لجريدة عمان:
2024-10-01@21:55:36 GMT

نوافذ: الحرب أطول من السلام

تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT

على مرّ التاريخ لم تشهد البشرية سلاما دائما ينعم فيه العالم بالرخاء والطمأنينة؛ فالحرب وآلتها لا تزال هي المهيمنة على المشهد الإنساني في كثير من مفاصل التاريخ القديم والحديث، ويعتقد الكثير من المؤرخين أن فترات الحروب قد تكون هي الأطول على البشرية من فترات السلم استنادا لما شهدته فترات التاريخ الإنساني من أحداث وإن كانت تلك الأحداث غالبا لا تركز أو تدوّن حالات السلم الطويلة لكنها تؤرخ لحالات الحروب والكوارث.

بالرجوع إلى التاريخ ذاته فإن أول الحروب التي شهدتها البشرية كانت بين ابني آدم عليه السلام حينما لم يكن على الأرض سوى ثلة صغيرة من البشر لا يتعدى عددهم أصابع اليد، وكما يبدو من السياقات التاريخية فإن فترات السلام بين الإخوة المتعايشين على الأرض لم تدم طويلا فنشأت بينهم صراعات وحروب أدّت إلى أول جريمة في الإنسانية في سفك الدم البشري عندما قتل الأخ أخاه في حرب لم يكن الرابح فيها سوى الشيطان كما تقول الروايات الدينية التاريخية. ومن تلك اللحظة بدأ مفهوم الحرب يدخل إلى القاموس البشري من أن أي خلاف بين البشر لا يمكن حله إلا بالصراع وقتل المنتصر للمغلوب والاستيلاء على ما يخلفه المغلوب من أراض وسبي وغنائم.

تطورت الحرب بعد ذلك وتعددت أسبابها وأدواتها وطرقها عبر التاريخ، فمن يقرأ في حروب ما قبل التاريخ التي وقعت بين الأمم والممالك التي وصلت إلينا بحكم تواتر الروايات يجدها كثيرة ومختلفة في الأسباب والنتائج والضحايا، وبالمرور السريع على تلك الحروب التي وقعت بين الحضارات القديمة مثل حروب توحيد مصر القديمة وحروب الأسر المصرية القديمة الداخلية والخارجية إلى حروب الإمبراطوريات القديمة اليونانية والرومانية والفارسية والإسلامية نجد أن فترات السلم بين تلك الأمم قد تبدو أقل تماسكا من فترات الحروب والمناوشات والهدن الهشة بين الجيران التي ينزلق كثير منها إلى مهاوي الحروب المعمّرة تعاصرها الأجيال المختلفة عبر تاريخ تلك الدول والممالك. استشهادا وتعزيزا لما قلت سلفا من أن أزمنة الحروب أطول أمدا من أزمنة السلم فإنني أحاول هنا إسقاط ما عاصرت من حروب وكوارث منذ ميلادي في سبعينيات القرن الماضي وفي منطقة جغرافية صغيرة هي المنطقة العربية ومنطقة الخليج، فالسبعينيات من القرن المنصرم شهدت استمرار الحروب العربية ضد إسرائيل على الجبهتين المصرية والسورية والحرب الأهلية اللبنانية والثورة الإيرانية تلتها الحرب العراقية الإيرانية وحربا الخليج الأولى والثانية والحرب الأهلية في اليمن وحرب أفغانستان مرورا بالثورات العربية والربيع العربي وتقاطع كل تلك الحروب مع بقاء واستمرار الصراع العربي الإسرائيلي وما نتج عن كل تلك الحروب من خسائر جسيمة في الأموال والأنفس. وبالرغم من كل تلك الحروب وطول أمدها فإن بعض الدول شهدت استقرارا نسبيا وتنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية عادت بالنفع عليها، غير أن من ينظر إلى الصورة الكبرى في الخريطة العربية تحديدا يجد أن دوائر الحرب الحمراء ازدادت اتساعا على حساب دوائر السلم الخضراء المنكمشة أو المختفية في مناطق الصراعات.

وإن بدت بعض فترات السلم طويلة بين الدول إلا أنها تعد فترات ترقب وترصد بما يمكن تسميته بالحروب الخفية أو الحروب السرية أو الحروب الناعمة والحروب الإلكترونية يمكن أن يثير أوارها حروبا حقيقية تشتعل نيرانها لسنوات طويلة بين فرقاء متخاصمين أو جيران متشاكسين أو أعداء متربصين.

هنالك من يجادل بأن الحروب هي سنّة من سنن الكون ولا بد من تغذية أوارها وسعيرها، وبقاؤها رهن ببقاء البشرية، فالصراع من الفطرة التي خلق بها البشر بينهم وبين ذواتهم وبينهم وبين الآخرين وهذا الصراع لا بد أن يستمر حتى تتجدد الحياة ويتجدد البشر وتتجدد الأرض، فما إن تنتهي الصراعات والحروب فإن الحياة على كوكب الأرض سوف تنتهي، لذلك فإن فترات الصراعات أدوم وأطول من فترات السلام. قد يثبت صحة بعض ما كتبت لكنه ينافي الفطرة الإنسانية السوية التي ترى أن السلم والاستقرار والتعايش أجمل وأفضل للإنسانية والبشرية جمعاء، رغم وجود بعض الغلاة المتطرفين الساعين إلى انتهاك فترات السلم.

عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عمان» أوبزيرفر

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تلک الحروب

إقرأ أيضاً:

وجه الحرب

بقلم: دانيال حنفي
القاهرة (زمان التركية)- كيف يكون داعية الحرب وشريك المعتدي وسيلة أو هاديًا أو رسولًا إلى السلام؟ إذا، للسلام أكثر من مفهوم لدى البعض. وهذا البعض يخالف المجموع إلى ما يحب ويهوى من المفاهيم التي صاغها هو ومساعدوه خصيصًا ووفقًا لمقاسات ومعايير تلك المفاهيم الخاصة من حيث الشكل والقوام. وإذا، فمن المؤكد أن السلام المطلوب يحقق ويلبى أهداف اليد العليا التي تساعد بالسلاح والدعم السياسي والاقتصادي طرفًا تجاوز الحدود كلها قولًا وقتلًا -علانيةً وسرًّا- ولم يعبأ حتى بالأطفال والنساء ولا بالمرضى والعجزة وقتلهم جميعًا بالرصاص والجوع والحصار باسم الدفاع عن النفس.

ورغم فقد الرجل كثيرًا من صحته ومن قدرته على تمييز من وما حوله جهارًا نهارًا، إلا أنه يظل في مقعده كصنم عتيق، ويظل على تمسكه بدعم الاعتداء والقتل الآخذ في الاتساع بسرعة كبيرة ومتصلة.

أو بالأصح يظل الرجل وجه حرب لأولئك القابعين خلفه الطامعين في حصد المزيد من الثروات والأموال والمصالح والنفوذ ولو مات من مات ومسحت مدن كاملة بمن فيها. فلا التدين، أو نصرة دين ما، أو حتى مزاعم القومية الممجوجة تبرر التأييد العمى للمذابح التي يستهجنها العالم اليوم، تمامًا مثلما يرفضها العلم وبنكرها كل يوم في مواجهة دول أخرها ارتكبتها منذ عشرات السنين ضد دول معادية في ذلك الحين.

ولكن المصالح الجسام والمكاسب الهائلة تخلق كل الأسباب للإنسان الطماع الذي لا يمانع في أن يصبح وجها قبيحًا ملطخًا بالدماء وبكل عبارات الإدانة البالغة للأنانية الإنسانية والحزبية. كيف يمكن لوجه الحرب أن يظهر على الناس كل يوم داعيًا إلى السلام وإلى الحوار وإلى الدبلوماسية، بينما هو يغذى المعتدي بكل الأسلحة الفتاكة والمعلومات والخبراء والدعم -حتى المعنى منه- بينما يرشق الآخرين بتهم الإرهاب جميعًا؟ الموارد تحكم، والقوة تحكم، والاحتياج يكبل الأيدي والأرجل وحتى الألسنة قبل الأيدي والأرجل، ويترك أناسًا كثيرين كأنهم أعجاز نخل خاوية أو خيلات مآتة على رؤوس الغيطان حفظتها الطيور ولم تعد تأبه لوجودها. وقوة السلاح تعلن بطشها وقدرتها على محو القرى والمدن في ساعات قليلة والعودة بالمجتمعات الضعيفة خاصة الى حقب سابقة.

والشعوب التي لم ترب على الانضباط الذاتي وكثرة العمل واتقان العمل والمثابرة والتخطيط الجيد لكل شيء تجد نفسها في أرجوحة الظروف وغير مسلحة إلا ببعض الدعاء لعلها تنجو من الهم والغم إلى شاطئ ما لا يعرف كنهه أحد. تمامًا كما في أفلام المغامرات اللذيذة الإثارة في المقاعد الوثيرة.
إن انتصار سياسة الرجل “وجه الحرب” أو خليفته التي تدعمه في غيبوبته ربما يمثل كارثة كبيرة على العالم، لأن مساندة الظالمين ظلام يستدعى أشياء كثيرة ليس من بينها الحبور ولا السلام .

 

Tags: الانضباط الذاتيالحروب

مقالات مشابهة

  • توكل كرمان من لاهاي أمام تجمع عالمي: العالم يواجه الآن خطراً خطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية
  • نهاية الحروب القصيرة.. هل أدخلت إسرائيل الشرق الأوسط في حرب بلا نهاية؟
  • على ضوء التاريخ: نصر الله بين الجدل والإرث المقاوم
  • حاتم السر: القصة الكاملة والرواية الحقيقية للحرب لم تحكى بعد!!
  • «حل سلمي» للسودان… «أولوية مصرية» خلال رئاسة «الأمن الأفريقي» .. وفد من المجلس يزور بورتسودان للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب
  • الوزير صباغ: استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية منذ 1967 بما فيها الجولان السوري وارتكابه جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب لا يزال شاهداً ماثلاً على إخفاق الأمم المتحدة في إنهاء هذا الاحتلال العنصري التوسعي ويمثل دليلاً دامغاً على منع الولايات
  • مصر تتولى رئاسة مجلس السلم والأمن الأفريقي خلال شهر أكتوبر 2024
  • البابا تواضروس يبعث رسالة إنسانية مؤثرة حول أحداث المنطقة
  • البابا تواضروس الثاني يستقبل الأنبا باڤلوس أسقف اليونان
  • وجه الحرب