لجريدة عمان:
2025-03-03@17:00:16 GMT

نوافذ: الحرب أطول من السلام

تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT

على مرّ التاريخ لم تشهد البشرية سلاما دائما ينعم فيه العالم بالرخاء والطمأنينة؛ فالحرب وآلتها لا تزال هي المهيمنة على المشهد الإنساني في كثير من مفاصل التاريخ القديم والحديث، ويعتقد الكثير من المؤرخين أن فترات الحروب قد تكون هي الأطول على البشرية من فترات السلم استنادا لما شهدته فترات التاريخ الإنساني من أحداث وإن كانت تلك الأحداث غالبا لا تركز أو تدوّن حالات السلم الطويلة لكنها تؤرخ لحالات الحروب والكوارث.

بالرجوع إلى التاريخ ذاته فإن أول الحروب التي شهدتها البشرية كانت بين ابني آدم عليه السلام حينما لم يكن على الأرض سوى ثلة صغيرة من البشر لا يتعدى عددهم أصابع اليد، وكما يبدو من السياقات التاريخية فإن فترات السلام بين الإخوة المتعايشين على الأرض لم تدم طويلا فنشأت بينهم صراعات وحروب أدّت إلى أول جريمة في الإنسانية في سفك الدم البشري عندما قتل الأخ أخاه في حرب لم يكن الرابح فيها سوى الشيطان كما تقول الروايات الدينية التاريخية. ومن تلك اللحظة بدأ مفهوم الحرب يدخل إلى القاموس البشري من أن أي خلاف بين البشر لا يمكن حله إلا بالصراع وقتل المنتصر للمغلوب والاستيلاء على ما يخلفه المغلوب من أراض وسبي وغنائم.

تطورت الحرب بعد ذلك وتعددت أسبابها وأدواتها وطرقها عبر التاريخ، فمن يقرأ في حروب ما قبل التاريخ التي وقعت بين الأمم والممالك التي وصلت إلينا بحكم تواتر الروايات يجدها كثيرة ومختلفة في الأسباب والنتائج والضحايا، وبالمرور السريع على تلك الحروب التي وقعت بين الحضارات القديمة مثل حروب توحيد مصر القديمة وحروب الأسر المصرية القديمة الداخلية والخارجية إلى حروب الإمبراطوريات القديمة اليونانية والرومانية والفارسية والإسلامية نجد أن فترات السلم بين تلك الأمم قد تبدو أقل تماسكا من فترات الحروب والمناوشات والهدن الهشة بين الجيران التي ينزلق كثير منها إلى مهاوي الحروب المعمّرة تعاصرها الأجيال المختلفة عبر تاريخ تلك الدول والممالك. استشهادا وتعزيزا لما قلت سلفا من أن أزمنة الحروب أطول أمدا من أزمنة السلم فإنني أحاول هنا إسقاط ما عاصرت من حروب وكوارث منذ ميلادي في سبعينيات القرن الماضي وفي منطقة جغرافية صغيرة هي المنطقة العربية ومنطقة الخليج، فالسبعينيات من القرن المنصرم شهدت استمرار الحروب العربية ضد إسرائيل على الجبهتين المصرية والسورية والحرب الأهلية اللبنانية والثورة الإيرانية تلتها الحرب العراقية الإيرانية وحربا الخليج الأولى والثانية والحرب الأهلية في اليمن وحرب أفغانستان مرورا بالثورات العربية والربيع العربي وتقاطع كل تلك الحروب مع بقاء واستمرار الصراع العربي الإسرائيلي وما نتج عن كل تلك الحروب من خسائر جسيمة في الأموال والأنفس. وبالرغم من كل تلك الحروب وطول أمدها فإن بعض الدول شهدت استقرارا نسبيا وتنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية عادت بالنفع عليها، غير أن من ينظر إلى الصورة الكبرى في الخريطة العربية تحديدا يجد أن دوائر الحرب الحمراء ازدادت اتساعا على حساب دوائر السلم الخضراء المنكمشة أو المختفية في مناطق الصراعات.

وإن بدت بعض فترات السلم طويلة بين الدول إلا أنها تعد فترات ترقب وترصد بما يمكن تسميته بالحروب الخفية أو الحروب السرية أو الحروب الناعمة والحروب الإلكترونية يمكن أن يثير أوارها حروبا حقيقية تشتعل نيرانها لسنوات طويلة بين فرقاء متخاصمين أو جيران متشاكسين أو أعداء متربصين.

هنالك من يجادل بأن الحروب هي سنّة من سنن الكون ولا بد من تغذية أوارها وسعيرها، وبقاؤها رهن ببقاء البشرية، فالصراع من الفطرة التي خلق بها البشر بينهم وبين ذواتهم وبينهم وبين الآخرين وهذا الصراع لا بد أن يستمر حتى تتجدد الحياة ويتجدد البشر وتتجدد الأرض، فما إن تنتهي الصراعات والحروب فإن الحياة على كوكب الأرض سوف تنتهي، لذلك فإن فترات الصراعات أدوم وأطول من فترات السلام. قد يثبت صحة بعض ما كتبت لكنه ينافي الفطرة الإنسانية السوية التي ترى أن السلم والاستقرار والتعايش أجمل وأفضل للإنسانية والبشرية جمعاء، رغم وجود بعض الغلاة المتطرفين الساعين إلى انتهاك فترات السلم.

عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عمان» أوبزيرفر

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تلک الحروب

إقرأ أيضاً:

المغرب يترأس مجلس السلم والأمن الإفريقي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تولى المغرب، اعتبارًا من اليوم السبت 1 مارس 2025، رئاسة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، في إطار مواصلته لجهوده الهادفة إلى تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية في القارة الإفريقية.

وتعد هذه المرة الرابعة التي يترأس فيها المغرب المجلس بعد دورات فبراير 2024، أكتوبر 2022، وسبتمبر 2019، ما يعكس الثقة المتجددة في الدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس، ودورها الفاعل في دعم القضايا الإفريقية على المستويين الإقليمي والدولي.

ووفقًا لمصادر رسمية، ستسترشد الرئاسة المغربية برؤية ترتكز على الدفع بالعمل الإفريقي المشترك ووضع القضايا ذات الأولوية في صلب الأجندة الإفريقية، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتزايدة التي تواجهها القارة، والتي تفاقمت بسبب الأزمات المناخية والصحية، وانتشار التطرف العنيف.

وخلال فترة رئاسة المغرب، سيعقد مجلس السلم والأمن الإفريقي مشاورات غير رسمية مع بوركينا فاسو، والغابون، وغينيا، ومالي، والنيجر، والسودان، لمناقشة تسريع عودتها إلى الاتحاد الإفريقي، إلى جانب تنظيم اجتماع وزاري حول "الذكاء الاصطناعي وتأثيره على السلم والأمن والحكامة في إفريقيا"، وهي مبادرة مغربية غير مسبوقة داخل المجلس.

وأكد السفير محمد عروشي، الممثل الدائم للمملكة لدى الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية لإفريقيا، أن المغرب يعزز من خلال هذه الرئاسة مكانته كطرف رئيسي في تعزيز السلم والأمن والتنمية المستدامة في إفريقيا، مشددًا على أهمية الحوار، وحسن الجوار، واحترام سيادة الدول، والعمل على تحقيق مستقبل أكثر استقرارًا للقارة.

مقالات مشابهة

  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • كم عدد الطيور التي أمر الله إبراهيم بتوزيعها على الجبل؟
  • الكرملين: بيان قمة لندن لا يهدف لتسوية الحرب الروسية الأوكرانية
  • أوربان: القادة الأوروبيون قرروا في لندن مواصلة الحرب بأوكرانيا
  • لافروف: واشنطن ترغب في إنهاء الحرب لكن أوروبا تسعى لاستمرارها
  • مؤتمر في نادي الشقيف - النبطية حول دور ريادة الاعمال في اعادة بناء المجتمعات بعد الحروب
  • الجبايات الحوثية في اليمن .. مشروع لثراء المليشيا وتمويل لتغذية الحروب
  • بروتون بيرسونا 2012 فبريكا أوتوماتيك .. بأقل سعر للمستعمل
  • المغرب يترأس مجلس السلم والأمن الإفريقي
  • لتلطيف الأجواء.. زيلينسكي: المساعدات الأمريكية كانت حاسمة لصمود أوكرانيا