نوافذ: الحرب أطول من السلام
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
على مرّ التاريخ لم تشهد البشرية سلاما دائما ينعم فيه العالم بالرخاء والطمأنينة؛ فالحرب وآلتها لا تزال هي المهيمنة على المشهد الإنساني في كثير من مفاصل التاريخ القديم والحديث، ويعتقد الكثير من المؤرخين أن فترات الحروب قد تكون هي الأطول على البشرية من فترات السلم استنادا لما شهدته فترات التاريخ الإنساني من أحداث وإن كانت تلك الأحداث غالبا لا تركز أو تدوّن حالات السلم الطويلة لكنها تؤرخ لحالات الحروب والكوارث.
بالرجوع إلى التاريخ ذاته فإن أول الحروب التي شهدتها البشرية كانت بين ابني آدم عليه السلام حينما لم يكن على الأرض سوى ثلة صغيرة من البشر لا يتعدى عددهم أصابع اليد، وكما يبدو من السياقات التاريخية فإن فترات السلام بين الإخوة المتعايشين على الأرض لم تدم طويلا فنشأت بينهم صراعات وحروب أدّت إلى أول جريمة في الإنسانية في سفك الدم البشري عندما قتل الأخ أخاه في حرب لم يكن الرابح فيها سوى الشيطان كما تقول الروايات الدينية التاريخية. ومن تلك اللحظة بدأ مفهوم الحرب يدخل إلى القاموس البشري من أن أي خلاف بين البشر لا يمكن حله إلا بالصراع وقتل المنتصر للمغلوب والاستيلاء على ما يخلفه المغلوب من أراض وسبي وغنائم.
تطورت الحرب بعد ذلك وتعددت أسبابها وأدواتها وطرقها عبر التاريخ، فمن يقرأ في حروب ما قبل التاريخ التي وقعت بين الأمم والممالك التي وصلت إلينا بحكم تواتر الروايات يجدها كثيرة ومختلفة في الأسباب والنتائج والضحايا، وبالمرور السريع على تلك الحروب التي وقعت بين الحضارات القديمة مثل حروب توحيد مصر القديمة وحروب الأسر المصرية القديمة الداخلية والخارجية إلى حروب الإمبراطوريات القديمة اليونانية والرومانية والفارسية والإسلامية نجد أن فترات السلم بين تلك الأمم قد تبدو أقل تماسكا من فترات الحروب والمناوشات والهدن الهشة بين الجيران التي ينزلق كثير منها إلى مهاوي الحروب المعمّرة تعاصرها الأجيال المختلفة عبر تاريخ تلك الدول والممالك. استشهادا وتعزيزا لما قلت سلفا من أن أزمنة الحروب أطول أمدا من أزمنة السلم فإنني أحاول هنا إسقاط ما عاصرت من حروب وكوارث منذ ميلادي في سبعينيات القرن الماضي وفي منطقة جغرافية صغيرة هي المنطقة العربية ومنطقة الخليج، فالسبعينيات من القرن المنصرم شهدت استمرار الحروب العربية ضد إسرائيل على الجبهتين المصرية والسورية والحرب الأهلية اللبنانية والثورة الإيرانية تلتها الحرب العراقية الإيرانية وحربا الخليج الأولى والثانية والحرب الأهلية في اليمن وحرب أفغانستان مرورا بالثورات العربية والربيع العربي وتقاطع كل تلك الحروب مع بقاء واستمرار الصراع العربي الإسرائيلي وما نتج عن كل تلك الحروب من خسائر جسيمة في الأموال والأنفس. وبالرغم من كل تلك الحروب وطول أمدها فإن بعض الدول شهدت استقرارا نسبيا وتنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية عادت بالنفع عليها، غير أن من ينظر إلى الصورة الكبرى في الخريطة العربية تحديدا يجد أن دوائر الحرب الحمراء ازدادت اتساعا على حساب دوائر السلم الخضراء المنكمشة أو المختفية في مناطق الصراعات.
وإن بدت بعض فترات السلم طويلة بين الدول إلا أنها تعد فترات ترقب وترصد بما يمكن تسميته بالحروب الخفية أو الحروب السرية أو الحروب الناعمة والحروب الإلكترونية يمكن أن يثير أوارها حروبا حقيقية تشتعل نيرانها لسنوات طويلة بين فرقاء متخاصمين أو جيران متشاكسين أو أعداء متربصين.
هنالك من يجادل بأن الحروب هي سنّة من سنن الكون ولا بد من تغذية أوارها وسعيرها، وبقاؤها رهن ببقاء البشرية، فالصراع من الفطرة التي خلق بها البشر بينهم وبين ذواتهم وبينهم وبين الآخرين وهذا الصراع لا بد أن يستمر حتى تتجدد الحياة ويتجدد البشر وتتجدد الأرض، فما إن تنتهي الصراعات والحروب فإن الحياة على كوكب الأرض سوف تنتهي، لذلك فإن فترات الصراعات أدوم وأطول من فترات السلام. قد يثبت صحة بعض ما كتبت لكنه ينافي الفطرة الإنسانية السوية التي ترى أن السلم والاستقرار والتعايش أجمل وأفضل للإنسانية والبشرية جمعاء، رغم وجود بعض الغلاة المتطرفين الساعين إلى انتهاك فترات السلم.
عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عمان» أوبزيرفر
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تلک الحروب
إقرأ أيضاً:
دراسة حديثة تكشف تأثير الحروب على الحمض النووي للأطفال
خلصت دراسة جديدة إلى أن الأطفال الذين يعيشون في بلدان تمزقها الحروب لا يعانون فقط من مشكلات في الصحة النفسية بل من المحتمل أيضا أن يتعرضوا لتغيرات بيولوجية في الحمض النووي "دي.إن.إيه" يمكن أن تستمر آثارها الصحية مدى الحياة.
وأجرى الباحثون تحليلات للحمض النووي لعينات لعاب تم جمعها من 1507 لاجئين سوريين تتراوح أعمارهم بين 6 و19 عاما يعيشون في تجمعات سكنية عشوائية في لبنان، وراجعوا أيضا استبيانات أجريت للأطفال والقائمين على رعايتهم شملت أسئلة عن تعرض الطفل لأحداث مرتبطة بالحرب.
وظهرت في عينات الأطفال الذين تعرضوا لأحداث الحرب تغيرات متعددة في مثيلة الحمض النووي، وهي عملية تفاعل كيميائي تؤدي إلى تشغيل جينات أو تعطيلها.
وقال الباحثون إن بعض هذه التغيرات ارتبطت بالجينات المشاركة في وظائف حيوية مثل التواصل بين الخلايا العصبية ونقل المواد داخل الخلايا.
وقال الباحثون إن هذه التغيرات لم تُرصد لدى من تعرضوا لصدمات أخرى، مثل الفقر أو التنمر، مما يشير إلى أن الحرب قد تؤدي إلى رد فعل بيولوجي فريد من نوعه.
وعلى الرغم من تأثر الأطفال من الذكور والإناث على حد سواء، ظهرت في عينات الإناث تأثيرات بيولوجية أكبر، مما يشير إلى أنهن قد يكن أكثر عرضة لخطر التأثيرات طويلة الأمد للصدمة على مستوى الجزيئات.
وقال مايكل بلوس، رئيس الفريق الذي أعد الدراسة في جامعة سري في المملكة المتحدة، في بيان: "من المعروف أن للحرب تأثيرا سلبيا على الصحة النفسية للأطفال، إلا أن دراستنا خلصت إلى أدلة على الآليات البيولوجية الكامنة وراء هذا التأثير".
وأشار بلوس أيضا إلى أن التعبير الجيني، وهو عملية منظمة تسمح للخلية بالاستجابة لبيئتها المتغيرة، لدى الأطفال الذين تعرضوا للحرب لا يتماشى مع ما هو متوقع لفئاتهم العمرية، وقال "قد يعني هذا أن الحرب قد تؤثر على نموهم".
وعلى الرغم من محاولات الباحثين لرصد تأثيرات مدى شدة التعرض للحرب، خلصوا في تقرير نُشر يوم الأربعاء في مجلة جاما للطب النفسي إلى أن "من المرجح أن هذا النهج لا يقدر تماما تعقيدات الحرب" أو تأثير أحداث الحرب المتكررة على الأطفال.
وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" إلى أن نحو 400 مليون طفل على مستوى العالم يعيشون في مناطق صراع أو فروا منها.