولنا.

عند هذه النقطة يتركنا الراوي في حيرة، إذ لا نعرف ما الموقف الذي سيتخذه: هل سيشكل هذا اللقاء، المناسبة التي طالما تمناها وحلم بها كي يحقق انتقامه الذي وعد نفسه به مرارا؟ هل ستكون هذه اللحظة هي المفتاح، حيث ستجد فيه، هذه المرارة المتراكمة عبر السنين الطويلة، أخيرا، الوسيلة للإفلات من معاقلها كي تروي غليلها؟ (مرارة العمل والعلاقات الإنسانية تجاه النساء)، أم ستكون على العكس من ذلك كله، أي ستشكل لحظة خلاص؟

كلّ أهمية الرواية تكمن في هذه الموضوعة المتفردة التي تتشكل منها رواية «حزن البلشفي»، كما في هذا العلاج، الساذج قليلا، لهذا «المرض» الذي يقترحه علينا سيلفا. بيد أن هذا الأخير يمتاز بخاصية خيار التشويق كما بِحَبكِ سطوح الحكاية ببعضها البعض، ما يجعله يربط الأحداث المتداخلة والمتشابكة بشكل حيوي، مضحيا في الوقت عينه، بهذه المحاولة التي تشبه «التصوير الشعاعي» المتدرج لروح بطله مقابل صيغة الجملة التي تلعب الدور الأكبر في التغلغل داخل هذا السر، والكشف عنه.

من هذه النقطة، يقترب الكاتب الإسباني من زميله الروائي الأمريكي كما من الكاتبة جويس كارول واتس، أيّ يندرج ضمن فئة هؤلاء الكتّاب الذين أطلق عليهم اسم «رسامي الدناءة». فلكي يقدم «بطلا محتقرا»، لجأ إلى تشكيل حافز للرواية كي تحفر لها مكانتها؛ لذا يميل سيلفا إلى كتابة هذه «الدناءة» بدقة متناهية، أو لنقل بــ«مينيمالية» تجعلنا حقا، نفهم شيئا حول هذا «المرض» الذي يطرحه الكاتب.

السؤال الآخر الذي نجده أمامنا: من أين جاءت صفة البلشفي لِتَسِمَ هذا المصرفي؟

على الرغم من أنه ليس من هواة الــ«لوليتا»، إلا أنه يحتفظ بصورة لبنات القيصر نيقولاوس الثاني في منزله. كان يشعر بانجذاب خاص إلى الدوقة الكبرى أولغا، وغالبًا ما يتساءل عمّا شعر به البلشفي الذي كُلّف بقتلها. من هنا، يأتي عنوان الرواية من افتتان بطل الرواية ببنات آخر قياصرة روسيا. كان يقارن حزنه الذي تسببه له هذه الفتاة، روزانا، بحزن ذاك «الموجيك» وهو أمام الدوقة الكبرى التي كانت تستعد للزواج والتي أطلق عليها النار في يكاترينبورغ عام 1918. إلا أن الراوي، وفي مواجهة ذكاء روزانا الشديد، وجاذبيتها القوية، بدا ضعيفًا وقد أثبت أنه أسوأ مائة مرة من أي حادث سيارة.

هكذا من العنوان، يعطينا الكاتب النغمة، نغمة السرد المكرر الذي تلعب فيه الشخصية الذكورية بسهولة على المراجع التاريخية والأدبية والموسيقية. تتحول الفتاة الملهمة إلى مأساة، والصفحات الأخيرة المؤثرة تعطي معنى لمقاربة الرجل المنهك الساخر: لقد خسر كل شيء، ولم يندم على شيء.

يمكن أن تكون رواية «حزن البلشفي» رواية كوميدية بدون الطابع الدرامي الذي تكتسبه عندما تصبح مخططات الراوي أكثر تعقيدا. لكن ربما تكمن قوة المؤلف في صورة روزانا، وهي حورية لا مثيل لها من شأنها أن تزعج القراء الأكثر لا مبالاة. فبكل انفصال وروح دعابة وحنان يروي لنا بطل الرواية قصة هذا الحب المجنون الذي سينتهي به الأمر إلى الانفجار مثل القنبلة. لأن هذا الكتاب هو قصة كابوس أيضا: فروزانا، الفتاة الصغيرة، ستموت بغباء في كمين نصبه مدمنون وحشاشون ليلقى اللوم على بطل الرواية في كل شيء.

كأننا أمام كتابين في «حزن البلشفي»؛ القسم الأول منه، مضحك وساخر على الرغم من أنه مبتذل إلى حدّ ما، أما القسم الثاني، فينتهي نهاية درامية.

ثمة روايات نفتحها صُدفة، ولا نستطيع أن نغلقها قبل أن نقرأها بالكامل، «حزن البلشفي» هي إحداها. لكن علينا أن نؤكد: من يبحث عن كتاب مسلّ، تبدو شخصيته الرئيسة، بطلا «مكشوف البصيرة» ومليئا بالتشويق، من دون شك سيجد متعة في القراءة. أما الباحث عن «أدب» فعلي، عميق، فمن الأفضل له أن يدعها تمرّ من أمامه. إذ لا بدّ أن يصيبه «كرب القراءة».

إسكندر حبش كاتب وصحفي من لبنان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلا أن

إقرأ أيضاً:

ما هو صاروخ “بار” الذي استخدمه الاحتلال لأول مرة في غزة؟

#سواليف

أعلن #جيش_الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، استخدام #قذيفة_صاروخية جديدة من طراز ” #بار ” لأول مرة خلال العدوان المستمر على قطاع #غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ونشر جيش الاحتلال مقطع فيديو يوثق عملية الإطلاق، مشيرًا إلى أن صاروخ “بار” أطلق نحو أهداف داخل قطاع غزة، ويعمل وفق نظام توجيه ملائم لساحات القتال المعقدة، وقادر على إصابة الأهداف خلال وقت وجيز للغاية، بحسب ما أفادت به مصادر صحفية.

ويُعد “بار” من الصواريخ قصيرة المدى، وهو نسخة مطورة وأكثر دقة من صاروخ “روماخ”، ويزيد مداه الأقصى عن 35 كيلومترًا، وفق ما عرضته الصحفية سلام خضر في خريطة تفاعلية بثتها قناة الجزيرة.

مقالات ذات صلة “حسام شبات” الذي اغتالته إسرائيل.. لكنه فضحهم إلى الأبد 2025/04/29

ويُطلق هذا الصاروخ الإسرائيلي من قاذفة إسرائيلية الصنع قادرة على حمل نحو 16 صاروخًا تُطلق بشكل متتالٍ.

ووفقًا لجيش الاحتلال، فإن إدخال صاروخ “بار” إلى الخدمة يهدف إلى تحقيق إصابة دقيقة للأهداف خلال فترة زمنية محدودة جدًا بين رصد الهدف واستهدافه. ولم يكشف جيش الاحتلال عن كامل المواصفات العسكرية والميدانية للصاروخ الجديد حتى الآن.

ومن المقرر أن تحل صواريخ “بار” محل صواريخ “روماخ” القديمة التي كانت تُطلق من راجمات الصواريخ المتعددة “إم 270″، وفق المصادر ذاتها.

ويأتي هذا الإعلان بالتزامن مع مواصلة الاحتلال لجرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، حيث استأنفت قواته منذ 18 مارس/آذار الماضي تنفيذ غارات عنيفة استهدفت بشكل رئيسي مدنيين ومنازل وبنايات سكنية وخيام تؤوي نازحين.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال، بدعم أميركي مطلق على المستويين السياسي والعسكري، حربًا غير مسبوقة بحق الفلسطينيين في غزة، مترافقة مع حصار خانق أدخل القطاع في ظروف إنسانية كارثية وغير مسبوقة، وفق ما أفادت به تقارير حقوقية وصحفية.

مقالات مشابهة

  • الدُّب … الذي بكته السماء !
  • واشنطن تتوعد طهران: ستدفعون ثمن دعم الحوثيين في الوقت والمكان الذي نختاره
  • وفاة الكاتب الرياضي محمد الشنيفي
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • الكاتب واليسناريست أحمد فوزي صالح: مسلسل ظلم المصطبة مكتوب من 7 سنوات
  • من هدوء المدينة إلى نار الاشتباكات والطائفية... ما الذي حدث في جرمانا السورية؟
  • المشهد اليمني الذي يشبهُ غزة
  • ما هو صاروخ “بار” الذي استخدمه الاحتلال لأول مرة في غزة؟
  • عندما يرسم الكاتب
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية