لجريدة عمان:
2025-04-26@04:55:00 GMT

نوافذ: الحرب أطول من السلام

تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT

على مرّ التاريخ لم تشهد البشرية سلاما دائما ينعم فيه العالم بالرخاء والطمأنينة؛ فالحرب وآلتها لا تزال هي المهيمنة على المشهد الإنساني في كثير من مفاصل التاريخ القديم والحديث، ويعتقد الكثير من المؤرخين أن فترات الحروب قد تكون هي الأطول على البشرية من فترات السلم استنادا لما شهدته فترات التاريخ الإنساني من أحداث وإن كانت تلك الأحداث غالبا لا تركز أو تدوّن حالات السلم الطويلة لكنها تؤرخ لحالات الحروب والكوارث.

بالرجوع إلى التاريخ ذاته فإن أول الحروب التي شهدتها البشرية كانت بين ابني آدم عليه السلام حينما لم يكن على الأرض سوى ثلة صغيرة من البشر لا يتعدى عددهم أصابع اليد، وكما يبدو من السياقات التاريخية فإن فترات السلام بين الإخوة المتعايشين على الأرض لم تدم طويلا فنشأت بينهم صراعات وحروب أدّت إلى أول جريمة في الإنسانية في سفك الدم البشري عندما قتل الأخ أخاه في حرب لم يكن الرابح فيها سوى الشيطان كما تقول الروايات الدينية التاريخية. ومن تلك اللحظة بدأ مفهوم الحرب يدخل إلى القاموس البشري من أن أي خلاف بين البشر لا يمكن حله إلا بالصراع وقتل المنتصر للمغلوب والاستيلاء على ما يخلفه المغلوب من أراض وسبي وغنائم.

تطورت الحرب بعد ذلك وتعددت أسبابها وأدواتها وطرقها عبر التاريخ، فمن يقرأ في حروب ما قبل التاريخ التي وقعت بين الأمم والممالك التي وصلت إلينا بحكم تواتر الروايات يجدها كثيرة ومختلفة في الأسباب والنتائج والضحايا، وبالمرور السريع على تلك الحروب التي وقعت بين الحضارات القديمة مثل حروب توحيد مصر القديمة وحروب الأسر المصرية القديمة الداخلية والخارجية إلى حروب الإمبراطوريات القديمة اليونانية والرومانية والفارسية والإسلامية نجد أن فترات السلم بين تلك الأمم قد تبدو أقل تماسكا من فترات الحروب والمناوشات والهدن الهشة بين الجيران التي ينزلق كثير منها إلى مهاوي الحروب المعمّرة تعاصرها الأجيال المختلفة عبر تاريخ تلك الدول والممالك. استشهادا وتعزيزا لما قلت سلفا من أن أزمنة الحروب أطول أمدا من أزمنة السلم فإنني أحاول هنا إسقاط ما عاصرت من حروب وكوارث منذ ميلادي في سبعينيات القرن الماضي وفي منطقة جغرافية صغيرة هي المنطقة العربية ومنطقة الخليج، فالسبعينيات من القرن المنصرم شهدت استمرار الحروب العربية ضد إسرائيل على الجبهتين المصرية والسورية والحرب الأهلية اللبنانية والثورة الإيرانية تلتها الحرب العراقية الإيرانية وحربا الخليج الأولى والثانية والحرب الأهلية في اليمن وحرب أفغانستان مرورا بالثورات العربية والربيع العربي وتقاطع كل تلك الحروب مع بقاء واستمرار الصراع العربي الإسرائيلي وما نتج عن كل تلك الحروب من خسائر جسيمة في الأموال والأنفس. وبالرغم من كل تلك الحروب وطول أمدها فإن بعض الدول شهدت استقرارا نسبيا وتنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية عادت بالنفع عليها، غير أن من ينظر إلى الصورة الكبرى في الخريطة العربية تحديدا يجد أن دوائر الحرب الحمراء ازدادت اتساعا على حساب دوائر السلم الخضراء المنكمشة أو المختفية في مناطق الصراعات.

وإن بدت بعض فترات السلم طويلة بين الدول إلا أنها تعد فترات ترقب وترصد بما يمكن تسميته بالحروب الخفية أو الحروب السرية أو الحروب الناعمة والحروب الإلكترونية يمكن أن يثير أوارها حروبا حقيقية تشتعل نيرانها لسنوات طويلة بين فرقاء متخاصمين أو جيران متشاكسين أو أعداء متربصين.

هنالك من يجادل بأن الحروب هي سنّة من سنن الكون ولا بد من تغذية أوارها وسعيرها، وبقاؤها رهن ببقاء البشرية، فالصراع من الفطرة التي خلق بها البشر بينهم وبين ذواتهم وبينهم وبين الآخرين وهذا الصراع لا بد أن يستمر حتى تتجدد الحياة ويتجدد البشر وتتجدد الأرض، فما إن تنتهي الصراعات والحروب فإن الحياة على كوكب الأرض سوف تنتهي، لذلك فإن فترات الصراعات أدوم وأطول من فترات السلام. قد يثبت صحة بعض ما كتبت لكنه ينافي الفطرة الإنسانية السوية التي ترى أن السلم والاستقرار والتعايش أجمل وأفضل للإنسانية والبشرية جمعاء، رغم وجود بعض الغلاة المتطرفين الساعين إلى انتهاك فترات السلم.

عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عمان» أوبزيرفر

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تلک الحروب

إقرأ أيضاً:

الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية

خاص سودانايل: دخلت الحرب السودانية اللعينة والبشعة عامها الثالث ولا زالت مستمرة ولا توجد أي إشارة لقرب انتهاءها فكل طرف يصر على أن يحسم الصراع لصالحه عبر فوهة البندقية ، مات أكثر من مائة ألف من المدنيين ومثلهم من العسكريين وأصيب مئات الالاف بجروح بعضها خطير وفقد معظم المصابين أطرافهم ولم يسلم منها سوداني فمن لم يفقد روحه فقد أعزً الاقرباء والأصدقاء وكل ممتلكاته ومقتنياته وفر الملايين بين لاجئ في دول الجوار ونازح داخل السودان، والاسوأ من ذلك دفع الالاف من النساء والاطفال أجسادهم ثمنا لهذه الحرب اللعينة حيث امتهنت كرامتهم واصبح الاغتصاب احدى وسائل الحرب القذرة.

خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية:

بالطبع كان الصحفيون السودانيون هم أكثر من دفع الثمن قتلا وتشريدا وفقدا لأعمالهم حيث رصدت 514 حالة انتهاك بحق الصحفيين وقتل 21 صحفي وصحفية في مختلف أنحاء السودان اغلبهن داخل الخرطوم وقتل (5) منهم في ولايات دارفور بعضهم اثاء ممارسة المهنة ولقى 4 منهم حتفهم في معتقلات قوات الدعم السريع، معظم الانتهاكات كانت تتم في مناطق سيطرتهم، كما فقد أكثر من (90%) من منتسبي الصحافة عملهم نتيجة للتدمير شبه الكامل الذي الذي طال تلك المؤسسات الإعلاميّة من صحف ومطابع، وإذاعات، وقنوات فضائية وضياع أرشيف قيم لا يمكن تعويضه إلى جانب أن سلطات الأمر الواقع من طرفي النزاع قامت بالسيطرة على هذه المؤسسات الاعلامية واضطرتها  للعمل في ظروفٍ أمنية، وسياسية، بالغة التعقيد ، وشهد العام الماضي وحده (28) حالة تهديد، (11) منها لصحفيات ، وتعرض العديد من الصحفيين للضرب والتعذيب والاعتقالات جريرتهم الوحيدة هي أنهم صحفيون ويمارسون مهنتهم وقد تم رصد (40) حالة اخفاء قسري واعتقال واحتجاز لصحفيين من بينهم (6) صحفيات ليبلغ العدد الكلي لحالات الاخفاء والاعتقال والاحتجاز منذ اندلاع الحرب إلى (69) من بينهم (13) صحفية، وذلك حسب ما ذكرته نقابة الصحفيين في بيانها الصادر بتاريخ 15 أبريل 2025م بمناسبة مرور عامين على اندلاع الحرب.

هجرة الاعلاميين إلى الخارج:

وتحت هذه الظروف اضطر معظم الصحفيين إلى النزوح إلى بعض مناطق السودان الآمنة داخل السودان منهم من ترك مهنة الصحافة ولجأ إلى ممارسة مهن أخرى، والبعض الاخر غادر إلى خارج السودان إلى دول السودان حيث اختار معظمهم اللجوء الى القاهرة ويوغندا وكينيا أو اللجوء حيث يمكنهم من ممارسة أعمالهم الصحفية هناك ولكن أيضا بشروط تلك الدول، بعض الصحفيين الذين لجأوا إلى الخارج يعيشون أوضاع معيشية وانسانية صعبة.

انتشار خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة والمضّللة

ونتيجة لغياب دور الصحافة المسئولة والمهنية المحايدة عمل كل طرف من أطراف النزاع على نشر الأخبار والمعلومات الكاذبة والمضللة وتغييب الحقيقة حيث برزت وجوه جديدة لا علاقة لها بالمهنية والمهنة تتبع لطرفي الصراع فرضت نفسها وعملت على تغذية خطاب الكراهية والعنصرية والقبلية خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجدت الدعم والحماية من قبل طرفي الصراع وهي في مأمن من المساءلة القانونية مما جعلها تمعن في رسالتها الاعلامية النتنة وبكل أسف تجد هذه العناصر المتابعة من الالاف مما ساعد في انتشار خطابات الكراهيّة ورجوع العديد من أفراد المجتمع إلى القبيلة والعشيرة، الشئ الذي ينذر بتفكك المجتمع وضياعه.

منتدى الإعلام السوداني ونقابة الصحفيين والدور المنتظر منهم:

ولكل تلك الاسباب التي ذكرناها سابقا ولكي يلعب الاعلام الدور المناط به في التنوير وتطوير قطاع الصحافة والاعلام والدفاع عن حرية الصحافة والتعبير ونشر وتعزيز قيم السلام والمصالحة وحقوق الانسان والديمقراطية والعمل على وقف الحرب تم تأسيس (منتدى الاعلام السوداني) في فبراير 2024م وهو تحالف يضم نخبة من المؤسسات والمنظمات الصحفية والاعلامية  المستقلة في السودان، وبدأ المنتدى نشاطه الرسمي في ابريل 2004م وقد لعب المنتدى دورا هاما ومؤثرا من خلال غرفة التحرير المشتركة وذلك بالنشر المتزامن على كافة المنصات حول قضايا الحرب والسلام وما يترتب عليهما من انتهاكات إلى جانب التقاير والأخبار التي تصدر من جميع أعضائه.

طالب المنتدى طرفي النزاع بوقف القتال فورا ودون شروط، وتحكيم صوت الحكمة والعقل، وتوفير الحماية للمدنيين دون استثناء في كافة أنحاء السودان، كما طالب طرفي الصراع بصون كرامة المواطن وحقوقه الأساسية، وضمان الحريات الديمقراطية، وفي مقدمتها حرية الصحافة والتعبير، وأدان المنتدى التدخل الخارجي السلبي في الشأن السوداني، مما أدى إلى تغذية الصراع وإطالة أمد الحرب وناشد المنتدى الاطراف الخارجية بترك السودانيين يقرروا مصيرهم بأنفسهم.

وفي ذلك خاطب المنتدى المجتمع الدولي والاقليمي بضرورة تقديم الدعم اللازم والمستدام لمؤسسات المجتمع المدني السوداني، خاصة المؤسسات الاعلامية المستقلة لكي تقوم بدورها المناط بها في التنوير ورصد الانتهاكات، والدفاع عن الحريات العامة، والتنديد بجرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين، والمساهمة في جهود تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية.

وكذلك لعبت نقابة الصحفيين السودانيين دورا هاما أيضا في رصد الانتهاكات التي طالت الصحفيين والمواطنين حيث أصدرت النقابة 14 تقريرًا يوثق انتهاكات الصحفيين في البلاد.

وقد وثّقت سكرتارية الحريات بنقابة الصحفيين خلال العام الماضي 110 حالة انتهاك ضد الصحفيين، فيما بلغ إجمالي الانتهاكات المسجلة منذ اندلاع النزاع في السودان نحو 520 حالة، من بينها 77 حالة تهديد موثقة، استهدفت 32 صحفية.

وأوضحت النقابة أنها تواجه صعوبات كبيرة في التواصل مع الصحفيين العاملين في المناطق المختلفة بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة وانقطاع الاتصالات وشبكة الانترنت.

وطالبت نقابة الصحفيين جميع المنظمات المدافعة عن حرية الصحافة والتعبير، والمنظمات الحقوقية، وعلى رأسها لجنة حماية الصحفيين، باتخاذ إجراءات عاجلة لضمان أمن وسلامة الصحفيين السودانيين، ووقف حملات التحريض الممنهجة التي تشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية التي تكفل حماية الصحفيين في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة.

خطورة ممارسة مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات

أصبح من الخطورة بمكان أن تمارس مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات فقد تعرض كثير من الصحفيين والصحفيات لمتاعب جمة وصلت لحد القتل والتعذيب والاعتقالات بتهم التجسس والتخابر فالهوية الصحفية أصبحت مثار شك ولها تبعاتها بل أصبح معظم الصحفيين تحت رقابة الاجهرة الامنية وينظر إليهم بعين الريبة والشك من قبل الاطراف المتنازعة تهمتهم الوحيدة هي البحث عن الحقيقة ونقلها إلى العالم، ولم تسلم أمتعتهم ومنازلهم من التفتيش ونهب ومصادرة  ممتلكاتهم خاصة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع.  

مقالات مشابهة

  • الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
  • العمى والسرطان| كيف يؤثر غاز الخردل على الصحة؟.. وطريقة استخدامه في الحروب
  • أحمد سعد الدين: الأغنية والسينما جسّدتا بطولات الحروب.. وعلينا توثيق التاريخ للأجيال القادمة
  • السودان والإمارات.. هل تغير “دولة ممزقة” تاريخ الحروب؟
  • الرئيس السيسي: التاريخ شاهد على دور الوساطة الأمريكية في السلام بين مصر وإسرائيل كنموذج يحتذى به
  • السيسي: استمرار الحرب في غزة مأساة إنسانية مشينة ستظل محفورة في التاريخ
  • الرئيس السيسي: مصر تقف كما عهدها التاريخ سدا منيعا أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية
  • هاني رمزي: «لام شمسية» من أعظم الأعمال الدرامية التي قدمت على مدار التاريخ
  • فضيحة نفق رفح تذكّر بحروب اندلعت من خلال أكاذيب.. تعرف عليها
  • إسطنبول: المدينة التي حملت أكثر من 135 اسمًا عبر التاريخ